أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - كتاب الحج ب 3 ف 2 ( دين التصوف : لمحة تاريخية )















المزيد.....



كتاب الحج ب 3 ف 2 ( دين التصوف : لمحة تاريخية )


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4020 - 2013 / 3 / 3 - 22:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب الثالث : الحج فى الدين الصوفى
الفصل الثانى : ( دين التصوف : لمحة تاريخية )

تعريفات التصوف : 1- ليس للتصوف عند أربابه تعريف محدد ، فى الرسالة القشيرية ـ دستور التصوف ـ يقول القشيري ( تكلم الناس في التصوف ، ما معناه، وفى الصوفي من هو، فكل عبر عما وقع له ، واستقصاء جميعه يخرجنا عن المقصود من الإيجاز ) ـ( الرسالة القشيرية ط صبيح : 217 ). والقشيري أسبق في الإشارة إلى أن كل صوفي يعبر عن ذاته في تعريفه للتصوف ، فقد يكون للصوفي الواحد أكثر من تعريف للتصوف من غير أن يربط بينها رابط وذلك لأن الصوفي (ابن وقته ) فهو ينطق في كل وقت بما يغلب عليه الحال في ذلك الوقت . لذا فإن تعريفات التصوف لا تنتهي كثرة وتناقضاً واختلافاً ، ذلك أن لكل صوفي (ذوقه ) أو بتعبيرنا ( لكل منهم هواه ) فالهوى هو الأساس في اختلاف الصوفية في تعريف أهم الأشياء لديهم . وهو التصوف الذي به يدينون ويوصفون .
وقد يسمون الهوى (ذوقاً) عند الأقدمين أو ( تجربة ) عند المحدثين ، إلا أن الهوى هو المعيار الذي نفسر به حقيقة التصوف ، وقد جعل القرآن الكريم ( الهوى) نقيضاً للعقل ، ودعا لاستعمال العقل للوصول به للإيمان الخالص بالله وحده ، وتكرر في القرآن الكريم (أفلا تعقلون ) (لعلكم تعقلون )، ووصف المشركين بأنهم (لا يعقلون ) وبأنهم يتبعون الهوى بلا عقل ({أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ؟. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } (الفرقان 43 ،44) . ولأن كل منهم يعبد هواه وينكر عقله فقد تفرقوا شيعاً وأحزاباً وطرقاً .
ومن الملاحظ أن الاختلاف سمة أساسية للتصوف يشمل كل شيء من تعريفه إلى اشتقاقاته ورسومه وشكلياته ، حتى يحتسب عمر الشقاق بين الصوفية بعمر التصوف نفسه ، بل ومرتبطاً بعقيدة التصوف نفسها، حتى أن رويم الصوفي يقول: ( ما تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا فلا خير فيهم )". ( الرسالة القشيرية 218 ).
إشتقاقات التصوف
والاختلاف قائم هنا ايضا في اشتقاقات لفظ التصوف، هل من الصوف أو أهل الصفاء ..الخ ...يقول القشيري ( وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس.. ثم أن هذه الطائفة أشهر من أن تحتاج في تعيينهم إلي قياس لفظ واستحقاق اشتقاق ) ( الرسالة القشيرية : 217 ). والقشيري أراح نفسه من الترجيح بين الآراء مع إثباته فضل الصوفية ،وفى نفس الوقت نفى صحة هذه الاشتقاقات من حيث اللغة . ويعنينا من هذا كله أن التصوف منذ ظهوره في تاريخ المسلمين في القرن الثالث الهجري وحتى الآن ، لم يجد اتفاقاً حول اشتقاقه اللغوي في لغة عربية تمتاز بأنها قياسية في قواعدها النحوية والصرفية ، وهذا منطقي في دين جديد يعانى من خلاف مستحكم بين أتباعه ، دين يقوم على الهوى أو (ذوق ) أشياخه ومؤسسيه.
مصدر التصوف
والاختلاف قائم بين الباحثين فى مصدر التصوف ، هل هو فارسى ، يونانى ، هندى ..الخ . ومن الخطأ إرجاع التصوف إلي مصدر بعينه ، فكل صوفي تأثر بنشأته وثقافته ، وعليه يمكن القول بأن مصادر دين التصوف لدى المسلمين تتعدد بتعدد ثقافاتهم وبيئاتهم. ويمكن اعتبار الفرعونية مصدرا للتصوف للمسلمين المصريين خاصة ، فقد كان لأحد مؤسسى التصوف وهو ذو النون المصري اهتمامات و تطواف بالبراري والمعابد الفرعونية أشار إليها المقريزي: ( الخطط جـ1 / 63، 386، 387 ط 1324 .) والمسعودي فى : ( مروج الذهب جـ2 / 401 . نشر بارتيه ورمنيار ).
بين التصوف والاسلام
1ـ شاع بين الناس أن التصوف فرع من الإسلام ، أو هو الإسلام ، أو هو ذروة الإسلام ، ويقول تعالى (..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.. المائدة 3) ومعناه أن دين الله قد اكتمل بنزول القرآن وتمامه، فلا مجال لأي بشر في أن يضيف لدين أكمله الله وحياً من السماء، فالتصوف إن كان يضيف للإسلام شيئا فذلك غير مقبول ، لأن تلك الإضافة إن كانت ضمن ما قرره القرآن فلا تعد إضافة لأنها موجودة من قبل، وإن كانت تلك الإضافة مختلفة عما قرره القرآن فهي مرفوضة وليست من الإسلام في شيء ، إن التصوف إذا اتفق مع الإسلام في شيء فلا حاجة بنا للتصوف لأن لدينا الأصل وهو الإسلام دين الله ، والله جل وعلا سيحاسبنا على ذلك الأصل الذي أنزله ( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ الأنعام 135). وإن كان التصوف يختلف مع الإسلام فلا حاجة بنا لذلك التصوف الذي يبعدنا عن ديننا الذي ارتضاه لنا ربنا . إنها قضية واضحة لا تحتمل التوسط ، فإما إسلام فقط وإماغيره من تصوف أو تشيع أو سنّة ، إما حق وإما باطل ، ولا وسطية ،يقول جل وعلا :( فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ؟.. يونس 32 ) إما قرآن فقط وإما أتباع للضلال (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ..الأعراف3).
2ـ وبداية الاختلاف بين الإسلام والتصوف تكمن في أساس التشريع ؛ ففي الإسلام أساس التشريع لله وحده. والقرآن الكريم يحكم على النبي والمسلمين ، أما التصوف فالشيخ الصوفي هو المشرع لأتباعه حسبما يوجهه هواه أو ( ذوقه ) أو (حاله ).
والاختلاف الرئيس هو حين يضفون على ذلك التشريع البشرى سمة الشرعية ، يدعون أن الصوفي أوتى الكشف أو العلم اللدني من الله أو الوحي الإلهي، مع أنه لا وحى في الدين بعد اكتمال نزول القرآن. وإضفاء الوحي والكشف والكرامة إلى الصوفي معناه الدعوة إلى تقديسه والتماس بركته في الدنيا وشفاعته في الآخرة ، وتلك سمة الاختلاف الرئيسية بين التصوف والإسلام ، حيث يكون لله وحده علم الغيب والشفاعة والتصريف في الدنيا والآخرة ، إلا أننا لا نجد صوفياً إلا وادعى لنفسه أو لشيخه لوازم التصوف من الولاية والكرامات والعلم اللدني ودعا الآخرين للاعتقاد فيه ، مع أن الاعتقاد لا يكون إلا في الله وحده إلها ووليا مقدسا. نطلب منه المدد والعون ، نطلب ذلك منه وحده ،لا شريك له جل وعلا.
وذروة الاختلاف بين الإسلام والتصوف تكمن في العقيدة الأساس في كل منهما ،فعقيدة الإسلام لا إله إلا الله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.. محمد 19 ) والله الإله الواحد، لا يشبه أحدا من خلقه ، ولا يشبهه احد من خلقه (..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ..الشورى 11 ) وصفات الله لا يوصف بها غيره ، فالله واحد في ذاته ، واحد في صفاته ، إذا هو أحد متفرد عن باقي خلقه (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد). أما عقيدة التصوف الحقيقية فهي (لا موجود إلا الله ) أو ما يعرف بوحدة الوجود والتي تعنى أن العالم جزء من الله، أو إن العالم هو الله ، وانه لا فارق بين الخالق والمخلوق ، وأن الخلق امتداد وفيض من الخالق ، وأن علاقة الخالق والمخلوق كمثل البحر وأمواجه ، والصوفي الحق عندهم هو الذي يدرك ذلك ويهتك الحجاب ويعلن اتحاده بالله أو حلول الله فيه . وبالقطع فهذه العقيدة تناقض عقيدة القرآن . 3ـ ولفظ التصوف لم يرد في القرآن الكريم ، اللهم إلا إشارة للرهبنة ليست في صالح المتصوفة الذين يحاولون ربط التصوف بالرهبنة والزهد، يقول جل وعلا: (.. وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ )(الحديد 27 )، ولم يجرؤ وضّاع الأحاديث المزيفة على كتابة حديث فيه لفظ التصوف ، لعلمهم أن ذلك لم يكن معروفا في الجزيرة العربية وقت ظهور الإسلام ، واكتفوا بوضع أحاديث فيها لفظ الفقر والفقراء، حيث كان الفقر يدل عُرفا على التصوف في عصرهم ، مع دلالة الفقر على الاحتياج للمال في كل عصر.
وورد لفظ التصوف لأول مرة في تراث المسلمين في كتاب الجاحظ ( البيان والتبيين)( ج 1/ 233 .). وقد كان ابن خلدون أقرب للصواب حين قال عن التصوف أنه من العلوم الحادثة في الملة.)( المقدمة 467 . ط المكتبة التجارية )، وخطأ ابن خلدون في أنه اعتبر التصوف علما ، وليس التصوف بعلم ، حيث لا عقل فيه ولا منهج ، وإنما هو ذوق وهوى، ودين جديد يخالف الإسلام ، وقد ظهر بعده بقرنين . 4- والتصوف نوعان : احدهما ديني والآخر فلسفي ، وإذا كان التصوف الديني يناقض دين الإسلام الذي لا مجال فيه لتقديس غير الله ، فإن التصوف الفلسفي مرفوض أيضاً، لأن الفلسفة الدينية للتصوف تعزز بالجدل عقائد التصوف الدينية . والتصوف الديني أدخل مصطلحات دينية مستحدثة في الحياة الدينية للمسلمين لم يعرفها المسلمون الأوائل في الجزيرة العربية ، ومن المصطلحات الدينية الجديدة التي استحدثها دين التصوف : الكرامة ، المريد، المقام ،الوقت الحال ، القبض ، الصحو والسكر ، الذوق الشرب ، المحو والإثبات ، الستر والتجلي، المحاضرة والمكاشفة ، الحقيقة والطريقة ، الوارد، الشاهد، السر، المجاهدة ، الخلوة ، الزهد، الولاية ، .. الخ ، ولكل منها مدلول في دين التصوف ، وسطرت في ذلك الكتب وبالطبع هم مختلفون في معناها وعددها. وبعض هذه الألفاظ كان مستعملاً في الإسلام بغير ما يقصده الصوفية ، إلا أنهم أوّلوها واستحدثوا لها مدلولات جديدة تخرج عن الإسلام مثل(الولي والولاية ) . وموضوعات التصوف الديني والفلسفي تتمثل في الشطحات ،وأحوال الفناء والحلول والاتحاد والتحقق بالحق ، والإشراق ، وهى تخرج عن نطاق الإسلام عقيدة وعلما وفكرا. بين الزهد والتصوف:
اعتبر الكثيرون أن الزهد مرحلة انتقالية أدت إلى ظهور التصوف في القرن الثالث الهجري، ومنهم ابن الجوزي الذي فرق بين الزهد والتصوف فقال إن (الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات وأحوال ) وأنّ (.. التصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلى )( تلبيس إبليس : 155 . ). ومع تمسكنا بوجود فروق أساس بين الزهد والتصوف ، إلا أننا نعتقد في أن لكل من الزهد والتصوف عوامله الخاصة التي ساعدت على نشأته وتطوره منفردا عن الآخر. ودليلنا في استقلالية نشأة الزهد عن التصوف هو استمرار حركة الزهاد بمعزل عن الصوفية ، وقد عاب الغزالي علي زهاد عصره مغالاتهم في الصلاة والصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر احتسابا وتشديدهم في أعمال الجوارح فى نفس الوقت الذي هاجم فيه الصوفية المعاصرين له بصفات تناقض ما اشتهر به الزهاد ، فرمى الصوفية المنكرين للفرائض بدعوى وصولهم. للحق واتحادهم به ( الإحياء : 3/ 341 : 343 ، 199، 344 : 347 ، 3/ 341 : 343 ،199 ، 344 : 347 المطبعة العثمانية ) ، مما يدل على أن الفارق جوهري بين الطائفتين في المعتقدات والسلوك . فالزهاد يتشددون في الصلاة ، والصوفية ينكرونها لأنهم جزء من الله . وقد تميز عصر الغزالي بتقرير التصوف ، ولو كان الزهد حركة انتقالية أدت للتصوف لذاب الزهاد في الحركة الصوفية الجديدة المعترف بها ولأنتقلت حركة الزهد إلى متحف التاريخ عندما توطدت حركة التصوف . وتاريخيا فقد استمر الزهد منفصلا عن تيار التصوف الآخذ في الانتشار ، ومع تناقض الزهاد فقد ظل وجودهم قائما حتى بعد أن تمت للتصوف السيادة المطلقة في العصر العثماني، فالجبرتي مثلا يذكر زاهدا في القرن الثاني عشر الهجري هو الشيخ مصطفى العزيزي ت1154 ، وقال فيه ( كان أزهد أهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الأخلاق ولا يرى لنفسه مقاما .. ولا يرضي للناس بتقبيل يده، ويكره ذلك ، فإذا تكامل حضور الجماعة وتحلّقوا حضر من بيته ودخل إلى محل جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله أحد..وإذا تم الدرس قام في الحال وذهب إلي داره )( عجائب الآثار 2/ 36 ط 1959 ). وكان أغلب الزهاد في العصر المملوكي من العلماء الفقهاء الذين كانت لهم سمات تخالف الصفات الكلاسيكية للشيخ الصوفي، ثم إن الزهد لم يلق في مولده ما لاقاه التصوف من إنكار مما يدل على اختلاف طبيعتهما إلى درجة لا يقبل معها أن يكون أحدهما حركة انتقالية للآخر، فقد بدأ التصوف بالشطح أو إعلان الكفر الصوفي مما أدى لاضطهاد رواد التصوف ، بينما حظي رواد الزهد بإعجاب العامة وعطف الخاصة حيث تركوا متاع الدنيا الذي تقاتل حوله الجميع . والصوفية الأوائل هم سبب الخلط بين التصوف والزهد، إذ أنهم في اندفاعهم لتقرير دينهم وحمايتهم من المجتمع الذي يضطهدهم جعلوا من أوائل الزهاد المسلمين روادا للتصوف ، مع أنه لم تحفظ عن أولئك الزهاد شطحات صوفية ، مثل الحسن البصري وسفيان الثوري وسعيد بن جبير، وأولئك كانوا يتمتعون بتقدير؛ وطمع الصوفية في أن ينالهم منه شيء.
ونعود للتصوف ، فقد بدأت جماعات الزهاد منتشرة بين الموالى تتمتع بعطف المجتمع وإعجابه ، فاتصل رواد التصوف بالزهاد واستفادوا منهم مع استقلالية كل حركة. ولم يقع صدام بين حركتي الزهد والتصوف وإنما وقع الصدام بين دينى السّنة والتصوف . بداية التصوف:
لنضع الأمور في نصابها الصحيح علينا أن نبدأ بالأساس الذي يجمع التصوف والإسلام وهو العقيدة ، فالإسلام دين وعقيدة والتصوف كذلك ، والعقائد والأديان على اختلافها تنقسم إلي قسمين : ا - دين اله الذي شرعه لخلقه وهو الإسلام الذي جاء به وحي السماء بكل اللغات ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ..) ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) آل عمران 19، 85 )، وهو يعنى الاستسلام الكامل لأوامر الله وحده وبكل اللغات والسلام مع الناس .
2- الدين الأرضي يخترعه البشر ويختلفون فيه حسب الهوى ، فيحرفون في دين الله ويفترون عليه الكذب ويقدسون مع الله البشر من الرسل والأئمة ، وهذا هو الشرك أو الكفر، ولا فارق بينهما . ودين الله أسبق في الوجود في التاريخ الإنساني فقد فطر الله البشر على أن يسلموا له وحده (الأعراف 172 ، والروم 30 ) وكان آدم أبو البشر رسولا لأولاده ( آل عمران 33) وتلاه الأنبياء يقولون نفس العقيدة لا إله إلا اهلم (الأنبياء 25)، ولكن باللغة التي ينطقونها ، ثم قيلت باللغة العربية في الرسالة الخاتمة.
وهناك قصة للصراع بين عقيدتي الإسلام الخالص والشرك تتكرر في تاريخ الأنبياء؛ فنوح عليه السلام تحمل الأذى حتى انتصر في النهاية ومعه قلة مؤمنة نجاها الله من الطوفان ، وتدور الأيام ، ويعود الشرك إلى قلوب الأحفاد من الذرية فيرسل الله رسولا آخر يلقى نفس الأذى فيصمد، وهو يذكر قومه بما حدث من الأسلاف السابقين (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ...الأعراف69)، ويهلك الله قوم عاد وينجى النبي هودا ومن آمن معه ، وتدور الأيام فيكفر الأحفاد، و يأتي منهم نبي جديد هو صالح الذي يقول لقومه: ( وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ ...الأعراف74)، وهكذا تستمر قصة الصراع بين العقيدتين ، ينتصر الرسول ، ثم يعود الشرك بعده متخفيا تحت دعاوى شتى منها حب الرسول نفسه وأصحابه ، ثم يتحول الحب إلى تقديس والتقديس إلى عبادة ، إلى أن يأتي رسول جديد تتكرر معه نفس القصة .
ثم جاء محمد خاتم الأنبياء بمعجزة القرآن الذي فصّل كل ملامح الشرك ورد عليها، وقد حفظ الله هذا القرآن ليكون حجة على البشر إلى يوم القيامة ، خصوصا الذين كرروا مسيرة الانحراف والقرآن في أيديهم ؛ يؤولون آياته ويخترعون مناهج أخرى لأديان ما أنزل الله بها من سلطان.
إن قصة الصراع العقيدي بين الإسلام والشرك لم تنته بانتصار خاتم النبيين ، وإنما استمرت محاولات العقاند الشركية القديمة للظهور تحت شعار الاسلام ، ثم ما لبثت أن انتصرت وانتزعت منه الساحة ليصبح المتمسكون بالإسلام الحقيقي قلائل يعانون الاضطهاد ، كما حدث للقلة المؤمنة في مكة . وقد بدأت أولى المحاولات الشركية للظهور فيما عرف بحركة الردة التي ارتبطت بإدعاء النبوة والوحي وعلم الغيب مختلطة بعناصر جاهلية عربية كالعصبيةالقبلية والأنفة من سيطرة قريش وعدم دفع الزكاة. وبإخماد أبى بكر لحركة الردة كان تفكيره في دفع العرب للفتوحات شغلا لهم عن تكرار قصة الردة . وكانت الفتوحات عصيانا فاحشا لدين الاسلام ، وأسفرت فى البداية عن ضم الشام والعراق ومصر وايران وهى مناطق عريقة في الفلسفات الوثنية والنزعات القومية.
بدأ عرق الردة ينبض عند الفرس أكثر الأجناس المحكومة قومية وتاريخا وكراهية للعرب. كان العرب قد برروا استبداهم وفتوحاتهم وحروبهم الأهلية ـ دينيا بتشريع مصنوع بأحاديث ، وهو ما عُرف فيما بعد بالسّنة ، أو دين السّنة الأرضى بأحاديثه التى انتشرت شفويا ثم أُتح لها الكتابة والتدوين والتقعيد فى العصر العباسى . عانى الفرس من الاضطهاد خصوصا فى العصر الأموى ، ثم وجدوا ضالتهم في قيام الدولة العباسية بمساعدتهم ، فصار لهم فيها النفوذ ، فتطلعوا إلى أتمام استقلالهم بالردة عن الإسلام ، فكثر في العصر العباسي الأول وجود الزنادقة لولا أن العباسيين في قوتهم استأصلوا حركة الردة وقضوا عليها سياسيا. وثاروا عسكريا فى خراسان والشرق فأخمد العباسيون ثوراتهم بالحديد والنار. بعد هزيمتهم العسكرية التفت الفرس فى العصر العباسى الثانى إلى المقاومة الفكرية فى ميادين مختلفة منها تدعيم الدين السّنى نكاية فى الاسلام ، فكان روّاد الحديث فى العصر العباسى الثانى من الفرس كالبخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن ماجة ..الخ ، ومنها استغلال دين التشيع فقربوا بينه وبين عقاندهم القديمة وخلطوه بأغراض سياسية قومية فواجه الشيعة الشدة من بني العباس ودينهم السّنى . فكان إختراع التصوف آخر جهد فارسى فى الكيد للاسلام .
التشيع هو الذى أرسى للتصوف الأسس التي يقوم عليها. ورث التصوف عقائد التشيع ورسومه وتخفف من أوزاره السياسية ، فبدأ حركة دينية عقيدية أكثر، برواد من الأعاجم، تتلمذوا على يد أساطين الشيعة ، (فمعروف الكرخي) الرائد الصوفي كان نصررانيا فأسلم على يد الإمام على الرضى ، وهو من مواليه ، (ومعروف ) هو أستاذ ( السري السقطى)، الذي هو أستاذ (الجنيد) الملقب بسيد الطائفة الصوفية ، وقد قال معروف لتلميذه السري : إذا كانت لك حاجة إلى الله فاقسم عليه بي )، ( الرسالة القشيرية 15، 16 ،32 ).
فأرسى بذلك قاعدة التوسل بالأشخاص وجاههم عند الله . وبدأ التصوف بذلك مشواره العقيدي.
ثم دخلت الخلافة العباسية في دور الضعف حين تحكم فيهم الأتراك ، فاستفاد المتصوفة من ضعف العباسيين فتشكلت خلايا التصوف من شيخ ومريدين ، وتمت الاتصالات بينهم فيما بين مصر والعراق والحجاز والشام عبر السياحة الصوفية ، ورفعوا لواء الحب الإلهي ليخفوا تحته عقيدة الاتحاد الصوفية ، ومع ضعف الخلفاء العباسيين فلم تمر الحركة الصوفية الجديدة بدون رد فعل فلاحقت الدولة رواد التصوف بالمحاكمات والنفي والاضطهاد حتى اضطر الجنيد لأن يعلن أن (طريقته منوط بالكتاب والسنة ) ( الرسالة القشيرية 15، 16 ،32 )، وفى نفس الوقت يدرّس التصوف في عقر داره بين المخلصين من تلاميذه وبعد أن يقفل باب داره (ويضع المفتاح تحت وركه) خوفا من أن يتهموه بالزندقة ،ومع ذلك فلم ينج من الاتهام بسبب كلمة قالها ، مما جعله يتستر بالفقه ويختفي ، وحوكم سمنون وذو النون المصري وسهل بن عهد الله، وبلغ اضطهاد الصوفية ذروته بقتل الحلاج عام 301. ( الطبقات الكبرى للشعراني 10 ، 13 ، 14 ط صبيح ).
ولا يزال الجنيد زعيما للمعتدلين من الصوفية بسبب ما اشتهر عنه إعلان تمسكه بالكتاب والسنة حتى أن من أنكر على الصوفية فيما بعد خدعته أقاويل الجنيد التي قالها بالتقية ، فابن الجوزي ت 597 الفقيه السّنى الحنبلى يستدل بقول الجنيد السابق ويتخذه حجة على الصوفية الصرحاء الذين أعلنوا عقيدتهم فيما بعد في عصر ابن الجوزي نفسه ( تلبيس إبليس 162، 158 ). ومع ذلك فإن الأقوال القليلة التي حفظت عن الجنيد تشي بعقيدته الحقيقية التي منع الخوف من ظهورها ، فهو يرى أن العارف الصوفي هو ( من نطق عن سرك وأنت ساكت. ) ، أي سنّ للصوفية ادعاء الكشف أو علم الغيب ، وسئل عن مصدره الذي يستقى منه أقواله الجديدة فقال ( من جلوس بين يدي الله ثلاثين سنة أسفل تلك الدرجة ، وأومأ إلى درجة - سلم - في داره ) ( الرسالة القشيرية 31 : 32 ) ، فأرسى مقولة العلم اللدني والوحي.
أي أن مسيلمة الحنفي ليس وحده الكذاب.!
التصوف المعتدل لا يفترق عن ادعاءات المرتدين كمسيلمة الكذاب ، غاية ما هنالك أن مسيلمة جاء في عصر قوة المسلمين ، أما "الجنيد" فقد جاء في عصر الوهن حيث ضعف العباسيين وقوية الشعوبية وتدهور العرب ، حتى أن مصرع الحلاج زعيم الصوفية المتطرفين لم يتم إلا بدوافع سياسية أكثر منها دينية ، وبعد محاكمة زادت على العشر سنوات . وبمرور الزمن تغيرت الظروف أكثر لصالح التصوف فتضاءل الإنكار عليه ، وزاد انتشاره وبدأ يأخذ دوره في اضطهاد خصومه من الفقهاء، فتبدلت الآية ، وبدأت دورة أخرى من دورات الصراع الديني. إنتشار التصوف : انفتح الصوفية على العوام يرغبونهم في الانخراط في التصوف بإقامة حفلات السماع والطرب ، يقول ابن الجوزي (التصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلى، ثم ترخص المنتسبون إليها بالسماع والرقص ، فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من الزهد، ومال إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب )ـ( تلبيس ابليس161 :162 ، 155 : 156 .) .
ولم يجعل الصوفية من العلم شرطا في مجال التصوف ، بل وقفوا موقفا معاديا للعلم فاعتبروه علم الظاهر، بينما ادعوا أنهم اختصوا بالعلم الحقيقي (العلم اللدني) الذي يأتي من الله بلا واسطة وبلا تعب أو مذاكرة . وسهل هذا الادعاء دخول الكثرة الكاثرة من العامة في سلك التصوف فزاد بهم قوة وصار معبرا عن العامة أكثرية المجتمع ، والأكثرية يصفها القرآن بأنها لا تعقل ولا تفهم ولا تؤمن بالله إلا وهى مشركة .
واتصف أساطين التصوف بالمرونة الكافية التي مكنتهم من تحويل غضب الرأى العام ضد شطحات التصوف إلى غضب ضد أشخاص متفرقين من الصوفية مع عدم المساس بمبدأ التصوف ذاته ، فالقشيري مثلا انتقد صوفية عصره واتهمهم بكل نقيصة ليدافع عن مبدأ التصوف ذاته ، يقول في بداية رسالته (إن المحققين من هذه الطائفة - الصوفية ـ انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا من هذا من الطائفة إلا أثرهم .. مضى الشيوخ الذين كانوا بهم اهتداء، وقلّ الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء، وزال الورع واشتد الطمع .. وأرتحل عن القلوب حرمة الشريعة ، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة ، ورفضوا التمييز بين الحرام والحلال ، واستخفوا بأداء العبادات ، واستهانوا بالصوم والصلاة ، وركضوا في ميدان الغفلات ، وركنوا إلي إتباع الشهوات ، وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات ، والارتفاق بما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان ، ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الفعال ، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحرروا عن رق الأغلال ، وتحققوا بحقائق الوصال ، وأنهم قائمون بالحق ، تجرى عليهم أحكامه وهم محو، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يزرونه عتب ولا لوم ، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية ، واختطفوا عنهم بالكلية ، وزالت عنهم أحكام البشرية ، وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية ، والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا .. الخ الخ ) فالقشيري يرمى معاصريه في القرن الخامس بكل نقيصة بشرية ، مع إهمالهم الفرائض الإسلامية وادعائهم للإلوهية طبقا لعقيدة الاتحاد الصوفية ، ثم يقول ( ولما طال الابتلاء فيما نحن فيه من الزمان ، بما لوحت ببعضه من هذه القصة ، وما كنت لأبسط إلى هذه الغاية لسان الإنكار غيرة على هذه الطريقة أن يذكر أهلها بسوء، أو يجد مخالف لسلبهم مساغاً، إذ البلوى في هذه الديار بالمخالفين لهذه الطريقة والمنكرين عليها شديدة .. ولما أبى الوقت إلا استصعابا، وأكثر أهل العصر بهذه الديار إلا تماديا فيما اعتادوه ، واغترارا بما ارتادوه ، أشفقت على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر على هذه الجملة بني قواعده ، وعلى هذا النحو سار سلفه ،فعلقت هذه الرسالة إليكم .. وذكرت فيها بعض سير الشيوخ لهذه لطريقة في آدابها وأخلاقهم ومعاملاتهم وعقائدهم .(الرسالة القشيرية 4، 5 .). أي أن القشيري يعترف أنه لولا الإنكار على التصوف لما أطلق لسانه في صوفية زمانه الذين يعتبرهم خارجين علي مبدأ التصوف ،ومع ذلك فإن الرسالة القشيرية تحوي من أقوال الشيوخ المعتدلين ما يهدم التصوف ويجعله نقيضا للإسلام . وصارت عادة عند محققي الصوفية أن يتهموا الصوفية المعاصرين لهم ويشيدوا بمن سبقهم، حفاظا على مبدأ التصوف وليواجهوا الإنكار عليهم من الفقهاء السنيين الأعداء التقليديين للصوفية.
وعلى نفس الطريق سار الغزالي ت : 505 فأنكر علي صوفية عصره فى ( الإحياء جـ3 / 343 وما بعدها ، 199.). ولأنه أصبح رأسا للصوفية والعلماء والفقهاء فقد واجه اتهامه للباقين أسوة بالصوفية فهاجم الزهاد والعلماء والعباد عامة ، والفقهاء خاصة ، وأصحاب الحديث وعلماء الكلام والنحاة على وجه الخصوص .( الاحياء جـ 3/ 301 : 302 ، 333 :341 ،257 : 258. )، ومع ذلك فالغزالي يقرر عقيدة الصوفية في الاتحاد والعشق الإلهي، ودليله الحديث المكذوب وتأويل الآيات القرآنية وكلام من سبقه من الصوفية : ( الأحياء 3/23: 25 ، 242 :246 ، جـ4/14 ،17 ، 18 ،22 ، 23 ،26 ،28 ،68 ،74 ،75: 77، 83: 85 ،94 ،100 ،102 ،104 ،211: 214 ،221 ،225 ،227 :228 ، 254 :263 ،266: 267 ،269 ،271 ،277، 278 :279 ،281 ،288 ،291 ،292 ،298 :299 .)
وصار (إحياء علوم الدين ) قرآن الصوفية وحجتهم في تقرير مذهبهم في ( العالم الإسلامي) ، خاصة أن الغزالي عرض فيه لجانب من جوانب الفقه الممزوج بالعوامل الباطنية والروحية ، وهى الناحية التي تقاصر عنها فقهاء عصره ، فدان له الفقهاء بالتبعية ،وانحصر إنكارهم على أشخاص الصوفية المتطرفين الذين هاجمهم الغزالي في الأحياء.
وإذا كان أئمة الصوفية قد بدأوا بالهجوم على بعض الصوفية منهم ليسدوا الطريق علي خصوم مذهبهم من الفقهاء فإن جهدهم توجه أيضا لاجتذاب العامة ومختلف طوائف المجتمع ، وتمثل ذلك في إنشاء الطرق الصوفية . وقد بدأ إنشاء الطرق الصوفية في تاريخ مبكر في القرنين الثالث والرابع الهجريين . إلا أن العصر الذهبي للطرق الصوفية بدأ بعد تقرير التصوف كدين (في العالم الإسلامي). أي بعد الغزالي في القرن السادس الهجري، وأهم الطرق : الرفاعية التي أنشأها أحمد الرفاعي ت: 570 في القرن السابع ثم الجيلانية التي أسسها عبد القادر الجيلاني ت651، و الشاذلية لصاحبها أبى الحسن الشاذلي ت 656. كان للطرق الصوفية الدور الأول في نشر التصوف بين مختلف الطوائف،حتى أن متطرفي الصوفية لجأوا لتكوين الطرق الصوفية للدعاية إلى مذهبهم كالطريقة الأكبرية نسبة لابن عربي الملقب بالشيخ الأكبر ،والطريقة السبعينية نسبة لابن سبعين المرسى . وفى العصر المملوكي تحول التصوف إلي مجرد ترديد لعقائد السابقين ووضع الشروح عليها وتطبيق تعاليمهم ، فانصرف همّ المتصوفة المملوكيين إلى إنشاء الطرق الصوفية وتفرعها بحسب شهرة الشيخ وكثرة أتباعه ، فتفرعت الطريقة الشاذلية والأحمدية والسطوحية وغيرها إلى عدة طرق تفرعت بدورها وهكذا .. هذا ، مع انعدام الفارق الحقيقي بين الطرق، اللهم إلا في طريقة الأذكار والزّى والعمائم ولون المرقعات ونصوص الأوراد وأسماء الشيوخ، وبمضي الزمن كان يزداد انتشار التصوف ويتعاظم تقديس أشياخه. وتقل في نفس الوقت ثقافتهم وعلمهم، ويزداد تسلطهم علي المنكرين عليهم من الفقهاء. ومقارنة صغيرة تظهر الفرق بين القرن الثالث والعصر المملوكي ..
فالجنيد اضطر للتستر بالفقه والاختفاء في عقر داره لكي يقول لأتباعه المقربين (العارف هو من نطق عن سرك وأنت ساكت ) وأن علم التصوف جاءه من الله أسفل درج داره، أما في العصر المملوكي فقد كان إبراهيم الدسوقي يقول مثلا ( أنا بيدي أبواب النار أغلقتها ، وبيدي جنة الفردوس فتحتها، ومن زارني أسكنته جنة الفردوس .. يا ولدى إن صح عهدك معي فأنا منك قريب غير بعيد، وأنا في ذهنك ، وأنا في سمعك ، وأنا في طرفك ، وأنا في جميع حواسك الظاهرة و الباطنة ) ـ (الشعراني : الطبقات الكبرى 1/ 157 . ،153 )، وكانوا يسجلون ذلك عنه افتخارا به ..وإذا كان الحلاج قد دفع حياته ثمنا لإحدى شطحاته وأوذي الآخرون ونفوا بسبب الشطح ، فإن العصر المملوكي ودينه التصوف ـ قد جعل الشطح ـ أو إساءة الأدب مع الله تعالى ـ من مستلزمات الولاية الصوفية ، يقول الشعراني عن معاصره الشيخ أبي السعود الجارحي ( وكان رضي الله عنه له شطحات عظيمة )( الشعراني : جـ2 /118. ).
سيطرة التصوف على العصر المملوكي تكفى قراءة سريعة لبعض صفحات الحوليات التاريخية المملوكية لنتعرف على سيطرة التصوف على العصر المملوكي، ولأن التصوف العملي يعني الاعتقاد في الشيخ حيا أو ميتا فإن عبارة (المعتقد) بفتح القاف تتردد كثيرا في وصف الآلاف المؤلفة من الأشياخ الذين حفل بهم العصر، وبنفس الطريقة يوصف الآخرون بأن أحدهم (حسن الاعتقاد) أي في الأولياء الصوفية ، وهذا ما تعارف عليه العصر ورددته المصادر التاريخية دليلا على عمق التأثر بالتصوف وسيطرته .
ومع جبروت السلطة المملوكية فقد كان السلطان يؤمن بالتصوف ويخضع للشيخ الصوفي يلتمس منه البركات ، وتفصيل ذلك يخرج عن المطلوب ، ولكن نكتفي ببعض الأمثلة :
فالظاهر بيبرس بدهائه وسطوته واستبداده سمح بوجود نفوذ للشيخ خضر بل، وتغاضي عن انحلاله الخلقي لأنه يعتقد في ولايته وفى معرفته للغيب ـ ( النويري : نهاية الأرب مخطوط 28 /41 ،119 ،120 ، تاريخ ابن كثير 13 / 265 ، 178 )، ومع حنكة برقوق السياسية فقد كان يخضع للمجاذيب حتى أن أحدهم وهو الزهوري (كان يبصق في وجهه )( إنباء الغمر : جـ2/ 57 ، النجوم الزاهرة ج13 /10 .). وعندما افتتح مدرسته الجامعة أعطاه مجذوب (طوبة ) وأمره أن يضعها في المدرسة ، فوضعها برقوق في قنديل وعلقه في المحراب ، وظلت فيه باقية ، يقول عنها ابن إياس في القرن العاشر (فهي باقية في القنديل حتى الآن )( تاريخ ابن إياس تحقيق محمد مصطفى 1/ 2/ 373 ).
ومن دراسة بعض المصادر الصوفية يتضح إلى أي مدى كان الصوفي يتسلط على مريده الأمير، وكان ذلك عاديا لا يستوجب عجبا ولا إنكارا ، وإلا ما قرأنا هذا الكلام للشعراني في تقعيد علاقة الشيخ بمريده إذا كان أميرا مملوكيا ( وما منّ لله على إني لا أحجب أحدا من الأمراء إلا إن غلب على ظنه دخوله تحت طاعتي بطيبة نفسه ، بحيث يرى خروجه عن طاعتي من جملة المعاصي التي تجب التوبة عليه منها فورا .. وكل أمير لا ينشرح صدره ويفرح بقلبه بالخروج عن جميع وظائفه وماله ونسائه ورقيقه ودوره وبساتينه إذا أمره شيخه بذلك فلا يصلح للفقير ـ أي الصوفي - أن يصحبه.. ومن أدب الأمير مع الفقير أن يراه في غيبته أعظم حرمة من بعض ملوك الدنيا) وفى مقابل خضوع الأمير الذليل لشيخه كان الشيخ لا يلتزم بشيء تجاه الأمير، يقول زكريا الأنصاري للأشياخ ( إياكم أن تتحملوا عن أميركم جميع الشدة التي نزلت به فتلحقوه بالنساء في العجز و الكسل والنقص بل أمروه بالتوجه إلى الله تعالى في دفع تلك الشدة ) وعد الشيخ الخواص (من جهل الأمير رمى حملته على شيخه ). ومن أدب الأمير ألا يطلب من شيخه أن يكون معه علي خصمه ، وألا يطلب مساعدة شيخه ، وألا يرى الأمير فضلا له على شيخه بما يرسله إلي زاويته من أصناف الأطعمة وإذا طرده الفقير عن صحبته ألا يبرح بابه ولا يجتمع بغيره من الفقراء، وعلى الأمير الخضوع والذلة لشيخه ، وأن يوالى من يواليه ويعادى من يعاديه ،( فمن عادى الشيخ فقد عادى الله )، وألا يطلب من الشيخ حاجة إلا وهو في غاية الذل والانكسار والفاقة ، وأن يأمن شيخه على عياله وحريمه ولو اختلى بهم ، لا يخطر بباله أنه ينظر إلي إحداهن بشهوة ، وألا فقد أساء الأدب على الشيخ ، وأن يمرض لمرض شيخه ، وأن يحزن لحزنه ، وأن يرى النعم التي يعيش فيها من بركة شيخه ، وأن يرضى بحكم شيخه فيه كما يرضى العبد بحكم سيده، والأمير مع الفقير كعبد السوء مع سيده الكريم الواسع الخلق ، وعليه أن يعرض على شيخه كل قليل أفخر ما عنده من النقود والملابس والمطاعم والمشارب إظهارا لشدة محبته له وبيانا لكونه لا يدخر عنه شيئا ، وأن يخلص النية كلما أراد الخروج لزيارة شيخه فلا تكون لعلة دنيوية أو أخروية )( الشعراني : إرشاد المغفلين . مخطوط 138 : 139 ، 233 : 237 ، 247 : 272 . رقمه بدار الكتب 921 تصوف طلعت .)
لقد جعل أولئك الصوفية من أنفسهم آلهة على مريديهم من الأمراء والمماليك وجعلوا لأنفسهم الغنم كله بلا مسئولية دينية أو إنسانية تجاه الأمير المريد، ولولا أن قلب العصر المملوكي كان ينبض بالتصوف لما جرؤ الصوفية على تقعيد مثل هذه العلاقة الغريبة بين الأمير وشيخه الصوفي.
والعمارة المملوكية التي لا تزال تزين القاهرة حتى الآن هي أصدق دليل علي ما بلغه التصوف وأشياخه من منزلة وتأثير على المماليك مهما بلغت قسوتهم، وتلك العمارة المملوكية آية من آيات الفن المعماري وقد خصصت كلها للتصوف وأنشطته الدينية والعملية. والحياة الفكرية والعقلية للعصر المملوكي إفراز لتأثير التصوف ، حيث دارت الحركة العلمية بين شرح وتلخيص ونظم للمتون وإعادة شرح التلخيص والمتن دون ابتكار أو تجديد، وحيث فرض التصوف نفسه علما بين المناهج ، وحيث دارت الحياة العلمية في المؤسسات الصوفية ، وحيث تصوف الفقهاءوتقهقر مستواهم الفكري وطورد منهم من جرؤ على الاعتراض على الصوفية ، كما حدث لابن تيمية ومدرسته ، وبنفس القدر الذي ازداد فيه تقديس الأولياء الصوفية الأميين ، وكان تقديس المجاذيب أكبر ما يعبر عن احتقار العصر المملوكي للعقل . والشارع المملوكي كان أصدق ما يعبر عن سيطرة التصوف على الناس ، فالتوسل بالأولياء كان أبرز نشاط ديني واجتماعي للناس ، وليس مهم شخصية الولي الحي الذي يتوسلون به ويقصدونه من كل الجهات ، فقد اشتهر (عبد اسود) بالولاية فتوافدوا عليه من كل مكان ، بل أن (طفلة صغيرة ) بقليوب اشتهرت بالولاية فتوجه إليها الناس أفواجا (فبلغ كرى - أي إيجار - كل حمار من القاهرة إلى قليوب دينار اشرفي ، وتوجه إليها جماعة من الخاصكية والأمراء والأعيان ).( تاريخ ابن إياس تحقيق محمد مصطفى جـ2 /277 ، 4/ 165 .).
ولا نجد أبلغ من وصف المؤرخ أبى المحاسن في اعتقاد الناس في المجذوب الشيخ يحيي الصنافيري يقول فيه ( اجمع الناس علي اعتقاده وهو لا يفيق من سكرته ، وكان الناس يترددون إليه فوجاً فوجاً من بين عالم وقاض وأمير ورئيس ولا يلتفت إليهم ، ولما زاد تردد الناس إليه ، صار يرجمهم بالحجارة ، فلم يردهم ذلك عنه ، رغبة في التماس بركته ،ففر منهم وساح في الجبال ( المنهل الصافي مخطوط جـ5 /481 ، النجوم الزاهرة جـ 11 /118 ، 119 .)، وكان شمس الدين الحنفي إذا حلق رأسه تقاتل الناس علي شعره يتبركون به ويجعلونه ذخيرة عندهم ( الشعراني : الطبقات الكبرى جـ2 /183.) ، واقتتل الناس على الشيخ الدشطوطي يتبركون به ( شذرات الذهب جـ8 /130 لابن العماد الحنبلي .ط 1351 هجرية .)، وكان الشيخ محمد الديروطي لا يكاد يمشى وحده بل يتبعه الناس ( ومن لم يصل إليه رمي بردائه على الشيخ حتى يمس ثياب الشيخ ثم يرده إليه ويمسح به وجهه ) ( الغزي : الكواكب السائرة جـ1/84 : 85 بيروت 1945.)، ورأى الشعراني ذلك المنظر ، وعقّب علية بقوله : (كما يفعل الناس بكسوة الكعبة ) ( الشعراني تنبيه المغتربين 93 : 94 ط 1278 .).وذكر الشعراني عن نفسه أنه دخل الجامع الأزهر في صلاة جنازة فاكب الناس علية يقبلون يده ويخضعون له ، وشيعوه حتى الباب حتى صاروا أكثر من الحاضرين في الجنازة) ( الشعراني : لطائف المنن 263 ط 1988 .)
وإذ مات الشيخ الصوفي تنافس الناس في الحصول على ماء غسله للتبرك به ، وشراء أثوابه التي مات فيها لأخذها حرزا ، وحين مات الشيخ الشناوي ( أقتتل الناس علي النعش وذهلت عقولهم من عظم المصيبة بهم ، وقد دفن في غفلة عنهم ). ( السخاوي : تحفة الأحباب 370 ط 1302 ) (الدوادار : زبدة الفكرة مخطوط 9/ 475 مكتبة جامعة القاهرة برقم 24028 .السبكي طبقات الشافعية 6/ 127 الطبعة الأولى .، الشعراني : الطبقات الكبرى جـ2 /117)
أخيرا
1 ـ تعاظمت سيطرة التصوف حتى تسيد العصر المملوكي ، وبينما قام الحنابلة باضطهاد الصوفية فى القرن الثالث الهجرى تغير الحال فى القرن الثامن الهجرى حين إضطهد الصوفية زعيم الفقهاء الحنابلة ابن تيمية وأتباعه، ثم اضطهاد تلميذه المتأخر فى القرن التاسع. تحكّم دين التصوف في المجتمع المملوكي سياسيا وحضاريا ودينيا وأخلاقيا ، وكان هذا موضوع بحثنا للدكتوراة فى جامعة الأزهر . واستمرت سيطرة التصوف طيلة العصر العثمانى ، ووقف الصوفية المصريون فى الأزهر ضد الوهابية السنية حين ظهرت فى نجد ، وظل نفوذ التصوف سائدا أجبر دعاة الوهابية فى القرن العشرين على نبذ كلمة الوهابية واستبدالها بالسلف والسّنّة كى يتقبلهم المجتمع المصرى . ثم نشهد حاليا ظهور الدين السّنى الحنبلى الوهابى ، وهو الآن يتحرّش بالصوفية ، وبعدها لا ندرى ماذا سيكون ؟!



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب الحج ب 3 ف 1 (الشقاق والاختلاف فى الأديان الأرضية )
- بسبب دين الزبالة : مبارك خرّب مصر..ويريد الاخوان بيعها أنقاض ...
- كتاب الحج ب 2 ف 11 ( لمحة عن إختلافات الدين السّنى فى مناسك ...
- كتاب الحج ب 2 ف 10 عودة التواتر الباطل فى مناسك الحج بعد موت ...
- كتاب الحج ب 2 ف 9 : قريش تجعل الانحلال الخلقى دينا
- كتاب الحج ب 2 ف 8 :( تواتر الانحلال الخلقى الجاهلى فى مكة وخ ...
- كتاب الحج ب2 ف 7 : لماذا إنتصر التواتر القرشى فى الحج ؟
- كتاب الحج ب2 ف 6: قريش تصدّ عن التواتر الصحيح (سبيل الله وال ...
- كتاب الحج ب2 ف 5 : التواتر وإستغلال قريش للبيت الحرام تجاريا
- كتاب الحج ب 2 ف 4 : التواتر والعالمية فى تشريع الحج قبل الفت ...
- كتاب الحج ب 2 ف 3 : الملكية أساس التواتر فى الحج
- كتاب الحج ب 2 ف 2 : التواتر .. وملة ابراهيم
- كتاب الحج ب 2 ف 1 : (التواتر بين الدين الالهى والأديان الأرض ...
- كتاب الحج : ب1 ف 11 ( مناسك الحج الحقيقية فى الاسلام )
- كتاب الحج : ب1 ف 10 : ( منهج القرآن الكريم فى تشريع الحج )
- كتاب الحج ب1 ف 9 (التقوى وعمومية تشريعات الحج للمرأة كالرجل ...
- كتاب الحج (ب1 ف 8 ) التقوى تنفى أكذوبة الحج عن الغير
- كتاب الحج ب1 ف 7 : : التقوى وعمومية فريضة الحج على كل البشر
- كتاب الحج : ب 1 ف 6 ( عودة لاستكمال كتاب الحج بين الاسلام وا ...
- خاتمة : الحلّ هو: الجهاد حتى إلغاء مرسى ..وإخوان مرسى.. ودست ...


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - كتاب الحج ب 3 ف 2 ( دين التصوف : لمحة تاريخية )