أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 4















المزيد.....



نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 4


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4171 - 2013 / 8 / 1 - 18:08
المحور: الادب والفن
    


****

امناي كان محاربا من نور (...)

ابتعد عن ساحة الموت بسرعة قدر الامكان. الثورة في قلبه ضد العدو والحنق على الخونة كانا اكبر من ان يحتملهما. لعن عاليا واقسم ان ينتقم. لكن ممن سينتقم وكيف وقد كسر السيف وشلت اليد ؟
خرج من مـاسـكولا تيـبـريـا مع الغروب [ ربما لم يكن غروبا فالغروب في نصنا هو طريقة للتعبير فحسب في زمن الهزائم لا نعرف فجرا لذلك لا يحق لنا ان نخادع القارئ ونحدد اي زمن اخر في يوم تنحصر كل الازمنة فيه في غروب متواصل يمكن ان يستمر لسنوات طويلة وان لا يتوقف إلا مع انتهاء الحدث الذي تسبب في حلوله]
لم يفكر في المكان الذي يقصده وان كان يهرب او فقط يبحث عن سبيل العودة للبيت. هو يعلم ان الهرب ليس ضعفا فالمحارب الحقيقي لما يفقد كل الاسلحة يتراجع قليلا الى الخلف ليفكر في اسباب الهزيمة ويراجع الخطة ويستعد للجولة القادمة. لم يكن وحده من تراجع فمحاربون كثر التجئوا الى المغارات المهجورة او المعابد او المدن والقلاع التي لم يصلها الغازي العربي بعد. وآخرون فقدوا العقل وساروا متخبطين في البرية مصطدمين بالحيوانات المشردة او القبائل الفارة نحو الغرب تاركة قراها ومدنها.
ابتعد عن الطريق الجنوبي المؤدي لميلاف حيث كان المستعربون يحتفلون بقدوم القائد العرب وبانتصاره على ديهيا. تمنى لو يقدر ان يتسرب كنفحة هواء الى اعماق عقولهم لفهم هذا الهوس بهوى غريب يمزق ارجاء الوطن.
أعتقد انه تساءل كثيرا وفكر وحلل أكثر لكنه لم يجد اية اجابات.
تساؤلاته المحتارة تخترق عقلي وأجدني أسأل بدوري على لسانه ولسان كل مهوس بالبحث عن فهم أشد جلاء لتاريخ منسي :
- ماذا كانوا يعرفون عن الغزاة من الشرق ليحبونهم الى ذاك الحد في حين انهم لم ينشروا في كل الربوع التي دخلوها إلا الرعب والموت والسلب والنهب ووعد خيالي بكسب اعظم ؟
هل يمكن ان يكون هذا الدين الذي حمله حسان وكل من سبقه من الغزاة من الشرق ساحرا الى الحد الذي يستلب فيه العقول والأفئدة ويجعل المتبع له يتنازل عن اغلى ما بالكون : استقلال الوطن وحريته أم هي رغبات متوحشة في اغتصاب أسباب حياة اخرى كانت ذات زمن هادئة آمنة ام طبيعة شعوب نسيت هويتها لكثرة الهويات البديلة التي لبستها على مر الزمن تقديسا للغة القوة لا قوة اللغة وإغراء سحر الوعود وبريق المال المسكوب وجمال الغنيمة ؟
كيف فهموا غازيا لا يتكلم لغتهم ولا يعرفون من ابجدياته ابسط الكلمات وكيف أدركوا معاني الدين الذي يلتحف به ويرفع شعاره مرفرفا على حد سيوفه ورماحه أم هي فقط اسقاطاتنا نحن ابناء ما بعد التاريخ المدون لحاضرنا على ماض لا نلم بكل تفاصيله الصغيرة فنتوه في استخلاص البدايات وتضيع كل حلقات السلسة وتبتلعنا في جب الوهم ؟
إننا نحن ابناء الحاضر من صدق كذبة صنعها عُبادُ الملك وزبانيتهم فالغزاة لم يكونوا ابرياء ولا اتقياء بل مرتزقة وعشاق غنيمة والدين الذي اغتصبوه وحملوا الرايات بدعوى الذود عنه لما دخلوا ربوع تمازغا لم يكن في جوهره مختلفا عن الاديان القديمة التي تسربت الى عمق البلاد دون ان يشعر احد ان عقائد أخرا تغزو الأرجاء، حملها مشردوا اورشاليم والثوار ضد الرومنة واستغلال الرومان لتمازغا واستبدادهم فيها : نفس الرب ونفس الاباء وذات الاساطير والعبادات.

أمناي كان محاربا من نور وككل المحاربين الحقيقيين لم يكن ليقبل الاجابات الجاهزة. المحارب الحقيقي يسأل دوما مهما ارهقته الاجوبة المستعصية لأنه يدرك أن الجنون الذي يسببه البحث والمحاولات المستمرة اعظم شرفا من انقياد وتسليم اعمى. المعرفة وان قادتنا الى متاهات الجنون تمنحنا معنى للحياة والخضوع لإملاءات ادعياء الوصاية على عقول ومصائر البشر انتحار على نار هادئة تلتهم الروح ليبقى في النهاية الجسد خاويا فاقدا لكل عصارة حياة وهبنا ايها الله وامرنا في اكثر نصوصه قداسة بالحفاظ عليها وحمايتها.
في تخبط وانجذاب وحيرة، سار على غير هدى امدا. سلك طرقا جبلية وعرة. اقتات الاعشاب والأوراق وما تمكن من جمعه من ثمار الاشجار. لم يكن يقدر على صيد الحيوانات ولم يكن يمتلك نارا. عبر مدنا تحتفل وأخرى تستعد لمواجهة الغازي. لم يكن خائفا ورغم ذلك توارى قدر الامكان عن اي عين راصدة.
لما استعاد وعيه وتذكر كل ما حصل منذ بداية المعركة بدأ الزمن يتخذ وجها مغايرا في عقله. واصل السير بعد ان انحدر شمالا. لم يغادر الطرق الجبلية والهضاب الى ان بلغ مدينته سيرتا.
كانت الابواب مفتوحة والرغبة في الصراع قد خمدت (...)
لم تتغير شوارع المدينة وأحياءها لكن غماما يحجب الرؤية كان يلفها [ ربما هو من كان عاجزا عن الرؤية فالعيون لا ترى وحدها دون عقل يحلل الصورة ويمكن ان يمنحها ابعادا ليست لها في الحقيقة تبعا لتأثير المحيط المادي والحالة النفسية والمبالغات والتهويمات المخزونة في الاعماق ]
حالته المزرية والندوب في وجهه وجسده أفزعت والديه. قطبت والدته جراحه لكن روحه ظلت جريحة. اعتنت لأيام بالجسد الملقى بدون حراك في شبه غيبوبة تامة لكنها لم تقدر ان تعيد للعيون بريقها الذي بهت.
عندما تماثل الى الشفاء وقف بإجهاد كبير وتقلد الدرع استعدادا للرحيل. حاول ابوه ان يقنعه بالقبول بحقيقة ان هزيمة جيوش ديهيا افقدت البلاد حريتها للأبد وان لا جدوى من صراع مع طواحين هواء لن يبلغ اجنحتها مهما رفع ذراعيه. اخبره ان يوباسن حاول ان ينقذ نومنسا قبل بلوغ الغزاة مرماجنة من قدر اختاره رب الغزاة لكنه فشل وان حياة بسيطة لا تكلفنا حياتنا افضل من صراع يائس مع قدر لا نقدر على مواجهته. امسكه من ذراعه بما بقي له من سلطة معنوية وجذبه الى الداخل صارخا في وجهه ان افرونوميديا لم تنعم باستقلال ذاتي منذ وطئها الفينيقون وان التاريخ سيواصل مسيره الى حيث يشاء الارباب ان يصل.
خفض بصره ولم يعلق. تقدمت منه أمه. احتضنته ورجته ان يبقى لكنه كان قد اتخذ قراراه. سيرحل بحثا عن نومنسا وعن جثة ديهيا ليواريها التراب وعن حلم لا يجب ان يجهض.
ركعت الام امام اربابها وبكت بحرقة الثكلى التي تعلم يقينا ان طفلها لن يعود في حين اختفى الاب فجأة من المشهد.
وضع في جرابه مباشرة على جسده تحت الثياب حلية العروس المعدة للحبيبة. مَنَحَهُ قُرْبُهَا من صدره أملا. تحسسها وضغط عليها بأصابعه لكي يشعر ان نومنسا قريبة لا من القلب فحسب بل ومن الجسد الذي يستشعر دفئها.
عاد الى ساحة الموت قبل ان يتجه صوب مرماجنة. المحارب الحقيقي كما يعود المجرم لساحة جريمته يعود الى ساحة الهزيمة ليواجه مخاوفه. هو يعلم يقينا ان كل البشر يخافون من كل البشر فيصنعون اقنعة يخفون خلفها خوفهم : اقنعة للعنف او اقنعة للانسحاق.
الاعراب في الشرق خافوا الشعوب المحيطة بهم فانسحقوا عند اقدامها. منحتهم تبعيتهم تلك بعض المعرفة في الاديان والسياسة والعلوم. مع ضعف تلك القوى امتلكوا بعض الاستقلالية. تكتلوا ليصنعوا كيانا يحميهم. لم يكن من اليسير ترشيح قائد واحد من بين مئات القبائل. صنعوا مجلسا قبليا تماما كمجالس سيرتا الادارية المستقلة عن الرومان والتي شارك فيها أجداد امناي الاوائل لما تركوا الحياة البدوية واستقروا في المدينة.
في ذلك المجلس القبلي للأعراب نظموا لغة القوة، تصارعوا، تقاتلوا، افرزوا طغاة استبدوا لمدارات خوفهم من التهميش ومن الغياب في مجاهل النسيان.
اختار الاخرون الذين انتهكهم الاعراب واغتصبوا اراضيهم بدروهم سلاحهم للهرب من خوفهم وبحثا عمن يمنحهم شعورا ولو كاذبا بالاستقرار : الخضوع.
لكن انى لمحارب من نور ان يخضع ؟
وقف أمناي وسط الجثث المتعفنة وفكر.
- هل اتى رب على مر كل الازمنة والتواريخ في كل ذاكرة البشر على صهوة حصان وسلب وسبى ثم قال انا الكامل اعبدوني وهذا شعبي المختار فاتبعوه تسلموا الى يوم الدين ام هي حسابات السلطة ونرجسية القبيلة القوية واستبداد الحاكم ونفحة مقدس ملفقة او مسروقة من بعض الانبياء المنسيين ؟

هاله ما رآه في ساحة المعركة التي تناثرت فيها اجساد قطعت اوصالها لأنها ارادت ذات فجر ان تدافع عن الشرف. لم يحلموا بأكثر من حماية الشرف ودفعوا الحياة ثمنا. لم يكونوا مجرمين ولا خارجين عن القانون ولا افاقين هم فقط وطنيون في زمن فقدت فيه القيم معانيها.
رغم عفونة المكان بقي يقلب الاجساد المتحللة. بحث بينها عن جثة ديهيا لكنه لم يجدها. قضى ليلته مفكرا بين رفاق كانوا يوما ينبضون حياة وحماسا وأملا. لم يكن وحده في ساحة الموت تلك. سمع في البدء نحيبا صامتا ثم علت التأوهات. اقترب من مصدر الصوت. كان ماتوب اللواتي. افقده غدر بني امه ومنظر اسرته الممثل بها بأبشع صور الوحشية البشرية عقله. كان قد فر من ساحة الموت بناء على امر الملكة بحثا بين أحضانها عن بعض أمان فوجد ان الغزاة قد بذروا في بيت كان مشرع النوافذ للنور كل اسباب الجنون. من شذرات الكلمات التي تمكن من التقاطها منه علم ان يوباسن قبل ان يختفي اي ذكر له مر بهذا المكان ودفن ما بقي من جثة الملكة. شعر بالامتنان لذلك الصديق الغالي.
تنفس بعمق. استجمع قواه وسار نحو الامام.
مر بقرى ومدن ومضارب خيام قد هدمت وتركها اهلها. رأى حيثما تلفت جثثا متفسخة تتناهشها الذئاب والخنازير البرية والطيور الجارحة. غابات وحقول قمح وشعير احرقت. نساء اغتصبن وقتلن بعنف ووحشية وصبايا سُبِين وأطفال اختطفوا.
رأى امهات منكسرات يبكين ابناءهن. عائلات لا تحصى اخذ منها اولادها رهينة لكي لا تقف بوجه قوات الغازي مجددا ولا تنصر لأي ثورة جديدة.
انتقم الغزاة المتلحفون السواد الاتون من الشرق ممن شارك في المعركة وممن انتظر المنتصر ليخضع له.
في مدينة نومنسا كان الدمار بلا حدود. شعر بالانقباض يعتصر قلبه.
عندما اقترب من قصر حبيبته تقيء امعاءه. عمته مارن كانت قد اغتصبت وبطر بطنها. ديدان قذرة سكنت في الامعاء المتيبسة تنهي عمل القتلة.
في احد الحقول التي مشطها بحثا عن نبض حياة وجد جثة زوج عمته مذبوحا كحيوان. كان من كبار الملاك الذين حمتهم الكنيسة وداهنهم البيزنطيون ثم والوهم لكن العرب القادمين من الصحارى كانت لهم استراتيجيات اخرى رغم ان سيفاو لم يبدي يوما حماسا للقتال وكان مستعدا لمصافحتهم على ان يحموا ممتلكاته.
صاح بكل الحزن الذي يخنقه فردد الفراغ صدى الكلمات الجريحة :
- نومنسا الى اين اخذوك ؟
لقد اخذوها مع عدد لا يحصى من الصبايا والأطفال نحو الشام.
كمحارب حقيقي قرر ان يلتحق بالجيش المنسحب نحو برقة, ربما سيتمكن من تحريرها وان اسعفته الامكانيات سيحرر كل من معها.
التقى افران ابن الكاهنة في تمغزة لما اتجه جنوبا لجمع القادرين على الثأر. بحث بين من بقي من الجند عن يوباسن صديق الطفولة والصبا لكنه كان في عداد المفقودين. تهدم عالمه بعنف لكن الدمار لم يحبطه. لا يزال مجال الفعل شاسعا وهو رجل فعل.

بقي معهم يومين وقبل رحيله حضر اجتماعهم لتقرير المصير وبحث اجدى الاستراتيجيات المستقبلية. تكلموا كثيرا لكنه بقي صامتا. أعربوا عن حاجتهم لكل قادر على حمل السلاح وبحثوا خططا وقدموا وعودا لإعادة جمع ما تشتت. اختاروا افران قائدا ودرسوا سبل الاستعداد لمواجهة جديدة – أكيدة هذه المرة لان غنائم العدو كانت كبيرة ولن يتركوا هذا الضرع المليء إلا اذا جفت اللقاح –
المحارب لا يكذب. يعلم انه لا يقدر ان يعدهم بالبقاء معهم ولا العودة للانضمام اليهم بعد رحلته الى شرق نهم لا يكف عن ابتلاع اسباب حياة الشعوب لهذا صمت. اختار الصمت لأنه لن يقول إلا ما يقدر على تحقيقه لإثبات وجوده حالما تتضح حدود ارضية الفعل. لا يقدر في الظرف الراهن ان يعد بأكثر من تحرير نومنسا. يؤمن ان ما من جدوى من كلمات ستثقل الكون بمفراداتها وتسجلها ذاكرة الزمان لكنها لن تتحقق.
يدرك ان ما يغرق البحار في المياه المالحة ليس القفز في البحر بل البقاء تحت الماء لهذا فكر بصفاء ذهن غريب على من هو بوضعه في سبل التقدم الى الامام بخطوات ثابتة الى ان يبلغ اهدافه مهما تكن سبلها عسيرة.

تتبع ركب ابن النعمان.
كل المدن التي عبرها كانت تلملم جراحها وتدفن قتلاها وتبكي عند جدرانها المهدمة الثكالى رجالا فقدوا وأيتاما شردوا ومختطفين أخذهم الغياب.
من رحب بقدوم الغازي ورفض المشاركة في الحرب او كان مسالما اكثر مما يجب في زمن الغروب دفع بدوره ضريبة مرور العدو على ارضيه : سلبت ممتلكاته وسبيت صباياه وأطفاله وأخذ شبابه رهينة.
عندما بلغ برقة التفت لأول مرة منذ غادر افرونوميديا الى الخلف فرأى بقايا ادخنة لم تخمد بعد، استرجع عبرها صور البشاعة البشرية حينما تكشف عن انيابها. البلاد التي كانت ظلا واحد من حدود مصر الى اقصى المغرب صارت خرابا.

في مصر علم ان الجيش قد قصد اطراف حلوان حيث يسكن عبد العزيز بن مروان. قبل مواصلة مسيره نحو الشام. ذهب حسان لمنح الوالي الاموي ولي العهد المنتظر نصيبه من المغانم تجنبا لشره.

لم يكن حال البلاد افضل من افرونوميديا. تنكر بلباس عربي وتسلل الى المدينة. وجد عبد العزيز رجلا وقورا محبوبا كريما عادلا لكن مع افراد الجماعة فقط. تحيط بمقره حاميات قوية غفيرة العدد. من مدينته كانت تنطلق حملات سلب للمدن والقرى التي ترفض ان تدفع الجزية فتقتل وتنتهك وتسبي وأخرى تنبش القبور القديمة بحثا عن كنوز شعب قديم عاش على هذه الارض وصنع حضارة.
تسلل بين الاهالي في المدن المغتصبة. سمع حكاياتهم وعاين مآسيهم. كانوا طيبين مسالمين لكن ضربات الغازي الموجعة أفقدتهم اية قدرة على الصراع.
اقترب من مخيم القائد العربي ودرس كل امكانيات التسلل الى الداخل.
كان الوصول الى نومنسا صعبا يكاد يكون مستحيلا لكنه كان مستعدا. قال لنفسه بحثا عن مزيد من العزيمة :
- ما لن افعله أنا لن يفعله احد غيري. على المحارب ان يكون شرارة منطلقة في روح الوجود فانفجار النجوم الداخلي هو ما يمنحها الألق. ستقود قلبي طاقة حرة ولما يحين وقت اطلاق الرمح لن اتوقف للتفكير ففي تلك اللحظة التوقف يكون ترددا وعجزا وأنا محارب يتقدم دوما ولا يتراجع الى الخلف ابدا.

في احدى الليالي تمكن من التعرف الى احد ابناء امه. كان يعلم ان الحمل ليس اكثر براءة من الذئب الذي فتك به ولكنه كان يوقن أيضا ان المحارب الحقيقي لا يجب ان يحاسب الاخرين وينتقد افعالهم ويقيمها بل ان ينظر اليها بعين الدارس للأسباب التي ادت لوقوعهم في جب القاتل الذي اغتصب روحهم او جسدهم.
ملأت قلبه شفقة لم يتوقف كثيرا للبحث في مأتاها او سببها.
كمحارب أصيل كان أمناي يعلم ان صغار النفوس تماما كمصاصي الدماء الذين خربوا البلاد باسم الارباب لمدرات دوافع الهمجية الاصيلة لا يدركون معنى الشرف. تعلم من مخالطة ابن امه وبعض الحرس الذين عرَّفَهُ بهم هذا الاخير انهم كأسيادهم وأولياء نعمهم ينسبون لأنفسهم كل القيم الجميلة ويتغنون بالشرف فارضين قيمهم منتهكين كل كرامة انسانية لمن سواهم مرددين :
- الشرف هو ميزة الاقوياء فقط مهما فسقوا. من ادعاه غيرهم مارق.

ادرك ان عليه ان يتقن نفس اسلحة العدو فتلطف مع الحارس في الكلام واشترى صداقته بالحلي التي كانت ستزين صدر عروسه. بعد اسبوع من التقرب وربط العلاقات مع اكبر عدد ممكن من الحرس اخبر ابن امه - دون ذكر للشرف والاباء - انه انسان يسعى فقط لتحرير اخته من السبي فكل بشري مهما تكن دناءته لن يقبل ان ينتهك حريمه الاقرب الى القلب.

ضمن مساعدته ولم يبقى سوى دراسة خطة الوصول الى الاخت السجينة. لم يكن الحارس يقدر على تقديم خدمة أكبر. بل لن يوجد من يقدر ان يقدم خدمة اكبر باستثناء حسان والحديث معه في مثل هذا الموضوع كان انتحارا.
رضاء الخليفة وإهداءه اجمل الصبايا وسكب جرار الذهب والفضة عند قدميه وتقديم رأس ديهيا على طبق من ذهب هو ما سيمنحه بعض الصلاحيات لحكم بعض المقاطعات او الحصول على شرف الانتماء للعرق الاسمى ولقب الامير الشامي وبعض القصور.
رضاء الحكام اغلى الغايات التي يجب ان يسعى في سبيلها اي عاقل لكنه يربأ بنفسه عن ان يكون من بين هؤلاء العقلاء.
ماذا لو تنازل القادة قليلا عن بعض الكرامة وركعوا او تذللوا او منحوا زوجة او ابنة مقابل امتياز سيحسدون عليه كما اشترى حسان حال وصوله رضاء ولي العهد والي مصر اتقاء شره في مستقبل الايام لما يؤول اليه امر البلاد والعباد وكما سيفعل غيره كثيرون على مر الازمان ؟

تكررت لقاءات امناي والحارس. سهرا معا وتركه يشرب حتى الثمالة ليعرف أكثر. عبره تمكن من ربط علاقات ودية مع كثير من الجند. كان اغلبهم امازيغ وأقباط وشاميين وفرس وكانوا من مختلف الاديان والمذاهب. ما جمعهم لم يكن دينا بل مصالح مادية ككل المرتزقة في كل التاريخ البشري.
ما نقحه كتبة التاريخ بعد ذلك كان حشوا. أدلجة وحسب.
بمساعدة الصديق الجديد وبعض من أثَّرت بهم القصص المختلقة تسلل في احدى الليالي نحو مخبأ نومنسا. رجف قلبه لما سمع صوتها. تهامسا. فاضت عيونهما. سيهربان ولن يعودا الى افرونزميديا. سيفران الى الصحراء. الى ابعد نقطة مأهولة وسيعيشان بسلام بعيدا عن البشر. أصعب الخطوات هي الخطوة الاولى وسيتجاوزانها.
- سيكون المستقبل اجمل. وعدها.

كم يكبر الحب في زمن الحرمان وكم ترتفع اسقف الاحلام في زمن الثورات الكبرى.
لكن كيف السبيل لإنقاذها ؟
كانت مقيدة بسلال الى ألاف الصبايا الاخريات. كان وجهها معفرا بالتربة وثيابها الممزقة قذرة وشعرها الحريري باهت اللون. عيونها محمرة منتفخة الجفون من كثرة النحيب. يداها مجرحتان وقدميها داميتين مقرحتين.
اختلطت شهقاتها ببكاء بقية الصبايا. الكثيرات من بينهن كن طفلات لم يعين كنه الحياة بعد. كن يرجفن رعبا.
لم يكن ممكنا بأي حال انقاذها وتحريرها من قيدها.
- في الوقت الراهن ما من سبيل لإنقاذها لكن فرصا اخرى ستتوفر في الطريق الى الشام. قال له ابن امه.
ساعده الاصدقاء الجدد الذي اكتسبهم في التخفي بين صفوفهم واستأنف الركب المسير نحو عاصمة الخلافة. حاول كثيرا ايجاد طريقة للفرار معها لكن كل المحاولات رغم كل المساعدات باءت بالفشل.
اكتشف في النهاية انهم اقتربوا من وجهتهم. في سمرهم قبل ليلة واحدة من بلوغ ابواب المدينة اعلمه اصدقاءه ان فرصته الوحيدة ليكون قريبا منها هي أن يدخل في صفوف العبيد من العاملين في القصر ووعدوه انهم قادرون على تمكينه بأساليبهم الخاصة من ذلك لكن ان ارد ان يتسلل الى الحرملك الملكي فعليه ان يكون عبدا بامتياز خاص (...) عبدا مخصيا.
ماذا يمكن ان يفعل محارب من نور في مثل هذه المنعرجات الكبرى ؟
لا يزال يمتلك حرية التراجع والعيش. عيش لا غير. عيش لا يرتقي الى مستوى الحياة لكنه بأي حال افضل من ولوج بوابات الجحيم.
أمناي اراد ان يحيا بملء ما للحياة من معنى.
وهل يفهم غير المحاربين من نور معنى ان يحيا الانسان ؟ معنى ان يتجاوز ما هو يومي دون ان يتوه في شطحات صوفية.

****

هنا. في هذه الصفحة المطوية. بين فراغات شتى وانين يروى الجوالون الذين تسللوا الى كهفنا هذا في غفلة من الزمن انه حالما حط حسان ورجاله الرحال في الساحة امام القصر حتى قام عبد الملك فيهم خطيبا.
حمد الله الذي نشر دينه ولو كره الكافرون ومنّ على اشرف الامم بنعم لا تحصى ولا تحد واثنى عليه كثيرا. غمرت نفحة قدسية المكان فدمعت العيون تقوى ورجفت القلوب حبا لله. قبل ان تفلت منه لحظة الشفافية تلك عاد فبسمل وكبر ثم اطنب في الحديث عن أن الله ان أراد بقوم خيرا منحهم ملوكا يحبهم وهو، عبد الملك - والحمد لله – أحد من دعمهم سبحانه بجند من لدنه لا يراها بشر. سجد الجمع بين يديه فأضاف لسيطرة على العقول اكبر موجها خطابه لمؤرخه : أكتب في أنصع صفحاتك وأطهرها اني العبد الفقير لله المتبتل في هواه، المحيط علما، الفارس القرشي المجيد، العارف بكل الحقائق الاولى صاحب الرأي السديد، ذو الفراسة والمقدرات القيادية والرئاسية التي لا تحد صاحب المقام الاول في المدينة والشام، ترددت على مجالس المطهرين طفلا صغيرا حتى قيل " لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميرًا، ولا أفقه، ولا أنسك، ولا أقرأ من عبد الملك " (نافع مولى ابن عمر)."
ردد الجمع عندما ركع شاكرا ما منحه الله من سلطان : آمين.
بعد انتهاء الخطبة تقدم الخدم ووضعوا على بساط امام الملك ما درته اللقاح في دول المغرب من النفائس والدرر من كنوز ملوك البربر ووضعوا عند الحواشي رؤوسهم المقطوفة وقناني دمائهم المختومة وحول الذهب المكوم اصطفت " البربريات المنتقيات المالئات للأعين الآخذات للقلوب " (أبو الفرج الاصفهاني - ابن عذارى).
فغر فم الملك ازاء "أنيق الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل، وسبوطة العصب، وجدالة الأسؤق، وجثول الفروع، ونجالة الأعين، وسهولة الخدود، وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخامة الكلام" [ ابن عذارى ] فأمر الكل بالانصراف وقلبه يرقص طربا وصولجانه ينتصب شبقا ولسان حاله يقول :
- " من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية " [ تاريخ الخلفاء للسيوطي ]
وقف فوق الرؤوس ليعلوا أكثر ويحضى برؤية اكثر اشرافا على كل الجمع بين يديه. تقدم من رأس ديهيا المقطوع وداسه بكلتا ساقيه لا عنا باسم الله وكل مقدساته الاناث اللاتي يرفعن رؤوسهم امام سلطة الذكور فالله القائل في بعض اقدس ابجدياته "ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى" ذكر تتعفف نفسه عن ملامسة الاناث. رمى الراس المنتهك ككرة نحو التنور ومن بين مئات الجواري انتقى العذراوات الصغيرات اللاتي لم تكتمل انوثتهن بعد ان تسلق سيقانهن وتلمس اسفل بطونهن وداعب نهودهن البارزة بحياء. بعد ان تمتع طويلا بتلمس مكامن اللذة فيهن على مرأى من كل جنده وشعبه الراكع بين يديه، امر قهرمانة القصر بأخذهن للحمام الشعبي في آخر الحي لتغسل عن اجسادهن الغضة أغبرة الطريق وتعطرهن بما طاب من العطور وتلبسهن ما خف من الحرير الاحمر والأسود المثير على اجسادهن الطرية ثم تأخذ ارقهم من العذارى اللاتي لم يلمسهن انسيٌّ لجناحه الخاص تحت رعاية المخصيين الصقالبة والحبشيين استعدادا لليلة البكارة المقدسة في عرف الملوك السابقين واللاحقين والتي انما تدل على مدى كرم الحكام وسعة صدورهم ورغبتهم الملحة في توحيد كل العالم وخلق الوفاقات الكبرى بين الشعوب والممالك والديانات والاثنيات المختلفة على السرير الملكي.
اسرعت القهرمانة تلبي الامر. قادتهن عبر الازقة المُسيَّجَةِ برقابة مشددة. ضربت احداهن لأنها كانت تمتنع عن السير ملتفتة الى كل اتجاه بحثا عن شيء محدد. غيابه اثار الرعب في نفسها فبكت. قالت القهرمانة بصوت مطمئن :
- ستعتادين طفلتي المدللة. يوما ما ستدفعين من اجل بلوغ العرين الملكي وستحلمين بوليِّ العهد يتخبط في احشاءك.
انسابت دموع الصبية ولم ترد. سارت في الجمع الذي يرافقها بخطوات وجلة متعثرة.
صاحت في صمتها بكل قوتها على الصياح :
-أمناي...
تاه الصوت في الحلق وغاب في ظلمات الصدر الصغير المثخن جراحا.
في الحمام عرتهن جميعا. أخفت بعضهم التفاح والرمان المزهر حديثا والمتفتح بحياء بكل ما وجدنه أمامهن : ايديهن الصغيرة ودلاء لامعة وفوط ملقية عند حافة الحوض.
كان منظرهن مثيرا للضحك. احمرت وجناتهن خفرا و حاولن التواري خلف بعضهن بحثا عن بعض الملاجئ الامنة من عيون المخصيين الذين يحيطون بهن في اكثر الاماكن غرابة بالنسبة لأنثى تتعرى لأول مرة. رمقتهن القهرمانة بخبث وضحكت فتردد صدى ضحكتها في ارجاء الحمام. دفعتهن الى الحوض فتساقطن فوق بعضهن وبإشارة منها توالت على دلك اجسادهن بعطور مختلفة شذية سيدات عواجيز خبيرات. بعد انتهاء الدلك والغسل وشطف الاجساد بماء الزهر والريحان نَشَّفَهن المخصيون والبسوهن ثيابا حريرية شفافة وساقوهن نحو القصر من جديد لكن عبر ممر آخر. دهليز مخفي في الجدار الخلفي للحمام يصل المكان بالقصر ويسترق منه الملك متى عن له ذلك النظر الى النزيلات بحثا عن اثارة اكبر.
قادهن الدهليز مباشرة الى غرفة واسعة جدرانها مغطاة بالحرير وفي وسطها سرير واسع جدا وفي ركن منه ارائك وزرابي حريرية. عزفت فرقة موسيقية لم يَرَيْنَ موسيقييها الحانا مختلفة فذهب بعض ما بنفوسهم من توتر وتهالكن مباشرة على الارضية. تأملتهن القهرمانة بعين راضية ووقفت عند الباب الملكي تنتظر. عادت الصبية تبحث بين المخصيين عن شخص تأمل ان يحررها وينطلق بها الى ارض تمازغا الخضراء.
فجأة صرخت السيدة المشرفة على حفل البكارة آمرة ان يقفن ويصطففن ويخفضن البصر. لَبَيْنَ الامر عاجزات عن اتيان اي فعل ارادي. دخل الملك في كل ابهته وحوله كوكبة اخرى من مخصييه.
ابتسمت نومنسا لا ارديا لما لمحت بينهم حبيبها. وعدها بأن ينقذها وسيفعل ذاك المحارب الذي لم يخلف يوما وعده.
لكن أنى لطير سجين مكسور الجناح ان يحلق ابعد من مرمى اليد ؟
أمر الملك قائد المخصيين بأخذ مجموعة معه لجلب شراب وغلال اكثر. دفع كبير المخصيين أمناي وشابين اخرين امامه وغادر. لم يقدر الشاب على رفض الامر فانصاع.
بدأ الحفل اخيرا مباشرة بعد مغادرتهم فدمعت العيون المعلقة به لا اراديا. شرعت القهرمانة تجول بينهن. تنتهكهن بنظراتها. تقترب ثم تبتعد. تقلب وتختار. تجذب وتدفع. ثم بيد خبيرة تتناول احداهن وتأخذها الى السرير. صارعت الاولى فصفعتها. ضحك الملك ولعق الدموع المنسابة ثم شرع
يقضم النهد المنتصب ويمسك بالخصر الرقيق ويدفع قضيبه الى اعماق وردة لم تتفتح بعد فيتمزق الغشاء الذي يحمي البتلات وينفرط العقد وتنساب العصارة قانية.
يرتفع صراخ الجسد الذي يسحق فيبتسم الملك ويسيل لعاب الحرس وتنهمر دمعة من عين الصبية وتتنهد القهرمانة وعيونها مثبتة على صولجان الملك الذي لا يهدأ زئيره وتتوقف انتفاضاته وتنتهي غزواته.
بعد الفتح المبين العشريني قام الملك. تقدم منه الخادم المكلف بشرابه المعتق. انحنى حتى كاد يلامس الارض كما فعل في نهاية كل جولة مباركة. مد يده المرتجفة بالكأس العشرين. تناوله الملك ودون ان يرى غير الصبايا المنتظرات برعب باد سكبه دفعة واحدة في حلقه وضحك. تجشأ كاسد ابتلع فريسة طرية. احمرت عيونه ونادي آمرا :
- هل من مزيد ؟
- عندنا كل ما تشتهيه نفسكم مولاي.
تقدمت القهرمانة من نومنسا. كانت زهرة برية رائعة البهاء وكانت قد قررت ان تجعلها الاخيرة لكن نظرات الملك المركزة عليها جعلتها تغير الترتيب. صرخت البنت. نهرتها بقسوة :
- أتبكي مثلك في حضرة ملك اصطفاها ؟
غمرت الدموع وجه الصبية واستعدت للصراع. حاولت القهرمانة تثبيتها لكن الصبية افلتت من قبضتها محاولة الفرار. عادت المشرفة على الحفل تجرها بعنف أكبر. ضربت الصبية بكلتا يديها في كل اتجاه.
في حين انفتحت عيون الشاب العاشق على وسعها ورجف كل جسده كشاة تنحر شاهد الملك ما يحدث وابتسامة رضا تعلو محياه. لم يبدي اي عجلة. كل الليل أمامه. في سبي سابق إفتض بكارة ثلاثين بكرا والليلة ينوي ان يكون الفتح العظيم أكبر. لتتمنع ما شاءت فأكثر ما يثيره هو خفر الصبايا وتمنعهن وممانعتهن. استمرّ الصراع بينهن بعض الوقت والملك يشاهد ضاحكا مداعبا مشجعا. في الاخير دفعت الصبية القهرمانة بكل قوتها فسقطت ارضا. ضحك الملك. نظر الى الحرس وأمر:
- إليّ بهذه البربرية المتوحشة.
دفعها ايدي قوية دفعا الى السرير. وقفت القهرمانة لاعنة في سرها وبمساعدتهم تمكنت من السيطرة التامة على البنت وجرتها بعنف. كان ثوبها الحريري فد تمزق وبان اغلب الجسد الطري الطفولي الملامح. نهدها لا يكاد يظهر. ألقتها على الفراش فعلى عويلها. كمم أحد الحرس فمها وامسك ثان ساقيها وفتحهما على وسعهما ثالث. اقترب الملك من البوابة المقدسة. داعبها بأصابعه. بحث باليد الاخرى عن حبات الرمان التي لم تنضج بعد. أشرع صولجانه ناظر للعيون الدامعة وشرع في ولوج الباب.
كانت كل العيون تتابع المشهد متلذذة او خائفة او باكية ململمة جراحا لا تزال نازفة فلم تلحظ حركة سريعة اخترقت رتابة المشهد. انطلق أمناي من بين الحرس الواقفين في طرف الغرفة. لم يجد ما يمكن ان يساعده في انتقامه لكل هذا الذل الذي يقف شاهدا عليه غير ابريق نحاسي. تسلح به وتقدم بسرعة خاطفة من الملك.
ضربة واحدة على الراس بكل قوته وتتحرر نومنسا ويموت العلج ولا يهم ما الذي سيحدث بعد ذلك.
فجأة شعر بوخزة تخترق قلبه وتوقفه في مكانه لبرهة. حاول الثبات والتقدم. كان الحنق ينضح من عينيه. رفع يديه اكثر لتكون الضربة اقوى لكن ذراعه تهاوى. خانته اقدامه. شعر انه سيسقط. لن يفعل قبل ان ينقذ كل الصبايا. لم يعد يفكر بحبيته فقط. كلهن حبيباته. يعرف وجوههن. كثيرات منهن رآهن عند النهر او في المدن التي عبرها لجمع المحاربين. هن اخوات او بنات المحاربين من نور الذين تدرب معهم ووقف بينهم في ساحة الوغى. سينقذ شرفهم مهما يكن الثمن. حاول ان يستقيم في وقفته لكن شيء ما كان يشده الى الارض. تراجع الى الوراء خطوة. المحارب من نور يمكن ان يتراجع لما يتعب ليستريح ثم يعود للهجوم بقوة اكبر. هو لم يكن يوما جبانا ويعلم جيدا ان التقهقر للوراء لاستجماع القوة ليس ضعفا. سيرتاح قليلا ثم ينطلق من جديد الى الامام بقوة اكبر وثقة في اصابة المرمى اكبر. حاول ان يبقى واقفا. لم يقدر. شعر انه سيسقط. حاول ان يتمسك بأي شيء. في تهاويه اصطدم بأريكة. سقط فوقها فإنغرز السيف اكثر في صدره.
كان الكل مشدوها امام مشهد هذا المتهور الذي يحاول ان يغتال الملك.
الملك الذي باغته ما يحدث ذوى صولجانه وقفز نحو حرسه محتميا بهم. بقيت البنت ممددة وحدها على السرير وقد وقف الكل فاغرا فاه يراقب المتهور الذي جن وحاول قتل الملك العظيم, لم يلاحظ احد نومنسا تقفز من مكانها. تنزل من السرير الذي كان يأسرها. تجري تقريبا. في خطوتين فقط وقبل ان يتمكن من امساكها اي من الحرس او القهرمانة كانت قد ارتمت على صدر امناي.
تقاطرت الدماء من المقبض على السجاد الفارسي الفاخر. دون تلقي اي امر تقدم الخادم بكاس نبيذه من الاريكة. وضعه تحت المقبض مباشرة. اختلط الشراب بالدم. امتلأ الكأس وفاض. كان الملك لا يزال يرتجف. اغلب الصبايا اغمي عليهن. القهرمانة خرت على الارض عند اقدام الملك تقبلها وتبلل الارض بدمع سخي. سدد لها ضربة قاسية في الصدر فتدحرجت ككرة بعض الامتار. نظر الى الخادم الذي اقترب وبنفس الرجفة في اليد ناوله الكاس الذي صار ملطخا بالدم. امسكه وبضحك هستيري سكبه في احشاءه. لعق القطرات المتبقية في قاع الكاس بلذة بادية. تذكر حلقة أم الدرداء الفقيهة, ابتسم وردد :
- قلتي " بلغني أنك شربت الطلا بعد العبادة والنسك ؟... إي والله والدماء أيضاً. والدماء أيضاً.
تهالك على اريكة في ابعد نقطة عن جميع من بالغرفة. تأملهم. كانت يديه ترجفان وعينيه تحملقان في الكل بحثا عن خنجر مخفي.
بعد ان هدأ قليلا نظر طويلا نحو العاشقين. كانا متحدين في جثة واحدة هامدة قد فارقتها كل حياة عيونها الاربع مفتوحة باسمة متعانقة تنضح حبا. لعن كل من بالغرفة. أمر ان تفتض بكارة البنت رغم انها قد فارقت الحياة. لبت القهرمانة الامر مستعملة قنينة شراب فارغة لكن الدم الذي ترقبه الملك لم ينزف. كان الجسد قد سكب كل دمه في اتحاده الابدي مع خله. لعن عاليا ثم أمر أن تجلد كل الصبايا وان تقتل القهرمانة فورا.
عندما سمعت الامر الملكي زحفت على بطنها نحوه من جديد. ركعت تحت قدميه تتوسل. بللت الارض بالدمع. كان وجهها اصفرا شاحبا من الرعب. نظرت الى الشابين الملعونين. كان متعانقين. لا يدركان بأي مكان يوجدان ولا بما يدور حولها. لا يعلمان انها ستموت بسببهما. لعنتهما من اعماق قلبها لم يشعرا بوجودها ولم يسمعا كلماتها. كان قد ابتعدا كثيرا. انتقلا الى عالم لا يوجد به غيرهما.
يقول القوالون أنهم سمعوها تهمس في اذنه
- أحببتك وسأحبك دوما
ابتسم :
- أعدك بعهودنا المقدسة وبقطرات الدم التي كتبت اسمينا على صخر الوادي اننا لن نفترق ابدا.
قالوا ايضا انه حاول ان يرفع يده ليضمها. شعر انها ثقيلة. قال في نفسه انه سيرتاح قليلا فقط ثم لما سيعود له نشاطه وقوته سيحتضنها ويقبلها ويخبرها بكل ما اراد ان يقوله لها لكن لم تمنحهم الحياة ما يكفي من الوقت لقوله.
- ياااه حبيبة الفؤاد لو تعلمين ما الذي فعلته لأكون بقربك. لأحميك.
غير مهم. هي تشعر بكل ما يدور في عقله لأنهما في لحظة صفاء ندر من يشعر بها من البشر او يفهم لغتها الصامتة.
اهم ما بالكون انهما الان حران اخيرا والى الابد. لقد تخلصا من كل القيود وسينطلقان في البرية في افرونوميديا. لن يحدهما شيء. سيركضان الى ان يتعبا. يعيشان في الغابات والمدن والأنهار. سيبنيان البيت الخشبي الصغير في جبل الاوراس بين نباتات العرعر والشيح والخزامى. سيسعدان كما حلما دوما ويشاركان كل العصافير اغاني الربيع.
سكن جسداهما اخيرا لكن يقال ان وجهيهما كان يشعان نورا ملأ ارجاء القصر وافسد ليلة الملك الذي أمر ان يرميا الى فهوده.

****

امر الملك لما تمكن من السيطرة على اضطرابه تماما واستعادة اتزانه الحرس الذين كان يشعر ان كل منهم يحمل خنجرا سيغمده في صدره بالانسحاب مع كل الجواري والمخصيين باستثناء بعض الخدم الذين يثق جدا بإخلاصهم. كان قد اقتناهم منذ زمن بعيد قبل ان يصير ملكا ويعرف انهم يؤمنون به اكثر من اي اله بالكون. امرهم بالبقاء قربه وحراسته اثناء نومه. تمدد على سريره وفي هدأت الليل سمع صياح وتوسلات القهرمانة تختلط بهدير الفهود التي تتصارع من اجل قطعة لحم. علا صوتها حينا من الزمن ثم تلته حشرجة طويلة وانين. خمد اخيرا.
عم السكون كل الكون حوله. مع مرور الوقت عاد المشهد ليسيطر على عقله. اشتد ارهاقه. حاول ان ينام لكن الارق تمكن منه وأقض مضجعه. قام لاعنا ساخطا. جال في غرفته المغلقة بإحكام. خُيِّل اليه انه يسمع همهمات وصدى بكاء. صرخ عاليا :
- أغلقوا ابواب القصر ايها الملاعين واكتموا كل الاصوات. لا اريد ان اسمع اي صدى.
ثارت جلبة في كل الارجاء ثم سرعان ما هدأ كل شيء وعم السكون ثانية. لم يخفَّ اضطراب الملك وتوتره فاقترح عليه احد الخدم اعداد حمام من الزهر والماء الفاتر والأعشاب ليريح اعصابه. لم يقو الملك لفرط تعكر مزاجه على الكلام. هز رأسه ايجابا. اسرعوا لإعداد الحوض وسكب العطور فيه. ساعدوا الملك على الوقوف وقاموا بتعريته ثم ساعدوه للدخول الى الماء. قدم له أحدهم شرابا دافئا وشرع يدلك اكتافه. انتابت الملك مخاوف لم يعرف من اين مأتاها. ماذا لو يقدم هذا المخصي او ذاك رغم اخلاصهم على خنقه انتقاما لشيء ما عزيز فقده.
صاح :
- استدعوا المؤرخ القذر. ليسرع فلم اعد احتمل تثاقله على تلبية اوامري.
دخل المؤرخ منكس الراس وجلا. كان يرتعش رعبا ويده ترتجف بقوة. ما الذي يريده الملك منه في هذه الساعة من الليل. ماذا لو يعن له ان يقطع رقبته بالسكين التي يحتفظ بها دوما على مرمى حجر منه. غمغم بذل :
- امر مولاي. انا خادمك المطيع.
- الم تفكر يوما بتغيير ما امليه عليك ايها المؤرخ المأبون.
- قطعت يدي مولاي لو فلعت. انا اكثر الخلق طاعة لك. سأكتب كل ما يرضيك وكل ما يعن لك حتى وان لم تصغه بكلمات مفهومة. سأحاول ان استكشف افكارك لأقدمها لك كما تريدها تماما دون زيادة ولا نقصان. غمغم ورأسه محنية ويديه تعانق نعل الملك.
- خذ دواتك اذا واكتب ما يعن بخاطري من تكهنات مستقبلية بعيدة النظر. اشعر اني احتاج اليوم ان ابث في كل المخطوطات المعلومة والمخفية ما يعتمل بقلبي وعقلي من درر لتنير سبل ابناء المستقبل من المنكرين للتاريخ الذي يدون في دواييني الملكية. ستكتب رسالتي لكل الاجيال القادمة بلغة اقرب الى عقولهم وكلمات من قواميسهم تثبت اهمية الانتماء لي والتقيُّد بقوانيني وحدودي والتشبه بي في سيرتي وتميزي ليعلموا ان مخالفتي قفزة في فراغ التيه والضياع.
أكتب : "
أنا التاريخ.
سموني الغامض ان شئتم. السر الذي لا تدركون كنهه ويأسركم. صاحب الالف تجل للحقيقة. المالك لمصائركم المتحكم في اهوائكم وميولاتكم.
العائد على راس كل عهد جديد لتصحيح مساراتكم المنحرفة دوما عن الصراط المستقيم بسبب اعوجاجكم الابدي الذي لا تعرفون اصلاحه إلا بحد سيفي القاطع للرقاب المفني لكل نشاز عن الكلمة التي سطرتها في اولى صفحات كتبي. صنعت الامة الكبرى وصمدت في وجه كل عدوان.
انا الفقيه العابد العالم بمغزى النص ومراد الالهة فلتقبلوني ايا كانت اقنعتي ولتقدموا فروض طاعتي فهي من طاعة الرحمان.
انا الحاكم المطلق باسم ربه الناشر لكلمته في كل الاصقاع والأمكنة فحذار من بطشي وغضبي الذي سيلتهم الخارجين عن الجماعة كالنيران.
أنا اول الملوك مؤسس الامجاد وساحق الدول. أنا العائد الابدي مع كل الف عام بكل زهدي وفقهي وبطشي وعدواني.
انا السيف المشهر في وجه كل عدو ينكر انكم خير امة. الامة العظمى المصطفاة لتسود كل الشعوب المندحرة امام جيشي وتلك الموجودة على تخوم العالم الذي سيكون طوع أمري والمستحدثة أيا يكن بناتها ولو بعد الف عام وعام.
أنا باني الامجاد الواحد المتوحد ابدا الذي حرث في كل رحم بذوره لكن عجزت كل الاناث ان تحمل بمثله فكنتم مسخا مشوها واضعتهم ابناء العهر امجادي.
أخرجتكم من جاهليتكم الاولى ونظمت دولتكم. كتبت نصكم المقدس على جدران معابد الفجار وعلى الدنانير ليعرف العالم ان دينكم هو الأبقى. كسوت كعبتكم بالحرير وبنيت قبة الصخرة. صنعت مجدكم وبدل أن تركعوا لي ولتجلياتي الملكية القائمة بينكم وتمجدوننا تراجعونني اليوم في احكامي وقد كنت والله شاهدٌ حكيمًا.
أتشكون بملكاتي أنا من "ولد الناس أبناء وولدني مروان أبًا " ( ابن عمر) ؟
قلت لأجدادكم وكررت " لم يوجد يوما بشريّ بمثل صلاحي فلا تعتدوا على سلطاني تسلموا وتنعموا ويرضى عليكم من في السموات السبع. اتركوا لي قيادكم اسسكم بما يرضي الله وعُباد الملك. اتبعوني ولا تجادلوني وعوا احكامي دون ان تتعبوا عقولكم المرهقة بمشاغل الحياة والقاصرة عن الفقه ومعرفة العلم ودروبه وتمعنوا في كراماتي تنالوا جنان الخلد. أنا من خشي الله دوما في السر والعلن ومن ردد عند كل صلاة :"اللهم إن ذنوبي عظام وهي صغار في جنب عفوك يا كريم، فاغفرها لي". أتدركون كم اخشى ربي وأتوق لجنانه ؟ أفلا تعقلون ؟
اشفق عليكم من انفسكم ومني. صنعت تاريخكم في سراديب قصوري بعلمي وفني. في كل تجلياتي اعدت البنيان اشد تراصا مما كان وناديت في ابلغ بيان : "ألا ثب الى رشدك يا ابن الانسان. لا تزغ عن الحق الذي رسمته باسم ربي بإتقان على الاقدار فأنا مستودع الله وسره في الارض. لا صوت يعلوا فوق صوت الملوك الائمة المتفقهين في الدين فلتخضعوا للأحكام"
قلت وكررت انه بخضوعكم لي والتزامكم بنصوصي تكونون أسيادا على البشر أجمعين.
أمرت مرارا أن تلتزموا كلمتي وتجاهدوا في سبيلها جهادا لا يستكين. تقتلون المخالفين لكم والمختلفين عنكم حتى لا يبقى سوى ذكري وصدى اسم ربي في كل زمان ومكان.
قررت ان تكونوا عبيدا لمروياتي لكي لا تعجزوا ساعة السبق عن تحدي كل اعدائي المنتقصين لآلهتي ولأمجادي وتسحقوهم كما إنسـحقتم فيّ وفي ابجدياتي. الم يعلمكم جلاديَّ ان تراقصوا عند ذكر اولياتي واجتروا اخبار فحولتي وتقذفوا شبقا حممكم امام الحرملك الملكي اذا ما انفلت من سيطرتي.
لماذا تصمتون ايها المشردون على ضفاف الكلم. تكلموا واسمعوني ما تخشون البوح به أمام المرايا وفي الخلوات ؟
تقدموا أيها المختبؤون هناك وراء الحشد الراكع يا من مننت عليكم بطهر الانتماء طوعا او كرها لدماء بني اسماعيل ولا تخشوا السيوف المرفرفة حولي كظلي.
حاكم ظالم أنا، زوّرَ التاريخَ كُتَّابِي ؟
وهل يُكتَبُ التاريخ إلا في ظل السيف والسلطان؟
صرتم حثالة الشعوب وهدمتم الصرح الذي بنيت ببطولاتي وأجنادي وفي ساحات الوغى بحثتم لدى الاخرين عن اثبات الذات ورضيتم بكل الذل والهوان رغم كل توجيهاتي.
ألم تتعلموا مع حليب امهاتكم حب امتي الكبرى ورددتم في مدارسكم :
بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ"؟
عودوا للغتي التي اسست وديني الذي اخترت وتكتلوا ليقوى عودكم وتقدروا على مواجهة التحديات الكبرى التي تفوق قدراتكم على الصراع.
تكتلوا حول وجوهي المنثورة في خرائطكم فوالله لن تجدوا خلاصا من هوانكم إلا باحترام كلماتي. "

****

يقول القوالون حسب ما ورد في المخطوطة الجانبية التي لم تهذب بعد ان نسله من عُبَّاد الملك في اليوم الالف بعد الاربع مائة خرج الى الساحة العامة تحيط به ألاف المهاري والسيوف والبنادق والمدرعات والطائرات والأساطيل. جمع كل الشعب وكل الكاميرات والميكرفونات لكل القنوات الخاصة والعامة. لبس الحرباء رداء الحمل وبلين الكلمات بسمل وحمدل وحوقل وشكر واثنى وتعوذ ثم صاح في الجمع قائلا :
- أنتم ايها المارقون عن القانون، ايها الكفار والملحدون تقدموا ولا تخشوا بطشي ولا تصدقوا مناديّ يردد عند الغسق "من يرفع رأسه ليراجعني يفنى في غياهب سجوني الملكية حيث لا يرى فجرا ولا شفق" فانا الليلة أمنحكم الامان.
اكشفوا وجوهكم. قدموا هوياتكم. ناظروني اقنعوني بحججكم ولا تقولوا اني كذبة كبرى فأنا ابن صناع التاريخ الذي يتوقف اليوم ليسمع منكم ويقنعكم ثم يخيركم بين الولاء او الرحيل الابدي من جغرافياتي.
انتم ايها الملحدون الملاعين أتنكرون وجود اله للكون ؟ ألا فلتنظروا الى انفسكم والى الكون حولكم. هل اتى كل هذا من عدم ؟ طبيعتكم غير عاقلة عاجزة عن السير إلا بأمر ربي ومادتكم زائلة خلقها اول مرة ويلونها كيفما شاء. مرضى انتم يجب اقصاءكم عن الاصحاء لكي لا يتسرب داءكم فيفسد الرعية. حاربناكم ومثلنا بكم في كل الازمنة منذ عرف الانسان الاديان واعدنا اشدكم طغيانا الى طريق الحق أفلا تتعضون ؟
وأنت ايها البربري التائه بلا وطن. يا من ترفع راسك من وراء الجبال وتصول في المناطق الوعرة التي مهددتها جحافل اجدادي تنكر فضلنا وتنبش اليوم في التراب بحثا عن الملكة. ألم تعلم انها مجرد انثى. انثى لا غير. قتلها حسان بسيف الحق الاسمى ومحى ذكر التي تركت الخدر ووقفت بين الرجال تحمل سيفا وتحارب الاقدار ؟
ترغب احياء جذور الانتماء لهوية مسلوبة ؟
ومن يجرؤ اليوم على قراءة رسائلها من بني امها اتباعنا المخلصين الاشد ولاء للتاريخ منا ؟
أتعتقد أنهم يتشرفون بهوية من حاربت امتياز الانتماء للعرق النبيل الذي منحناهم اياه كرما ونبلا ؟
اقرؤوا ما كتبه كتابنا الميامين فقط في سمركم لتضحكوا من كهانتها وسحرها وانكساراتها علكم تتعلمون كيف تلجمون جموح نساءكم لما يتحررن من الخدر ويسرن على دروب التفرد والاستقلالية والنشوز.
وأنت ايها القبطي والسرياني والارمني لماذا تتذمرون. تهمسون وترددون : "مجرموا حرب عُبَّاد ملك قتلوا واجلوا وفرض الجزية والناس صاغرون".
ألم تعلموا اننا بالنص المقدس الاعلون ؟
طهر قديما جدي الاعظم كنائسكم من نجاسة الكفر لأنكم آذيتم صلواته وقطعتم بهمهمات شياطينكم ابتهالاته.
اليوم اعلن على الملأ اني أنتهككم وولاتي المتعصبين للحق دفاعا عن الفضيلة والطهر لأننا قررنا ان تفسيرنا لنص "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" ( المجادلة) يأمرنا بذلك وأنه يحق بالتالي بناء على قراءتنا - اصدق القراءات - لشباب الصحوة المباركة ان يؤذوكم غيرة على الدين وخوفا على ذاك الغر الجاهل الذي سربتم له قيم الاعداء الحداثية ومقولات الديمقراطية وحقوق الانسان الوضعية.
لتتحلوا بأسس ثقافتي الاجتماعية والسياسية قسرا لأنها حتمية أو اقبلوا بصفة الذمة وتقبلوا ان تكونوا الدون المنفيون على حدود المدينة واصمتوا الى الابد او ارحلوا من ارضنا التي ملكناها بحد سيفنا الطاهر وزرعنا فيها اجنتنا الشريفة المقدسة فتكاثرت وسحقت كيانكم حتى صرتم اقليات لا قيمة لها ولا معنى.
لاتنكروا تفردنا وامتيازاتنا فأنتم كنتم وستظلون دوما حجر العثرة الذي يمنع الاتقياء من اقامة الامة الكبرى بعمالتكم واختلافكم البغيض المدمر لأي وحدة.
ألا تعقلون ؟ "

يحكى انه أضاف في ساعة الغسق من الليلة الموالية لما اتضحت له الرؤيا وصفت نفسه وعاد له الانشراح والرغبة في مواصلة الفتوح والغنم :
- أية عدالة تنشدون ابناء العهر بعيدا عن صرح هوسي السياسيّ المتشبع بتوجيهات اقوى الشركات العابرة للقارات وبدعم استراتيجيات اصحاب لغة القوة الضاربة في كل الارجاء وبإرشاد الهي من فقهاء ابلغ الديانات ؟
الانسان فقط من يلتزم بدعواتي ويقف عند حدود تشريعاتي.
صفقوا جميعا لولاتي فكل واحد منهم تجلٍّ لي يحمل بعضا من صفاتي. هناك في عمق الصحراء ملك جليل يدعوكم للوحدة الاولى عازفا لحن جدي متتبعا خطواتي. وفي قطر البترول شيخ يمنحكم جزيل العطايا والهبات. وفي فارس ولي لله كثير البركات وان انشق عن مذهب عبد الملك الذي سطر في انبل المخطوطات وفي دول منبتة الجذور خلفاء ولدوا مع الثورات.
اركعوا شاكرين لله الذي ميزكم والقوا في البحر من لا ينتمي للعشيرة المصطفاة ومن يحارب سلطة خلفائي. حاربوا زنادقة الزمان والمنادين بالمواطنة والحريات.
واسجنوا الايماء وارجموا كل السافرات.
اريدها بلادا خالصة لأمة تسير على الحق وتفني من لا يعترف بالحاكمية الالهية ولا يسمع بإخلاص وتبتل كلام ائمتي ارشد الدعاة.
لقد انتهت الهدنة ايها الغرباء في اوطاني.
اني آمر برمي من مثلوا امامي من اعداء الدين في الدرك الاسفل في سجون المدينة وآمر كل العرب ومواليهم المستعربين وكل اتباعي باسم الله ان يتجهزوا للفتح القادم. غايتي ومرادي نشر كلمة الله في بلدان ما وراء البحار في اوروبا وأمريكا لتعزيز قوة الامة التي بها يعلو ذكر الله بين الامم."
بعد صمت قصير وتفكير عميق التفت الى ولاته الواقفين منكسي الرؤوس وابتسم لهم بعطف غامر وقال لهم :
" تقدموا يا ملوك وحكام الجزيرة ودول المغرب والمشرق ووجوهها ويا فقهاء امتي وعلماءها واختاروا ما شئتم من الرقيق المختلف الالوان لإمتاع لياليكم وإنارة قصوركم. لتراعوا الاولوية والمقام في اختياراتكم. ليبدأ اشدكم ولاء وأكثركم ارصدة بنكية ثم بقية الأمراء والياء الامر ولتمنحوا ما تبقى لمرشدي الثورات المقدسة وكل مصلح غيور في اي عضو من جسدي الممتد من الخليج للمحيط الذين في صحوتهم انتفضوا فقط من اجل ارساء رؤيتي الموفقة بإذن ربي للشريعة الغراء ومحاربة كل من خالفها من قراءات وتفسير.
لتركعوا الان جميعا لخليفة الله في ارضه مستودع كلمته وصاحب راياته التي لا تنكس أبدا.
يا شعبي الراكع عند قدمي اتعلم ما اروع الوفاق بين الرعية والحاكم وما ينتج عنه من نعيم وسؤدد ؟
سيعلو نجمكم وتسمو دولتكم يا اهل الدين ناصري الانبياء ومعليّ كلمة الله لأنكم رضيتموني مالكا لأمركم ناطقا باسمكم موحدا لكلمتكم. أنا التاريخ... من جمعكم بعد شتات."

****


يتبع
دمتم بخير



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 3
- نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج2
- نبش في تاريخ منسي ديهيا - رواية
- صلوات في هيكل حب - السجدة الثانية
- اسلاميون الافاضل تعالوا نتقصى ملابسات مقتل عثمان بن عفان بين ...
- صلوات في هيكل حب .. السجدة الاولى
- عثمان بن عفان حاكم ظالم ام سلف صالح
- حضور الغياب .. وقفة سياسية
- بحث في سيرة عثمان من منظور اسلامي
- الخلافة الراشدة عثمان وعلي والفتنة الكبرى - سياسة بلوس ديني
- صفحات من تونس- دخول الاسلام الى افريقية جزء 2
- صفحات من تونس- دخول الاسلام لافريقية
- صفحات من تونس- تاريخ شعب
- الخلافة الراشدة -- عمر بن الخطاب 2
- الخلافة الراشدة -- عمر بن الخطاب 1
- حضور الغياب.. صفحات مصرية
- حضور الغياب.. وريقات عراقية
- الخلافة الراشدة
- حظور الغياب: أنيس مرة أخرى
- السياسة المحمدية. جزء ثاني


المزيد.....




- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم -
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم .


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 4