|
هل تنجح استراتيجية القاعدة في لبنان تتمة
المحجوب حبيبي
الحوار المتمدن-العدد: 1153 - 2005 / 3 / 31 - 10:13
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
هل تنجح استراتيجية القاعدة في لبنان كنت مطالبا بأن أقدم بحثا عن استراتيجية القاعدة وتاكتيكاتها في الدول العربية والإسلامية وفي العالم ؟ وتحت طائلة عدة أسئلة توجه البحث: تم التساؤل عن آفاق الحرب على الإرهاب؟ ومختلف التوقعات المرتبطة بالموضوع؟؟ وما صحة النظرية التي سبق أن طرحتها حول الحرب الدينية في البلدان العربية والإسلامية؟ وما إمكانية نجاحها في الواقع الموضوعي القائم؟ وما أطرافها المتنازعة؟ وسأحاول أن أقدم فيما يلي مختصرا يعرض ما توصلت له ولما كان بحثي قد تدارس مختلف هذه الأوضاع المترتبة عن الهجوم الرهيب ليوم 11 سبتمبر2002 والذي كان على مستوى عال من التخطيط والدقة في التنفيذ، والذي كان مباغتا ومفاجئا لأكبر قوة عالمية، تملك من وسائل الرصد والتتبع والمخبراتية الشيء الكثير... كما أنني كنت تدارست الوضع المترتب عن الغزو الأمريكي للعراق، وكيف أنه لم تستطع وسائل التحكم والضبط العسكري الأمريكي المشهورة بتفوقها وتجارب مؤسساتها المخبراتية والعسكرية (السي أي أي، البنتغون ووسائط أخرى دولية مشهود لها بكفاءتها...) أن تحد من العمليات الجهادية للقاعدة، في بلد يفترض أنه تخلص كما يقال من نظام فردي قمعي دموي، حيث يفترض أيضا أن الشعب الذي تخلص من مأساته سينشد بالضرورة والالتزام الطمأنينة والسلم والتحول الديموقراطي، وسيسهر بحرص على مكتسباته حتى لا تنقلب الأوضاع إلى الأسوأ، شعب يحتمل أيضا أنه معني بالاستقرار وبالأمن والسلامة، أكثر من أي وقت مضى، ولذلك فهو مطالب بنزع زمام المبادرة من أي قوة خارجية قد تفسد مخططاته في بناء دولته...أمام هذه الافتراضات جميعها يبقى السؤال المحير هو كيف يقبل بمقاومة تأتي من الخارج؟ وتجعل من جملة استهدافاتها الجماهير العراقية بمختلف أطيافها وتوجهاتها ونخبها ومثقفيها؟ وتعمد إلى تخريب أي نواة لبناء دولته (المتحررة) سواء أكانت أمنا أو مرافق بترولية أو أجهزة أو مؤسسات؟ حتى لا يصدق فيه القول القائل (كالمستنجد بالرمداء من النار) علما أننا أبعدنا من افتراضاتنا أن تكون هذه المقاومة مقاومة شعبية ببرنامج تحرري من المحتل...، بناء على مجموعة قراءات لكل ما ينشر على النيت وما تبثه الفضائيات من أشرطة مصورة وما تنقله الصحافة المكتوبة، حيث يتضح وبكل تأكيد أن القوى التي تتصدر المشهد هي التنظيمات الجهادية الإسلاموية ببرامجها المشهورة والتي نقدم بعض مضامينها ملخصة فيما يلي:
* نصرةُ المسلمين أينما كانوا… * ويشرحون ما يقومون به من عمليات ضد الشرطة والجيش العراقي والشيعة والأكراد؟ أن غايته إرضاءً لله الذي أَمَرَ بالجهاد... ودفع الصائل و إنقاذاً أعراض إخواننا، وعفاف أخواتنا... وقتلُ كلِّ من تَدَنَّسَت فطرته فانحازَ إلى صفِّ الكفار من العملاء الجواسيس ... *ويعلنون أنهم جاءوا للعراق مجاهدين من أجل العراقيين..." لا يردون لأنفسهم منكم جزاءً ولا شكوراً..." وأن القضية ليست قضيةَ عراقٍ جغرافيٍّ فحسب، إنها قضيةُ إسلامنا العظيم...
ومن هذا المختصر يتضح أن ما يدعا مقاومة تشكل رهطا من (المجاهدين) انتقلوا إلى العراق ضمن خطة سبق لنا وبينا ملامحها في الجزء الأول من هذه الدراسة، وهي خطة (أممية) تستهدف تجديد التوحيد، وتطهير كل من تلوث بأدران الشرك، بجز رأسه، واستأناف الفتوحات إلى البلدان التي لم يصلها الإسلام من قبل، بنشر الإرهاب وتعميمه على أوسع نطاق، والجهاد في سبيل الله، واسترداد أراضي المسلمين من أيدي الكفار والمرتدين، وإقامة شرع الله في تلك الأراضي، وإعادة الخلافة الرشيدة، ونصرة المسلمين...الخ واستفادة من تحليل الطرق التي تتبعها الحركات الجهادية الإسلاموية المتعددة الأسماء، والمشمولة باسم القاعدة والتي تعتبر القتل تطهيرا والإرهاب أمرا إلاهيا ... والتي لم تحد عما تعتبره حكما شرعيا، وتنفذه بدون تردد أو رحمة، وتشهد على ذلك العالمين... مستعملة الوسائط الإعلامية والمعلوماتية ... تزامن إكمالي لهذه الدراسة مع اغتيال رئيس الوزراء (رفيق الحريري) وكنت قد افترضت في مقدمة دراستي أن الأردن ولبنان ساحة مستهدفة لتكون ميدانا مناسبا لتنفيذ مخططات القاعدة مستقبلا حتى تستمر في توسيع مجالات استراتيجيتها كون هذين البلدين محاذيين لإسرائيل، لكن الذي حد من اندفاعي وأثار تحفظاتي آنئذ في بناء فرضية إمكانية تسلل القاعدة للبنان هو أحد المعاملات التي أضعفت من أن تكون هذه الفرضية راجحة على المدى القريب كون الجنوب المستهدف بتسلل الوجود القاعدي إليه ليس سنيا ولا يمكن أن تجد فيه القاعدة موقع قدم لاختلافها، بل لعدائها للشيعة، وهم أغلبية سكان الجنوب اللبناني من جهة، ووجود حزب الله بقيادته المتزنة والواعية، وفي نفس الوقت، الحازمة في تأطير وتدبير أوضاع الجنوب... لذلك فإن هذه المعطيات الجيوسياسية والجيوعسكرية لن تعطي القاعدة أي إمكانية لتجد فرصتها الذهبية هناك في بحثها عما يكسبها حضورا في وجدان الجماهير، وهو العمل على افتتاح جبهة على حدود (فلسطين المحتلة) لاستفزاز الإسرائلين، وإثارتهم بقصد دفعهم من جديد لاحتلال لبنان، أو دفع قوى خارجية كي تتدخل فيه، أو بالبحث عن إمكانيات للتسلل والقيام بما لم يعد حزب الله يقوم به التزاما منه بما سبق وتعهد به، خصوصا أمام اشتداد الضغوط الدولية عليه، فيكون من المناسب جدا للقاعدة أن تحرك عملياتها ضد إسرائيل حيث يتم إحراج الحزب ونزع ريادة المقاومة منه، وتمكين انتحاريي القاعدة ومقاتليها من شرف مقاتلة (اليهود) كما تسميهم، هذا الشرف الذي طالما استبعدته قيادة القاعدة من حساباتها سابقا، للعلاقة الإستراتيجية لقيادة المجاهدين بالأمريكان، فخلال فترة مقاتلة السوفيات بأفغانستان لم يسبق لهذه القيادة التي ستنشئ فيما بعد القاعدة أن فكرت أو حركت مقاتلين لدعم الكفاح الفلسطيني لأجل تحرير فلسطين بنفس الحجم والقوة والمال الذي تلقاه من كانوا يقاتلون السوفيات...وحتى على العهد الطالباني في فترة إرساء نموذج (دولة الخلافة) ونواة الدولة الثيوقراطية في أفغانستان تلك التي ستتناسل في ظلمات أوكار أكبر مؤامرة للتخلف ضد المسلمين وضد البشرية، لتنقلب عن صناعها ومدعميها ومؤطريها وراسمي مخططاتها السابقة في حربها ضد الحكومة الاشتراكية ولهذا مقدماته ومنطلقاته، تلك التي نجمالها في هذه الخلاصة المركزة حيث تتحمل أمريكا والوهابية السعودية كبير المسؤولية فيما حدث ويحدث فالولايات المتحدة الأمريكية ممثلة ب: ( الكونغرس والبنتغون وسي إي إي) التي كانت ترسم سياسة المواجهة في عالم الحرب الباردة خلص منظروها واستراتيجيوها إلى خلاصة مفادها أن الإسلام الوهابي وسيلة للتحكم في الإنسان المسلم العربي وكبح إرادته في التحرر وفرملة تطلعاته في أن ينال حقه كاملا في هذا الوجود، خوفا من أن يتحول حليفا للقوى المضادة في الحرب الباردة، ويختار الاشتراكية ضدا على ظلم اللبرالية وتبريرها لاستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وقبولها بسيطرة طبقة رأسمالية على خيرات المجتمع وقهرها وتجويعها للسواد الأعظم من الكادحين عمالا وفلاحين ومقهورين... ولما كان في تقديرهم أن هذا الإنسان العربي والمسلم بحكم تاريخيته واعتزازه بكونه أنه من أمة تعتبر (خير أمة أخرجت للناس...)، سيكون إن استفاد من حقه في الوعي والمعرفة كائنا معاديا للاستحواذ والسيطرة والهيمنة أنى كانت مصادرها، وأنه قد ينحاز لصف الحقيقة والحرية والديموقراطية وسيعمل على التحكم في مقدراته وثرواته، وسيشرط الندية في التعامل والعلاقات مع غيره من الشعوب، وسيتخلص من مستعبديه وجلاديه، عملاء الاستعمار الجديد وخدامه الأوفياء، لذلك عملت القوى الأمبريالية القديم منها والحديث، بالتحالف مع الرجعيات العربية، على استمرار استعباده وتضليله، وأشاعت كل أشكال الدروشة بين أفراده، مستمدة ذلك من دراستها لمحتويات التراث القمعي والترهبي، الذي سلكه الحكام باسم الإسلام ضد مواطنيهم، وما قاموا بترويجه بين الناس من أنماط حياتية بؤسوية من قناعة وزهد وتشفع وتبتل وخوف ومسكنة وخنوع وخشوع وخضوع... بدعوى أن هذا هو "النهج النبوي الشريف"، وتكبيل للحريات وتكميم للأفواه... وأن هذه الدنيا زائفة وإلى زوال وأنها دار غرور وفناء ليزهد فيها المواطن، منتظرا حقه في الآخرة، في دار البقاء والمتعة وحسن الجزاء... ولم يدرك أولائك المخططون الإستراتيجيون الإمبرياليون وحلفاؤهم الرجعيون أن ما ينشئونه ويغذونه بالتحريض على الجهاد، وتلقين المحفوظات والأحكام، باعتماد الإيحاء والاستمرارية، وقوانين السيطرة السيكولوجية الشديدة التأثير المستندة إلى الإقناع المبني على التسليم المطلق، والإيمان الأعمى، وما ينجزونه من تنمية للقدرات القتالية، المدعومة عناصرها بالمال والسلاح والتدريب على كل أشكال المؤامرة والمقاتلة والقابلية للموت (الاستشهاد)... لقد تجاهل المخططون والممولون أن ذلك كله سيتناسل سرطانيا، وسيأتي يوم لينقلب عليهم بفعل عوامل متعددة وشروط موضوعية (لأنه من الممكن أن تفعل بالحراب أي شيء إلا أن تنام عليها واقفة) وهكذا سيجد المجاهدون أنفسهم يستكملون المسار الجهادي ضد الكفار وخدامهم ممن تدنست فطرتهم بطريقة تستعجل الآخرة، وتسعى إليها يلتحق المجاهدون برفاقهم في الجنة حيث يرفلون في النعيم نتيجة فعلهم الانتحاري (الاستشهادي)... إن ما تم تخطيطه لحماية المصالح الأمريكية، ونصرة للرأسمالية والعالم الحر على حساب الشعوب الطواقة للتحرر، سينقلب ضد صانعيه وضد تلك الشعوب المظلومة والمغلوبة عن أمرها والمحكومة بمختلف أنواع السيطرة، والتي قد تجد نفسها تناصر الظلامية والإرهاب والهمجية نتيجة ما تجرعته من هزائم ومظالم وكأنها تقول (علي وعلى أعدائي يا رب)...لقد تحملت الشعوب العربية والإسلامية ركاما من التراكمات السلبية الناجمة عن فرملة حراكها الاجتماعي، وكبح تطورها التاريخي، ومصادرة حقها في تقرير مصيرها وفي أن تنال نصيبها من التقدم والتطور، على قاعدة تحررها وتحقيق الديموقراطية أساسا للحكم... إن تلك التراكمات التي ترزح تحت نيرها هذه الشعوب والتي تتنوع بتنوع المتناقضات التي تغذي معاناتها، والمتمثلة في فقرها وحرمانها من مقدراتها، وما يروج بين نشئها من تضليل وتخريب للقدرات والوجدان والمشاعر على أنه تربية وتعليم، وما تعانيه من تمزق في هويتها بين عقد التفوق والتفضيل ومشاعر الاعتزاز بالماضي التليذ كونها (خير أمة) وبين حقيقة واقعها الحافل بعقد الدونية والهزائم المتوالية، وبين هذا الجذب والنبذ تتشكل وضعية مفادها أن هناك من يريد أن يخلص الأمة ويرد لها ماضيها المجيد، بالعمل على الرجوع بها إلى ذلك الماضي المجيد... وهذا ما يعكسه برنامج القاعدة وكل أطيافها ومريديها الذين يشكلون حركة عالمية ترى في الحكام العرب وفي كل الأحزاب خونة ومرتدين بل أكثر من ذلك تعتبر الشعوب التي تقبل بحكم هؤلاء الحكام مرتدة وينبغي تطهيرها بالذبح كما كان الأمر في مصر وكما هو الحال في الجزائر والعراق...، وتستعمل في دعايتها المثن الديني قرآنا وسنة، وتركز هجومها على حكام السعودية لأنهم وطنوا في الأرض المقدسة وجودا أمريكيا صليبيا معاد للدين... وتنسحب هذه الرؤية على كل الأنظمة المتخاذلة أمام الصليبية الأمريكية... وفي مقدمة مخططاتهم الإستيلاء على الحكم في جزيرة العرب لأنهم يعتبرون أرض الحجاز دعامة مادية ودينية إن هم استطاعوا أن يستولوا على الحكم هناك فكل مقومات الدولة الدينية قائمة... بالإضافة إلى المقومات المادية، وهم مجدون في السيطرة على بلاد ما بين النهرين أو على جزء مهم منها لينضاف إلى دولة الخلافة حيث تصبح الحركة الجهادية قوة لا حدود لنفوذها وهكذا ترسم القاعدة رؤية بعيدة المدى تجيش لأجل تحقيقها الجماهير المسلمة عبر وسائطها السياسية المتنوعة المباشرة وغير المباشرة (الدعاة، الأحزاب الدينية المقنعة، الخلايا والتنظيمات اليقظة والنائمة...ثم البرامج الدعائية المسموعة والمرئية، البرامج التعليمية، التعليم الأصيل، كتب فقهاء الظلام وفتاويهم، المواقع الإلكترونية...) الدعاية المدعومة بالفعل الجهادي الإرهابي الذي وجه ضد أمريكا في مواقع تواجدها، أو في عقر دارها 11 سبتمبر أو ذاك الذي يكتسي صبغة مقاومة بالعراق أو الجهاد الذي يخطط إليه في فلسطين ليشكل أداة إسناد ودعم للمشروع القاعدي، لأجل الحرب الدينية الواسعة لبناء دولة الخلافة... وعليه فإن الحرب الدينية واردة وتستهدف الجميع بالبلاد العربية والإسلامية والعالم كله وينبغي على قوى الحرية والديموقراطية والتقدم أن تستبق اكتمال شروطها بإرساء قواعد مشاريع مجتمعية ديموقراطية علمانية تستفيد من نظام دولي ديموقراطي يرفع كل الآفات التي عانت منها الشعوب الفقيرة والمظلومة والمستعمرة في مختلف المجالات وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والتنموية والمعرفية تحقيقا لمجتمع إنساني خال من الحروب والويلات... وأن ما كان حاجة وضرورة سياسية وعسكرية تطلبتها الحرب البارة، وتطلبتها الحاجة التعويضية عن هزيمة أمريكا في فتنام، والتي استغلت فيها حماسة تصدي الرجعية العربية لكل ما هو تحرري وديموقراطي واشتراكي فعمدوا غلى تأييد وتحريك للإسلام الجهادي كما أسلفنا فتم استخراج تلك الخليقة من قمقمها وتم إنعاشها فانفلت من مختبرات الوهابية بالسعودية لتعم العالم وتعود لتفرخ في مصر والجزائر والمغرب واليمن والحجاز والخليج العربي والعراق ولبنان وأي بلد عربي أو مسلم دون تمييز، فقط أن تكون الظروف مناسبة هنا أو هناك...، ومن هنا إلى أي مكان لمقاتلة فسطاط الكفر...
وعلى الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها بعد إعلان الحرب العالمية على الإرهاب وتدمير قاعدته في أفغانستان وإلى حد ما في باكستان، وتحجيمه نسبيا في مصر والجزائر والمغرب وباقي البلدان العربية، والتي لا يمكنني أن أجزم بأن شروط وعوامل إنتاجه قد جففت أو استأصلت بل وعلى العكس من ذلك تماما فإن العديد من الأخطاء السياسية لا زالت ترتكب من طرف الحاكمين وبخاصة أولئك الذين يستمدون سلطتهم من الدين والذين يدخلون الحركات الدينية في جملة مخططاتهم للمحافظة على التوازنات السياسية والاجتماعية احترازا واحتياطا لمواجهة القوى الديموقراطية والتقدمية واليسارية العلمانية، وتمتد بنية هذه التوازنات إلى البرامج التربوية والثقافية وإلى مجمل قضايا الأحوال الشخصية...، (وهو نفس لخطأ الذي وقع فيه السادات) وهم بذلك يدعمون حضور مشاتل إنتاج قوى الإرهاب عن قصد أو بدونه، وهذا يفيد في إنجاح مخططات الإرهاب القاعدي الدولي لأنه سيجد الدعم بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الأحزمة الاحتياطية المؤهلة لتقبل ما قد يلقى إليها من طرف أمراء الجهاد الذين يحفظون عن ظهر قلب العديد من المثون والنصوص الجهادية ويستطيعون الإقناع بإقامة الحجة والبرهان على ما يدعون إليه وهم في نفس الآن متمكنون من إعطاء المثال والقدوة والنموذج للسيطر على إرادة الموردين، وهذا ما يهيئ الظروف المناسبة لتوفير الرجال والمال والحاجيات والمتطلبات، فالمجاهد لا يحتاج لأكثر من أن يجد إمكانية للتنقل والاستقبال، وهذا ما يمكن توفيره بسهولة ويسر من خلال أشكال التنظيمات المعترف بها... ومن خلال المتابعة الوثائقية المتنوعة صرت مقتنعا أن تنظيمات القاعدة قد استفادت من أخطائها وتجاربها المريرة والتي أدت ضريبتها غالية بعد أحداث 11 شتنبر. لذلك فإن خلايا التنظيم المعدة للقيام بالعمليات سواء أكانت إعلامية أو تضليلية أو لوجيستية أو تلك النائمة والجاهزة لتنفيذ المخططات الاستراتيجية دون الحديث عن المتعاطفين أو المقتنعين بفكر القاعدة من غير ما ارتباط أو علاقة مباشرة، والذين يعتبرون جزءا من استراتيجية القاعدة كالجماعات التابعة تلقائيا بفعل تطابق القناعات المسندة بالثقافة المشتركة والذين يعبئون أنفسهم بما يطلعون عليه وهو محط اهتمامهم وملاذ إيمانهم والذي تنشره وسائل الإعلام، أو المتعاطفون... هؤلاء جميعهم يشكلون الاحتياط والعمق الجماهيري للمجاهدين الذين أصبحوا قادرين على التخفي في الحركات الدينية المقنعة بالغطاء الحزبي والمسموح بها من طرف الحكومات كآلية للتوازن السياسي والذين يتمظهرون بكونهم حركات سياسية ذات مرجعية إسلامية تمارس شعائرها وترعى مرجعيتها الدينية وتطبقها مظهرا وسلوكا في إطار من حرية التدين... ومنهم من تخلى عن الشكل الظاهري (لحية وملبسا وحجابا) وأصبحوا قادرين على مراوغة الأجهزة الأمنية مما يجعل عملية الكشف عن خلاياهم في منتهى الصعوبة حتى مع استخدام الوسائل التقنية كالتصنت والرصد والتتبع... هذه المعطيات في تقديرنا مستنتجة من الإجراءات الاحترازية، وأشكال التخفي التي تم اتخاذها من طرفهم للتمويه عن الخطط الإرهابية التي يعتزمون القيام بها، وهذا ما تؤكده الخطوات التي اتبعت بعد هجوم 11 سبتمبر، في كل من السعودية والمغرب، وفي مدريد بالي، وقطر وأخيرا في لبنان... ولا يمكن أن يظن البعض أن لبنان يخلو من تنظيمات القاعدة وأن ما صرح به الانتحاري الذي اغتال الحريري ورفاقه مجرد تمويه أو ما شابه ذلك... لقد أكد تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية:( أن تنظيم القاعدة لا يزال قائماً كشبكة متشعبة ومؤثرة وأن الحرب على العراق أعطته دفعة إلى الأمام...وأضاف تقرير المعهد، الذي يتخد من لندن مقرا له، أن الهجمات الأخيرة في إسبانيا وتركيا والسعودية تظهر أن تنظيم القاعدة أعاد بناء نفسه بالكامل بعد أن خسر قاعدته الرئيسية في أفغانستان. وذهب التقرير إلى أن التنظيم الذي يتزعمه أسامة بن لادن يستهدف بشكل خاص الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب. ونقل تقرير المعهد عن تقديرات استخبارية غربية قولها إن التنظيم موجود الآن في أكثر من 60 دولة، ويضم نحو "1800 إرهابي طليق"... لكن وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها قاعدة الجهاد في العراق أعتقد أن الوضعية لم تعد كما كانت قبل الهجوم على الفلوجة، وقبل الانتخابات، وأنها الآن تعاني إلى هذا الحد أو ذاك من عمليات التطويق والمداهمات والاعتقالات التي طالت العديد من الكوادر القريبة من الزرقاوي في المثلث السني وباقي المناطق والتي بدون شك ناجمة عن التتبع والرصد الآخذ في تحقيق بعض النجاحات، وأن احتياطها من (المجاهدين) أصبح ينضب نتيجة كثافة العمليات الانتحارية والاعتقالات، وانغلاق الحدود، وأخذت إمكانيات الحركة تضيق بسبب العوامل والمستجدات الأمنية... ولم يعد استثمارا نتائج المقاومة ضد الأمريكان، يثلج قلوب الجماهير العراقية والعربية بالمستوى الذي كان عليه في المراحل الأولى، وذلك نتيجة الجرائم التي ارتكبت وترتكب ضد الشعب العراقي أفرادا وجماعات، وضد الصحافة والعمال العرب والأجانب... وفي اعتقادي أن الصراع السياسي في لبنان حول انسحاب وجلاء القوات السورية، وما عرفته انتخابات الرئاسة من اختلافات أبرزت انقسام الشارع اللبناني وارتفاع حدة المواجهة السياسية بين المعارضة والموالاة، وتصاعد الضغوط الأجنبية، على سوريا التي أخذت في إعادة انتشار قواتها جهة سهل البقاع، ثم بعد ذلك بدأت في سحبها إلى سوريا، وهذه المعطيات جميعها أيقظت اهتمام قيادة القاعدة وحفزتها على إدخال جميع هذه المستجدات في أولويات حساباتها التكتيكية لتساهم في خلط الأوراق والجز بالساحة في معارك متصاعدة قد تعيد لبنان لا قدر الله ذلك، إلى الاحتراب الطائفي... لتجد مجالا لحركتها يحقق ما ذهبنا إليه في مطلع هذا البحث، وهو وجود إمكانية للاحتكاك بإسرائيل لتكسب القاعدة شرف النضال من أجل تحرير فلسطين، مستحضرة تجارب سابقة لها في لبنان، تحكي عنها مصادر قاعدية "... أنه تم إرسال بعض المجموعات إلى لبنان منذ عام 1988 تقريبا بصورة منظمة وللإطلاع على الأوضاع وإقامة معسكرات، لكن للأسف الشديد لم تفلح هذه المحاولات بسبب طبيعة التنظيمات العسكرية في لبنان إذ كانت خليطاً من ماركسيين وشيوعيين وإسلاميين، ومنظمات فلسطينية على مختلف مشاربها، ومعظم هذه المنظمات مرتبطة بحكومات عربية... كما أن راياتها لم تكن واضحة حتى بعض الحركات الإسلامية في لبنان لم ترحب بالفكرة ولم تتعاون خشية ضغط الأنظمة العربية، حيث كانت الممول الفعال لمعظم هذه التنظيمات. ورغم ذلك لم ييأس هؤلاء الشباب وأقاموا وحدات خاصة لهم ولكن للأسف الشديد تم القبض على كثير منهم وترحيلهم إلى بلادهم حيث المصير المعلوم.." و تحكي مصادر أخرى قاعدية أيضا عن محاولات دخول فلسطين قائلة " لقد حاولت كل الحركات الجهادية بما فيها تنظيم القاعدة أن يدخلوا فلسطين ولكن لم يفلحوا إلا فرادى نظراً للسياج القمعي المفروض على فلسطين براً وبحراً وجواً من خلال أنظمة تطوق فلسطين وتقوم بوظيفة حرس حدود للكيان الغاصب... وتعتبر أن الدكتور عبد الله عزام الفلسطيني الأصل أحد قادة المجاهدين بأفغانستان، والذي قتل في ظروف غامضة، كانت عينه على فلسطين لأنه يعلم جيداً أن أرض أفغانستان أفضل مناخ لتدريب أكبر عدد من الشباب واكتساب خبرة قتالية ليتسنى لهم عقب عودتهم خوض معركة فاصلة مع العدو الغاصب ومن ثم تحرير فلسطين... هذه الوقائع جميعها تجعل ما ذهبنا إليه من أن الحضور القاعدي في لبنان من خلال بعض الخلايا النائمة التي تم تحريكها لتفعل فعلها هذه الأيام والتي لم يخف توقيعها على عملية اغتيال الشهيد الحريري، وما تلاها من تفجيرات تستهدف التجمعات السكنية للمسيحيين وكذا مصالحهم المادية، علما أن القاعدة تعتبر أن تجليات الحرب الصليبية تتضح أكثر ما تتضح في فلسطين ولذلك تبحث عن منفذ إليها وبالنسبة لكيفية إعداد الداخل الفلسطيني لاستقبالها فإنها تبلور حضورها في الوجدان الشعبي الفلسطيني كفكرة وقناعة عبر الوسائط الإعلامية مراهنة على تفاعلات الوضع الفلسطيني الداخلي وهذا ما قد يراه الملاحظ في محتويات الحوارات التي تجري على بعض مواقع النايت "كشبكة فلسطين للحوار" وغيرها من المواقع، والتي كلها تركز على موضوع القاعدة ونهجها الجهادي...إضافة إلى ما قد تقوم به من عمليات مستغلة مستجدات الأوضاع الفلسطينية بعد وفاة القائد ياسر عرفات، وانتخاب أبو مازن الذي سبق وانتقده بن لادن في إحدى خطبه، وتراهن القاعدة على استمرار فساد الأوضاع، وعلى تصلب الموقف الإسرائيلي اتجاه المطالب الفلسطينية، وعلى استمرار التزام الفصائل الفلسطينية بالهدنة، تحت ضغوط الحكومة الفلسطينية، وتراهن على التأييد الشعبي لكي تجيش وفق الطريقة التي سبق تبيانها مقاتلين وانتحاريين للقيام بعمليات نوعية قد تكون غير مسبوقة لا اتجاه الإسرائيليين فقط ولكن اتجاه من تراهم مفرطين في الحقوق الفلسطينية وهذا المخطط غالبا ما تلجأ إليه كي تصبح صاحبة القرار والنفوذ في توجيه الأوضاع... خصوصا أن القاعدة لا تدخل في حساباتها أي برنامج تفاوضي، أو حجم الخسائر التي يمكن أن تتكبدها الأوضاع الهشة للفلسطينيين، المهم لديها أن تضرب في المليان، في الموقع القاتل، أما وماذا بعد فذاك ليس الآن على كل حال. إن استراتيجية القاعدة استعراضية وحربها ضد الصليبين والمرتدين وكل (أعداء الله) لن تنتهي وأن غايتها الجهادية الكبرى هي أن تملأ مختلف الساحات وتربك مجموع الحسابات وتجد مجالات للحركة والحركة المناسبة والمتلائمة مع ما تبتغيه من استقطاب وتجييش للإنسان المسلم ولو بإثارة الفتن واشعال النزعات وإسالة الدماء بين العرب والمسلمين أنفسهم لذلك فالهجوم على الساحة اللبنانية يعتبر احتمالا قويا وضرورة استراتيجية بالنسبة لها في المرحلة الراهنة... لبنان يشكل الساحة المناسبة للتماس مع فلسطين المحتلة (إسرائيل) وهذا يعتبر مطلبا ملحا الآن لقاعدة (الجهاد) مستغلة أخطاء السياسة الأمريكية وتجاوزاتها وتحديها للحقوق لمشروعة للشعوب العربية في فلسطين وفي العراق... ولكن الوصول إلى هذه الغاية الوسيلة، مزيد من تفجير الوضع اللبناني، تواجهه العديد من الصعوبات التي لا يمكن التغلب عليها إلا بخلق ظروف صراع وفتنة في لبنان مهما كلف ذلك من ثمن... ولقد كانت هذه الرغبة قائمة بالنسبة للأردن ولقد اتضحت من خلال التسريبات التي تم ضبطها بفعل تكاثف الجهود المخبراتية المحلية والدولية في الأردن، ولا أدري إلى أي حد لا زالت الساحة الأردنية واردة في استراتيجية القاعدة هذا ما أستبعده على المستوى القريب... المحجوب حبيبي
#المحجوب_حبيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في استراتيجية القاعدة في العراق وهل تنجح نفس الاستراتي
...
-
الاصلاح التربوي... أي مدرسة لأية آفاق
-
المنهاج المقومات البيداغوجية والديداكتيكية
-
الطفولة المشردة من المسؤول؟؟
-
حول الاصلاحات التربوية التي يعرفها المغرب
-
قراءة في مسودة قانون الأحزاب
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|