أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هداس لهب - الفاشية الابن الشرعي للرأسمالية















المزيد.....



الفاشية الابن الشرعي للرأسمالية


هداس لهب

الحوار المتمدن-العدد: 431 - 2003 / 3 / 21 - 04:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


 

الفاشية ظاهرة سياسية على درجة كبيرة من الاهمية، تطورت في اوروبا بعد الثورة البلشفية، في فترة ما بين الحربين العالميتين. سيطرة الانظمة الفاشية على السلطة في ايطاليا والمانيا، واحتلال هتلر لاوروبا، جرّا على الشعوب الويلات والدمار الشامل، وقضيا على الحركة العمالية، ومارسا ابشع صور القمع والاحتلال. ويطرح السؤال: ما مدى واقعية هذه الظاهرة في ايامنا؟

على خلفية الفوضى الاجتماعية والازمة الاقتصادية التي تمر بها اوروبا اليوم، بدأ اليمين المتطرف يزيد قوته، وبدأت بالنمو الاحزاب الفاشية الجديدة كالفطر بعد المطر. معظم الحكومات الاوروبية مؤتلفة مع احزاب اليمين الجديد التي تبني نفسها على القومية العمياء وكراهية الاجانب. ولكن، خلافا للماضي، ليست هناك قوة، كالاتحاد السوفييتي، قادرة على الوقوف في طريق اليمين الجديد، وليست هناك حركة عمالية منظمة يمكنها مواجهة الظاهرة، فكرا وفعلا. من هنا، فان مناقشة هذه الظاهرة تكتسب اهمية كبرى.

 

الفاشية ظاهرة عالمية

الفاشية هي نظام دكتاتوري يعتمد على القومية العمياء المتطرفة، ويؤمن بالحروب والاحتلال كقيمة اساسية، وبالقضاء على كل من يهدد سلطة وتفوق الامة السائدة وامتيازاتها.

الخلفية لنمو الفاشية الكلاسيكية كانت افول اوروبا الرأسمالية، ونتائج الحرب العالمية الاولى التي تناطحت فيها الدول الكبرى للحصول على حصة اكبر من السوق العالمية المتقلصة. من جهة اخرى، ساد هناك خوف من الاتحاد السوفييتي ومن الحركة العمالية المنظمة التي حظيت بشعبية متزايدة بعد الحرب.

كيف حدث ان سقطت الانظمة البرجوازية الديمقراطية في اوروبا، وهي التي نشأت على تراث الثورة الفرنسية، ولم تصمد امام الزحف الفاشي؟ التفسير الوحيد، الذي لا يعتمد على التحليل النفسي او الميتافيزيقي، هو التفسير الماركسي الذي يرى في الفاشية ابنا شرعيا للرأسمالية.

الاممية الشيوعية حددت ان الفاشية هي ظاهرة طبقية، في عام 1935: "الفاشية ليست طريقة حكم قائمة فوق الطبقتين، البرجوازية والعاملة، كما وصفتها الاشتراكية الديمقراطية.. الفاشية هي قوة الرأسمال المالي ذاته.." (قرارات المؤتمر السابع للاممية الشيوعية، 1935).

طالما ان النظام البرجوازي قادر على ضمان ارباحه، وقادر في نفس الوقت على ادارة نظام ديمقراطي يمنح حقوقا معينة للعمال، فانه يفضل الديمقراطية على الدكتاتورية. اما اذا تفاقمت الازمة الاقتصادية، فان التناقضات بين الطبقات تحتد مما يقود الى مواجهة حتمية. ولا يعود بالامكان التوفيق بين الطموح البرجوازي للربح وبين مصلحة العمال في الحفاظ على حقوقهم. في وضع الازمة، يطغى طموح البرجوازية للربح على حبها للديمقراطية. في هذه اللحظة تصبح الفاشية جاهزة للسيطرة على مؤسسات الحكم.

كي يتحقق هذا السيناريو مطلوب توفر ثلاثة شروط: الاول: دخول رجال المال والصناعة، القضاة، والجنرالات لمرحلة من اليأس والقلق ازاء اختلال النظام القائم، مما يدفعهم للتنازل عن اساليب الحكم "الاعتيادية"، وتسليمه لنظام عنيف يمكنه فرض النظام بكل ثمن.

الشرط الثاني: وجود فاشيين قادرين على اثبات قدرتهم على تشكيل اداة ناجعة بما فيه الكفاية لحماية مصالح رأس المال. ويسيطر الفاشيون على الشارع من خلال منظمات نصف عسكرية مؤلفة من عصابات ارهابية مسلحة. وتقود هذه العصابات وتؤطر جماهير البرجوازيين الصغار الذين افتقروا والعمال غير المنظمين. وكما قال غابلس، وزير الاعلام النازي: "من يسيطر على الشارع يسيطر على الجماهير، ومن يسيطر على الجماهير يسيطر على الدولة".

اما الشرط الثالث فيتعلق بوجود طبقة عاملة ضعيفة ومنقسمة، بسبب البطالة المرتفعة والسياسة الخاطئة لقيادتها.

 

الفاشية الايطالية

تأسست الحركة الفاشية في ايطاليا في آذار (مارس) 1919 بمبادرة بنيتو موسوليني. الاسم الذي اختارته هذه الحركة لنفسها تحول الى اسم الظاهرة ككل: فاشية. الكتائب الفاشية، التي سميت "القمصان السوداء"، كانت مؤلفة بالاساس من جنود مسرّحين وعناصر اجرامية، كان دورها زرع الارهاب في صفوف العمال والقضاء على المعارضين السياسيين.

ومن سخرية الحدث انه حتى عام 1914، تاريخ اندلاع الحرب العالمية الاولى، كان موسوليني قائدا مهما في الحزب الاشتراكي الايطالي ومحرر الصحيفة الناطقة بلسانه، "افانتي". وقد طُرد من الحزب بسبب مواقفه القومية المتطرفة ودعمه لمشاركة ايطاليا في الحرب العالمية الاولى. ايطاليا كانت بالنسبة له "امة عمالية" تعرضت للقمع من قبل دول اخرى، لذا فمن حقها الدفاع عن نفسها واحتلال مناطق اضافية تساعدها في انعاش اقتصادها.

البرنامج الفاشي الذي وضع عام 1919 تضمن دعما وحماسا للحرب الامبريالية، وطالب باقصاء الليبراليين عن الحكم الذين لم يمنحوا ايطاليا حصة كبيرة بما فيه الكفاية من غنيمة الحرب العالمية. في الانتخابات التي اجريت في نفس العام لم يحصد الفاشيون ولو مقعدا واحدا، وبدا وكأن موسوليني اقترب من نهايته.

في عام 1920 قام انطونيو جرامشي الذي استقال هو ايضا من الحزب الاشتراكي، بتأسيس الحزب الشيوعي الايطالي. بعد مضي عام، وليس بالصدفة، حاز موسوليني في المعركة الانتخابية على 35 مقعدا. وقد نجح موسوليني بشق طريقه لسدة الحكم، مدعوما بعدد متزايد من الحكام ورجال الشرطة، الذين رأوا في الفاشيين القوة الوحيدة التي يمكنها وقف النفوذ المتنامي للشيوعية.

المعارك الضارية في الشوارع والمواجهات المستمرة التي بادرت اليها الكتائب الفاشية، ادت بالحكومة البرجوازية الليبرالية لاعلان حالة الطوارئ. في تشرين اول (اكتوبر) 1922 نظم موسوليني مسيرة مكونة من 25 الفا من مؤيدي "القمصان السوداء" الذين توجهوا الى روما مطالبين بحل الحكومة. بعد يومين، في 30 تشرين اول 1922، عيّن الملك فيكتور عمانوئيل، موسوليني رئيسا للحكومة.

الفاشية الايطالية في ذلك التاريخ لم تكن قد احكمت سيطرتها التامة على ايطاليا. في الانتخابات التي اجريت في نيسان (ابريل) 1924، صوّت ثلث الناخبين الايطاليين للاحزاب المعارضة للفاشية، رغم الارهاب الذي زرعته "القمصان السوداء". خلال ثلاث سنوات، اي حتى عام 1926، استمر قمع الحكومة لمؤسسات الحكم المنتخبة وقُتل القادة الذين عارضوا الفاشيين. في نيسان 1926 حُرّمت الاضرابات، سُنّت قوانين عمل جديدة وأُلغي الاول من ايار.

السياسة الخارجية التي اتبعها النظام الفاشي تجنبت خيار السلام، واعتبرته ظاهرة متعفنة. وبالمقابل، دعمت فكرة اعادة مجد الامبراطورية الرومانية القديمة، وطمحت لتوسيع مناطق نفوذ ايطاليا. حتى بداية الحرب العالمية الثانية، واقامة محور برلين- روما-طوكيو، كانت ايطاليا قد احتلت اثيوبيا (1935)، وحاربت مع نظام فرانكو الفاشي في اسبانيا (بين الاعوام 1939-1936)، واحتلت البانيا (نيسان 1939).

في ايلول 1939، عندما هاجم هتلر بولندا، معلناً بداية الحرب العالمية، انضمت اليه ايطاليا واعلنت الحرب على فرنسا وبريطانيا. وشارك الجيش الايطالي في احتلال اليونان، يوغوسلافيا، روسيا وكورسيكا. وفي نهاية الحرب، عندما دخل الانصار الايطاليين الى شمال ايطاليا، القي القبض على موسوليني. وفي نيسان 1945 أُعدم وعلقت جثته على عامود كهربائي في ساحة مدينة روما.

 

النازية في المانيا

الانتصار على الفاشية في ايطاليا كان، بلا شك، مقدمة لسيطرة النازيين على المانيا. الحزب الفاشي الالماني تأسس في ميونيخ في الخامس من كانون ثان (يناير) 1919، بعد اربعة ايام من تأسيس الحزب الشيوعي الالماني، واطلق على نفسه اسم "حزب العمال القومي الاشتراكي الالماني"، واختصاره: الحزب النازي.

مؤسس الحزب، ادولف هتلر، كان ابنا لموظف حكومي صغير في النمسا. وقد فشل مرتين في محاولاته القبول الى اكاديمية الفنون في فيينا. شارك هتلر في الحرب العالمية الاولى كجندي، وكسب رزقه من عمله في الدهان. وكان الفنان المحبط ناقما بشدة وصب كرهه على الاجانب، ولكنه بنفس الوقت كان مصابا بداء الغرور والعظمة. نجح في ان يجمع حوله جنودا مسرّحين، عاطلين عن العمل، برجوازيون صغار افتقروا وعناصر اجرامية. وكان هؤلاء متفقين في طموحاتهم التوسعية وقوميتهم العمياء.

في عام 1923 حاول هتلر واعوانه احداث انقلاب، غير ان المحاولة فشلت. بعد القاء القبض عليه حكم بالسجن لخمس سنوات، ثم أُطلق سراحه بعد مدة قصيرة. في السجن ألّف الجزء الاول من كتابه "كفاحي"، الذي تحول لبرنامج الحركة النازية. فشل الانقلاب دفع هتلر للجوء الى الوسائل القانونية في سبيل الوصول الى الحكم، فسعى لبناء حزب جماهيري وكسب تأييد الجيش واوساط في البرجوازية. من جهة اخرى، اسس وحدات نصف عسكرية (اس. اس. واس. ايه.) لتزرع الارهاب ضد معارضيه السياسيين. وقد نشطت هذه الوحدات الى جانب تنظيمات جماهيرية اخرى اسسها هتلر لتأطير الشبيبة والنساء وسواهم.

مع نشوء الازمة الاقتصادية عام 1929 عمل الاعلام النازي بقيادة غابلس بشكل مكثّف بهدف التحريض ضد الاشتراكيين والشيوعيين، واعداً العاطلين عن العمل الذين بلغ عددهم سبعة ملايين، بإحداث اماكن عمل؛ وواعداً البرجوازية الصغيرة المفتقرة والناقمة وشريحة المفكرين، بالصفقات التجارية وبوظائف اليهود؛ اما المزارعون فوعدهم باسعار مستقرة لمنتوجاتهم، والصناعيون الكبار بتكثيف تسليح الجيش.

في كتاب "من اوصل هتلر للحكم" يكتب المؤرخ الصهيوني المعارض للماركسية، م. لنسكي: "رجال الصناعة والبنوك قدّموا لهتلر دعما ماليا كبيرا، ومكّنوا بذلك الحزب النازي من تنظيم حملته الاعلامية المسمومة ضد الجمهورية. دون هذا الدعم ما كان الحزب النازي ليحقق انتصاره الساحق في الانتخابات. وقد رأت الاحتكارات الكبرى ان الحركة النازية ستشكل وزنا مضادا للنقابات، وكانت قلقة تحديدا بسبب ضعف القوة الشرائية في الداخل. وقد وعدها هتلر بالتسلح والاستعداد للحرب".

مع هذا، فلا يجب ان نرى في الازمة الاقتصادية العامل الوحيد الذي ادى لصعود الفاشية في المانيا. فالازمة كانت في كل العالم، والبطالة والفقر سادا دولا عديدة. ان السبب الذي مكّن هذا الحزب الرجعي والمجنون من الوصول للحكم في المانيا، كان ضعف الحركة العمالية.

الحزب الاساسي الاقوى، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي دعم الحكومة الالمانية في الحرب العالمية الاولى، تخلى عن الاشتراكية وفضل عليها سياسة التعاون الطبقي. اما الشيوعيون ففقدوا الكثير من قوتهم في النقابات، بسبب الفصل الجماعي من اماكن العمل. كما انهم تبنوا موقفا خاطئا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي وصفوه ب"الاشتراكي النازي".

في عام 1932 كان للنازيين اكثر من مليون عضو، واحتكموا على قوة عسكرية ضمت 400 الف عنصر، وحازوا على دعم مطلق من "نادي النبلاء" الذي شمل اصحاب الرساميل الكبيرة الذين طمحوا الى تغيير الدستور وخلق "نظام جديد" يضع حدا لعدم الاستقرار في السوق الالمانية. ولم يقبل هتلر باقل من منصب رئاسة الحكومة، وبعد سلسلة من الاحابيل والمؤامرات، وبضغط من اليمين، لم يبق امام الرئيس هيندنبرغ الا ان ينزل عند اصراره ويعيّنه رئيسا للحكومة في 30 كانون اول 1933.

وسرعان ما غيّرت المانيا وجهها، وتحولت الى الرايخ (مملكة) الالماني النازي. في نيسان 1933 أُضرمت النار في مبنى الرايخستاغ (البرلمان)، فاستغلت الحكومة الحادث كمبرر لشن حملة اعتقالات لزعامات الاحزاب العمالية، واخرجت الحزب الشيوعي عن القانون.

في ايار (مايو) تم تفكيك النقابات المستقلة، واسست مكانها نقابات نازية، كما منعت الاحزاب، ما عدا الحزب النازي. وفي تشرين ثان (نوفمبر) 1933 حظي النازيون ب92% من اصوات الناخبين. ومن جملة ما فعلوا: اقامة معسكرات جُمّع فيها معارضو النظام واليهود؛ وسّعوا مجال نشاط الشرطة السرية، الجستابو، خلقوا اماكن عمل، وسّعوا الصناعة العسكرية، قضوا على البطالة واشرفوا على تحديد الاسعار. وقام الاعلام النازي بتحديد قِيَم المجتمع، وادخالها الى اجهزة التعليم والثقافة، وبهذه الطريقة سيطروا على حياة المجتمع من الفرد للمجموع.

وقد استحدث هتلر في الفاشية عنصرا لم يكن موجودا فيها من قبل، الا وهو "نظرية العنصر". فالفاشية الايطالية لم تر في الايطاليين عنصرا راقيا، وانما رأت في ايطاليا امة راقية. اما النازيون فرأوا في العنصر الآري، وفي الالمان تحديدا، العنصر الارقى الذي عليه ان يشن الحروب المستمرة ضد العناصر الاخرى الادنى منه. اليهود حسب هذه النظرية، يظهرون في آخر سلم العناصر، ولذا فلا بد من ابادتهم لانهم يفسدون العنصر الآري النقي.

وقد اتهم اليهود بامور متضاربة، فمن جهة اتهموا بالتواطؤ مع البلاشفة بهدف تدمير المانيا من الداخل، ومن جهة اخرى صُوّروا على انهم رأسماليون يمتصون دماء العمال الالمان. نظرية العنصر استخدمت كوسيلة ناجعة لتجنيد البرجوازية الصغيرة، العاطلين عن العمل، الشبيبة، النساء والعناصر الاضعف في المجتمع، الى صفوف النازية.

 

ديميتروف وموقف الاممية الشيوعية

انتصار هتلر في المانيا هز كالزلزال الحركة الشيوعية في تلك الفترة. في عام 1935 عقد المؤتمر السابع للاممية الشيوعية، وفيه حدد الزعيم الشيوعي البلغاري غيورغي ديمتروف في خطابه الشهير موقف الشيوعية من الفاشية. موقف ديمتروف تحول فيما بعد الى الموقف الكلاسيكي الماركسي من ظاهرة الفاشية. حسب وصف ديميتروف الفاشية هي: "دكتاتورية ارهابية تقودها العناصر الاكثر رجعية والاكثر قومية والاكثر استعمارية في النظام الرأسمالي".

في وجه الخطر الفاشي دعا ديميتروف لاقامة جبهة عمالية موحدة ضد الفاشية، ووجّه انتقادا حادا لموقف الشيوعيين في المانيا الذين وصفوا الاشتراكية الديمقراطية بانها "فاشية اجتماعية". حسب ديميتروف الفاشية هي هجوم همجي من قبل رأس المال على الطبقة العاملة.

واضاف ديميتروف في خطابه: "نقول لملايين العمال الذين يسألون: هل يمكننا التصدي للفاشية ودحرها؟ نعم، من الممكن التصدي لهذه الظاهرة لكن ذلك مرهون اولا بالعمل الفعال النضالي للطبقة العاملة وبوجود حزب ثوري قوي. الحزب الثوري يجب ان يكون مسلحا بسياسة صائبة تجاه الطبقة العاملة وتجاه الفلاحين، وازاء جماهير الطبقات الوسطى في المدن ايضا".

المساهمة الرئيسية لديميتروف في خطابه كانت في طرح نقاط ضعف الفاشية: "الفاشية تعاني من تناقضات داخلية نابعة من طبيعتها التي تشكل انعكاسا للرأسمالية المحتضرة. على المدى البعيد تؤدي الفاشية الى تفكك الرأسمالية". حسب ديميتروف سيدخل النظام الفاشي في تناقض حاد مع قاعدته الجماهيرية، لانه يدّعي انه يمثل كل شرائح المجتمع.

رغم كل ذلك من الخطأ التفكير بان الفاشية بعد انتصارها ستنهار بشكل تلقائي. فقط العمل الثوري الذي تقوده الطبقة العاملة من شأنه استغلال التناقضات الكامنة لا محالة في معسكر البرجوازية، بهدف زعزعة النظام الدكتاتوري الفاشي واسقاطه.

في النقد الذاتي لسياسة الاحزاب الشيوعية تجاه الفاشية، قال ديميتروف انه لم يكن هناك اهتمام كاف بتربية الشبيبة، وبالتالي قامت الفاشية باستغلال ضعف الشباب للتغلغل في صفوفهم. الحركة الشيوعية استهترت بخطر الفاشيين لانها قدّرت انهم لن يتمكنوا من السيطرة على الحكم في الدول الديمقراطية البرجوازية الكلاسيكية.

 

الحرب الاهلية في اسبانيا         

الدروس التي تم استخلاصها من انتصار الفاشية في المانيا طُبّقت في الحرب الاهلية في اسبانيا التي وقعت في السنوات 1939-1936. في تلك الفترة كانت الفاشية قد سيطرت في المانيا وايطاليا دون قتال، اما في اسبانيا فقد استمر القتال لتحقيق نفس الهدف، ثلاث سنوات. فقد تجند للدفاع عن الجمهورية الاسبانية ضد جيش الجنرال فرانكو، زعيم الفاشية، 50 الف متطوع من كل انحاء العالم مدفوعين لتحقيق الشعار "الفاشية لن تمر".

الدولة الوحيدة التي مدت انصار الجمهورية بالسلاح والاغذية والادوية، كانت الاتحاد السوفييتي. في المقابل حارب 40 الف جندي الماني و150 الف جندي ايطالي و140 الف جندي من المرتزقة المغاربة و20 الف جندي برتغالي الى جانب الفاشيين. الولايات المتحدة ارسلت الى الزعيم الفاشي فرانكو مئات آلاف الاطنان من الوقود خلال الحرب الاهلية.

الفظائع التي اقترفتها الطائرات الالمانية في المدينة الاسبانية غرنيكا، خُلّدت في اللوحة المعروفة للرسام بيكاسو، والتي تحولت الى رمز للمعركة ضد الفاشية الهمجية. في نهاية الحرب الاهلية هُزمت الجمهورية، واعتبر ما حدث في اسبانيا امتحانا هاما لقوة المانيا الفاشية: لامبالاة الغرب تجاه الجرائم الفاشية في اسبانيا اعتبرت بالنسبة لهتلر ضوءا اخضر للتحرك، وفتحت امامه الطريق للحرب العالمية الثانية.

 

الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفاشية

سقطت اوروبا بيد الفاشية كالثمرة الناضجة. حكومة المحافظين في بريطانيا خشيت من الشيوعية اكثر من خوفها من طموحات التوسع الالمانية. سياسة السلم تجاه هتلر التي تبناها رئيس الوزراء البريطاني تشمبرلين، تكللت باتفاق ميونيخ عام 1938. في هذا الاتفاق منحت بريطانيا لهتلر الحق باحتلال تشيكوسلوفاكيا، في محاولة فاشلة لتحييد عداء هتلر لها. نتيجة لذلك، بقي الاتحاد السوفييتي معرضا لمخططات الحرب الالمانية.

عشية الغزو الالماني لبولندا، اجرى الاتحاد السوفييتي مفاوضات مع بريطانيا وفرنسا في محاولة لمنع نشوب الحرب، ولكن المفاوضات فشلت بسبب رفض دول الغرب خوض حرب ضد المانيا النازية ورفضها السماح للقوات السوفييتية بالمرور من الاراضي البولندية لمواجهة هتلر. كانت هذه خلفية الاتفاق الذي وقعه ستالين مع هتلر في الفترة الاولى من الحرب، والمعروف باتفاق ريبنتروب مولوتوف (الاول كان وزير الخارجية الالماني والثاني وزير الخارجية السوفييتي).

عدا بريطانيا وبعض الدول المحايدة، احتل النازيون اوروبا كلها. هولندا سقطت خلال خمسة ايام، واستسلمت فرنسا بعد اسبوعين. الحركات الفاشية التي كانت قائمة في هذه الدول، وتمتعت بحق النشاط القانوني، لعبت دورا مهما في مساعدة القوات النازية على السيطرة على الامور، وفرض نظام القمع والارهاب والقضاء على المعارضين، وتشكيل انظمة عميلة، مثل نظام فيشي في فرنسا ونظام انتونسكو في رومانيا وهورتي في المجر وكويزليغ في النرويج. 

القوة التي اوقفت تقدم الزحف النازي كانت الجيش الاحمر السوفييتي وحده. حكومات الغرب رفضت فتح الجبهة الثانية رغم مطالب السوفييت الملحّة. خلال ثلاث سنوات حارب السوفييت بمفردهم في مواجهة الوحش النازي المدعوم من كل حلفاء المانيا آنذاك.

المساعدة التي قدمتها امريكا للاتحاد السوفييتي في هذه الحرب، كانت رمزية وهزيلة: مقابل 624 طن  من الوقود التي قدمتها امريكا لقوات فرانكو الفاشية في عام واحد، ارسلت امريكا للسوفييت خلال الحرب كلها 70 الف طن. زد على ذلك، ان الولايات المتحدة دخلت الحرب فقط بعد الهجوم الياباني على مينائها بيرل هاربور. خوف امريكا من تقدم الجيش الاحمر هو الذي دفعها لدخول اوروبا لمنع انتشار الفكر الماركسي.

 

العصر الشيوعي ودولة الرفاه

بعد الحرب العالمية الثانية توصلت دول الغرب الصناعية لاستخلاص مفاده ان الطريقة الافضل لضمان ولاء الطبقة العاملة،هي منح الامتيازات المادية وتوفير الخدمات الحكومية للمواطنين. النمو الاقتصادي السريع الذي اعقب الحرب العالمية، وانتهاء عصر الاستعمار المباشر، مهّدا لبروز انظمة اشتراكية ديمقراطية تبنت نموذج "دولة الرفاه". في هذه الحقبة بدأ الفكر السياسي الشائع يصف الفاشية بانها انحراف عن النظام البرجوازي الصائب، او خطأ تاريخي.

اليوم يتبين من جديد ان الحقيقة ليست كذلك، وان الموقف الشيوعي من الفاشية كان صحيحا. المزيد من المتابعين للنظام الرأسمالي وطبيعته العدوانية، يتساءلون ما اذا كانت دولة الرفاه مرحلة توقف او استراحة دخلتها الطموحات البرجوازية تحت تهديد النظام الشيوعي وخوفا من انتشار نفوذه.

منذ مطلع الثمانينات، ومع بروز علامات الازمة الاقتصادية برزت قوة اليمين في بريطانيا (تاتشير) والمانيا (كوهل) والولايات المتحدة (ريغان). اليوم يسيطر على اغلبية دول الاتحاد الاوروبي حكومات يمينية، وفي بعض الدول تشارك احزاب فاشية او يمينية متطرفة في الائتلافات الحكومية.

في الانتخابات الاخيرة بفرنسا حظيت الجبهة الوطنية الفاشية بقيادة جان ماري لوبين بنسبة 11.23% من الاصوات في الجولة الاولى. زعيم التحالف الوطني الايطالي جانفرانكو فيني الذي يدعو لانتهاج سياسة عدائية صارمة تجاه المهاجرين والعمال الاجانب، تعين نائبا لرئيس الوزراء في حكومة برلوسكوني. برلوسكوني ليس الدكتاتور الفاشي الايطالي موسوليني، لكنه وافق على اشراك فيني وحزبه الذي يؤيد بشكل علني موسوليني، ويشارك في ائتلافه امبرتو بوسي زعيم العصبة الشمالية الفاشية.

في اوروبا كلها يتم اليوم سن قوانين هجرة شديدة تمنح للسلطات صلاحيات لطرد المهاجرين، وذلك بتأثير الاحزاب اليمينية المتطرفة. الامانة العامة للاتحاد الاوروبي التي تتخذ من بروكسل مقرا لها، اقترحت في ايار الماضي تشكيل قوة شرطة اوروبية متعددة القوميات، للحفاظ على الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي من الهجرة غير القانونية. بهذه الطريقة تتغلغل الفاشية للقارة الاوروبية من جديد.

المزايا الاساسية في الفاشية القديمة موجودة في الحركات اليمينية المتطرفة الحالية. وتتمحور اوجه الاختلاف في ان وقود الفاشية اليوم هو كراهية الاجنبي او الغريب، بينما كان في العشرينات والثلاثينات، معاداة الشيوعية والماركسية. الكراهية لسكان المستعمرات تحولت اليوم الى معاملة عنصرية بحق اللاجئين من المستعمرات الذين اجبروا على الرحيل الى اوروبا بحثا عن عمل. هذه هي الجذور الاستعمارية للفاشية الجديدة.

هناك ادعاء بان المقارنة بين الفاشية القديمة والجديدة غير واردة، لان الفاشية ظهرت في مطلع القرن العشرين كرد فعل على الحرب العالمية الاولى وعلى الثورة البلشفية. لكن علينا ان نذكر ان انهيار الاتحاد السوفييتي لم يلغ التناقض الطبقي. الفجوات المخيفة بين الدول الصناعية المتطورة وبين العالم الثالث الفقير تهدد استقرار وامن العالم. الصراعات الداخلية بين الدول الكبرى الرأسمالية نفسها ستتعمق، نتيجة سعي كل واحدة منها على السيطرة على اجزاء اكبر من السوق الآخذة بالانكماش. ليس من المستبعد ان تكتسي الانظمة الغربية نفسها نتيجة هذه الصراعات انماطا فاشية.

ما يزيد القلق من امكانية تحقق هذا التصور، هي اللامبالاة التي تتسم بها المجتمعات الغربية ازاء ظهور اليمين المتطرف الجديد. بعد 55 عاما من الكارثة الكبيرة التي اصيبت بها الحضارة الاوروبية التي غرقت في حمام الدماء نتيجة النظام الفاشي، تبرز من جديد نفس الاصوات ونفس الشعارات. ولكن، يبدو ان البرجوازية لم تتعلم شيئا من عبر الماضي.

الطبقة العاملة التي تبحث عن قيادة جديدة في المعركة المصيرية مع الفاشية، لا يمكنها ان تجد ضالّتها في الاحزاب اليسارية التقليدية التي فقدت البوصلة. كما تعجز مؤسسات المجتمع المدني عن توفير الجواب الصائب لخطر الفاشية، بسبب فقدانها مقومات النضال والبرنامج. الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية كانت القوة الوحيدة التي هزمت الفاشية في الاربعينات. وحدها الحركة التي تعتمد على هذه التجربة، وتتبنى الاستعداد الثوري لطرح البديل للنظام الرأسمالي، هي القادرة على التصدي لهذه الظاهرة الوحشية التي تنمو من جديد على تربة النظام الرأسمالي.

 

* القيت المحاضرة في الايام الدراسية التي نظمها حزب دعم في حزيران 2002.


 

الصبار  



#هداس_لهب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبح الفاشية يطوف سماء اوروبا
- The Caretaker "مدبر المنزل" في حيفا ...هوامش المجتمع.. مرآته
- قانون الارهاب يضرب حقوق الانسان الامريكي


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هداس لهب - الفاشية الابن الشرعي للرأسمالية