أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحكيم سليمان وادي - الصين والأمن القومي العربي















المزيد.....



الصين والأمن القومي العربي


عبد الحكيم سليمان وادي

الحوار المتمدن-العدد: 4007 - 2013 / 2 / 18 - 19:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الصين والأمن القومي العربي
د. عبد الحكيم سليمان وادي
رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية

مقدمة
تشير العديد من الدراسات في علم العلاقات الدولية إلى أن الصين ستكون اللاعب الدولي الأول، على اعتبار أن ميزان القوة العالمي يميل إلى أسيا بقوة في الوقت الحالي، بظهورها كأكبر مركز صناعي في العالم، وثاني أكبر اقتصادي عالمي من حيث الإنتاج، مما يؤكد بوضوح أن التحول التاريخي للقوة والقيادة بدأ يتحقق بالفعل؛ وبهذه الحركية المستجدة للقوى الكبرى سيتم من خلالها استعداد الأدوار المفقودة في العلاقات الدولية، نحو تكريس اتجاه حقبة التعددية القطبية.
ويحظى الوطن العربي باهتمام صيني، فهو بالنسبة للصين نقطة التقاء القارتين: الآسيوية والأفريقية، وصلة الوصل بين أوروبا ودول جنوب شرق آسيا، عبر الطرق البرية والجوية التي تختزل المسافة إلى تلك الدول، ومن خلال الممرات أو المعابر البحرية الحاكمة، من مثل: معبر قناة السويس الدولي.
ومنذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين أخذ الوطن العربي يحظى باهتمام القيادة الصينية، وهناك من يرجع هذا الاهتمام إلى أربعينيات القرن العشرين، ويعزو ذلك إلى تخوف الصِّين آنذاك من "أن تؤدي هزيمة بريطانيا في الشرق الأوسط إلى سيطرة ألمانيا عليه".
إن الصِّين تنظر إلى مكانة الوطن العربي من زاويتين: الأولى اقتصادية تقوم على تطوير العلاقات التجارية مع المنطقة، والثانية سياسية ترى في المنطقة العربية أنها منطقة نزاع بين الدول الكبرى، وهي مرشحة دائماً لتصارع هذه الدول عليها، لاعتبارات تتعلق بتضارب المصالح، وبالتالي فإن كسب المنطقة هو كسبٌ لأهم وأكبر سوق تجاري استثماري للبضائع والقوى العاملة والأسلحة وجذب رؤوس الأموال.
على الرغم من أهمية الوطن العربي لدى الصِّين ـ بوصفه جزءاً من الشرق الأوسط ـ إلا أن علاقاتها معه بقيت محصورة في إطار التوافق السياسي تجاه عدد من القضايا التي تشغل الطرفين، لكن بداية من فترة الثمانينيات من القرن العشرين، وعرفت هذه المرحلة بمرحلة الواقعية في سياسة الصِّين الخارجية، حيث شهدت علاقات الصِّين فيها تطوراً ملحوظاً ليس مع الدول العربية فحسب، وإنما مع جميع دول العالم.هذا التحول يظهر في إطار العلاقات الخارجية للصين، إذ يلاحظ أنها تمشي بخطى ثابتة تحكمها المصلحة والوعي بالواقع الجيوسياسي الجديد الذي يتطلب حنكة دبلوماسية عالية، فالصين كانت معروفة بتمردها على مبادئ العلاقات الدولية كما كان الحال في فترة ماوتسي تونغ، إلا أنها في السنوات الأخيرة، اتخذت إستراتيجية خارجية محورها تطوير الحوار والتنمية على المستوى الدولي، وتغليب البعد البراغماتي على البعد الإيديولوجي، وتتحول بشكل كبير نحو ترسيخ علاقاتها بالدول النامية، لكننا سنركز في موضوعنا هذا على العلاقة الرابطة بين الصين كقوة تتشكل أو كإحدى القوى الكبرى، من خلال التساؤل عن العلاقة بين الصين والأمن القومي العربي.
هذا ما سنتطرق من خلال الوقوف على الإطار المفاهيمي للأمن القومي العربي والوقوف على واقعه، قبل إستعراض الرؤية الصينية له .
المبحث الأول ׃الأمن القومي العربي مفهومه وواقعه

إن مفهوم" الأمن"من أصعب المفاهيم التي يتناولها التحليل العلمي لأنه مفهوم نسبي ومتغيرو مركب ودو إبعاد عدة و مستويات متنوعة. سواء تعلق دلك بأمن الفرد أو الدولة أو النظام الإقليمي أو الدولي فهو احد المفاهيم المركزية في حقل العلاقات الدولية، ولقد احتلت القضية الأمنية و ضعا مركزيا في السياسات الخارجية لبعض الدول،التي عادة ما تتخذ "الأمن"هدفا من أهدافها يتم تحقيقه بإتباع إجراءات وقائية و أخرى علاجية وهي تهدف من ورائه إلى تغيير البيئة المحيطة، أو بحسب ما أطلق عليه ارنولد ولفرز" أهداف البيئة". إن دراسة "الأمن" لا يمكن فهمه أو تفسيره إلا بتوضيح المفهوم العام "للأمن"ثم تحليل و معرفة مفهوم "الأمن القومي"بصفة عامة كنقطة أولى و ما يقصد بالمفهوم الأمن القومي العربي بصفة خاصة وواقعة كنقطة ثانية.
المطلب الأول׃ الإطار المفاهيمي للأمن القومي العربي

ارتبط مفهوم" الأمن "بمفهوم الدولة التي تمثل الوحدة الرئيسية في سياق النظام الدولي،حيث اعتبر الأمن احد أسباب نشأة الدولة، ومن سماته التغيير فهو حقيقة متغيرة تبعا لظروف الزمان و المكان وفقا لاعتبارات داخلية و خارجية،فهو ليس مفهوما جامدا بل هو مفهوم ديناميكي يتطور بتطور الظروف و يرتبط ارتباطا وثيقا بالأوضاع و المعطيات و العوامل المحلية والإقليمية والدولية،وهو حقيقة نسبية و ليست مطلقة، فنسبية هنا تنشا من السعي المستمر للدول إلى زيادة قواها، الأمر الذي يزيد شعورها بعدو الأمن بدلا من أن يكون مدعاة إلى مزيد من الشعور بالأمن،فالدول لا تتوقف بمجرد تحقيق التوازن فحسب و إنما تسعى دائما إلى تحقيق التفوق نتيجة الشعور بالخوف و انعدام الثقة في العلاقات الدولية،الأمر الذي يدخلها في دائرة مغلقة نحو زيادة القوة،مما يخلق انعدام الأمن تلقائيا لدى دول أخرى في سياق سعيها إلى تحقيق الأمن لذاتها.وتلك العملية المتصاعدة من حالات انعدام الأمن يطلق عليها مصطلح "المعضلة الأمنية"،ويرجع كل من بوث و ويلر نشأة المعضلات الأمنية إلى شعور دولة ما بعدم اليقين و الاطمئنان عما إدا كانت استعدادات عسكرية لدولة أخرى مجرد استعدادات دفاعية بحتة لعدم أمنها، أم أنها ذات طابع هجومي تهدف من ورائه إلى تغيير الوضع الراهن لمصلحتها،وقد جرى تصنيف الأمن إلى امن خشن الذي يعني الانت التقليدي الدفاعي ضد المخاطر الخارجية و الحروب الأهلية و الداخلية،و الأمن الناعم الذي يعني امن الناس في حاضرهم و غدهم،وعلى قاعدة هدا التصنيف،طرحت الأمم المتحدة عبر برنامجها الإنمائي" U.N.D.P."عنوان الأمن البشري، الذي يعني الأمن الشامل، أو الأمن الجمعي في مضامينه و أبعاده المختلفة.، من الأمن الغذائي، إلى الأمن البيئي، إلى الأمن المائي...ومن الأمن الثقافي، إلى الأمن السياسي...ومن امن الطاقة "على تعدد مصادرها"إلى الأمن الصناعي... ومن الأمن التقني إلى الأمن الاجتماعي ...هكذا يتسع مفهوم "الأمن" ليطاول امن الأفراد و الجماعات و الشعوب،ناهيك عن امن الدولة و المجتمع الدولي.
أولا: مفهوم الأمن القومي

أما فيما يخص مفهوم الأمن القومي فهو ظاهرة علمية فقد قامت دراسات متعلقة بتلك الظاهرة بالتزامن مع الظروف السياسية و العسكرية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، و التوازونات التي أفرزتها بين القوى الدولية من بروز قوى جديدة،قد ارتبط بظاهرة العنف على المستويين الدولي والقومي،وان كان اهتمام الساسة وقادة الدول ب"الأمن القومي"قديما قدم تاريخ نشأة الدولة.وبما أن الدولة هي الوحدة الرئيسية التي يقوم عليها النظام الدولي، فان تلك الظاهرة قد ارتبطت بخصائص هدا النظام من جانب، ومقومات أطرافه من جانب أخر.
ففي بدايات تعريفه ارتبط بالقدرة العسكرية التي تفضي إلى العمل المسلح الرادع بتحقيق الأمن،حيث كان والتر ليبمان (WALTER LIPPMANN ( من أوائل الدين وضعوا تعريفا لمصطلح "الأمن القومي"فاعتبر الدولة أمنة إذا لم تبلغ الحد الذي تضحي بقيمها إن أرادت أن تتجنب الحرب، وفي ذلك يقول- والتر ليبمان- ׃ "إن الأمة تبقى في وضع أمن إلى الحد الذي لا تكون فيه عرضة لخطر التضحية بالقيم الأساسية إذا كانت ترغب في تفادي وقوع الحرب،وتبقى قادرة لو تعرضت للتحدي على صون هده القيم عن طريق انتصارها في حرب كهده".فامن الدولة وفقا لهدا مساو للقوة العسكرية ومرادف للحرب غير أن الأمر قد اختلف بتطور مفهوم الأمن القومي الذي لم تعد القوة العسكرية هي مصدر التهديد الرئيسي له،بل ظهرت قوى جديدة تمثلت في التهديدات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و غيرها،مما دعا العديد من الدارسين إلى المناداة ببناء مفهوم موسع للأمن خارج نطاقه القومي الضيق.وعلى هدا فقد سعى باري بوزان إلى إيجاد رؤى حول الأمن تتضمن جوانب سياسية ،واقتصادية، واجتماعية، و بيئية، تعبر عن أبعاد أمنية أكثر اتساعا داخل النظام الدولي ونبد السياسات الأمنية المفرطة في التمحور حول الذات،وفي ذلك يرى- باري بوزان- "إن الأمن على مستوى الدولة القومية يسعى إلى التحرر من التهديد.أما في المستوى الدولي فانه يتعلق بقدرة الدول والمجتمعات على صون هويتها المستقلة وتماسكها العلمي".
بالإضافة إلى ذلك فنجد عدة اتجاهات فكرية حاولت تفسير مفهوم "الأمن القومي":
فالاتجاه الأول أصحابه ينظرون إليه بوصفه قيمة إستراتيجية مجردة يرتبط بقضايا الاستقلال و السيادة،و مصالح الدول و كيانها و قيمها الوطنية و تنصرف دراسات الأمن بناء على دلك إلى تحديد المصالح التي تعتبرها الدولة لصيقة بامنها،وقد تجلت هده النظرة الى الأمن القومي،وفقا لهدا الاتجاه على انه"تصور استراتيجي ينبع من متطلبات حماية المصالح الحيوية الأساسية لأي شعب،بحيث يطرح في جوانبه المختلفة عناصر الحماية المركزية للمصالح الحيوية ويقدم الإجابات النابعة من التصورات المستمدة من التاريخ و الجغرافيا لكل المعضلات التي تواجه الوجود الحي لاية امة من الأمم".
اما الاتجاه الثاني فيتمثل في فكر المدرسة الواقعية ،التي يتمحور فكر أنصارها حول التركيز على الدولة كفاعل رئيسي فيما يتعلق بالأمن،و أولوية الأمن القومي على ما سواه من المستويات المتعددة لمفهوم"الأمن".وتقدم البعد العسكري للأمن على غيره من الأبعاد،حيث يعتقد منظرو المدرسة الواقعية ان القضايا الأمنية و العسكرية هي قضايا السياسة الدنيا العليا،وما عداها من القضايا الاجتماعية و الثقافية هي موضوعات السياسة الدنيا. وبناء على هدا الاعتقاد يكون التهديد العسكري الخارجي ضمن قائمة الأولويات الإستراتيجية الرئيسية لأمن الدول،وكما نجد من بين مستويات الأمن المتعددة الأمن الإقليمي فهو يعمل على تامين مجموعة من الدول داخليا ودفع التهديد الخارجي عنها بما يكفل لها الأمن ادا ما توافقت مصالح و غايات و أهداف هده المجموعة او تماثلت التحديات التي تواجهها و دلك عبر صياغة تدابير محددة بين مجموعة من الدول ضمن نطاق إقليمي واحد حيث لا يرتبط برغبة بعض الأطراف فحسب وإنما بتوافق ارادات تنطلق اساسا من مصالح داتية بكل دولة ومن مصالح مشتركة بين مجموع دول النظام،و نظامه "نظام الامن الاقليمي"فهو بمثابة التعبير النظامي او الحركي لمفهوم "الامن"سواء كان على شكل سياسات او مؤسسات ،فهو يقوم على اتفاقيات اقليمية تتم بين مجموعة من الدول تقع في منطقة جغرافية واحدة، او ما استقر عليه العرف الدولي بوصفها اقليما و ترتبط فيما بينها بروابط معينة ،و تتفق بشكل طوعي على تشكيل نظام امني لحل منازعاتها بالطرق السلمية،وتعمل على حفظ الامن في هدا الاقليم.بيد انه لا بد من خصائص معينة يجب توافرها للحصول على تعاون امني يؤدي الى اقامة منظومة امنية مؤسسية.
فالأمن القومي ادن هو محور السياسات الخارجية لاي دولة او مجموعة من الدول فلا يمكن دراسة او التطرق لمفهوم الأمن القومي العربي دون الحديث عنه،فالامن القومي العربي يمثل اهمية كبرى للوطن العربي اد يعتبر قدرة الأمة العربية شعوبا و حكومات على حماية و تنمية القدرات و الامكانيات العربية على كافة المستويات السياسية ،لاقتصادية الاجتماعية.الثقافية من اجل معالجة اوجه الضعف و تطوير عوامل القوة بفلسفة و سياسة قومية شاملة تاخد في اعتبارها المتغيرات العربية و الدولية . و لتكون حافزا قويا نحو تدعيم اركان الامن القومي العربي بكل متطلباته و دواعيه. فالأمن القومي كما و رد في مجموعة من المواثيق حيث جاء في ميثاق جامعة الدول العربية في البند الأول "على ان هده الجامعة تتألف من الدول العربية المستقلة و تكون مهمته مراعاة تنفيد ما تبرمه هده الدول فيما بينها من الاتفاقات و عقد اجتماعات دورية بتوثيق الصلات بينها م تنسيق خططها الساسية تحقيقا للتعاون بينها و صيانة لاستقلالها و سيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة و للنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية و مصالحها".
اما في معاهدة الدفاع المشترك 13 ابريل 1950 فقد جاء في المادة الثانية على أن "تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء يقع على اية دولة او أكثر منها.او على قواتها .اعتداء عليها جميعا."أما المادة الثالثة من نفس المعاهدة فنجد ما يلي"تتعهد كل الدول المتعاقدة فيما بينها.بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة ارض اية واحدة منها او استقلالها او امنها.وفي حالة خطر داهم او قيام حالة دولية مفاجئة يمس خطرها تبادر الدول المتعاقدة على الفور الى توحيد خططها و مساعيها في اتخاد التدابير الوقائية و الدفاعية التي يقتضيها الموقف."
من خلال هده المواد السالفة الذكر التذكير بوجود أسس و مبادئ لها علاقة بالأمن القومي العربي.بالرغم من انه مصطلح دارج في الفقه السياسي المعاصر لم يتبلور في أدبيات السياسة العربية إلا في الستينيات. فان مصطلح الدعوة الى الوحدة العربية التي أعقبت سقوط الإمبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى(1914-1918).هده الدعوة تعتبر تعبيرا و اضحا عن مصطلح الأمن القومي العربي.

ثانيا : مفهوم الأمن القومي لدى المفكرين العرب

لقد درج الفكر العربي على الكتابة في الأمن القومي على نمط الفكر الغربي،سواء في ربطه بمفهوم القوة او المصلحة القومية بصفة عامة،او في اهتمامه بالجانب الاجتماعي،و أخيرا في تركيزه على الجانب الاقتصادي في مسالة الأمن،ثم محاولته لايجاد مفهوم شمولي للأمن القومي.
فيرى أمين هويدي "ان الأمن القومي يرتبط بقوة إرادة الدولة الأمر الذي لا يتحقق الا بزيادة محصلة قدراتها في مختلف المجالات و قدرتها على رفع الظلم الاجتماعي و الفقر لأنهما يهددان الأمن القومي".
ويعرف العميد محمد عبد الكريم نافع الأمن القومي" بما تتخذه الدولة من إجراءات في مختلف المجالات،على ان الجهد اليومي الدي يصدر عن الدولة لتنمية و دعم أنشطتها الرئيسية، السياسية، و العسكرية، و الاقتصادية، و الاجتماعية، و منح ما يسبب في عرقلة هده الأنشطة.
وفي نفس السياق يعرف الدكتور علاء طاهر الأمن القومي على انه "مجموعة من التدابير و الاحتياطات النظرية و العملية الخاصة بحماية المجال الإقليمي لدولة ما وثروتها و إيديولوجيتها و سياستها الخاصة بما فيها الأهداف الوطنية الممثلة لخصوصيتها القومية و الحضارية" فهدا التعريف يركز على الإجراءات العسكرية إلى حد ما .
وبالرغم من كثرة التعريفات التي صيغت لمفهوم الأمن القومي و التي قد تتفق أو تختلف في الفاظها الا انها تتضمن في اغلبها أساسيات هدا المفهوم و التي يمكن إجمالها في الأتي׃
يرتبط هذا المفهوم بوجود الدولة أو الأمة،و التي تتميز بوجود حدود إقليمية واضحة و معترف بها على ان الدولة تستند على حقها في البقاء لحماية أمنها القومي أما الأمة فتستند على حقها في حماية تراتها و شخصيتها القومية و تحقيق أمانيها .
شمولية هدا المفهوم لكافة الجوانب (العسكرية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غير دلك)ولم يعد مفهوما يتعلق بالأمن العسكري فقط.
نسبية هدا المفهوم بأنه اتضح ليس هناك امن قومي مطلق لعدم و جود دولة تشعر بالامن المطلق حتى و ان مرت بفترات قصيرة يغمرها فيه هدا الشعور.
مما سبق فموضوع الأمن القومي ينبغي أن يحتل مكانة مركزية في التفكير الاستراتيجي السياسي و العسكري العربي اد من خلال النقطة الموالية سيتم الحديث عن واقع الأمن القومي العربي .

المطلب الثاني׃ واقع الامن القومي العربي

مشكلة تطبيق مفهوم الأمن القومي على المستوى العربي . تمثل أساسا في غياب الإرادة السياسة.وجهاز صنع القرار الأمني على المستوى العربي اد مضمون الأمن العربي على انه تعبير عن الأمة الواحدة التي على الرغم من التجزئة السياسية تمتلك مصيرا مشتركا و تواجه تهديدات و أخطار متماثلة ومع ان هدا المنهج صحيح علميا.وسليم قوميا. فانه يمثل قفزة كبيرة على الواقع الذي تعيشه البلاد العربية.
فهناك أولا. الاختلاف بين النظم العربية في إدراك الأخطار والتهديدات و التحديات. ولا يعود الأمر في دلك إلى الاختلاف في توجهاتها السياسية وتحالفاتها الدولية فقط. و لكن ايضا الى اعتبار موقعها الجغرافي و خصوصياتها التاريخية .
فعلى سبيل المثال׃ مواطنوا المغرب العربي أكثر انشغالا بحرب الصحراء في نظرائهم في المشرق و العكس صحيح بالنسبة إلى مواطني منطقة الخليج الدين يلاحقون أحداث الحرب العراقية-الإيرانية يوما بيوم،و يتاثرون مباشرة بتطوراتها.وبالنسبة الى سوريا فان ما يحدث في لبنان هو الشغل الشاغل و هكدا تتفاوت و تتباين اولويات ادراك الخطر من بلد عربي لاخر،وهو ماينعكس على كيفيات مواجهته من جانب كل منها.
وهناك ثانيا،التفاوت الطبقي الدي اتسع بين بلدان اليسر و العسر في الوطن العربي،والذي وجد مناخا نفسيا مختلفا في كل من المجموعتين حول معني التنمية وكيفية التطور الاجتماعي.
و هناك ثالثا،تزايد النزاعات الإقليمية الجزئية في داخل المنطقة العربية،و التي اتخذت أشكالا مختلفة ومن أبرزها الاتجاه الخليجي المتمثل تنظيميا في مجلس التعاون الخليجي،و سياسيا في أنصار النزاعة الخليجية الدين يسعون إلى طرح مشاكل الخليج بمعزل عن المنطقة العربية و تفاعلاتها.ومنها محاولة الانفراد السوري بالمشرق العربي(لبنان الأردن و منظمة التحرير الفلسطينية) والتكامل المصري السوداني.
إن متضمنات الأمن القومي العربي هو التعامل مع الواقع العربي من داخله و تحديد هذه المتظمنات من واقع المواثيق و الفرارات التي التزمت بها الحكومات العربية،فميثاق الجامعة العربية و معاهدة الدفاع المشترك،فقد وضعت هده الأخيرة أسس مفهوم الأمن القومي العربي من خلال تحليل مقررات القمة العربية اذ يمكن التمييز بين أمرين:
الأول: تحديد الأهداف القومية و المرحلية للأمة العربية
و ثانيا: تحديد الوسائل و الأساليب التي اتفقوا عليها لتحقيق هده الأهداف.
فمقررات مؤتمرات القمة العربية و صلت إلى صياغة مقبولة الأمن القومي العربي و ان المشكلة تكمن في نقل هده الصياغات الى سياسات و برامج عمل و هنا تثار قضية الدولة القطرية ومدى التزامها بالمواثيق و المقررات العربية،و العلاقة بين امن هده الدولة القطرية و الامن العربي عموما.وهناك موقفان يمثلان تجاوزا للواقع و إنكارا له.
فالأول ينطلق من من نظرة قطرية ،فيركز على الأمن العربي الشامل، ويتجاهل التحديات الجماعية التي تواجه كل العرب مثل إسرائيل و دول الجوار و التغلغل الأجنبي و الثاني يتجاهل و جود الحكومات و الأقطار العربية الراهنة،بأنظمتها ونخبها و سياساتها و توجهاتها و التزاماتها الإقليمية والدولية.
و النظرة العلمية لا تستطيع أن تتجاهل وجود الدول و الحكومات العربية ذات الاتجاهات و النظم السياسية و الاجتماعية المختلفة و كونها تتبع سياسات خارجية و أمنية مختلفة كما لا نتجاهل أن هده البلاد يجمعهما كثير من الروابط ذات الطابع السلبي(أي في مواجهة تحديات خارجية)أو ذات طابع ايجابي (أي في مواجهة ضرورات التطور و التنمية.ومن هنا ضرورة التمييز بين الأمن الوطني المرتبط بالدول القطرية العربية،و الأمن القومي العربي فالأمن الوطني يرتبط بواقع التجزئة إلى دول عربية مستقلة ذات كيانات دولية متميزة،وما يرتبط بها من حدود و التزامات دولية و سياسية خارجية و الأمن القومي الذي يدخل في اعتباره العلاقات بين شعوب الأمة العربية و طبيعة انتماءاتها و تطلعاتها و أنماط تفاعلات السياسية و الاجتماعية التي تقوم بينها و الأمن العربي .
بهدا المعنى يتخطى معنى الأمن الإقليمي بمعنى امن مجموعة متجاورة من الدول فهو يستند إلى وحدة الانتماء العربي و الأمة العربية وهو أيضا ليس مجرد حاصل جمع الأمن الوطني للبلد العربية بل انه مفهوم تركيبي تأليفي بالأحد في اعتباره الأخطار و التهديدات الموجهة إلى البلد العربية ولكنه يتجاوزها من حيث المصالح التي يحميها و الأهداف التي يسعى إليها وفي غياب دولة عربية واحدة فان مفهوم الأمن العربي و ممارسته يمكن تتبعها من خلال سياسات و تفاعلات البلاد العربية،خصوصا البلاد العربية الكبيرة أو ذات التأثير في النظام العربي من واقع ممارسات تلك البلاد و علاقاتها فيما بينها و علاقاتها مع العالم الخارجي.
المبحث الثاني: الرؤية الصينية للأمن القومي العربي
ترى الصين الدول النامية ميدانا حيويا لتحقيق الطموح الاستراتيجي لها، وذلك لطرح مفهوم جديد للأمن الذي يؤمن لها الصعود السلمي لها كقوة في عالمية؛ على هذا الأساس تغيرت ملامح سياستها الخارجية تجاه الكثير من مناطق العالم؛ لكن يمكننا التساؤل عن حظ الأمن القومي العربي من هذا التحول، ورؤيتها له.
المطلب الأول: تعزيز الصين للأمن القومي العربي
يعد الوطن العربي إحدى مجالات التحرك الصينية وعززت الثروات الطبيعية القيمة الإستراتيجية للمنطقة العربي ومادام الأمر كذلك فإن الحاجة إلى الاستقرار في المنطقة تمثل لدى الصين أولوية قصوى، وهو ما يؤكد تعزيزها للأمن القومي العربي.
أصبح المجال العسكري والصفقات العسكرية هما القاعدة الصلبة لتعزيز الأمن القومي العربي تؤكده العلاقات العربية الصينية في شقها العسكري والتي بدأت منتصف السبعينات نتيجة عدة عوامل أبرزها التبني العربي لسياسة تعدد مصادر التسلح، وتأمين الأمن القومي العربي.
شكلت مصر أولى الدول التي انتهجت هذه السياسة في أعقاب حرب أكتوبر1973، من خلال شراء الأسلحة وقطع الغيار ، ومن بعدها العراق ابتدأ من 1981، نظرا لحاجة العراق الماسة للسلاح لتدعيم قدراته العسكرية مع بداية حرب الإيرانية-العراقية (1980- 1988) ، وجاءت الصفقة السعودية - الصينية 1988 (عبارة عن عدد من الصواريخ الباليستية أرض - أرض متوسطة المدى المسماة صينيا (ريح الشرق)) لتؤكد التعاون العسكري الصيني-العربي من أجل تعزيز الأمن القومي العربي ولو بصيغة الأمن الوطني.
وتضاف إلى هذه الدول كلا من سوريا والسودان.
خلاصة القول، أن العلاقات العربية-الصينية في المجال العسكري وحيث أن مجال التسليح يعد من المجالات الهامة للمنطقة العربي نظرا إلى أهميته الإستراتيجية والى وجود الصراع العربي-الإسرائيلي.
ويمكن إدراج الموقف الصيني من بعض القضايا العربية كعامل معزز للأمن القومي العربي؛ خصوصا موقفها من حرب الخليج الثانية وثبات موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي.
فقد أدرك الصينيون الأهمية الكبرى للشرق الأوسط وارتباطه بالصعود الصيني، ويدركون الحاجة إلى استقرار نسبي بالمنطقة، ويدركون أن المهمة ليست يسيرة، نظرا لما في الإقليم من صراعات ممتدة ووفي هذا الخصوص صرح الرئيس الصيني هوجنتاو في خطاب له ابريل 2007، أن وجود الشرق أوسط متناغم هو في مصلحة شعوب المنطقة والعالم بأسره على المدى الطويل كما أن الاستقرار في المنطقة يعتبر رغبة مشتركة للعالم ككل .
الحديث عن رؤية الصين للخل بالمنطقة يستوجب الرجوع الى الوقف الصيني من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والذي اتسم ولفترة طويلة بالابتعاد الصيني عن تفاصيل هذه العملية ، لكن الصين تضل رغم ذلك بالتأييد عن بعد لكل ما هو متصل بالمفاوضات العربية-الإسرائيلية .
وقد طرح وزير الخارجية الصيني رؤية شاملة لما أعتبره تعزيز أسس السلام بالشرق الأوسط وتضمن خمسة مبادئ:
1) احترام التاريخ،نظرا للتغير الكبير في الشرق الأوسط ، تؤيد الصين إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، عبر مفاوضات.
2) نبذ العنف وإزالة العقبات أمام عملية السلام.
3) دفع محادثات السلام بطريقة كلية ومتوازنة، نظرا لارتباط القضية الفلسطينية بالقضايا الأخرى، فالحل مفاوضات مع باقي القضايا.
4) إعطاء الأولوية للتنمية وتعزيز التعاون من أجل تدعيم عملية السلام
5) بناء توافق وزيادة الإسهامات وتعزيز مساندة عملية السلام
توضح هذه المبادئ مدى ارتباط الصين بالأمن القومي العربي وبالأخص بالرؤية العربية للحل في الشرق الوسط خصوصا الارتكاز على السلام، وكيفية حله وتجاوز العقبات،
المطلب الثاني: الأمن العربي والتعاون الصيني الإسرائيلي
مثلت إسرائيل عامل إضعاف وتفتيت للوطن العربي منذ تأسيسها، ولم تأل الحركة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية الخارجية جهداً في إضعاف الحضور العربي الدولي، وفي تشويه الثقافة والفكر والتاريخ العربي، وقد حققت نجاحات كبيرة على هذا الصعيد في الغرب، حيث تسود المعلومات والأفكار والانطباعات والقراءات الإسرائيلية والصهيونية الكثير من الأدبيات والأبحاث والكتب ووسائل الإعلام الغربية عن الشرق الأوسط وتحولاته وأحداثه، وبالطبع فهي تنطلق من مصالح إسرائيل والحركة الصهيونية على حساب المصالح العربية وحقوق الشعب الفلسطيني.
ولا يتوقف الأمر عند حد تبرير قيامها على أرض الغير بالقوة عام 1948، واحتلالها لأراضٍ إضافية بالقوة أيضاً عام 1967، واستمرار عدوانها ورفضها الانصياع لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بحل الصراع العربي-الإسرائيلي وعلى الأخص قرار 194 الخاص باللاجئين لعام 1948، والقرار 242 الخاص بانهاء الاحتلال عام 1967، بل إنها تصل إلى حد وصم المنطقة وشعوبها وقواها السياسية بكل الأوصاف التي تنفّر الغرب منها، وتجعل من إسرائيل واحة الديمقراطية والحرية والتقدم فيث منطقة متخلفة ورجعية.
من هنا يمكن النظر بخطورة كبيرة لتطور العلاقات الاسرائيلية-الصينية، حيث من حق العرب أن يقلقوا كثيراً من نتائج هذه العلاقات وانعكاساتها على علاقاتهم مع دولة طالما كانت حليفة أو مناصرة لقضاياهم في المحافل الدولية، ويستشعر العرب الخطورة الأكبر في ظل الانحياز الامريكي الكامل والأوروبي الجزئي لإسرائيل ضد المواقف والسياسات العربية، كما تزداد الخطورة عندما تضع إسرائيل نفسها شريكاً للصين في المعاناة من الإسلام "الراديكالي"، حيث تقدم حركات المقاومة بفكرها الايديولوجي وليس بأهدافها الوطنية، لتربط بينها وبين فكر العنف والتطرف السائد في بعض مناطق الصين من جهة، ولتتواءم مع الجو العالمي المناهض للإرهاب والعنف من جهة اخرى، وفي ظل ضعف علاقات الصين بتيار الاسلام السياسي المستنير في المنطقة بسبب الظروف التاريخية السابقة، وبسبب اعتقاد الصين ان تيار الاسلام السياسي قد تدعم قوى تدعو الى الانفصال او تحقيق الحقوق من المسلمين الصينيين، خاصة وان بعضهالا يستخدم العنف المسلح ضد الحكومة الصينية، لكن السياسة الاسرائيلية بهذه الاتجاهات التي حملها ايهود اولمرت في سبتمبر 2007 في زيارته الى بكين انما تحاول جر الصين إلى مربع لا يخدم مصالحها، ولا يشكل لها مساعداً استراتيجياً على تطوير دورها الدولي أو تحقيق التنمية الاقتصادية فيها، بل يضعها في موقع المتشكك بنوايا واتجهات القوى السياسية العربية الصاعدة ، حيث مصدر الطاقة والسوق الكبير للمنتجات الصينية والتبادل التجاري المتميز مع الوطن العربي. وتشير المعلومات الى ان القادة الصينيين لم يشاركوا رئيس وزراء اسرائيل وجهة نظره بخصوص مقاطعة كل من ايران وحركة حماس الفلسطينية.
وتعمل إسرائيل على تحليل واقع المنطقة بان عوامل عدم الاستقرار فيها مرتبطة بحركات التحرر الوطني العربية وحركات الإسلام السياسي في حواراتها ومحادثاتها مع الصين مكما تفعل في الغرب، لتزيد من مخاوف الصين إزاء مصالحها الاقتصادية في المنطقة، والتي تستلزم الاستقرار وبناء بيئة للتعاون الإقليمي الذي تدعمه الصين وسياساتها الخارجية، وفي نفس الوقت تحرص إسرائيل على عدم إتاحة الفرصة للصين للعب دور سياسي مهم في الصراع العربي-الإسرائيلي خشية تحقيق بعض المكاسب للعرب من خلال هذا الدور بوصف الصين تناصر القضية العربية المركزية بشكل عام ، وعلى الاخص فيما يتعلق بتطبيق قرارات الامم المتحدة واعادة الحقوق الشرعية الوطنية للشعب الفلسطيني، كما تخشى اسرائيل من انكشاف سياستها العدوانية الرافضة للانصياع للقانون الدولي .
وبرغم ما يلمسه الخبراء العرب عند الحديث مع الصينيين من تفهم وإدراك لعدم جدية إسرائيل في عملية السلام، ولممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني واللبناني، غير أن الموقف الصيني المرتبط بمصالح عسكرية وأمنية مع إسرائيل واقتصادية مع الولايات المتحدة ، وفي ظل قدرة هاتين الدولتين على تهديد مصالح الصين ودورها الدولي والإقليمي، فإن الصين لا تكاد تبدي موقفاً مستقلاً مؤثراً في السياسة الدولية او قرارات مجلس الأمن الدولي إزاء الصراع وعملية السلام أو إزاء العدوان الإسرائيلي حتى في ظل خرقه لكل القوانين الدولية والمواثيق المتعلقة بالتعامل مع المدنيين خلال الحرب، وترضي العرب في المقابل بمواقف عامة تبدو نقية السريرة ولكنها لا تحظى بتأثير سياسي حقيقي مهم في الموقف الدولي.
إزاء هذه التطورات والتداعيات للعلاقات الصينية المتنامية مع اسرائيل، فقد اصاب القلق الكثير من الباحثين والخبراء العرب إزاء طبيعة علاقات الصين مع الوطن العربي والإسلامي، والقائمة على تحقيق المصلحة من جانب واحد، وأن فتح اسواقها أمام البضائع الصينية، والتزامها بتزويد الصين بكثير من حاجتها من الطاقة الاساسية لصناعاتها المختلفة، واستقدام عمالتها إلى المشاريع العملاقة في المنطقة ليس محدداً مهماً لسياستها الدولية تجاه الشرق الأوسط، ولا يتوازى مع علاقتها الامنية مع إسرائيل.
من جهة أخرى وبرغم مرور ستين عاماً على قيام إسرائيل على الأرض العربية، وشنها الحروب والاعتداءات وأعمال الإرهاب المتواصلة، وتهربها من استحقاقات السلام وفق الشرعية الدولية، وأنها كانت تعمل باستمرار على إثارة القلاقل والحروب في المنطقة، فإنها تقدم نسفها للصين كعامل استقرار للمنطقة يمكن ان تحفظ مصالحها كما اقنعت الساسة الغربيين من قبل خصوصا بعد عدوان 1967، غير أن الصين التي تقيم علاقات تاريخية واسعة مع العرب، ينبغي لها أن تدرك الحقيقة التي تؤكدها أحداث التاريخ بأن مصدر عدم الاستقرار الاساسي في المنطقة هو إسرائيل وسياساتها العدوانية، وأن حركات المقاومة العربية ،وإن كانت إسلامية الفكر والاتجاه، غير أنها تسعى لبناء الاستقرار والتخلص من الاحتلال وإعادة اللاجئين الذين يشكلون قلقاً متزايداً في المنطقة، وأن الذي يقف في وجه تحقيق هذه الأهداف هو إسرائيل بعدوانها المتواصل وسياستها المتعجرفة ازاء الحقوق العربية وتمردها على القانون والشرعية الدولية.
وعلى الصعيد الدولي، فرغم أن الصين والعرب يعملون على تشجيع الحوار الحضاري والانفتاح الدولي والتعامل على قدم المساواة، غير أن إسرائيل واللوبي الصهيوني الداعم لها في الغرب هو الذي ما فتئ يحرض على صراع وصدام الحضارات بزعم أن الحضارة الإسلامية -بعد إنهيار الشيوعية- تسعى لقضم العالم وتسعى للهيمنة على الحضارة الغربية، مما شجع الدوائر السياسية الغربية لاتخاذ سياسات معادية لكل ما هو إسلامي في المنطقة دينياً وسياسياً، وخاصة إذا ما وصل إلى الحكم والسلطة، حيث لم تعط الولايات المتحدة أي فرصة لأي تجربة حكم سياسي إسلامية ان تطبق برنامجها حتى محليا ، كما هو الحاف ياسودان وايران والجزائر واخيرا فلسطين- وذلك بحجة أن هذه الحكومات انما تسعى لتقويض الديمقراطية وفرض هيمنتها من جهة، وأنها متطرفة راديكالية من جهة، وأنها تشجع العنف والإرهاب من جهة ثالثة، وهو بالضبط مضمون الدعاية الاسرائيلية والصهيونية، ولذلك فإننا لا نبالغ إذ قلنا أن من حق العرب أن يشعروا بقلق بالغ من تنامي العلاقات الصينية-الإسرائيلية، وخاصة السياسية والعسكرية منها لما تشكله من خطر حقيقي على مصالحهم وقضاياهم وعلاقاتهم المستقبلية بالصين، بل وعلى نظرتهم للصين كلاعب دولي قادم بديل للهيمنة الامبريالية التي لاقى منها العرب الظلم والقهر، والتي تمثل إسرائيل حليفها الاستراتيجي واحدى ادواتها المخلصة في المنطقة والعالم.
لم تكن اسرائيل يوماً سوى حليفة امبريالية لمشروع الهيمنة والقهر والعدوان على الشعوب، وهي لم تبد تجاوباً مهماً للأيدي التي امتدت إليها بالسلام عرباً وفلسطينيين، بل لا تعير اهتماماً لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالحقوق العربية، وتتعامل بفوقية وتعالٍ على العرب وعلى العالم، ولا تنظر اسرائيل للصين إلا من زاوية دعم مشروعها العدواني وظلمها للشعب الفلسطيني، ولوقف دعمها للمشروع التحرري الفلسطيني، وعلى أقل تقدير العمل على اضعاف دعم الصين وتعاونها مع العرب والفلسطينيين عسكرياً وسياسياً في الصراع مع إسرائيل، الأمر الذي يجعل الموقف الإسرائيلي انتهازياً، ويملك عوامل وحوافز الانقلاب والتحول الكثيرة بتبدل وتغير الظروف.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحراك الشعبي العربي والإسلامي يتجه نحو اختيار كفاءات تيار الإسلام السياسي المستنير -الذي لا يؤمن العنف ولا يؤيد التطرف- ليتولى صياغة السياسة والمستقبل للمنطقة العربية والاسلامية عبر البرلمانات والمشاركة السياسية في الحكم، مما يجعل الرؤية الاستراتيجية للصين لحفظ مصالحها ولتطوير دورها الدولي يقتضي الانفتاح على هذه القوى بوصفها مشروع المستقبل في المنطقة، خصوصا وهي ترحب ابلصين وبدورها العادل اقليميا ودوليا، ولا تبدي اي حساسية ازاء التعامل معها.
وبذلك يمكن القول بأن مكونات الموقف العربي القائمة، وآفاق التحول السياسي المتحمل فيها، وارتباط الصين بالسوق العربي ومصادر الطاقة العربية اقتصادياً تشكل محددات مهمة ينبغي أخذها بعين الاعتبار في تقييم أو تطوير علاقاتها بإسرائيل.
فيما يعتبر إهمال هذه العوامل او التقليل من شانها سبباً لضعف الرؤية الصينية المستقبلية، وقد يشكل عوامل إضعاف للمصالح الصينية في المنطقة العربية، فيما لا تستطيع إسرائيل أن توفر لها البدائل العملية لهه المصالح، بل إنها تحملها العبء الأخلاقي المناهض لمبادئ السياسة الصينية، وتضعف فرص الصين لتكون طرفاً دولياً مقبولاً مدعوماً بالطاقة والسوق الاستهلاكي لمنتجاتها، ومحمية كلاعب دولي بالإطار الأخلاقي اللازم لاستقرار أي قوة كبرى على الصعيد الدولي في الإسهام بتشكيل السياسات الدولية.
ويعتقد بأنه قد آن الأوان لادارة حوار استراتيجي عربي-صيني أعمق مما هو جارٍ في ظل المنتدى العربي-الصيني الذي يسوده ويسيطر عليه الأمر الواقع والقيم الأخلاقية، والتطلعات الجميلة للمستقبل، دون أن تدعمه محددات وسياسات استراتيجية صلبة
خاتمة:
عرفت العلاقات الصينية العربية منذ مر التاريخ , تراجعا و تقدما في مستوى العلاقات , حسب الفترات و الظروف الدولية المحيطة . الا ان هذه العلاقات و منذ العقود الأخيرة اصبحت اكثر عمقا . هذا ما ادى الى بروز العامل الصيني في المحيط العربي كعامل مؤثر في الأمن القومي العربي , في مستويات عدة , تجاريا اكتساح الثنين الصيني للسوق العربية . كما يشكل عامل تهديد من خلال العلاقات الاستراتيجية التي تجمعه باسرائيل أو من ناحية مصالحه السياسية – الاقتصادية في المنطقة من خلال الضغط في بعض القضايا العربية الحساسة في مجلس الأمن الدولي . كل هذه العوامل قد تبين لنا ان الدور الصيني في المنطقة العربية في تزايد و تغلغل , مما قد يشكله في المستقبل القريب من تهديد للأمن القومي للدول العربية من جراء تقاطع ما هو سياسي مع ما هو اقتصادي , هذا الأخير الذي يشكل اهم اسباب التغلغل الصيني في المنطقة العربية .
المراجع المعتمدة

• محمد الغربي، القوى الاقتصادية الاسيوية وعلاقاتها بالعالم العربي، دكتوراة في الحقوق، قانون عام، تحت اشراف عبد الحي مودن ،اكدال، 1999-2000
• رضا محمد هلال، العلاقات الصينية بالدول النامية...المنطلقات والابعاد، السياسة الدولية، عدد 173، يولويز2008
• حسن أبو طالب، الصين والشرق الاوسط ...بين رمزية السياسة وتكامل الاقتصاد، السياسة الدولية عدد 173، يوليوز 2008.
• عبد الله محمود مسعود الدرسي، الامن القومي العربي و التبعية الاقتصادية، بحث في الماستر جامعة قاريونس كلية الاقتصادية و التطور و العلوم السياسية، بنغازي، 1989
• علي الدين هلال، العرب و العالم، مركز دراسات الوحدة العربية، بدون سنة او معلومات اضافية
• امين ساعاتي الامن القومي العربي، دار الفكر ، القاهرة، الطبعة الاولى، مايو 1993
• عدنان السيد حسين سليمان عبد الله مفهوم الامن في اطاره العلمي، مفهوم الامن مستوياته و صيغه و تهديداته، المجلة العربية للعلوم السياسية ،العدد 19 ،2008



#عبد_الحكيم_سليمان_وادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاعتراف بالدولة الفلسطينية وانواعة القانونية


المزيد.....




- بعد مظاهرات.. كلية مرموقة في دبلن توافق على سحب استثماراتها ...
- تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة وأفراد عائلات الرهائن في غزة
- مقتل رقيب في الجيش الإسرائيلي بقصف نفذه -حزب الله- على الشما ...
- دراسة تكشف مدى سميّة السجائر الإلكترونية المنكهة
- خبير عسكري يكشف ميزات دبابة ?-90? المحدثة
- -الاستحقاق المنتظر-.. معمر داغستاني يمنح لقب بطل روسيا بعد ا ...
- روسيا.. فعالية -وشاح النصر الأزرق- الوطنية في مطار شيريميتيف ...
- اكتشاف سبب التبخر السريع للماء على كوكب الزهرة
- جنود روسيا يحققون مزيدا من النجاح في إفريقيا
- الأمور ستزداد سوءًا بالنسبة لأوكرانيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحكيم سليمان وادي - الصين والأمن القومي العربي