|
حياة مقلوبة
فراس سليمان محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1178 - 2005 / 4 / 25 - 05:32
المحور:
الادب والفن
حياة مقلوبة
في الليل ماذا يحدث ؟ له يسقط معروقا مغشيا عليه ‘ لم يمت تماما ‘ لم يمت لانه بعد نصف ساعة سيستيقظ ويدخن ويحتسي ما تبقى عنده من خمر . كان يمكن له ان يموت ولكنه لم يمت نام واستيقظ صباحا حيا وبدأ نهاره بالتدخين رجل منذ عشرين عاما يحيا بطريقة تدعو للريبة ‘ رجل لم تحتضنه الحياة كما لم يأخذه الموت ‘ هذا ما يجعله منفردا ومسترخيا على وتر مشدود او العكس . من كثرة ما فكر بالانتحار سئم منه ‘ يتنفس بأقل قدر من الهواء ‘ اهتمامه بما تبقى من جسده تماما يشبه اهماله للحياة. على اية حال هو ليس اكثر من نصف جسد ... ظل مؤلف من كومة عظام ومخاوف رممها ليل غاشم في غياب ما .. حضور موقوت . السؤال هل فكر بالانتحار سابقا ؟!! الجواب هل مر يوم دون ان تقتحم هذه الكلمة عليه ؟ اصبحت عادة واستمرأ هو العادة انها تهبه متع وعناءات الرحلات الطويلة في وقت قصير جدا. في التاسعة عشر من عمره حاول ان يرتكب موته ‘ كانت محاولة ناجحة وفاشلة في آن ‘ لانها عصارة التجربة التي تخرج من الكتب ‘من الأحاسيس الغضة ‘" من براءات القطيعة التي ستتعقد رويدا رويدا" والموت اراديا لربما (تبريرخاطئ وضروري) يحتاج ادوات اكثر حسية ‘ يحتاج الشبكات الناتئة للبيئات على تعددها والتي تتداخل وتتخارج مع الذات الى حد الكآبات المزمنة وما تفرضه من انفصال ‘ في البداية انفصال ذهني ثم يتبعه انفصال حقيقي من لحم ودم ‘ يتجلى عبر رفض ودحض الخارج الذي لايتساوق من الأنا ‘ اغتراب وعدم قدرة على التماهي الا مع فيوضات الاغتراب نفسه . على اية حال كانت لحظة ناقصة . العالم هنا عكازة خربة لاتسند الجسد المنهوك للوصول الى هناك . وبدلا من ان يعلق رأسه على مقصلته البدائية ‘ – حبل مشدود الى الرغبة الى لذاذات الفكرة ، اكثر من انشداده الى السقف - تنشنق أفكاره (أوهامه) على مقصلة التجريد ‘ ينتج موته رمزيا عبر لغة سريعة ، وبما تبقى له من طاقة يلم الفتات صورةً غير مكتملة ‘ تصوراً ليس له ان يغزو ‘ اللهم الا عبر وهم الخرق بوساطة جملة يريدها بديلة .
الشك الى اقصاه يعني الوقوف على حافة الحياة ‘ تقليم سيزيفي لاظافر الهيولى ‘ خيبات المضي في عتمة العمق حيث تتوالد الابديات ممسوخة لترخي اشنياتها غير المرئية على جسد يشيخ بسرعة بحجة الروح ‘ انها خطورة التعاطي مع مادة تجلياتها صارخة دون ان يكون لها شكل – الله – المطلق – الكلمة – الروح ....... تنزاح ساحات المواجهة لان ّ ‘ الجسد موئل الكينونة والغياب ‘ وحيد .. وبعيد في بريّته . منذ ذلك اليوم لم يبرأ ‘ كلما اراد ان ينشدّ الى الحياة ينشدّ الى وهمه عنها وكلما امعن في الوهم ربح جثة تتنفس في عتمة ما ، وأكد المحاولة السابقة بتكاليف باهظة لكنها تبقى قليلة ‘ لانها تتراكب وتتراكم امامه ‘ لايني يعدّها ويخطئ بالعدّ ‘ هو صانعها وضحيتها ‘ ولانه مازال في مواجهتها .
فكرة الانتحار حتى الان مؤجلة وربما ستبقى ‘ انها مثل الزمكان المحلوم به مثل الحياة في المستقبل . اخطر ما في العلاقة مع الموت هذا الاجتهاد المحموم الذي ينتهي الى الكسل الى عطالة مشحونة بالتماعات الكمون بلحظات مفترقة لاتذهب مع الزمن ولاتصنع زمنا اخر . ولكنها تقترح منصة لاتطل على جمهور ، يقف عليها المبدع الميت المؤجل وبدلا من ان يقذف نفسه في العتمة / الفراغ ‘ يرمي ارتجافاته وخسرانه على هيئة كلمات لاتتوخى مصيرا .
كل الافكار الى البطلان حتى فكرة الانتحار ‘ كأن الحياة غنية الى هذا الحد الذي تحتمل فيه نقيضها (عدمها) من خلال ظواهر لاتحصى واشخاص قليلين يستنفدون انفسهم وهم يحاولون حدودها القصوى . ابناء الاسئلة الصعبة ‘ سليلو الالوان التي تتكاثف وتنتهي الى الرمادي ‘ العاشقون المرضى الفاشلون " بالمعنى العريض للتعبير" من يفكر بالموت كثيرا اكثر كسلا من ان يسجل افكاره ‘ الذين فعلوا انتجوا شهادتهم تحت ضغط اللحظة ولتأجيل النهاية قليلا . الذين انتحروا حلوا مأزقهم الاخلاقي ‘ وساقوا اللا جدوى الى معناها ‘اما الذين يشتبكون مع الموت يوميا ‘الموتى الرمزيون .. رهائن الانتظار والخوف يتوهمون الابدية ‘ يتكسرون جملا في خلواتهم جملا مرهونة للمعايير والاحتمالات التي سينتجها المستقبل . ارتباك لن يحله سوى الاستسلام للحظة النهاية المحتومة .
عدميّ ربما بامتياز . عدمي ناقص لانه مازال يحيا في الظل الشاحب للموت تتقاذفه الاوهام اكثر مما تتقاذفه الافكار ‘ هش وصلب في تناوله لكل الاسماء ..الاشياء . قادر على السخرية من اي منجز ‘ قادر على مساءلة كل القضايا دون ان يركن ليقين ‘ خاتما حماسه الرخو بالبكاء اخر الليل وحده . انه لايؤمن بشيئ او انه يؤمن ب(مثال)غيرقابل للتحقق ‘ مثال كلما سقط في صورة تتهشم الصورة. الخيبة مؤدى العلاقة مع المستحيل ‘ ثم الارتداد الانسحاب الصمت . تلك القنوات المفتوحة على الموت اسما وحجابا . ولان الاختلاط بالعالم قائم على مستوى او اخر مادام الجسد لم يهتد الى السكون الكامل ‘ تطرح الذرائع نفسها في سياق عمل ذهني يشتد و ينقبض لينتهي الى مسوغ يحمي استمرار الجسد الى حين .
الذين ينتحرون مبدعون لانهم يأخذون حقيقتهم معهم تاركين للاسرار ان تنبت افتراضات لاتنتهي في تربة الاخر.لانهم كتبوا نصهم الاخير دون هوادة وبما يملكون (حياتهم). اصدقائي الذين لااحسد غيرهم الذين لم يعودوا ليرهقوني بوجودهم الذين سيرهم وأوهامي عن سيرهم تخرّب سيرتي ‘ الذين وهبوا لي مقطعا قصيرا من مرورهم النبيل ، سيبقى قابلا للتأويل الى مالانهاية .
كنت اتمنى لو استطبع ان اكمل هناك اشياء كثيرة يمكن قولها تستحق كتابا كتبا . اذا لم امت قريبا سأحكي لكم عن خيباتي تناقضاتي وجبني . لكنه الملل ‘ نعم الملل أكثر منه رهاب العري .....
#فراس_سليمان_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بارانويا الله
-
رجل في قاع الليل
-
الضحك
-
أناشيط مجموعة شعرية لعلي حميشة
-
قصائد الجبل
-
مطر غزير
المزيد.....
-
اندمج في تصوير مشهد حب ونسي المخرج.. لحظة محرجة لأندرو غارفي
...
-
تردد قناة روتانا سينما 2024 الجديد على نايل سات وعرب سات.. ن
...
-
الممثل الخاص لوزير الخارجية الايراني يبحث مع نبيه بري قضايا
...
-
سيدني سويني وأماندا سيفريد تلعبان دور البطولة في فيلم مقتبس
...
-
فشلت في العثور على والدتها وأختها تزوجت من طليقها.. الممثلة
...
-
-دبلوماسية الأفلام-.. روسيا تطور صناعة الأفلام بالتعاون مع ب
...
-
كريستوفر نولان يستعد للعودة بفيلم جديد ومات ديمون مرشح للبطو
...
-
بيسكوف: الإهانات الموجهة لبوتين -جزء من الثقافة الأمريكية-
-
تفجير برايتون: مؤامرة تصفية تاتشر
-
وُصفت بأنها الأكبر في الشرق الأوسط..نظرة داخل دار أوبرا العا
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|