على موقع (كتابات) وغيرها، نشر ثلة من العلماء السعوديين الأفاضل بيان
يناصر القضية العراقية ويدعو المسلمين إلى التكاثف ورص الصفوف لمقاومة الغزو
القادم، من حيث هو غزو سيبدأ في العراق وبعده السعودية وبقية العالم
الإسلامي.
وقد ورد في البيان ما نصه: (إن ما تبيته أمريكا من عدوان على العراق
هو عدوان على كل المسلمين والمستضعفين ويجب على المسلمين كافة أن ينكروه ويرفضوه
ويقاوموه)
ونحن إذن أمام نقلة نوعية في الخطاب الإسلامي السعودي، يختلف كل
الإختلاف عما كان عليه يوم أجاز فضيلة الشيخ بن باز التعاون مع الكفار، في العدوان
الثلاثيني على العراق. تلك الإجازة التي لازالت آثارها سارية، حيث تستخدم
أمريكا وبرضا المرجعية الوهابية العليا، أراضي السعودية للعدوان اليومي (والقادم)
على الشعب العراقي بمسلميه ومسيحييه ومندائيه وغيرهم.
والنقلة هذه، تقع ضمن السياق ذاته الذي
سار ويسير عليه الشيخ المسلم المجاهد بماله ودمه أسامة بن لادن، وفي المساق ذاته
الذي خطه وسار عليه الإمام فضل الله ونصر الله والشيخ عبيد والمقاومة الإسلامية في
فلسطين، وبما يبشر بالنهضة الإسلامية الوطنية المحتومة.
ومعلوم إن الخلاف جائز بين
المرحعية العليا وبعض أتباعها. ففي العراق مثلا إنقسم الصف الشيعي إلى جماعة عميلة
تؤيد العدوان وتتمناه اليوم قبل غيره، وعامة الجسد الشيعي التي رفضت العدوان
وإعتبرت المتعاون معه بحكم الكافر. وكذلك الحال في الجسد السني العراقي. ومن هنا
فخلاف خطاب العلماء الأفاضل أعلاه عن مرجعيتهم مفهوم تمام الفهم. لكن لنا ملاحظات
على هذا الخطاب، الذي نراه يناقض نفسه حينا، ويشط حينا آخر. وبهذا الصدد نورد
الآتي:
أولا:
إن العراق، ليس حالة طارئة في التاريخ، ليسهل الحديث عنه بتلك البساطة
التي وردت في بعض فقرات البيان. فطائر الفينيق، الذي ينهض من رفاته كل 500 عام
لينطلق إلى دورة جديدة، هو من شرقي شنعار وحصرا من خانقين، وهو وإن كان أسطورة، لكن
وفي كل أسطورة حقيقة. وفي أسطورة الفينيق، حقيقة واحدة وهي أن العراق، ومهما جار
عليه الزمن، ومهما أثخن بالجراح، لا يلبث أن يعود وينهض، وليس ليلعق جراحه، وإنما
ليثخن عدوه، ويحكم العالم. ولنا عبرة بالمرات الست المعروفة حتى الآن، والمرة التي
تحكيها أسطورة جلجامش حين ذهب هو وأنكيدو وقتلا الوحش حواو على ساحل الأرز. ولنا
عبرة أيضا، أنه بعد عبيدالله بن زياد وبعد الحجاج وبما لا يزيد عن 40 عاما وحسب،
نهض العراق وقاد الدولة الإسلامية ولمدة 600 عاما.
وليس عجبا أن جعل الله العراق مهبطا لكل
الرسل والأنبياء ما عدى سيدنا محمد (ص). وجعله موقع أول حجر أبيض وأول بئر زمزم،
وهما لازالا في العراق وفي قرية لالش اليزيدية. وأول كعبة وجدت للدنيا هي في
بورسيبا وفي سومر، وأول شريعة للناس كانت من بابل، وأول إسراء (للنبي إيتانا) إلى
السماء كان من أرض سومر.
ما نريد قوله، إن أزمتنا مع النظام الدكتاتوري الحاكم، ومع الغزو
القادم مهما إشتدت، فنحن الناهضون، ونحن الحاكمون القادمون.
ثانيا:
إن بيان العلماء السعوديين
الأفاضل هو في مجمله دعم لقضيتنا. وما نأخذه عليه فمن باب اللوم ومحاولة إصلاح ذات
البين بيننا كمستضعفين عرب أو مسلمين أو من ديانات أخرى. ومعلوم أنه لا يغير الله
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ثالثا:
السعودية غير العراق. وفي السعودية أربعة طوائف (وهابية،
شيعية، إسماعيلية، وزيدية) مع ميل عددي للوهابية على غيرها. لكن هذه الطوائف جميعا
إسلامية. والأحزاب السعودية بما فيها الشيوعي المحظور، هي من نتاج هذه الطوائف وفي
النهاية سيكون الخطاب السعودي، الديني والعلماني، أكثر تماثلا من الخطاب العراقي.
ففي العراق كما هو معلوم، خمسة ديانات رئيسية، وخمسة مذاهب إسلامية، وأربعة مسيحية.
وأية طائفة من هاته، وحين تخاطب حتى تابعيها تأخذ بالحسبان الطوائف الأخرى. اللهم
ما عدى ما أفرزه العدوان الثلاثيني، من أدعياء الحديث بإسم المذاهب، والذي لا نبرئ،
الخطاب الديني السعودي والإيراني من التهيئة له، حيث أمد دعاة المذهبية حصرا بالمال
والمؤن، ليتقوى عودهم. وزيارات الأشخاص الستة المتكررة إلى الرياض شاهدة. ما نريد
قوله أن العبارة القائلة (الوهابية هي الإسلام الصافي) هي مستهجنة جدا عندنا. وهي
أيضا مغلوطة، حيث يقول الحديث القدسي أن الأمة الإسلامية ستتفرق على ثلاث وسبعين
فرقة واحدة منها الناجية. ولا يوجد أي إثبات ولو بالإيحاء يشير إلى تلك الفرقة
الناجية. ناهيك عن إن الوهابية فرع مستحدث، لا ولن نعقل أن يكون كل الإسلام في
النار من يوم البعثة أو من يوم الفتنة حتى ولادة الإمام محمد بن عبد الوهاب في
القرن التاسع عشر. ومن هنا أيضا نحن نرفض الجملة (مع البراءة من الطوائف الضالة)
فلا طائفة ضالة إلا تلك التي تؤيد العدون. وهو ما لا يوجد عندنا. وكل طوائفنا
تعارضه ومستعدة للمقاومة. ما عدى فئات قلية ينتظرها السقوط وأيه.
رابعا:
العراق بلد التسامح الديني.
نعم، حدثت بعض الفتن، إثنين منها خلال الحكم العباسي وإثنين خلال الحكم العثماني.
لكنها عابرة نسبة إلى تاريخ العراق الطويل العريق في التسامح الديني. وفي العراق،
لا يندر أن تسمع الناقوس والبوق والآذان في شارع واحد. ونحن لن نفرط بهذا التسامح،
لكونه جوهرنا الروحي، ولكونه هو عينه من كفل لنا النهوض المتعاقب في التاريخ. ونحن
حقيقة لا نعيب على غيرنا عدم التسامح أونتهمهم، لكنه مجرد التذكير بالوقائع وحسب.
وبناءً عليه، لن نقبل أن دعوة بنصرة دين وترك الآخر. ولن نقبل بنصرة أقلية وترك
الأخرى. وهو عينه ما لا نقبله في البيان أعلاه حيث يقول: (أن يقفوا مع إخوانهم أهل
السنة في العراق) ومن يقف مع السنة دون غيرهم فهي وقفة حرام نشاز.
خامسا:
وفي العراق أيضا،
فالعلمانية كانت ومازالت عاملا ثانيا في الثقافة وفي التربية بحيث نزلتا منزل
الجينات الوراثية. وكل الدعوات التي مرت في تاريخ العراق القديم والحديث لإبعاد
العلمانيين لم تدم سوى فترات وجيزة وإنتهت. وعليه، نحن نستهجن ما ورد في البيان عن
( أن يحذروا العلمانيين والمنافقين رسل الغرب). وفي الحقيقة ليس علمانيينا هم رسل
الغرب، بلهم، من هيّأ لأمريكا القواعد ومن نشر ثقافة أمريكا ومثلها، وبحجة الوقوف
بوجه الناصرية والشيوعية. والله من وراء القصد.
سادسا:
نحن معكم في قضية الولاء والبراء. ولنا في
عنق البعض براءتان. أولهما البراءة عن مشروع الأمير فهد للسلام الذي نتجت عنه
المجازر تلو المجازر، والثانية البراءة من المبادرة الأخيرة التي وقانا الله شرها
وعلى يد عدونا، حيث رفضها شارون ذاته. وأنتم تعرفون أن من تبرأ علنا من الكفار
وأقسم أن يصلي في القدس ذهب إلى رحمة ربه مقتولا وأمام عدسات التلفاز.
ما عدا هذا، فنحن معكم،
ونؤيد بيانكم، ونسأل الله أن نساعد بعضنا بعضا. ونحن وإياكم كمجموعة من العصي إن
تفرقت كسرت فرادى. والسلام!