جودت طاشان
الحوار المتمدن-العدد: 4184 - 2013 / 8 / 14 - 22:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُعرّف جان جاك روسو المواطنة في كتابه -العقد الأجتماعي- بانها " الانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة" وينتقدها ساخراً جورج برناردشو في جريدة العالم الصادرة منتصف نوفمبر 1893 بـ " هي أعتقادك بأن بلدك أسمى من باقي البلدان فقط لأنك ولدت فيه". وحينما نأتي إلى تعريف المواطَنة الدقيق، نجده عبارة عن عضوية الفرد التامة والمسؤولة في الدولة، ويترتب على ذلك مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الطرفين -الدولة والفرد- نسميها الحقوق والواجبات، ويرجع أصل استعمال مفهوم المواطنة من الناحية التاريخية إلى الحضارتين اليونانية والرومانية، فقد استعملت الألفاظ -civis مواطن civitash مواطنة - للدلالة على وضعية قانونية للفرد في أثينا أو في روما، بمعنى أن المواطَنة عبارة عن علاقة اشتراك في المغنم والمغرم، وأن تصبح في هذا البلد ومن أهله، وتعتبر نفسك من ضمنهم، وتواجه معهم الصعاب، وتعيش معهم أيام الرغد والأمان. يترتب على الفرد المتمتع بالمواطنة في الدولة سلسلة من الحقوق والواجبات التي ترتكز على أربع اعمدة محورية هي: حق المساواة، حق الحرية، حق المشاركة و اخيراً المسؤولية الاجتماعية.
فالمواطن له حقوق إنسانية يجب أن تُقدم إليه أولاً من قبل بلده وهو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها تجاهه.
بمقدور اي دولة أن تصبح وطناً فقط عندما يشعر سكانها وحملة جنسيتها بالمواطنة. والشعور بالمواطنة هو من يدفع المجتمع الى العمل من أجل رفعة تلك الدولة والفخر بها والحفاظ على صورتها على مختلف الأصعدة أبتداءاً من الحفاظ على نظافة شوارعها و أنتهاءاً الى الدفاع عن حدودها. فليس بأستطاعة الخرائط المرسومة من فسيفساء طوائف مجتمع الدولة ولا صور تضاريس تلك الدولة من جبال أو أنهار ولا حتى صور الأطعمة والأكلات المشهورة في تلك الدولة ..ليس بمقدور كل هذا أن يجعل أبناء تلك الدولة يشعرون بأنتمائهم للوطن وتحديد هويتهم الوطنية فيما اذا غابت أحد الاركان الاساسية للمواطنة أو قصّرت الدولة في تأديه حقوق المجتمع.
لا أعتقد بأن على الفرد أن يشعر بأنه ينتمي لبلد ما بمجرد سماع أغنية وطنية أو بمشاهدة مبارة لكرة القدم للفريق الوطني الخاص بذلك البلد، ليس على الفرد أن يشعر بأنه ينتمي لبلد ما ويحن أليه كــ"وطن" لانه شاهد مساهمة ألكترونية تعدد الأكلات التي يتميز بها ذلك البلد من "دولمة أو سمك مسكوف أو كبة أو منسف أو مُلوخية"، ليس على الفرد أن يُطبل ويُزمر لمسلسل تلفزيوني يؤرخ أو ينسُج بطولات المخابرات العامة التابعة لذلك البلد أو أن يتلخص مفهوم الوطن عبر المشاركة بأستفتاءات نماذج العلم المقترح لذلك البلد. كل هذه عبارة عن روابط ذهنية ورموز ... ولكنها أبداً ليست تعريف للوطن.
أعتقد أنه من الغش المفضوح بأن تقدم سُلطة ما مثل هكذا روابط ذهنية على أنها بدائل للمواطنة وحقوقها، أعتقد انه من المضحك أن تقوم سُلطة برعاية وسقاية المراهقة الاعلامية كالمهرجانات والاعياد الوطنية وتحرم مواطنيها من الحقوق الأساسية للأنسانية. أعتقد مثل هكذا بلد لا يرتقي لمستوى وطن أبداً، لانه لا يعدو عن كونه "غابة" تتسلط فيها فئة معينة أو فكر أو حزب أو طائفة ... أو مزيج من هؤلاء. مثل هكذا سلطة أتهِمُها بالنفعية من حيث كونها تكيل بمكيالين بحيث تُطالب أبنائها الجغرافيين بأن يؤدوا ما عليهم - وأكثر- من واجبات وألتزامات والتي كثيراً ما تتسم بالطوبائية وفي نفس الوقت تمارس أقذر الوسائل والممارسات لتقنين حقوق افراد مجتمعها وغالباً ما تترنح في محاولة لاداء دورها الشحيح بتوفير الحقوق لمواطينها.
لبناء وطن لابد أولاً من ترسيخ طويل المدى للعلاقة بين السلطة والمجتمع وان يتم من خلاله التمتع بالحقوق والألتزام بالواجبات للافراد عندها يتكون رابط المواطنة عند ذلك المجتمع في ذلك البلد. فلكي تُطالب دولة سكانها بأن يشعروا بالانتماء لحدودها وأن يؤدوا الألتزامات نحوها فان على سُلطة تلك الدولة أولاً أن تقوم بتعريف وإبراز الحقوق -وبشكل واضح و دوري- التي يجب أن يملكها أي مواطن وكذلك المسؤوليات التي يجب على المواطن تأديتها تجاه مجتمع تلك الدولة ،ثانياً أن تعمل جاهدة على تلافي أي قصور أو تخاذل ممكن أن يطرأ على تلك الحقوق. ثالثاً توفير العدل الأجتماعي في المجتمع من خلال العمل المستمر لضمان أن تتساوى جميع فئات المجتمع بنفس اُطر الحقوق والواجبات بغض النظر عن اختلاف تلك الفئات فكرياً، دينياً، مذهبياً، أقتصادياً، قومياً،....، ...، الى أخر القائمة التي من الممكن أن تميز إنسان عن إنسان.
أي بلد سيضمن للانسان حقوق يوفرها له -غير منقوصة وبلا تقتير - ويطالبه بواجبات يؤديها لمجتمعه سيكون جدير بأن يحتل منزلة "وطن" في وجدانه وأن يشعر ذلك الأنسان بأنتمائه "الوطني" لتلك البقعة الجغرافية ... بغض النظر عن كونه قد ولد فيه أم لم يولد
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟