سلمان رشدي يرصد جنون أمريكا

أحمد شافعي

الحوار المتمدن-العدد: 1189 - 2005 / 5 / 6 - 08:57
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

ترجمة: أحمد شافعي
استحدثت أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر ما يمكن أن أسميها "وزارة الإنذارات الكاذبة"، وهي وزارة تداوم على رفع مستوى الخوف داخل الولايات المتحدة، بحيث لم أعد أعرف ما الذي تعنيه كل هذه الإنذارات التي تلونها الحكومة بمختلف ألوان قوس قزح: لا أعرف كيف ينبغي أن يكون رد فعل المرء على تحول مستوى الخطر من الأصفر إلى البرتقالي؟ وما الذي ينبغي أن يفعله المرء في حالة الخطر البرتقالي مما لم يفعله في حالة الخطر الأصفر؟ من أي شيء يتخفف المرء حين يقل الخطر؟ إن الغرض الوحيد من هذه الإنذارات هو ترويع الناس. فحين يكون لديك شعب مروع، يسهل عليك القيام بتصرفات ما كان الشعب ليتسامح في اتخاذها نيابة عنه. إن مناخ الخوف ـ المستمر عن عمد داخل الولايات المتحدة ـ شيء ينبغي محاربته.
أحد التجليات الذائعة لهذا الوضع هو القانون الوطني الأمريكي الذي يزيد بشكل خطير من قدرة الحكومة الأمريكية على اختراق مناطق ما كان بوسعها اختراقها، مثل الكتب التي يقرؤها الناس، والأفكار التي تدور في أذهانهم. بحيث لا يملك المرء إلا أن ينزعج حين يرى أن الحكومة الأمريكية تستشعر ضرورة السيطرة على المكتبات، أو ترى أن أمناء المكتبات قد يكونون خارجين خطرين على القانون.
لا شك أن الإرهاب موجود، ولا شك في وجوب محاربته، لكن جرائم الدولة موجودة أيضا ولا بد أيضا من محاربتها. لقد لفت محرر "ذي نيويوركر" ديفيد ريمنيك أنظارنا مؤخرا إلى أن إدارة بوش أعلت كثيرا من نبرتها الخطابية فيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية منذ بدء الحرب في العراق. ونقل عن جورج بوش تأكيده في يونيو 2003 على الأسس الأخلاقية لعملية تحرير العراق بقوله "إنني أدعو كل حكومات العالم إلى الانضمام إلي الولايات المتحدة والدول الملتزمة بالقانون في منع كل أشكال التعذيب والتحقيق فيها وتقديمها إلى القضاء ... إننا نخوض هذه المعركة لتكون مثالا يحتذى". ويبدو من المستحيل الآن أن ننظر إلى ما حدث في أبو غريب بوصفه المثال الأخلاقي الذي تقدمه أمريكا. خصوصا وأننا نعلم الآن طبيعة هذا المثال.
إن من دواعي الأسى أن هذه التصرفات قد قوضت ـ ربما لمدة جيل كامل ـ قدرة الولايات المتحدة على تقديم نفسها كممثلة لمستويات أخلاقية رفيعة. ولا يقتصر ذلك على العالم العربي أو الإسلامي فحسب، بل إنها مشكلة ستواجه النظام أين يكون.
ومن أجل البدء في إصلاح هذا الوضع ـ ومن أجل فهم أفضل للصراع الذي نخوضه ـ تحتاج الولايات المتحدة إلى إجراء حوار مفتوح مع بقية العالم. تحتاج أن تعرف وتسمع وتفهم ما تقوله بقية العالم. ولكن المفارقة أن هذه اللحظة بالذات تشهد مصاعب متزايدة أمام السماح لهذه الأصوات بالدخول إلى الولايات المتحدة.
أينما يذهب المرء في أمريكا، سواء في المجتمع الأكاديمي، أو الثقافي، أو الفني، يسمع قصصا عن إخفاقات في استجلاب الفنانين أو الموسيقيين أو الأكاديميين إلى البلاد.
بل إن آداب البلاد الأخرى لا تجد طريقها إلى الولايات المتحدة. حيث تحظر القوانين الأمريكية الآن تحرير عمل ينتمي إلى ما يطلق عليه "البلاد المعادية". فلو أن نصا وصل مثلا من إيران أو كوريا الشمالية وتم تحريره في الولايات المتحدة فمن الممكن تجريم ذلك باعتباره إتجارا مع بلد معاد. وهذا ببساطة جنون. فلو تم تطبيق ذلك بأثر رجعي على الفترة التي شهدت وجود الاتحاد السوفييتي، فذلك يعني محاكمة كل الذين قاموا بتحرير نصوص سوفييتية في الغرب. الجنون في هذا مرده إلى أنك لو نشرت النص بدون تحرير، نشرته بكل ما فيه من فوضى، فلا غبار عليك، أما حين تحاول إتمام عملية النشر الطبيعية بتحرير الكتاب بحيث يتم تقديمه للجمهور في شكل لائق، تكون ارتكبت جريمة.
مقالات هذا العدد تعالج هذه المشكلة. بعض المقالات يذكرنا بخسارتنا في كل نفس أزهقت يوم الحادي عشر من سبتمبر، بعضها يحذر من أن انتهاكات أبو غريب قد تقترب من الأراضي الأمريكية. وبعضها يقدم الدليل الدامغ على ضرورة الحوار المفتوح، وضرورة ألا يتم إسكات الكتاب، بل يتم السماح لهم بتبادل قصصهم.
لقد أوضحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر مدى الحاجة إلى هذا الحوار، حين أوضحت أن قصص العالم غير منفصلة عن بعضها البعض. وأن قصة أمريكا لم تعد محدودة بحدود أمريكا، فلا أحسب أن كثيرين في نيويورك كانوا يرون أن لهم علاقة بقصة القاعدة، لكنهم اكتشفوا في ذلك اليوم المريع في كل من واشنطن ونيويورك أن قصة القاعدة هي قصتهم، بل وقصة الولايات المتحدة كلها. ولم يعد بوسع أحد الآن أن ينغلق على ثقافته. لم يعد بوسعنا أن نتوهم أن كل ثقافة معزولة في سلتها. لأن قصة أي واحد اليوم هي قصة الجميع، أو هكذا يمكن أن تكون ما بين طرفة عين وانتباهتها، أو بين إشعال فتيل وانفجار لغم.

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات