مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)
الحوار المتمدن-العدد: 1147 - 2005 / 3 / 25 - 15:16
المحور:
القضية الكردية
العديد من العواصم الغربية عاشت الأسى والحزن هذا العام , وهي تستعيد مع اليهود الحصاد المر لسنوات الحرب العالمية الثانية , ففي ذلك الزمن المنعطف والمتحول ذرف اليهود مئات الألوف من الضحايا كان من شأنه أسطرة معسكر أوشفيتز الذي كان شاهدا على النزعة الدموية للأحادية الفكرية النازية .
الغرب الأوروبي ينكس ذاكرته وحياته اليومية حين تطرق الذكرى السنوية لتحرير معتقلي معسكر أوشفيتز من ماكينة الإرهاب النازية أبوابهم .
ففي فرنسا افتتح رئيسها شيراك نصبا تذكاريا لضحايا المحرقة , وأفردت الصحف والمجلات الأوروبية صفحاتها الأولى لصور المحرقة المروعة وشهادات الناجين منها .
ولا نستغرب مقاربة الأوروبيين لتلكم الذكرى , وان كان تضافر المواساة والمجاملة المفرطة انطلاقا من عقدة الهولوكوست , فالديمقراطية الغربية تأبى أن تقف مكتوفة الأيدي حيال كوارث وفواجع إنسانية من العيار الثقيل ذاك , وتسديد الفواتير لليهود اليوم يتم بطرق كثيرة منها دفع التعويضات لإسرائيل وطلب الغفران من اليهود ...الخ .
الملفت في ذكرى أوشفيتز لهذا العام , أن الإعلام العربي قام بالواجب وأكثر , تماهى مع اليهود ونسي فلسطين , وذرف الدمع مدرارا أكثر من الخنساء .
مقزز ومثير للقيْ احتفاء الإعلام العربي بالهولوكوست , ومثير للحزن والسخط والسخرية تذكيرهم العالم باحتضان العرب لليهود وسائر الأقليات وانخراط العديد من أبنائهم في تحطيم الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية .
حيث قدم هذا الإعلام فروض الطاعة والولاء لذكرى المحرقة , معربا عن إدانته القاطعة لها , مقسما على عدم نسيانها وعدم تكرارها ,ومستجديا رفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني . كل ذلك تحت يافطة / المؤاساة والمساواة لا تنفصلان بل تتكاملان / .
غريب أمر هذا الإعلام المروض والانتهازي , لكثرة ما حلق في سماء التنديد بالسياسة الأمريكية القائمة على الكيل بمكيالين أصبح يكيل بعشرات المكاييل .
فهو لا يريد أن يذكر حلبجة والأنفال لا من قريب ولا من بعيد . حلبجة بالنسبة إليه مجرد وهم ميتافيزيقي وأسطورة من أساطير الأولين . ولا تستحق حتى عناء ومشقة الكتابة عنها .
وهذا الكردي الذي أنتهك واغتصب سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وتاريخيا وجغرافيا ودينيا لا يستحق عناء ومشقة الكتابة عنه . الوصفة العربية تقتضي أن يكون للأكراد دولة وتمثيل في الأمم المتحدة ولوبيات مغروزة عميقا في خاصرات الدول الكبرى حتى تتم الكتابة عنهم .
هكذا ببساطة وبأعصاب القتلة الباردة تم القفز فوق حلبجة والأنفال , ليتم التطرق إلى مواضيع أكثر سخونة وأجلب لتعاطف الحس العربي المشترك , ولتثبت هذه الأقلام الممجدة للطغاة علو كعبها في العنصرية المتحاملة البغيضة والشوفينية الكريهة .
أحد هذه الأقلام المقززة والكريهة يقول وبالحرف : " لا زالت القيادات الكردية العميلة في العراق وكذلك العملاء والخونة الذين جاءوا على الدبابات الأمريكية يستخدمون ورقة حلبجة " .
وهذا غيض من فيض , فكتابات الآخرين أمر وأدهى وتتراوح الارتجالية الكتابية بين المواقف السلبية العديدة التالية :
- اتهام إيران بقصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية
- تضخيم ملف حلبجة كان بعد فشل الإدارة الأمريكية في موضوع تسويغ وتبرير الحرب العدوانية على العراق .
- استثمار الحركة القومية الكردية لمجزرة حلبجة لأجل المساومة والصفقات .
هكذا يضحى بحلبجة على مذبح الحبر العربي . والذي يقرأ بعض ما كتب عن حلبجة ستصيبه السكتة والدهشة والاشمئزاز فما علاقة إحياء ذكرى حلبجة بإدانة كامل الطبقة البرجوازية . هل كل الذين قضوا شهداء في حلبجة مثلا كانوا من صفوف البروليتاريا . ثم ألم يك هنالك برجوازي رخوي طفيلي واحد في حلبجة حينة القصف بالكيماوي أم أن جميع البرجوازيين الأكراد والعرب كانوا على متن الطائرات المغيرة .
هكذا رؤى وأطروحات نوع من عملية الهروب والتنصل من الأسئلة المفصلية التي تواجه العقل العربي المستقيل والمقلوب وهذه هي محنة العقل العربي المسكون بخرافة المطلق .
لا مصلحة لهذا الإعلام في وضع باقة ورد ومواساة أمام النصب التذكاري لضحايا الكيماوي هناك . فغالبية هذه الأقلام تضارب على الأنظمة الشمولية العربية فيما يخص النظر إلى الآخر الضحية . وهؤلاء الضحايا ربما في منظور أولئك الكتاب ضرورة لا بد منها للإبقاء على اللون الواحد في عالمهم العربي من المحيط إلى الخليج .
هكذا تمضي ذكرى حلبجة . وحدهم الأكراد المثقلون بتركة الذاكرة يقفون إجلالا لأرواح شهداء حلبجة والأنفال . أما العرب فبامكانهم أن يسدوا خدمة جليلة للطغاة وأولي أمرهم في ذكرى حلبجة , بأن يدبكوا ويطبلوا ويزمروا كما حدث في إحدى القرى المطلة على الفرات في ريف حلب السوري حين عبر الأعراب البسطاء هناك عن الغبطة والحبور لابادة الأكراد باحتفالات سريالية مهيبة آذار 1988 .
#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)
Mustafa_Ismail#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟