جان آريان
الحوار المتمدن-العدد: 4138 - 2013 / 6 / 29 - 00:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حول الملتقى الثقافي الكوردي الأخير في هولير
►-;- بعض (المثقفين) الكورد يتهافتون ويحوصون هستيريا أكثر من بعض (السياسيين) الكورد المتاجرين غباءا أو خبثا بكثير!
كما هو معلوم, هناك العديد من التعريفات والتوصيفات للسياسة ومطباتها المتنوعة والمختلطة في الإطار العام. فمنها على الأقل ما تعرف السياسة "بالفن الممكن" المشروع وذلك بهدف تأمين مصالح المجتمع داخليا وخارجيا وهذا ما تحقق نسبيا خلال العقود العديدة الأخيرة لدى بعض المجتمعات المتطورة الغربية واليابان واستراليا.. وذلك بفضل سيادة القانون والمحاسبة وازدياد درجة توعية المواطنين وتنمية مؤهلاتهم وأنماط حياتهم الفكرية والمادية هناك-;- ومنها ما توصف السياسة "بأنها على الأكثر هي نوع من أنواع الإنتهازية والنفاق والأشد نفاقا يفوز فيها" بشكل غير مشروع وذلك غالبا بقصد الوصول دون جهد وإنتاج إلى التولية والمنافع الشخصية أكثر من السعي إلى تأمين مصالح الأمة بكثير وهذا مازال جاريا على الأغلب وبنسب متفاوتة لدى المجتمعات الأخرى. هنا ورغم هذا وذاك, بالطبع لا يمكن إلغاء السياسة أو الإبتعاد عنها كليا وذلك كونها الإسلوب المتبع منذ الأزل في مجال إدارة المجتمعات والدولة والتعامل مع الخارج, بل سيظل مستمرا ومتبعا إيجابا وفقا لدرجة التهذيب والإخلاص الوطني أو سلبا تبعا لمقدار ضعف القانون وشبه غياب المحاسبة ولمدى مستوى الأنانية والوصولية المفرطتين ودون الإهتمام المطلوب بمصالح الشعب وبحقوق الآخرين. في هذا الإطار وطبقا لتوصيف وتقييم السياسة في مراحل التحرر القومي للشعوب المضطهدة والمحتلة, لا بد من القول: بأنه ولضرورات أهمية الإخلاص القومي والتهذيب الصادق في نجاح النضال التحرري, يفترض بل ويجب أن يتمتع ساسة تلك الشعوب على الأقل بمستوى مقبول من هذه المواصفات والخصال الحميدة. هنا ولدى إجراء تقييم موضوعي للسياسة المتبعة من قبل ساسة الحركة التحررية الكوردية على الأقل في سوريا, يتبين بأنها أيضا لا تخل من تلك المواصفات السلبية والأمراض المذكورة وذلك بمقادير مختلفة من فصيل الى آخر, وهذا ما أدى منذ عقود إلى إضعاف وتفتت مفرطين لهذه الحركة وبالتالي ما زال يؤثر ذلك سلبا حتى في هذه الفرصة الذهبية الجارية منذ اندلاع ثورة الشعوب السورية, الى درجة بحيت لا تستطيع فصائل تلك الحركة الممتدة منذ ستة وخمسين سنة (ورغم وجود بعض المجالس والهيئات الشكلية) من التنسيق الصادق والفعال فيما بينها بخصوص العمل والبرنامج القومي المشتركين من ناحية وكذلك هي لا تتمكن حتى الآن(باستثناء YPG نسبيا) من تشكيل سرية بيشمركة أو ميليشيا كوردية مسلحة لحماية الشعب الكوردي في هذه الفرصة المواتية والحرجة بنفس الوقت ولأجل انتزاع حق تقرير مصيره في أقليمه داخل سوريا إتحادية مستقبلية من ناحية ثانية.
وفي هذا السياق ومقارنة بالسياسة وتشعباتها المذكورة آنفا, يمكن تعريف وتوصيف الثقافة على الأقل كالتالي:
- وفق عالم الإنثروبولوجيا البريطاني Edward Burnett Tylor الذي وصف الثقافة بأنها " تعنى، بما لذلك من حس إثنوغرافي بمفهومها الشامل حسب علم المجتمعات البدائية، بالكل المتداخل والذي يشمل المعرفة, المعتقدات, الفن والأخلاق والقانون، والعرف، وأية قدرات وعادات أخرى قد يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع.
- يعتبر مفهوم "الثقافة" قريب الشبه من مفهوم "بيلدونج" "bildung" باللغة الألمانية والذي يعنى أن:".. الثقافة تهدف بدورها إلى تحقيق غاية الكمال عن طريق التعرف على أفضل ما تم الوصول إليه فكرا وقولا في كل ما يهمنا بصورة أساسية على مستوى العالم كله.
وقد وضع الفيلسوف الألماني Immanuel Kant تعريفا فرديا لمفهوم "التنوير" وهو مفهوم مماثل لمفهوم بيلدونج bildung السابق ذكره.: فكلمة التنوير تعنى " خروج الإنسان من حالة عدم النضج والتي تكبده كثيرا من العناء". وأشار Kant بأن هذا النضج لا يتأتي من حالة عدم الفهم، ولكن يتأتى من حالة نقص في الشجاعة على التفكير بشكل مستقل. حيث قال:" إملك الشجاعة لتخدم تفكيرك المستقل! = Habe Mut, dich deines eigenen Verstandes zu bedienen!"، كما نادى Kant بالمثل التالي للتخلص من حالة الجبن العقلى بقوله: " كن شجاعا لتكن حكيما! = Wage weise zu sein!". وعلاوة على ذلك، عرض العالم الألماني الآخر Johann Herder صيغة مقترحة من البيلدونج:" فهذا المفهوم بالنسبة إليه يعد بمثابة مجموع الخبرات التي توفر للفرد الهوية المتماسكة، والشعور بالمصير المشترك."
وكذلك في القرن العشرين قد برز مفهوم كلمة "ثقافة" بوصفه مفهوم مركزى وموحد في الأنثروبولوجيا الأمريكية، حيث أنها تشير إلى القدرة الإنسانية بصورة رمزية وبشكل كبير والتي بدورها تعبر عن الخبرات الفردية بشكل رمزى، وفى الوقت ذاته تقوم بربط تلك الخبرات الرمزية بشكل اجتماعى.
فبما أن الثقافة تستعمل بشكل عام للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات, ولا تعد مجموعة من الأفكار فحسب، بل هي نظرية في السلوك أيضا مما يساعد ذلك على رسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات, فيفترض بالمثقفين والنخب أن يكونو على درجة وافية من الأصالة, التهذيب, الوطنية الصادقة, الخصال الحميدة والإستقلال الفكري وذلك لتأدية الرسالة على أكمل وجه ممكن وبما يخدم مصالح وتطور المجتمع بشكل عام, وفي مراحل التحرر القومي للشعوب المضطهدة أو المحتلة-كالشعب الكوردي مثلا- بشكل خاص.
وانطلاقا مما سبق ذكره بصدد توصيفات الثقافة, ولدى إجراء تقييم مختصر لسلوكيات بعض مثقفي ونخب غرب كوردستان منذ عقود وبشكل خاص منذ قيام الثورة الشعبية السورية يتبين بكل وضوح مدى ضعف وهشاشة ملاكاتهم وخصائصهم الثقافية وذلك شبيها جدا بحالة بعض المثقفين السوريين الآخرين من أمثالهم والذين يحوصون ويسعون هؤلاء وأولئك ليل نهار فقط بغية اشباع أنانيتهم وطموحاتهم الفردية يكاد دون الإهتمام بمبادئ الحرية والعدالة وبمصالح المجتمع كليا. غير أن هؤلاء الأخيرين يتمتعون على الأقل منذ عقود طويلة بدولتهم القومية من ناحية ويبدو أنهم كانوا ولايزالوا أصلا غير مبالين ومهتمين بجوهر الرسالة الثقافية المعنية من ناحية أخرى, لذلك سيان لهم كيفما تصرفوا وارتكبوا من أفعال مضرة لمصالح مجتمعهم. بيد أنه, ونظرا الى أن الشعب الكوردي المضطهد هو لايزال في مرحلة النضال التحرري القومي, فإن الطامة الكبرى والإثم الأعظم هما يتجسدان في أنانيات وسلوكيات أولئك المثقفين الكورد الذين ولدواعي حب الوجاهية والوصولية المناصبية المريحة المفرطة وعدم تهئية ذلك لهم أحيانا داخل فصائل الحركة السياسية التحررية الكوردية أو لأسباب عدم الإستعداد للتسخير المالي والجسدي وللملاحقة السياسية قد غادروا سريعا لتلك الفصائل أو أن البعض منهم لم ينتسبوا إليها أصلا وذلك تحت مزاعم وحجج واهية, كما أنهم وبعد المغادرة أو خلال حالة عدم التنظيم السياسي لم يبذلو جهدا مهما يذكر في مجالات قومية أخرى-;- وهنا طبعا لا يمكن انكار أخطاء وتشرزم تلك الفصائل لعوامل ذاتية سلبية وكذلك لظروف الإضطهاد السوداوية, لكن لا يعني ذلك بالتوقف عن كافة أشكال الكفاح التحرري! كما إن بعض من هؤلاء (المثقفين) كانوا, وفقط لدواعي التطفل على وسائل إعلامية معنية التي يتم دفع مصاريف عملها من تبرعات أنصار الحركة التحررية الكوردستانية-PKK, يترددون أحيانا لدى مؤسسات منظومة هذه الحركة بل كانوا يتصنعون وفق طبيعتهم التطفلية حتى مناصرتهم لها أيضا رغم علاقات تلك الحركة شأنها شأن حركة التحرر الكوردستانية الجنوبية في العقود السابقة مع النظام السوري الدكتاتوري الشوفيني، وهم أنفسهم الآن الذين يشتمون نفاقيا تلك الحركة في هذا الظرف المواتي والذي فيه تشكل تلك الحركة المضحية بيشمركة كوردية مسلحة داخل كوردستان الغربية رغم بعض التصرفات الخاطئة وجل من لا يخطئ من جهة، ومن جهة ثانية فرضت نفسها بتضحياتها بقوة لتضطر الحكومة الشوفينية على إجراء المفاوضات معها حول ايجاد حل سياسي معين للمسألة الكوردية الشمالية-;- وهنا لا بد من القول بأنه هناك ضرورة ملحة لتشكيل الفصائل الكوردية الأخرى أيضا لبيشمركة كوردية ومن ثم تشكيل مجلس عسكري مشترك مع YPG والأسايش. وفي هذا المجال أيضا فلا يخفى بأن أفرادا آخرين من هؤلاء (المثقفين) كانوا وحتى الأمس القريب قبل اندلاع الثورة السورية التحررية يستمرون بتنظيم ونشر حملات الإشادة والتقديس لأبشع دكتاتور همجي وهو البائد معمر القذافي! غير أنه وبعد اندلاع الثورة التحررية السورية منذ أكثر من سنتين, وبالتناقض مع أهم فصائل الحركة التحررية الكوردية الغربية, تبينت وأظهرت سرعة تصنع وتطفل وتهافت بعض من هؤلاء الأفراد لدى مجموعات المجلس الوطني السوري كتصرف الأيتام, وطبعا يكاد دون أي إهتمام بمدى محتوى الرؤيا المستقبلية لبرامج تلك المجموعات حول حق تقرير المصير للشعب الكوردي الممضطهد داخل سوريا موحدة مستقبلا. حيث يجدر التذكير هنا, بأن تلك الفصائل الكوردية المذكورة والعديد من النخب الكوردية الأصلاء قد غادروا على الأقل ثلاث مؤتمرات ولقاءات للمجلس الوطني والإئتلاف السوريين وذلك إحتجاجا على عدم تبني مجموعاتهما للحقوق القومية الديموقراطية المطلوبة المشروعة والذين أضروا بدورهم بذلك الإنكارالثورة السورية كثيرا بحيث أدى ذلك إلى تردد وإضعاف الموقف الغربي من تلك الثورة الى الآن, بينما ظل أولئك الأفراد المعنين ملتصقين بموائد تلك المجموعات التي مابرحت تزعم وتردد بدورها دوما أمام المؤسسات الدولية, بأن هناك أكرادا أو كتلة كوردية ممثلة في المجلس والإئتلاف المذكورين. هكذا, ومن ثم محاولة لتبييض الصفحة ولكسب الشرعية الموهومة بعد إحداثهم وارتكابهم كل ذلك الضرر بالمسألة الكوردية الغربية, بدأ أولئك الأشخاص (المثقفين) أحيانا بالتردد على أقليم كوردستان العراق لدوافع استغلال كرم واهتمام حكومة ورئيس الأقليم السيد برزاني بمسألة الشعب الكوردي المهدد من جانب, ومن جانب آخر بدأ هؤلاء مؤخرا بدعوة بعض المثقفين الكورد البريئين الى ملتقيات ثقافية, كما هو الحال بالنسبة إلى ( ملتقى الثقافي التشاوري) الأخير في هولير-;- هذا مع التقدير الكبير لأي لقاء و تجمع نخبوي كوردي يعبر فعلا عن تنمية المواهب والأصالة الثقافية وتهدف في الوقت ذاته الى نيل الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي المضطهد. لكن, وبغض النظر عن توصيات ومقترحات ذلك الملتقى المذكور, فان التناقض الأساسي هو في أولئك الأفراد أنفسهم من أصحاب المبادرة والدعوة الذين أفسدوا ويفسدون بتصرفاتهم تلك جوهر " الثقافة" وقد أضروا بذلك كثيرا أيضا القضية الكوردية الغربية, فكيف بهم إذا أن يحاولوا بسرعة ويخدعوا بإسم " الثقافة" نفسها أولئك المثقفين الكورد البريئين المدعوين! فلو قام أولئك الأفراد مثلا بتنظيم ملتقى سياسي معين, لكان ذلك ربما مطابقا لطبيعة وعقلية أولئك الأشخاص, وذلك على قاعدة النوع الثاني من التعريف السياسي المذكور في بداية هذا الموضوع:
"إن السياسة هي على الأكثر نوع من أنواع الإنتهازية والنفاق، والأشد نفاقا يفوز فيها".
جان آريان = Can Aryan: اللقب الذي أخترته لنفسي في الإعلام والنشر
محمد محمد - ألمانيا
۲-;-۸-;-ـ٦-;-ـ۲-;-۰-;-۱-;-۳-;-
#جان_آريان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟