أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عمرو عبد الرحمن - بين أبجدية الأخلاق وأخلاقية المجتمع















المزيد.....

بين أبجدية الأخلاق وأخلاقية المجتمع


عمرو عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 1132 - 2005 / 3 / 9 - 11:25
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


بين أبجدية الأخلاق وأخلاقية المجتمع
تحاول الزمر الأخلاقية دائماً وأبداً جاهدةً تدجين المجتمع البشري والمستعمر البشري في بوتقتها العنكبوتية، باعثةً به إلى حيث تريد. لا يصير الإنسان كائناً اجتماعياً إلا إذا دخل في ذلك الكهف المزين بالألوان البراقة المسمى أخلاقاً. إنها الأوهام الأساسية للمجتمع الإنساني، من بداية الخليقة وإلى نهاية الوجود.
فالأخلاق المانوية مثلاً، وهي واحدة من أوائل القوانين المجتمعية-الأخلاقية مثيرةٌ للجدل بحق. فهي تقسم المجتمع إلى 4 طبقاتٍ أساسية، بدءاً من الكهنوت،المحاربين، التجار/المزارعين وأخيراً العبيد أو الخدم. وليست إثارة الجدل في التقسيم، فالتقسيم شأنه شأن أي تقسيم قانوني-مجتمعي-أخلاقي آخر هو تقسيم منطقي مناسب لهذا المجتمع، لكن إثارة الجدل هي في الطبقة الأخيرة أي طبقة العبيد أو الخدم أو كما يدعون (Tchandala-تشاندالا) فهؤلاء لا يحق لهم أن يأكلوا أو يلبسوا أو يشربوا أي شيء لمسه السادة من الطبقات الباقية. فهذا التدجين الأخلاقي المانوي الذي قد يدعي البعض بأنه بدائي هو غريبٌ حقاً.
لننتقل إلى قوانين مجتمعية أقرب من هذا بكثير، لننتقل إلى القوانين المسيحية الأخلاقية. فالمسيحية كما يعلم الكثيرون تتباهى بكونها واحدة من أكثر الديانات طهراً وسماحةً على مر العصور، وهذا أمرٌ يبعث على السخرية بشدة. فلننظر إلى الأمر معاً وبدقة، السماحة تبدأ من تحويل الإنسان العادي (اللاأخلاقي برسمهم) إلى كائن أخلاقي-مجتمعي بإمتياز عبر إلباسه العبائة الكنسية-العبادية المحبذة اجتماعياً، فكل من لا يلبس هذا الرداء المقبول مجتمعياً هو خارج عن الإطار وعدو لله وللدولة وللمجتمع. فمن محاكم التفتيش المتسامحة جداً والأخلاقية للغاية، إلى الحملات الصليبية التي لعبت على أخلاقيات الفقراء كثيراً وتعلقهم الفطري بالدين-الأخلاق، إلى آراء مارتن لوثر الغريبة (مثل قوله عن المرضى العقليين بأنهم ممسوسين ويجب اعدامهم قبل تفشي خطر الشيطان بهم). الأخلاقية إذن هي أن تكون مسيحياً صرفاً في القانون المسيحي كما الأخلاقية في المانوية هي أن تنتقي طبقتك وتحافظ عليها وعلى من فيها، الأخلاقية هي أن تسير كما يرى المجتمع وليس كما ترى أنت.
وبطبيعة الأحوال فإن اليهودية كدين لا تسلم من هذه اللعبة الأخلاقية المدهشة، فهي تنهج نفس السياسة والشكل. فكل الغرباء من أتباع الاتجاهات والديانات والأفكار الأخرى هم من الغوييم أي التعبير الذي يساوي معنى الحثالة بلغة أخرى. وكذلك هي الأخرى تتأرجح بين منطق "اقتل كل نفس فيها بحد السيف" إلى منطق يوشع بن نون الذي ترجى الرب "يهوه" لكي يبقي الشمس في السماء كي يتمكن من الإيفاء بوعده له من خلال قتل كل النفوس الموجودة في المكان. فالأخلاقية غريبةٌ للغاية في دين سماوي يفترض أنه متسامح، وراقي وبعيد عن الهمجية الحيوانية. ولكي لا تبدو رؤيتنا قاصرة، ننظر إلى الفكرة الدينية-الأخلاقية اليهودية كفكرةٍ مجردة. إنها دينٌ قاسٍ يربط الإنسان بإله لديه قوانين غريبة. لماذا تقتل كل هذه النفوس وبهذا السفك العالي للدماء؟ ثم ما هو عقاب من لا ينتمي إلى هذا المجتمع الأخلاقي، بطبيعة الأحوال وكغيرها من المجتمعات التي سبقت أو لحقت، الموت أو العداء المميت.
نقطة أخرى، ونبقى في نفس الإطار الأخلاقي-المجتمعي-الديني. أتى الإسلام، وأحضر معه أخلاقاً جديدةً لشبه الجزيرة العربية، التي يحمل كل الكتاب الإسلاميين حالياً علماً هائل الحجم مكتوب عليه "جاهلية" كما لو أنه هذه الجاهلية هي كل التخلف الموجود في الكون، مع أن هذه الجاهلية العربية كانت تملك صفاتً باتت غير موجودة في المجتمع الحالي، فهل ما نحن فيه جاهلية جديدة؟ الإسلام أتى مبشراً بأخلاق جديدة، وسلوكٍ جديد، وأتى كغيره من الأديان، ليهذب السلوك البشري المتخلف(؟) ويربطه بذات الخالق الذي حاولت كل الأخلاقيات السابقة ربطه به. فحرم الإسلام الخمر الذي أباحته الديانات-الأخلاقيات الأخرى، وضبط كثيراً من الأمور، ولكنه بنفس الوقت كما لو أن الأمر مربوطٌ بسحر غريب، فلم تمض أكثر من بضع سنين حتى خرج المارد الأخلاقي نفسه من القمقم، فقطعت يد السارقين وبعنفٍ شديد، وصلب المئات، وهدمت أركان البيت الأكثر قدسية لدى المسلمين. كل هذا كان يحدث والنظام الأخلاقي يحاول أن يمسك الناس ويلجمهم. لقد صار لهذا النظام الأخلاقي مع الرؤية الإسلامية دورٌ جديد، إنه دور تهدئة الجماهير ولجمها، فمن رؤية "من لم يعرف إمام عصره فقد مات ميتةً جاهلية" إلى "إتباع أولوا الأمر منكم". إنها الأخلاقية الملزمة، إنها الأخلاقية التي تجعل نفسها قيداً، وتثقل كاهل الفرد بدرجةٍ غريبة وملحوظة.

الأخلاق كقوانين ملزمة؟
تأخذ الأخلاق في مجتمعاتنا شكل قوانين ثابتة وملزمة في كثيرٍ من الأحيان وهو شيء لا بد من الإلتفات إليه. فالأخلاق وإن كانت شديدة الدقة فهي مرنة ومطاطة بدرجة مدهشة. فمثلاً ممنوع أن تسرق قطعة شوكولا من دكانٍ صغير، بينما يحق لك أن تتاجر بالملايين وتسرق تاجراً غيرك بما يسمى بقانون "التجارة شطارة"، إنها ثنائية الأخلاق المثيرة للدهشة. أيضاً هناك ضبط آخر، ماهية الأخلاق وضوابطها الكامنة، فالأخلاق سواء أكانت دينية أو غيرها، هي قوانين ملزمة، يعني يجب أن تكون هكذا، وإلا فأنت هكذا، لا حلول وسط أبداً، ولكن عند التطبيق أي بالتعامل مع الضوابط الكامنة، تبدأ اللعبة بالتمحور بدرجة شديدة التعقيد، فيصبح بإمكانك المشي على الحبال، والضحك ليس فقط على بقية اللاعبين إنما على الجمهور بأكمله. فأنت تكون أخلاقياً وللغاية إذا ما قمت بأمر جلل، عظيم الشأن، شديد الأذى، ثم اعتذرت على الملأ، مع إظهار أقسى ملامح الحزن والإعتذار،(عبد الناصر 1967 وغيره أمثلةٌ كثيرة) إنك بهذا تحصل على التعاطف مما يجنبك وبدهاء بالغ مغبة الوقوع أمام أكثرية الأخلاق، إذاً تتحرك الأخلاق تبعاً لتحركات المجتمع، فإذا أراد المجتمع اعتبارك مذنباً، فأنت مذنب ولا أخلاقي مهما فعلت ومهما حاولت، وإذا حصل العكس، فهو العكس.
الأخلاق كقوانين ملزمة، سؤال متكامل، وهو جواب متكامل كذلك أيضاً، فالأخلاق التي تكتسب بعداً دينياً منذ اليوم الأول لخلقها، فهي وبسرعة شديدة، تلبس عباءة السلطة، فهناك السلطة الأخلاقية، وهناك أخلاقية السلطة، وكلاهما يمسيان وجهان لعملة واحدة. فالبروتوكول مثلاً الذي هو أخلاقية التعامل مع الحكام، هو أخلاق في البداية والنهاية وقبل أي شيء، ولكن البروتوكول نفسه يختلف حينما تتعامل دولة عظمى شديدة الأهمية مع واحدة تساويها أو أخرى ضعيفة لا تساوي شيئاً. الأخلاق هي قوانين ملزمة إذا أردنا ذلك، وإذا كنا ضعافاً فحسب.
الأخلاق إذاً هي ضوابط تمسك الكائن البشري وتحجمه، لتدفعه للتموضع إجتماعياً، ولكي يوضع ضمن قالب معد سلفاً، إنه كالماكينة الحزبية لأي حزبٍ عقائدي، تخلق أناساً متشابهين، كأي ختم يوضع على رأس كل الأتباع الدينيين الصرفين. إنها الأخلاق التي قال عنها الشاعر يوماً: إنما الأمم الأخلاق؟ لكن هل يا ترى قصد بالأخلاق الضوابط التبعية؟ لربما.
انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني



#عمرو_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد: مظاهرات غاضبة في أرمينيا تطالب رئيس الوزراء بالاستقالة ...
- بوتين للغرب.. لن نسمح بتهديدنا وقواتنا النووية متأهبة
- إصابة عنصري أمن بالرصاص داخل مركز للشرطة في باريس
- -إصابة شرطيَين- برصاص رجل داخل مركز للشرطة في باريس
- مصر.. أسعار السلع تتراجع للشهر الثاني على التوالي منذ -تعويم ...
- ألعاب نارية مبهرة تزيّن سماء موسكو تكريما للذكرى الـ79 للنصر ...
- -هجوم جوي وإطلاق صواريخ متنوعة-.. -حزب الله- ينشر ملخص عمليا ...
- روسيا تجهز الجيش بدفعة من المدرعات وناقلات الجنود المعدّلة ( ...
- شاهد: لحظة اقتلاع الأشجار واحدة تلو الأخرى بفناء منزل في ميش ...
- شاهد: اشتعال النيران بطائرة بوينغ 737 وانزلاقها عن المدرج في ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عمرو عبد الرحمن - بين أبجدية الأخلاق وأخلاقية المجتمع