ضياء الدين العلي
الحوار المتمدن-العدد: 1165 - 2005 / 4 / 12 - 09:00
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إن الإصلاح من العناوين البارزة في العصر, وهو متعدد الجوانب, من أهمها الجانبين السياسي والاقتصادي. والإصلاح يعني في منطقه الأساسي تقويم وضع خاطيء, ووضع الضوابط له لكي لا يعود إلى سيرته السابقة. وفي بعده الاقتصادي يتضمن الإصلاح من ضمن ما يتضمن إصلاح إدارات الهيئات والمصالح والمشاريع الحكومية.
المشكلة في سوريا أن كل الشعارات التي ترفع يتم تنفيذ ما يعاكسها تماما, فمثلا تم الحديث عن الاشتراكية لنكتشف بعد أربعة عقود أن الوضع انتكس إلى شكل من الإقطاع أسوء بعشرات المرات من الإقطاع التقليدي. تم الحديث عن الديمقراطية لننتهي إلى مجتمع لا يعرف معنى السياسة والأمثلة كثيرة وفي مختلف المجالات.
لقد أعلن السيد رئيس الجمهورية مشروعا كبيرا للإصلاح سمي بالتحديث والتطوير, ومن ضمن هذا المشروع هناك حديث عن إصلاح إداري, وهذا سيكون أحدث مؤشرات السلوك التنفيذي السوري, الذي ينتج دائما عكس ما يقال. والمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان هي المثال صارخ والعجيب لهذه الآلية التنفيذية الجهنمية.
والغرض هنا أن نطلع القارئ على النموذج السوري في الإصلاح الإداري, لكي لا يقال له أننا لا نستطيع أن نخترع شيئا أو أننا متخلفون . فلدينا نموذج في الإصلاح الإداري هو الأكثر حداثة والأغرب في التاريخ العالمي ويجمع الماء بالنار بالبنزين في تآلف سوري لن تجده في أي مكان آخر في العالم . نستعرض نموذج مؤسسة الأقطان كحالة عملية لنستخلص منها أضلاع الإصلاح الإداري في سوري .
في الإدارة يتم الإصلاح باستبدال الكوادر وإعادة تأهيلهم واستخدام كوادر جديدة وإدخال تغيرات في الهيكل التنظيمي وآليات اتخاذ القرار. وهذا يتم بمعايير علمية دقيقة ومعتمدة ومجربة, ولكننا مرة أخرى في سوريا نأبى إلا أن نكون ذوي خصوصية.
نعود إلى مثالنا, ونبدأ رحلة الإصلاح في مؤسسة الأقطان, قبل حوالي ثلاثة أشهر تم تعيين المدير العام السابق (والناجح) وزيرا للاقتصاد, وعين مدير عام جديد أستاذ في كلية الاقتصاد, ويحمل الدكتوراه في الإدارة (في أحسن من هيك!!!!). وفعلا بدأ المدير العام عمله بإعادة موضعة الكادر الإداري.: ترقية البعض وكسر آخرين وإجراء تنقلات.......وهذا أمر طبيعي, تم تشكيل لجنة لدراسة الهيكل التنظيمي, عقدت اجتماعات مع الكادر وبشر المدير العام العاملين بعصر من العدل والكفاءة والازدهار.
هل يكفي ثلاثة أشهر لنحكم على الرجل ؟ بالطبع لا, ففي الاقتصاد الحكم على النتائج, وقد لا تظهر في ثلاثة أشهر . ولكن كما يقال لا يمكن بناء بيت متين بطوب فاسد, ولا يمكن إجراء إصلاح إداري أو الإدارة بكفاءة بدون وجود كادر مناسب يتم اختياره بمعايير مناسبة. وهذا يدفعنا للتركيز على طاقم السيد المدير العام (ربما الأصح شبكته) وكيف تم اختياره , ومن ذلك سنكتشف الغريب والعجيب, وعليه يمكن توقع النتائج سلفا.
فماذا كانت معايير المدير العام في اختيار طاقمه من مدراء الإدارات والمشاريع ورؤسات الدوائر والأقسام والشعب وصولا إلى الموظفين العاديين ذوي المواقع الحساسة والمستخدمين ذوي المهمات"الخاصة".
1. الفساد : يشترط بمن سيكون كادرا ذا مكانة وحظوة أن يكون من ذوي الأسبقيات والأفضل أن يكون قد أحيل للرقابة مرات وعوقب على انحرافاته أو سرقاته أو اختلاساته في الوظيفة, وفي عملية البحث عن هؤلاء تم الاستعانة بالرئيس السابق لدائرة الرقابة الداخلية الذي تم ترقيته لمعاون المدير العام, حيث يحتفظ هذا الرجل بملفات الجميع , ويستطيع أن يحدد درجة فساد كل شخص, وبالتالي مؤهلاته في إطار الطاقم الجديد , ومن ثم المنصب الذي سيوكل له. وعلى ذلك فإن هذا الرجل أصبح المقرر الأول والأخير في هذه المؤسسة. مثال: مدير أمانة السر والتخطيط , وهي مديرية حساسة في المؤسسة, اتهم بالاختلاس والغش سابقا وعوقب, رفع في العهد الجديد إلى مدير لتلك المديرية. وإذا لم تصدق عزيزي القاريء يمكنك أن تسأل الفنيين أعضاء لجنة التوريد الذين عوقبوا من قبل المدير على عمل في لجنة كان يرأسها ومسؤول عنها ومسؤول عن ذلك العمل نائبه الحالي.
2. السلفية: المعيار الإداري الجديد لتحديد كفاءة الكادر, الذي اخترعه المدير العام الأكاديمي" كي لا تضيع حقوق الملكية الفكرية" هو مخافة الله , من يخاف الله لا خوف منه على حد تعبير المدير العام. أما كيف يمكن أن يعلم ما إذا كان المرء يخاف الله فهذا يمكن معرفته من خلال عدة طرق , مثلا: عدد ساعات البقاء في الجامع"خلال الدوام" الذي هو في مبنى المؤسسة, طول اللحية , طول السبحة, وجود عداد لتسجيل عدد مرات التسبيح في اليوم(والحسنة بعشرة أمثالها), تكرار الآيات والمقولات الدينية بمناسبة وغيرها, درجة النفاق, معاداة المرأة.....والمخفي أعظم.
3. الطائفية : وهنا لا يتم إظهار هذا المعيار لأسباب يعرفها السوريون, ولكن يتم الاستعاضة عن ذلك بعدد من المعايير الفرعية, فمثلا أن تكون "حلبيا" هذا يعني جواز مرور للمناصب, لدرجة أنه قولك أنك حلبي أصبحت مبعثة للفخر وإرهاب الآخرين الذين لا ينتمون في الأصل لمدينة حلب, وعند عدم وجود الحلبي فيفضل من محيط حلب شريطة أن يكون مسلما سنيا.
بهذه المعايير تم اختيار الطاقم الجديد, أما الكادر القديم فقد تم تصفية كل من لم يحقق المعايير السالفة أو حقق جزءا منها. هذا الطاقم بعد فرزه تم توزيعه في مفاصل المؤسسة بدءا من المدراء حتى أصغر المستخدمين لتكون شبكة مأمونة الجانب, لأنها مضبوطة بمصلحة الفساد وعصبية الطائفة وشرعية السلفية. وعليه تصبح الشبكة مفيدة وفعالة لبدء العمل. ما هو العمل وكيف ؟
بدءا من حلقة توجيه السيارات الحاملة للأقطان للمحالج إلى وكلاء التصدير, هناك رجال ثقاة يم تعيينهم بحيث تكون في كل مرحلة ريوع, أو تتراكم الريوع في مرحلة التصدير وهي الأهم. ولن ندخل في التفاصيل انتظارا للنتائج, ولكن بعض السلوكيات فاقع : مثلا ما معنى أن يكلف تجديد مكتب المدير العام (الذي كان جديدا ويعرفه المدير العام السابق والوزير الحالي) حوالي المليون. وما معنى الولائم اليومية في "بازار الشرق" لجميع العناصر البارزة في الطاقم.
أما دورات تأهيل الكادر التي بدءها المدير العام السابق (دورات لغات وكومبيوتر وغيرها...) فقد تم توقيفها نهائيا, رغم أنه تم صرف ملايين الليرات على مركز التأهيل. حيث أن الفساد وحلفائه ليس بحاجة لمهارات في الإدارة واللغات والكومبيوتر.
هل هذا هو الإصلاح؟ لا أدري عزيزي القارئ وقد ضعت مثلك لأن المعايير العلمية تفقد قيمتها في البيئة السورية , وبما أنني فشلت في استنتاج نموذج سوريا للإصلاح الإداري فإنني أتركك مثلي في الحيرة. ولكن لا بد من التساؤل إلى أين يؤدي تحالف السلفية والطائفية والفساد إداريا واقتصاديا وحتى سياسيا, أميل إلى القول أنها الهاوية .......!!!!!؟؟؟؟؟؟
#ضياء_الدين_العلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟