فائق المير
الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 10:32
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
الحزب الشيوعي السوري / المكتب السياسي /
على
أبواب مؤتمره السادس
يخطيء من يعتقد أن الحزب الشيوعي السوري / المكتب السياسي / سيدخل مؤتمره السادس , وهو موحد الرؤيا في / الفكر , السياسة , التنظيم / , أو أن ذلك شرطا ً لا بدَّ منه لنجاح المؤتمر ولخروجه بنتائج مثمرة !!
فالإختلاف و ــ كما أعتقد ــ كان وما يزال من طبيعة الأشياء , يمنح الحياة والتنوع , ويفتح أمام البشرية علاقات أكثر غنى , وآفاقا ً أرحب .
... مضى ما يزيد عن ربع قرن على آخر مؤتمرات الحزب , خلال هذا الزمن العاصف والطويل , والمثقل بالأحداث المحلية والعربية والعالمية , هُزِمَتْ أفكار وسياسات ودول وتقدمت مفاهيم وأفكار وقوى جديدة على مسرح الحياة , وكان لا بدَّ لهذا التقدم على صعيد العالم وأن يحفر فينا , ويترك آثاره علينا , سواء كنا أفرادا ً , أم أحزاباً سياسية أم جماعات بشرية !! وحدهم ــ الذين تكبلهم الإيديولوجيا ــ / المفارقة أو المضللة للواقع .
والراسخون على الحق والصواب إلى أبد الدهر , من يعتقد عكس ذلك , ويا جبل ما يهزك ريح !! .
......... في آخر مؤتمرات الحزب / 1978 / وبعد جملة حوارات داخلية شاملة , بالتوازي مع لقاءات وحوارات مع القوى السورية المعارضة واكبت التجمع الوطني الديمقراطي , استطاع الحزب تحقيق نقلة نوعية في السياسة , وأقل في الفكر , والأقل منهما على صعيد التنظيم , ففي المؤتمر المذكور تبلور خط سياسي ديمقراطي وطني عبّر عنه برنامج الحزب السياسي إضافة لجرائده والوثائق السياسية الأخرى , و من ثم ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي الصادر في /1979 / والذي كان للحزب شرف المساهمة في إنجازه , على قدم المساواة مع باقي القوى السياسية الأخرى .
وعلى صعيد الفكر . عمل الحزب على القطع مع بعض الأفكار والمقولات اليقينية , التي كانت سائدة على صعيد / العالم الإشتراكي / آنذاك من مثل / دكتاتورية البروليتاريا , الديمقراطية الشعبية , الشرعية الثورية ... إلخ / , في الوقت الذي بقي نظامه الداخلي أسير التنظيم اللينيني الهرمي الذي يعتمد الطاعة والخضوع / أوامري بيرقراطي / في علاقاته بدل الإختيار الحر , والعلاقات الديمقراطية بين الرفاق في الهيئات , أو الهيئات في علاقاتها مع بعضها .
-- - - - - - - - - - - - -
كان الحزب بحاجة إلى أكثر من مؤتمر لاحق , وإلى حياة سياسية طبيعية , ومناخ ديمقراطي عام كي يختبر أفكاره وسياساته , ويزيل في نفس الوقت القضايا العالقة فيه من أيام المدرسة البكداشية . لكن الإستبداد الذي جثم على صدر سوريا باكرا ً ولوقت طويل , أعاق أية إمكانية لمثل ذلك . فهو ــ الإستبداد ــ إضافة للقمع العاري الذي مارسه بحق القوى السياسية والحية في المجتمع عمل على التمدد نحو المجتمع واستباحه , وقام بتدمير كافة ميادين وساحات العمل الإجتماعي المدني , وأجبر ما تبقى من القوى السياسية على الهجرة أو العيش في عالم السرية . كخيار مرٍّ وشبه وحيد , لم تلبث وأن ارتهنت إليه وأصبحت أسيرة حياته الغير صحية .
أعتقد أن أهم العوالق الذاتية أو أشدها التي تعِّرش على جسد الحزب , وعليه التخلص منها في مؤتمره القادم إذا أراد تجديد قواه ولعب دور عهدناه منه في حياة البلاد وفي عملية التغيير الديمقراطي المنشودة هي :
أولا ً : عقلية المعتقل السياسي التي تحكم ذهنية الرفاق الذين ــ دفعوا ثمنا ً باهظا ً ومنحوا الحزب رصيدا ً سياسياً معنويا ً كبيرا ً بصمودهم ــ لكن ذلك لا يعطيهم الحق أو الشرعية بتطويب الحزب على خانة ميراثهم , أو رهن مستقبله لمشيئتهم ورؤاهم , تحت حجة أنهم من رفع اسم الحزب , وأعطاه هذا الرصيد السياسي والإجتماعي في الذاكرة الوطنية السورية إبان سنين العسف والإستبداد ، حيث نراهم وعند أية محاولة من الحزب للتجدد وملاقاة الحياة يعترضون , أو يعيقون مثل هذا تحت حجج وذرائع مختلفة .
ثانيا ً : عقلية العمل السياسي : كرست السرية جملة علاقات في العمل السياسي أقل ما يقال فيها أنها ليست صحية . فهذه العلاقات ومع الزمن الطويل لم تلبث وأن تحولت إلى طباع ومن ثم أصبحت من طبيعة الأشياء , أي بنية عقل سياسي للرفاق في القيادة والقواعد !! على السواء لا يمكن له أن يكون صالحا ً لدفع الحزب خطوات إلى الأمام , ففي ظل السرية هذه تراجع العمل الجماعي كثيرا ً , وتلاشى دور المؤسسات أو انعدم وجودها وغابت المؤتمرات ــ الأطر الأجدى لعمل الحزب ولإنتاج السياسة الفاعلة ــ كما أصبح الهاجس الأمني وحماية الذات / التنظيم / يحتل الحيز الأكبر من جهد الرفاق , ومن عمل الحزب وفي هذا التوجه ستهمل السياسة القائمة على العلاقة مع الناس والتي ترفد الحزب بحوامل إجتماعية وكادرات سياسية فاعلة . تحمي الحزب من عسف السلطة وقمعها الوحشي المتواصل , وتشكل ردا ً وقائيا ً يحمي التنظيم , لكنها في نفس الوقت لا تعيق عمل المؤسسات والهيئات , ومع طول فترة السرية والشروط الصعبة التي حكمت الرفاق , غابت المحاسبة والشفافية في العمل , وبرزت العلاقات الغير ديمقراطية , والميول الفردية في العمل وهي أمور لا مناص منها . مهما كانت درجة النبل والأخلاق عالية لدى الرفاق .
من زاوية أخرى لو أردنا مناقشة الأمور من زاوية أخرى .... أي حاجة الحزب والحياة السورية في هذه المرحلة : فالرفاق الذين دخلوا المعتقل لفترات طويلة , أو الذين عاشوا حياة السرية كلاهما بالمعنى المعرفي قد تخلف عن الحياة ــ لإنقطاعه عنها ــ فالواقع / اقتصاد , عمل , علاقات , نشاطات اجتماعية / هذا الإنقطاع أو إفتقاد الصلة بالواقع لا بد وأن يترك أثره على الرفاق ويجعلهم متخلفين / عمليا ً / بالكثير من جوانب الحياة التي شهدت خلال تلك الفترة تقدما ً سريعا ً وهائلا ً , هذا إذا لم يفعل السجن والسرية فعلها الذاتي على الرفاق / بعالمهما المحدود والضيق ورتابة العلاقات / مع الخط الفارق النسبي بين عالم السجين وعالم السرية , إضافة لأن رفاق العمل السري بقوا على صلة سياسية محدودة مع / العالم السياسي / المتواضع أصلا ً في تلك الفترة .
ولن أتطرق إلى قضية العمر الذي وصلنا جميعا ً إلى أرزله , أو الشيب السياسي الذي غزَ المفارق بل وكامل الرأس فينا .
- - - - - - - - - - - - - - -
الحزب الآن وعلى أبواب مؤتمره محكوم كما ــ / سوريا المعارضة ــ بل والرسمية / بمعادلة أن القديم قد شاخ والجديد لم يولد بعد . أزعم أننا من الأحزاب التي تعمل على هذه الولادة وتحمل إمكانية لا بأس بها .
ففي الأماكن التي ينخرط الشباب في هيئات الحزب وتزداد احتمالات الولادة . يتململ القديم ويرفض التسليم بمنطق الحياة , وعلى هذا الأساس يمكن فهم الأصوات التي تتعالى عن / انحراف الحزب , وقبض أموال , واختطاف الحزب من مناضليه أو تخليه عن الماركسية , أو الحديث عن آليات الإعداد للمؤتمر وعن وعن ......./ , هذه الأصوات المعترضة تدلل في ذلك عن عجزها عن التقدم والمساهمة في عملية الولادة وبناء الحزب . فالحياة لا تحتمل فراغات وإن لم يكن هذا فسيكون الآخر قرينه أو مختلفا ً عنه .
الحزب لا يخاف رأيا ً أو آ راء متباينة داخله , فهي من الأمور الطبيعية في حزبٍ تعرض لما تعرض له الحزب , وهو لا ينكر مثل هذه ااتباينات لكنه يعمل على تذليلها وتوحيدها في إطار الحزب وعبر مؤسساته , وفي ذلك بعضٌ من دلالات الصحة والعافية تم ذلك أولا ً في المؤتمر التداولي وعبر جريدة الحزب / الرأي / وفي الرسائل السياسية وجميعها وحّدت الكثير من الرؤى و المواقف وخصوصا ً الموقف من الإستبداد , كما أن الحزب لم يقل أبدا ً أنه لم يخطيء سابقا ً , أو أنه قد يخطيء لاحقا ً. لكن هذه الأصوات يوما ً بعد يوم تدلل على أنها غير قادرة على أن تكون جزءا ً من / القديم ــ المتجدد / أو الجديد في فكره وسياساته وتنظيمه , وبما يتلائم مع عالم متغير وبلاد تحمل تناقضاتها وتكثر المهام أمام قواها , وفي ظل استبداد ما يزال يتحكم برقاب العباد وثروات البلاد .
الحزب لا يحتاج إلى رفاق يعيشون على ماضيهم النضالي / المعتقل / فقط أو بعقلية العمل السري وغياب المؤسسات . فهذه الأمور لا قيمة لها خارج حدود المعنى والإغناء للذاكرة الوطنية السورية لكل السوريين وتشكل في نفس الوقت درسا ً بليغا ً عن سوء الإستبداد وآثاره . و دافعا ً للعمل على إسقاطه ــ الإستبداد ــ إلى الأبد .
ما يحتاجه الحزب حوامل اجتماعية جديدة دعامتها الأساس جيل الشباب المبعد والمغرّب عن الإهتمام بالشأن العام ــ يشكل الشباب / 60 إلى 70 بالمائه / من المجتمع السوري , والحزب لن يتقدم ويكون له دور فاعل في عملية التغيير المنشودة إلاَّ إذا ما لحظ هذا وعمل عليه . فآلاف البرامج الصائبة رغم أهميتها تموت ولا يكتب لها التحقق إذا لم تجد حواملها الإجتماعية التي تعمل عليها وفق حاجاتها وقضاياها . وأولى الخطوات في هذا الشأن كانت وثائق الحزب المقدمة إلى المؤتمر السادس وهي تحمل الجديد الذي يراهن عليه لكن تبقى كسيحة وغير قادمة على التقدم إذا تحملها أدوات جديدة شابة / قيادة , هيئات , / وفي ذلك مراهنة أتمنى على المؤتمر السادس أن يوفق فيها .
فائق المير
عضو الحزب الشيوعي السوري
المكتب السياسي
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟