بقايا حلم

محمد محمود الوحيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1165 - 2005 / 4 / 12 - 09:17
المحور: القضية الفلسطينية
    

ها أنا استل قلمي لأخط رسالة لصديقتي صوفيا من جنين ، صوفيا فتاة في مقتبل العمر تزين عنقها بصليبها اعتادت أن تتلو عقب كل صلاة بعض الدعوات العفوية تتضرع لله أن يمنحها الأمل بغد يخلو من ذرف دموع الحسرة و الآهات .
بسم الله الرحمن الرحيم
الصديقة العزيزة صوفيا
في البدء أزف لك البشرى ( لا زلتٌ على قيد الحياة ) حالفني الحظ مرة أخرى فاختارت الرصاصة جمجمة أخرى ، قد تكون جمجمتي غداً هدفاً ، لكن دعينا نشرب نخب هذه المناسبة العظيمة ، من يستطيع التخيل أن المسافة بين الموت و الحياة لم تزد عن خمسة سنتمترات فقط .
لا تتحدثي عن الفشل صوفيا فالفشل في بلادنا أصبح أمراً لا يمكن الفرار منه أو تجميله أو توريته لست وحدك تعيشين الهزيمة ، لم يعد الحديث عن انتصار الدم على السيف يثير الفخر ، بل أصبح يذكرنا فقط بهزيمتنا لابد لنا من الاعتراف بأننا هزمنا ، عندها فقط نستطيع أن نحلم بالانتصار ، هزيمتنا لا تعني أن المحتل قد انتصر لكنهم بحاجة أيضاً لشجاعة الاعتراف بالهزيمة ، لابد لنا جميعاً أن نقر بأننا نخوض حرباً لا يمكن فيها تحقيق أي نصر عسكري ، فقط عندما نقر بهزيمة منطق القوة يمكن لنا أن نخوض حرباً أخرى تختلف أدواتها ، ترتكز أساساً على الرغبة في الحياة بعيداً عن دائرة الجريمة ، نستطيع العمل معاً لنحلم سويا بغد خال من ذرف الدموع على فراق أحبتنا و أهالينا .
تتحدثين عن الحياة صوفيا
الحياة التي لا نجدها إلا في خيال شعرائنا ربما لأننا حين نذكرها نتحدث عن حلم لازمنا منذ طفولتنا و لازال حلماً... إننا نعيش فقط و لا نحيا لأن الحياة تعني أشياء كثيرة غير موجودة هنا على الإطلاق .
" فلسطينيتي" هل هي حالة أعيشها ؟ أم أنها مجرد عنوان لمعركة الوجود ؟ أم أنها عنوان لهزيمة أمة ؟
ربما أحتاج للإجابة عن هذه الأسئلة بتجرد و بموضوعية حتى أستطيع أن أتخيل معنى أن أكون فلسطينياً، لا أدري كم أحتاج من الشجاعة و الوقت كي أغامر في البحث عن أجوبة هذه الأسئلة.. لكنني بالتأكيد سأكون حينها قادراً على مواجهة الحقيقة أياً كانت وطأة قسوتها و مرارتها على نفسي.
صوفيا...
كم حاولت أن أطلق بداوتي و عروبتي كي أستطيع نسيان ما حدث في جنين، لكنه _ سيف الجلاد _ مرة أخرى يغتال ضعفي و هواني في رفح يكرر الجريمة أمام عيني في رفح، يمنحني القوة للانسلاخ عن هزيمتي و الانطلاق للبحث عن أي نصر مزيف قد يكون هذا النصر أشلاءً تتطاير في سماء تل أبيب أو حيفا أحاول بها أن أنسى محاولتي اليائسة لجمع ما تبقى من أشلاء أخي ابن العامين عندما لم تخطئه قذيفة دبابة في رفح.
الفرق الوحيد بين فلسطينيتي و عروبتي هو الإحساس العميق بالمرارة تجاه من خذلوني من أبناء العمومة لقد بذلوا دمنا ثمنا لصلب ما تبقى من أصالة الأمة و ميراثها الأخلاقي العظيم .
صوفيا...
في كل ليلة كما اعتدت من سني طفولتي أنام وأنا أحلم بأن الغد سيكون مختلفاً لن أتنازل عن هذا الحلم لأنني لا أملك سواه ...

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل