أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( كتاب الحج ب 6 ف 5 ) :مفاوضات قبيل الاشتباك الحربى فى كربلاء















المزيد.....


( كتاب الحج ب 6 ف 5 ) :مفاوضات قبيل الاشتباك الحربى فى كربلاء


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4129 - 2013 / 6 / 20 - 08:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



( كتاب الحج ب 6 ف 5 ) :مفاوضات قبيل الاشتباك الحربى فى كربلاء
كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب السادس :مذبحة كربلاء وإنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل الخامس : مفاوضات قبيل الاشتباك الحربى فى كربلاء

مقدمة
لم يستمع الحسين لنصح الناصحين ، وحين وقع فى مخالب أعدائه بدأ يتنازل فى المفاوضات معهم لينجو بحياته ، ولكنهم لم يترفقوا به ، فطالبوا باستسلامه بلا قيد ولا شرط . فرفض ، فكانت المذبحة . ونتعرض هنا لمراحل التفاوض وظروفه حسبما رواه الطبرى فى تاريخه .
أولا : المفاوضات و المواجهة مع جيش الحُرّ بن يزيد التميمي:
1 ـ أرسل ابن زياد بجيش يقوده الحُرّ بن يزيد التميمى ، لا ليقاتل الحسين ولكن ليقبض عليه ويحضره الى ابن زياد . وهذا يعنى القتال لأن الحسين لم يكن ليستسلم لابن زياد . وكان الحُرّ بن يزيد رجلا نبيلا يؤمن بقلبه بأفضلية الحسين بدليل أنه رضى أن يصلى خلف الحسين بما يعنى قبوله بإمامة الحسين ، وكان يتحاشى مسئولية قتال الحسين ، فكان بين نارين ، كونه قائدا لجيش يأتمر بأوامر الوالى ابن زياد ، وتعاطفه مع الحسين ، لذا لم يبادر بالدخول فى حرب الحسين ، ولم يحاول إعتقال الحسين ، بل كان بارّا به ، باحثا عن حلول وسط ، يتفاوض معه فى طريقة يتجنب بها القتال ، فنصح الحسين أن يأخذ طريقا لا يدخل به الى الكوفة ولا يعيده الى الحجاز ، الى أن يستشير الوالى ابن زياد . تقول الرواية عن جيش الحُرّ بن زيد : ( ..وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في نحر الظهيرة.. فلم يزل مواقفًا الحسين ، حتى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين مؤذنه بالأذان ، فأذن ، وخرج الحسين إليهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ " أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن اقدم إلينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجعلنا بك على الهدى فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم أقدم مصركم وإن لم تفعلوا أو كنتم بمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه‏.".‏ فسكتوا ، وقالوا للمؤذن‏:‏" أقم . " فأقام . وقال الحسين للحر‏:‏" أتريد أن تصلي أنت بأصحابك ؟ " فقال‏:‏ " بل صل أنت ونصلي بصلاتك‏".‏ فصلى بهم الحسين، ثم دخل ، واجتمع إليه أصحابه . وانصرف الحر إلى مكانه، ثم صلى بهم الحسين العصر ، ثم استقبلهم بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ " أما بعد، أيها الناس . فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان. فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم ورسلكم انصرفت عنكم‏." . ‏ فقال الحر‏:‏" إنا والله ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر‏" .‏ فأخرج خرجين مملوءين صحفًا ، فنثرها بين أيديهم‏.‏ فقال الحر‏:‏ " فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا أنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد‏.‏ " فقال الحسين‏:‏ " الموت أدنى إليك من ذلك‏!‏ " . ثم أمر أصحابه فركبوا لينصرفوا ، فمنعهم الحر من ذلك‏.‏ فقال له الحسين‏:‏ " ثكلتك أمك‏!‏ ما تريد ؟ " قال له‏:‏ أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنًا من كان ، ولكني والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه‏.‏". فقال له الحسين‏:‏ " ما تريد.؟ ". قال الحر‏:‏ " أريد أن أنطلق بك إلى ابن زياد "‏.‏ قال الحسين‏:‏ " إذن والله لا أتبعك."‏.‏ قال الحر‏:‏ " إذن والله لا أدعك‏." .‏ فترادا الكلام . فقال له الحر‏:‏ " إني لم أؤمر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة . فإذا أبيت فخذ طريقًا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد ، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك‏.".‏)
2 ـ فى الطريق تنحى الحُرّ بن يزيد ، وترك الحسين يسير ، فقابل الحسين بعض شيعته القادمين من الكوفة الذين نصحوه بعدم دخول الكوفة ، قال له ( مجمع بن عبيد الله العائذي وهو أحدهم‏:‏" أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم فهم ألبٌ واحدٌ عليك ، وأما سائر الناس بعدهم فإن قلوبهم تهوي إليك وسيوفهم غدًا مشهورة إليك‏." ) وحذّره أحدهم وهو الطرماح بن عدي، بألا يدخل الكوفة لأن أهلها أجمعوا على حربه ، ونصحه أن يلجأ الى جبل طىء واسمه ( أجأ )‏ ويتحصّن به ، ووعده أن يجمع له أنصارا من قبائل سليم وطىْ. وكالعادة العلوية لم يأخذ الحسين بنصيحته . نستكمل الرواية وفيها يقول الطرماح بن عدي للحسين محذّرا :‏ " والله ما أرى معك كثير أحدٍ ، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم . ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيومٍ ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي جمعًا في صعيد واحد أكثر منه قط ليسيروا إليك .! فأنشدك الله إن قدرت على أن لا تقدم إليهم شبرًا فافعل. ) ثم يقول له ناصحا : ( فإن أردت أن تنزل بلدًا يمنعك الله به حتى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع فسر حتى أنزلك جبلنا أجأ فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسان وحمير والنعمان بن المنذر ومن الأحمر والأبيض . والله ما إن دخل علينا ذل قط ، فأسير معك حتى أنزلك القرية ، ثم تبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسليم من طيء ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيء رجالًا وركبانًا . ثم أقم فينا ما بدا لك ، فإن هاجك هيجٌ فأنا زعيمٌ لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يوصل إليك أبدًا وفيهم عين تطرف‏") ورفض الحسين : ( فقال له‏:‏ " جزاك الله وقومك خيرًا‏!‏ إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر جمعه على الانصراف ولا ندري علام تتصرف بنا وبهم الأمور‏.‏") ، وتقول الرواية عن الطرماح بعد رفض الحسين لنصيحته أنه سار لأهله بالمؤن التى كان يحملها ورجع لنصرة الحسين فعلم فى الطريق بمقتل الحسين فرجع الى اهله : ( فودعه وسار إلى أهله ووعده أن يوصل الميرة إلى أهله ويعود إلى نصره ففعل ، ثم عاد إلى الحسين فلما بلغ عذيب الهجانات لقيه خبر قتله فرجع إلى أهله‏.‏)
3 ـ وجاءت الأوامر من ابن زياد للحُرّ بن يزيد بأن يمنع الحسين الماء وأن يحيله الى العراء ، وجعل ابن زياد من رسوله عينا يراقب الحُرّ فى تنفيذ أوامره . تقول الرواية: (.. فلم يزالوا يتياسرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين ، فلما نزلوا إذا راكب مقبل من الكوفة ، فوقفوا ينتظرونه ، فسلم على الحر ولم يسلم على الحسين وأصحابه . ودفع إلى الحر كتابًا من ابن زياد فإذا فيه‏:‏" أما بعد فجعجع بالحسين حتى يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصين وعلى غير ماء . وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام‏.‏" فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر‏:‏ " هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وقد أمر رسوله أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره‏.‏". وأخذهم الحر بالنزول على غير ماء ولا في قرية فقالوا‏:‏ دعنا ننزل في نينوى أو الغاضرية أو شفية‏.‏ فقال‏:‏ لا أستطيع هذا الرجل قد بعث عينًا علي ‏.‏)
ثانيا : جيش عمربن سعد بن أبى وقاص ومفاوضات ما قبل الحرب :
1 ـ ثم أرسل ابن زياد جيشا يقوده عمر بن سعد بن أبى وقّاص . كانت الكوفة تتبعها ولايات فى المشرق الفارسى ، ولوالى الكوفة أن يعين ولاة تتبعه فيها ، وقد بعث ابن زياد بعمر بن سعد على رأس حملة لاخضاع الديالمة فى منطقة الرى ، وجعله واليا عليها . فلما جدّت مشكلة الحسين جعله ابن زياد قائدا للجيش المكلف بقتال الحسين ، وإن لم يفعل فلن يكون واليا على الرى . فجاء ابن سعد بن أبى وقاص بجيش ليقاتل الحسين حتى لا تضيع منه إمارة اقليم الرى الفارسى . تقول الرواية : ( فلما كان الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف . وكان سبب مسيره إليه أن عبيد الله بن زياد كان قد بعثه على أربعة آلاف في دستبى . وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها . وكتب له عهده على الري فعسكر بالناس في حمام أعين . فلما كان من أمر الحسين ما كان ، دعا ابن زياد عمر بن سعد ، وقال له‏:‏ " سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا وبينه سرت إلى عملك‏" .‏ فاستعفاه‏.‏ فقال‏:‏ " نعم على أن ترد عهدنا "‏.‏ فلما قال له ذلك قال‏:‏ " أمهلني اليوم حتى أنظر‏" .‏ فاستشار نصحاءه فكلهم نهاه . وأتاه حمزة بن المغيرة بن شعبة ، وهو ابن أخته فقال‏:‏ " أنشدك الله يا خالي أن تسير إلى الحسين فتأثم وتقطع رحمك فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض لو كان لك خير من أن تلقى الله بدم الحسين‏!‏ " فقال‏:‏ " أفعل‏." ‏ وبات ليلته مفكرًا في أمره . فسُمع وهو يقول‏:‏
أأترك ملك الري والري رغبةً أم أرجع مذمومًا بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها حجابٌ وملك الري قرة عين .
ثم أتى ابن زياد فقال له‏:‏ " إنك قد وليتني هذا العمل وسمع الناس به فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل وابعث إلى الحسين من أشراف الكوفة من لست أغنى في الحرب منه. " وسمى أناسًا‏.‏ فقال له ابن زياد‏:‏ " لست أستأمرك فيمن أريد أن أبعث . فإن سرت بجندنا، وإلا فابعث إلينا بعهدنا‏.‏ قال‏:‏ فإني سائر‏.‏)
2 ـ ودارت مفاوضات بين الحسين وبين عمر بن سعد ، وعرض الحسين أن ينصرف عائدا ، وكتب عمر ابن سعد بهذا الى ابن زياد ، فرفض ابن زياد ، وطلب أن يبايع الحسين ليزيد أولا ثم يرى رأيه فيه فما بعد ، وشدّد على منع الحسين من الماء . تقول الرواية : ( فأقبل في ذلك الجيش حتى نزل بالحسين ، فلما نزل به بعث إليه رسولًا يسأله ما الذي جاء به . فقال الحسين‏:‏ " كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم عليهم ، فأما إذ كرهوني فإني أنصرف عنهم‏." ‏فكتب عمر إلى ابن زياد يعرفه ذلك . فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال‏:‏ " الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص ." ثم كتب إلى عمر يأمره أن يعرض على الحسين بيعة يزيد ، " فإن فعل ذلك رأينا رأينا " ، وأن يمنعه ومن معه الماء‏.‏ فأرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء‏.‏ وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام ) .. فلما اشتد العطش على الحسين وأصحابه أمر أخاه العباس بن علي فسار في عشرين راجلًا يحملون القرب وثلاثين فارسًا فدنوا من الماء فقاتلوا عليه وملؤوا القرب وعادوا .).
3 ـ وجرت مفاوضات أخرى بين الحسين وعمر بن سعد ، يتضح من بعضها أن المال فيها كان سيّد الموقف ، إذ دارت فيها مفاوضات مالية بينهما . تقول الرواية أن الحسين بعث لابن سعد يقول له :( أن القني الليلة بين عسكري وعسكرك‏.‏ فخرج إليه عمر فاجتمعا وتحادثا طويلًا ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره . وتحدث الناس أن الحسين قال لعمر بن سعد‏:‏ "اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين‏.‏ " فقال عمر‏:‏ " أخشى أن تهدم داري‏.‏" قال‏:‏ " أبنيها لك خيرًا منه‏.‏" قال‏:‏ " تؤخذ ضياعي‏.‏" قال‏:‏ " أعطيك خيرًا منها من مالي بالحجاز‏.‏" فكره ذلك عمر‏.‏) . وهناك رواية تضيف أن الحسين قال له : ( اختاروا مني واحدة من ثلاث‏:‏ إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإما أن تسيروا بي إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلًا من أهله لي ما لهم وعلي ما عليهم‏.‏ ). وواضح هنا أن الحسين يقدم تنازلات كل مرة ، وواضح أيضا أن ابن زياد لا يأخذ بها . وهناك رواية أخرى وحيدة تنكر هذا ، يقول الطبرى : ( وقد روي عن عقبة بن سمعان أنه قال‏:‏ صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل ، وسمعت جميع مخاطباته للناس إلى يوم مقتله . فوالله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس أنه يضع يده في يد يزيد ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال‏:‏ دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس‏.‏ فلم يفعلوا‏.‏) .والأرجح انهما وصلا لاتفاق بعث به عمر ابن سعد لابن زياد فرفضه ابن زياد بتأثير صديقه شمّر بن ذى الجوشن . تقول الرواية : ( ثم التقى الحسين وعمر بن سعد مرارًا ثلاثًا أو أربعًا . فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد‏:‏ " إما بعد فإن الله أطفأ النائرة وجمع الكلمة وقد أعطاني الحسين أن يرجع إلى المكان الذي أقبل منه ، أو أن نسيره إلى أي ثغر من الثغور شئنا، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده. وفي هذا لكم رضى وللأمة صلاح‏.‏" فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال‏:‏ " هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه. نعم قد قبلت‏" .‏ فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال‏:‏" أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك ؟ والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف والعجز . فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن. ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فإن عاقبت كنت ولي العقوبة وإن عفوت كان ذلك لك ولله . لقد بلغني أن الحسين وعمر يتحدثان عامة الليل بين العسكرين‏".‏ فقال ابن زياد‏:‏ " نعم ما رأيت . الرأي رأيك. اخرج بهذا الكتاب إلى عمر فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلمًا ، وإن أبوا فليقاتلهم ، وإن فعل فاسمع له وأطع . وإن أبى فأنت الأمير عليه وعلى الناس ، واضرب عنقه وابعث إلي برأسه‏.‏ " وكتب معه إلى عمر بن سعد‏:‏ " أما بعد فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتمنّيه ولا لتطاوله ولا لتقعد له عندي شافعًا . انظر. فإن نزل الحسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلمًا ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون . فإن قُتل الحسين فأوطىء الخيل صدره وظهره ، فإنه عاقٌّ شاقٌّ قاطع ظلوم . فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أنت أبيت فاعتزل جندنا .وخلّ بين شمر وبين العسكر. والسلام‏ .‏ " ). وأطاع عمر بن سعد بن أبى وقاص الأوامر ، وبعث بها للحسين يطلب منه الاستسلام بلا قيد ولا شرط . فرفض الحسين وانتهت بهذ المفاوضات ، وتحتمت الحرب .
ثالثا : خطابات قبيل الاشتباك الحربى
1 ـ فى البداية طلب الحسين من أنصاره أن يرحلوا ويأخذ كل واحد منهم بفرد من أهل الحسين ويختفوا بهم ، وان يتركوه يواجه وحده مصيره ، فرفضوا جميعا . تقول الرواية أنه قال لهم :( " قد أذنت لكم جميعًا فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام . هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملًا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي . فجزاكم الله جميعًا ، ثم تفرقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله ، فإن القوم يطلبونني ولو أصابوني لهُوا عن طلب غيري‏.‏" فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء إخوته وابناء عبد الله بن جعفر‏:‏ " لم نفعل هذا لنبقى بعدك‏!‏ لا أرانا الله ذلك أبدًا‏!‏ ". فقال الحسين‏:‏ " يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم . اذهبوا فقد أذنت لكم‏.‏ " قالوا‏:‏ " وما نقول للناس؟! نقول‏:‏ تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن منهم برمح ولم نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل . ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك . فقبح الله العيش بعدك‏!‏ " . وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال‏:‏ " أنحن نتخلى عنك ولم نعذر إلى الله في أداء حقك‏.‏ أما والله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي . والله لو لم يكن معي سلاحي لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك‏.‏ وتكلم أصحابه بنحو هذا ‏.‏ )
2 ـ وعبأ الحسين جيشه . تقول الرواية : ( وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسًا وأربعون راجلًا . فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مطهر في ميسرتهم .وأعطى رايته العباس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب فألقي في مكان منخفض من ورائهم ، كأنه ساقية عملوه في ساعة من الليل ، لئلا يؤتوا من ورائهم . وأضرم نارًا تمنعهم ذلك‏.‏) وعبأ عمر بن سعد جيشه . تقول الرواية : ( وجعل عمر بن سعد على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير الأزدي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي . فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلا الحر بن يزيد فإنه عدل إلى الحسين وقُتل معه . وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي ، وعلى ميسرته شمر ابن ذي الجوشن . وعلى الخيل عروة بن قيس الأحمسي ، وعلى الرجال شبث بن ربعي اليربوعي التميمي . وأعطى الراية دريدًا مولاه‏.‏)
3 ـ وخطب فيهم الحسين قبل القتال ، ونادى :( :‏ يا شبث بن ربعي‏!‏ ويا حجار بن أبجر‏!‏ ويا قيس بن الأشعث‏!‏ ويا زيد بن الحارث‏!‏ ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم ؟ قالوا‏:‏ لم نفعل‏.‏ ثم قال‏:‏ بلى فعلتم‏.‏ ثم قال‏:‏ أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني من الأرض‏.‏ فقال له قيس بن الأشعث‏:‏ أولا تنزل على حكم ابن عمك ، يعني ابن زياد ، فإنك لن ترى إلا ما تحب‏.‏ فقال له الحسين‏:‏ أنت أخو أخيك ( يعنى يفعل مثل أخيه محمد بن الأشعث ) أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل .! لا والله ولا أعطيهم بيدي عطاء الذليل ولا أقر إقرار العبد‏.‏) وخطب زهير بن القين يعظ أهل الكوفة فردوا عليه بالسباب . تقول الرواية : ( وخرج زهير بن القين على فرس له في السلاح فقال‏:‏ " يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار. إن حقًا على المسلم نصيحة المسلم . ونحن حتى الآن إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف. فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنا نحن أمة وأنتم أمة."...فسبّوه وأثنوا على ابن زياد، وقالوا‏:‏ " والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله بن زياد سلمًا‏.‏ " فقال لهم‏:‏ " يا عباد الله إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية ( يعنى عبيد الله بن زياد ) ، فإن كنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم. خلوا بين الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية ، فلعمري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين‏.‏" فرماه شمرٌ بسهم وقال‏:‏" اسكت اسكت الله نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك‏!‏ " فقال زهير‏:‏ " يا ابن البوال على عقبيه‏!‏ ما إياك أخاطب ، إنما أنت بهيمة‏!‏ والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم‏.‏". فقال شمر‏:‏ "إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة‏.‏ ". قال‏:‏ " أفبالموت تخوفني؟! والله للموت معه أحب إلي من الخلد معكم‏!‏. ) .
4 ـ وانشق الحر بن يزيد عنهم وانضم الى الحسين وقاتل معه : ( ولما زحف عمر ( ابن سعد بن أبى وقاص ) نحو الحسين أتاه الحر بن يزيد فقال له‏:‏" أصلحك الله‏!‏ أمقاتل أنت هذا الرجل؟ " قال له‏:‏ " إي والله قتالًا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي‏.‏" قال‏:‏ " أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضىً ؟ " فقال عمر ابن سعد‏:‏ " والله لو كان الأمر إلي لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك‏.‏ " فأقبل ( الحُرّ ) يدنو نحو الحسين قليلًا قليلًا ، وأخذته رعدة . فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس‏:‏ " والله إن أمرك لمريب‏!‏ والله ما رأيت منك في موقف قط ما أراه الآن‏!‏ ولو قيل من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك‏.‏".! فقال له‏:‏ " إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، ولا أختار على الجنة شيئًا . ولو قُطّعت وحُرّقت‏. " . ‏ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين فقال له‏:‏ " جعلني الله فداك يا ابن رسول الله‏!‏ أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان .! ووالله ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدًا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة أبدًا . فقلت في نفسي‏:‏ لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أني خرجت من طاعتهم . وأما هم فيقبلون بعض ما تدعوهم إليه .ووالله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك . وإني قد جئتك تائبًا مما كان مني إلى ربي ، مؤاسيًا لك بنفسي، حتى أموت بين يديك .! أفترى ذلك توبة ؟ قال‏:‏ " نعم يتوب الله عليك ويغفر لك‏." .‏ وتقدم الحر أمام أصحابه ثم قال‏:‏ " أيها القوم . ألا تقبلون من الحسين خصلةً من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله ؟ فقال عمر‏:‏ " لقد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلًا‏.‏" فقال‏:‏ " يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر‏!‏ أدعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه ؟ أمسكتم بنفسه وأحطتم به ، ومنعتموه من التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعًا ولا يدفع عنها ضرًا ، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهودي والنصراني والمجوسي ، ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه .! وها هو وأهله قد صرعهم العطش‏!‏ بئسما خلفتم محمدًا في ذريته‏!‏ لا سقاكم الله يوم الظمإ إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه‏!‏ " فرموه بالنبل فرجع حتى وقف أمام الحسين‏.‏ ).
ونأتى لتفاصيل القتال فى كربلاء .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء الى أحرار المصريين قبل 30 يونية 2013
- (كتاب الحج ب 6 ف 4)قبيل مذبحة كربلاء:مراسلة الكوفيين الحسين ...
- حوار عن ( الأكراد ) لم يتم نشره فى الصحف الكردية
- تابع الرد على تعليقات على مقال ( هل كان من حق الحسين الثورة ...
- ردا على تعليقات على مقال ( هل كان من حق الحسين الثورة على يز ...
- ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 3 ) هل كان من حق الحسين الثورة على ( يزيد ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 2 ) قبل مذبحة كربلاء : العهد ليزيد بن معاو ...
- درب العوالم : ردا على خصومنا فى الدين :
- نقاش محتدم حول ( على ) والصحابة :
- ردا على الإعتراضات علينا فى تاريخ صحابة الفتوحات(2 ) (تِلْكَ ...
- ردا على الإعتراضات علينا فى تاريخ صحابة الفتوحات (1 )
- وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّ ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 1 ) قبل مذبحة كربلاء ( معاوية والحسن والما ...
- تعليقات وردود على مقال ( على : خليفة فاشل ، قهره عصره )
- صفحة من كتاب ( أنباء الدهور وأنباء العصور: للشيخ أحمد صبحى ب ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 22 ) (على : خليفة فاشل ، قهره عصره )
- ( كتاب الحج ب 4 ف 21 ) إنتهاك الأشهر الحرم فى معركة صفين فى ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 20 ) ( خلافة على والانتقام الالهى فى موقعة ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 19 ) الانتقام الالهى من عثمان


المزيد.....




- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( كتاب الحج ب 6 ف 5 ) :مفاوضات قبيل الاشتباك الحربى فى كربلاء