أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سويم العزي - الازمة السورية وتعقيداتها















المزيد.....


الازمة السورية وتعقيداتها


سويم العزي

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 18:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الازمة السورية وتعقيداتها
كيف للباحث السياسي بحث ما يجري في سوريا بشكل موضوعي بعيدا عن المعطيات المجانية والتشنجات العاطفية ؟ هذا هو السؤال الذي نطرحه ونحاول من خلاله التوصل الى معرفة ماذا يجري في هذا المجتمع الذي بقى طوال اربعين سنة ،ورغم استخدام العنف بين الفينة والأخرى ، محافظا على صفته الرئيسية كنظام نجح في عملية المساومة بين الاطراف المكونة للقوى السياسية والاجتماعية ، مساومة تعكس فهم السلطة بان السياسة هي فن ادارة شؤون المجتمع .ما هي اسباب هذا التغيير وما هي نتائج هذه الازمة على المستوى الدولة والعلاقات العربية منها و الدولية .
في البداية لابد لنا تحديد معنى الازمة. فالأزمة تشير الى حالة القطيعة داخل مجال او حقل معين .فقد يكون هذا الحقل سياسي او اجتماعي او اقتصادي او ثقافي او نفسي ويمكن ان تتداخل كل هذه الحقول فيما بينها حيث تتعقد الروابط في مكونات كل حقل مع مكونات الاخر وتقود النتيجة الى صعوبة الوصول الى حلول مقنعة . بعبارة اخرى تشير كلمة الازمة الى حالة التناقضات وسيطرة عدم اليقين كنتيجة للاختلال التوازن داخل اطار او حقل معين الذي يتعمق بسبب تعقيدات اسبابه ونتائجه .فمثلا الازمة السياسي تشير الى تلك القطيعة بين واقع المؤسسات السياسية للنظام وبين الواقع او المحيط السياسي . وعليه فالوقوف عند كلمة الازمة السياسية لنظام ما تظهر وجود اربعة عوامل تشخص وجودها وهذه العوامل هي :-
1- هناك تغير في البيئة الداخلية والخارجية
2- هذا التغير يشكل تهديد للقيم الاساسية التي يستند عليها النظام
3- يقود وجود التهديد الى احتمال التورط في اعمال عدائية
4- مع عدم استجابة سلطة النظام بسرعة لمطالب التغيير يتحول التهديد الى واقع يأخذ له شكل ردود فعل وقع تأثيرها يمكن لها ان تهدد البيئة الخارجية اذا تمكنت من خلق الاختلال بين روابطه والذي يقود الى القطيعة اذا ما تشنجت هذه الروابط بين النظام والبيئة الخارجية.
ان المقصود بوجود معالم التغير في البيئة الداخلية يعني حدوث شروخ في الارضية التي يستند عليها النظام تتجسد في عدم قدرة الاليات الايديولوجية التي يتبناها في مواصلة احداث الاستجابات الايجابية لدى القاعدة ،لان الهدف من وراء استخدام الاليات الايديولوجية هي لضمان استمرار النظام وسلطته. بعبارة اخرى تعكس الشروخ داخل النظام السياسي ، وجود التفاوت النوعي في مستوى مطالب القاعدة ونتاج سياسات السلطة ، فيما تأمل به القاعدة وما يخرج عن السلطة باتجاهها من قرارات لا يتوافق مع ما يطالب بتحقيقه .وهذا الاختلاف في المستويات يشكل مصادر البؤر للتحرك السياسي المعارض لسياسات السلطة .حيث تترجم هذه البؤر عدم استجابة القاعدة للسياسات السلطة تلك التي تتجسد بقيام القطيعة بين السلطة والقاعدة ، وتشخص بحالة التشكك في معطيات التي تطرحها السلطة بسبب تفضيل السلطة وجودها السلطوي على حساب الاهداف الايديولوجية للنظام بعبارة اخرى ان كان غرض استخدام مبادئ الايديولوجية هو الحصول على شرعية وجودها عبر سلسلة الاجراءات التي تتخذها السلطة لتغير او لتحديث البيئة الداخلية ، فتفضيل السلطة وجودها على حساب مبادئ الايديولوجية ، يعني استغلال المبادئ لصالح القائمين على السلطة ويجب الاشارة هنا والتأكيد عليه بان ليس كل تشكك في معطيات السلطة ووجود التفاوت بين مطالب القاعدة ونتاج السلطة يقود الى القطيعة .فالعملية السياسية لأي نظام تذهب للتوفيق بين الاثنين عبر سياسات المساومة وفشلها او عجزها عن تحقيق ذلك يفسره وجود في بعض الاحيان ،تلك التظاهرات التي تجوب في الشوارع . ولكن القطيعة تتم عندما يكون هناك تفضيل لوجود السلطة على المصالح العامة بشكل واضح وجلي . وهذه مشكلة كل الانظمة التي اعتبرت حزبها كالطليعة الثورية وأطلقت على نفسها بالتقدمية وهي حالة كل الانظمة التي اتخذت بنظام الحزب الواحد بدء من الاتحاد السوفيتي وانتهاء بالدول العربية
اما المقصود بالتغيير الذي يهدد القيم الاساسية هو ذلك الحدث الذي يأخذ له اشكال متعددة تبعا لطبيعة علاقة النظام مع قاعدته الداخلية والذي وراء احداث القطيعة مع قيم النظام السياسي تلك التي استند عليها في بناء نظامه .وهذا الحدث وان كان له ارضية مشتركة مع تفاضل السلطة بين وجودها ووجود مبادئ ايديولوجيتها ،غير ان الصفة التي تطبعه هو في كون تطوره – اي الحدث – يكون بشكل بطيء ويتفاعل تحت السطح مع متغيرات ليس فقط داخلية وإنما ايضا خارجية ، حينما تكون هناك نقاط تقاطع بين ما هو داخلي وخارجي يمكن اعتبارها – اي نقاط التقاطع - كحاصل تحصيل لتعامل مختبري لوضع ما مع الواقع السياسي ، فتفعل هذه النقاط من حركية هذا التطور البطيء ليأخذ له زخم في تحوله الى تحرك تتنوع درجات قوته مع عمق الاسباب التي كانت وراء تطور الحدث ومع التعامل السياسي معه وهناك ثلاث وسائل للتعامل مع مثل هذه الاحداث :
- فإما تؤخذ السلطة المبادرة بتغيير الاليات التعامل السياسي بقيام بتغيير نوعي على المبادئ الايديولوجية التي تتحكم في البناء السياسي وذلك عبر سياسة الانفتاح الكامل على البيئة الداخلية او عبر سياسة تطعيم السلطة بعناصر جديدة كمرحلة للوصول الى حالة الانفتاح الكامل.هذا ما حاول القيام به كربوشيف في الاتحاد السوفيتي قبيل زواله وما يحاول القيام به النظام المغربي وذلك منذ وفاة الحسن الثاني .
- او انها ترفض الاستجابة لمطالب البيئة الداخلية في تقليلها من دور عنصر المفاجئة في احداث التحرك السياسي لتصورها السلطوي ، بان السياسة هي عملية رقابة وسيطرة فقط وليست هي عملية توزيع المصالح - حتى ولو افترض ان هناك عملية توزيع فأنها في غالب تذهب الى صالح القائمين على السلطة ومجموعتها- .لذا فان تعاملها مع مطالب البيئة يقوم على استراتيجية استبدال وتفضيل التعامل الوقتي ونتائجه على التعامل البعيد المدى لان فاعلية التعامل الوقتي له القدرة على تخدير حركية التطور بالمكتسبات الانية . بمعنى اخر تتجاهل السلطة هنا الاسباب الرئيسي وراء التحرك السياسي .وهذا بالضبط مع ما حدث مع مصر وتونس
- رفض الاستجابة للمطالب ورفض التعامل السياسي الوقتي معا يعني ، تجاهل سلطة النظام للظروف النوعية الجديدة سواء كان ذلك في الداخل او مع الخارج والتمسك بشكل متطرف بالسلطة. ويعني هذا ان هناك على مستوى القيم الاساسية للبيئة الداخلية تعارض وتناقض مع توجهات قيم الايديولوجية للنظام تكمن وراء هذه الوضعية . فهناك على مستوى القاعدة ردود فعل قوية ضد قيم الايديولوجية التي لم تعد قادرة على اشباع تطلعات القاعدة وذلك بسبب : اما جمود هذه القيم في اطارات شكلية فقدت فاعليتها السياسية بسبب التصرف النوعي للسلطة الذي افرغها من قدرتها التعبوية ، او ان هناك عجز في مواكبة تطور هذه القيم للظروف بسبب التخوف من فقدان القائمين على السلطة لمواقعهم السياسية .وهذا ما حدث في الاتحاد السوفيتي كمثال .ان العجز في مواكبة التطور يدفع بالقائمين على السلطة الى التخندق في اطارات بديلة لما ما هو منصوص عليه في قيم ايديولوجية النظام. والقول بعملية التخندق يعني الدفاع المستميت على الوجود في اللجوء الى العنف كوسيلة للتعامل السياسي بدلا من المساومة التي هي في جذور مفهوم السياسة ن بمعنى توزيع المصالح والمنفعة العامة بين الاطراف البيئة السياسية ، حسب الظروف والإمكانيات . فالوصول الى هذه المرحلة اي العنف يعني وصول النظام الى عتبة الانهيار لان اللجوء الى العنف يعني افراغ النظام من كل الاليات التي كان يستند عليها للحصول على شرعية وجوده . وهذا ما يحدث حاليا في سوريا.
ان ما يحدث في سوريا يعكس في الواقع حالة القطيعة بين السلطة والبيئة الداخلية ، قطيعة تكمن اسبابها ليس في المطالبات البيئة بالإصلاحات السياسية لان هذه المطالبة هي حاصل تحصيل تلك الاسباب التي بقت تتفاعل تحت السطح وهذه الاسباب هي :-
1- التغيير النوعي في التعامل السلطة مع ايديولوجية نظامها .فالكل يعرف ان جوهر عقيدة النظام تتركز على وحدوية المجتمع العربي . هذه العقيدة ومن بعد التغيرات السياسية في العلاقات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، الذي كان النظام يرتكز عليه في تبرير سياسته كصراع بين معسكرين : قوى ثورية وأخرى رأسمالية واستعمارية ، هذا التبرير لم يعد يملك الفاعلية في تعبئة القوى الداخلية وراء النظام ، وذلك بسبب تداخل التبعية المتبادلة بين الدول كنتيجة لعولمة العالم . ففقد الوجود الثوري للنظام قاعدته التعبوية عندما فقد التبرير الفكري الذي يستند عليه في جمع الاطراف السياسية من حوله ، القدرة في استمرار تأثيره
2- ان فقدان القاعدة الفكرية لإيديولوجية النظام وجودها يعود سببه ايضا الى ذلك التحول النوعي في تصرف السلطة اتجاه فكرها ، بمعنى تغيير نوعي داخل سلطة النظام نفسه وليس بسبب عوامل خارجية .ففي الوقت الذي كانت تدعو فيه الى وحدة المصير العربي ، فان تصرفها باتجاه القضايا القومية منذ الحرب العراقية الايرانية ومرورا بمواقفها بخصوص الاحتلال العراقي للكويت الى جانب القوى الغربية وانتهاء بالغزو الامريكي للعراق ، يضاف الى ذلك عدم التحرك الفعلي ضد الهجمة الاسرائيلية على غزة، عمقت كل هذا المواقف حالة الطلاق بين القاعدة وبينها ومن بين مؤشراته ان فكرة وحدوية المصير القومي التي استند عليها النظام وكانت محور تحركه الايديولوجي اصابها الذبول بسبب مواقف السلطة اتجاهها في استهلاكها الدعائي لها واستنفاذ قدرتها الفاعلية على التحرك ، فلم يعد هناك اي توافق بين المبادئ الايديولوجية ومواقفها التأييدية لكل ما حدث في العالم العربي من تغييرات ، يضاف الى ذلك ان فكرة وحدوية المصير لم تعد قادرة على منح النظام شرعية تواجده وذلك بسبب تزايد عمليات التوافق بينه وبين البيئة الخارجية المهددة له او التي يفترض انها مهددة له فيما يخص القضايا المصيرية ،مثال على ذلك الغزل الذي قام بين النظام السوري والنظام الفرنسي الذي كان يعتبره من بين عوامل المعرقلة لاستقرارية النظام في لبنان وكذلك في مواقفها مع امريكا . لذلك فان الطلاق لم يحدث بشكل مفاجئ بل كان نتيجة التطور البطيء لمشاعر اليأس التي باتت تتفاعل تحت السطح.
3- التغيير النوعي لتصرف النظام تجسد في ابدال النظام لقواعد اللعبة السياسية الدولية في احلال التناقضات المذهبية بدلا من التناقضات العربية الاسرائيلية .عملية لم يجبر النظام عليها بسبب الضغوط الخارجية بل بحكم الضرورة التي فرضها عليه التآكل الداخلي لمفاهيمه القومية . ففقدان معطيات الصراع مع الغرب ، من جهة ومن جهة اخرى ، فقدان اهمية الوجود القومي الذي ربط النظام وجوده بها ، هاتين القاعدتين لم تعد قادرتين على توفير للنظام تلك الفاعلية في التحرك على المستوى القومي بسبب زيادة درجات التوافق العربي الغربي بشكل كبير منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، فلم يعد امامه ولغرض المحافظة على وجوده إلا في البحث عن ارضية ثانية تضمن له اكبر دعم نوعي ليس فقط على مستوى البيئة الداخلية وإنما ايضا على المستوى الخارجي وذلك عبر تلاقي نقاط التقاطع الفكري مع قوى دولية او حركات لها نفس الاتجاهات التي يحملها قيادي النظام. فسجن النظام نفسه عندما وقع في تناقضات مع ايديولوجيته عندما تبنى المذهبية كأرضية يستند عليها وكآلية في تعبئة القوى المؤيدة له . فلم يعد محور الصراع عربي غربي اسرائيلي هو المحرك الرئيسي لسياسته بل حل محله الدفاع عن الوجود المذهبي ،وانعكاسات هذا التحول النوعي على السلطة في تخندقها على نفسها بحكم الضرورة. وضعية عمقت من مشاعر القطيعة بينه وبين القاعدة والتي كانت تتطور تحت السطح في بطئ شديد ومنحتها هذه الوضعية قوة وزخم تجلت في المطالب بإعادة توزيع المنافع بشكل يضمن للكل نفس درجات الاشباع وليس في حصرها على مجموعة واحدة .ان عدم استجابة النظام لهذه المطالب تعني تعرض وجوده الى الخطر لان الاستجابة بالنسبة له ، لها تعني التنازل عن مكتسباته التي حصل عليها عبر حصر السلطة بيده . لذلك فالقبول بهذه الشروط يعني فقدانه للسلطة ليست كسلطة سياسية فقط وإنما ربط ذلك ومنذ تلاقي نقاط التقاطع مع المواقف المذهبية مع دول ثانية ، فقدان المذهب وجوده . بعبارة اخرى استغل النظام السياسي قرابة اربعين سنة او اكثر الفكر القومي للبقاء في السلطة ، يستغل الان المواقف المذهبية لإغراض البقاء في قمة الهرم السياسي . والسؤال الذي يطرح الان هو ما هي انعكاسات هذا التحول على النظام وفي علاقته مع الخارج ؟ من بين نتائج هذا التحول هناك :-
1- هشاشة وجود الدولة كدولة. ففي عالم اصبحت فيه التبعية المتبادلة للسيادة الصيغة المتعارف عليها في العلاقات الدولية ، هذا التعارف يفترض ان تتمتع الدولة على قدرة في المناورة لضمان هذه التبعية لتفادي ان تقع في التبعية الكاملة لقوى دولية مالية او سياسية ، لان الوقوع يعني فقدان الدولة لسيادتها على البلد بشكل فعلي ، كما هي الحالة في العراق رغم كل التبريرات التي تعطى وتقدم للدفاع على حقيقة سيادته . فهذا البلد فقد كل مبادرة للمناورة السياسية بشكل ذاتي دون ان يكون وراء الاخذ بها ضغط من قبل قوى يفترض لها ان تكون بعيدة عن لعب اي دور سياسي لها ، مثال على ذلك نصائح المقدمة من قبل ادارة حاكمية المذهب في النجف للنظام بفتح الحدود امام الفارين السورين للدخول الى العراق . اذن تشير هذه الوضعية الى هشاشة اسس الدولة التي اصبحت مسرحا للصراعات السياسية في حين يفترض ان تكون السلطة هي مركز الصراع السياسي لأنها تمثل النظام . ويجب الاشارة هنا بان الدولة هي بناء تجريدي لا تتغير قواعد وجودها بتغير النظام بدليل انهيار النظام السوفيتي لم يؤثر على وجود الدولة في روسيا اليوم فالدولة مازالت قائمة غم زوال النظام.
2- في الواقع ان فكرة التبعية المتبادلة تشير الى تلك العلاقة التي تتحكم بين ادارة حاكمية العلاقات الدولية والصراع والتطور ، بمعنى ضمان ادارة المردودية الايجابية للعلاقات بين الدول. فضمان هذه المردودية يتوقف على العلاقات الايجابية بين الدول التي تحاول بجهد امكانياتها تفادي الصراعات الدولية خصوصا تلك التي تتطور داخل البيئة الداخلية ، والتي تأخذ لها ابعاد دولية ، كما هي الحالة في سوريا ، صراعات مذهبية داخلية لها وقع خارجي ، بسبب كما ذكر تقاطع بين اسس هذه الصراعات مع الخارج.ان غرض تفادي الصراعات هو للاستفادة من غيابها لتنمية التطور الداخلي لمختلف القطاعات الحيوية في كل بلد . فأي خلل في هذه العلاقات يقود الى نتائج سلبية تنعكس على التطور الاقتصادي للبلد وتنمية قطاعاته . فدخول سوريا في صراعات مذهبية لها ابعاد دولية سينعكس نتائجها على اسس الدولة في خلق تلك الهشاشة التي ستمنع النظام من الاستفادة من المناورة التي سمحت لها التبعية المتبادلة لتنمية اقتصادها مع امكانية وقوعها تحت التأثير السياسي لقوى دولية معينة تستخدمها كآليات للعبة دولية هي لا دخل فيها اصلا . وبالتالي ستفقد ليس فقط فاعليتها السياسية بل وأيضا شرعية وجودها ليس فقط بسبب علاقاتها مع قاعدتها بل ايضا بسبب الشرط الذي يفرضه النظام الدولي في الاعتراف الدولي بالدول ضرورة توافر السيادة كشرط اساسي في الاعتراف .
3- المساهمة في خلق الفوضى على المستوى العربي. ان من بين نتائج الازمة السورية هي حالة الفوضى التي ساهمت في خلقها على المستوى العربي في رفض اي مساومة عربية لحل الازمة ، ليس لأنها رأت بذلك تدخل في شؤونها الداخلية ، بل لأنها فسرت هذا التصرف كمحاولة للقضاء على وجودها المذهبي . وهذا الرفض هو الذي كان وراء تدويل الازمة بمعنى اخراجها من واقعها المحلي لتصبح ازمة صراع مذهبي عربي عربي . وكما هو معلوم ان الصراعات المذهبية تختلف عن الصراعات الفكرية من زاوية امكانية التوصل الى خلق تأليفة فكرية في حالة الصراع الفكري بين متناقضات معطياته ، تأليفة تعكس حالة المساومة الفكرية بين المعطيات المتناقضة التي لا يرتبط ولا يستند وجودها بأي تكوين اجتماعي ،في حين الصراع المذهبي يرتكز قبل كل شيء على اهمية الوجود الانساني لمجموعة في صراعها من اجل البقاء تتحكم في معطياته ليس فكر المجموعة ، بل وجود المجموعة التي خلقت فكرها لغرض التباين عن الاخرين . لذلك فان عنف الصراع المذهبي له عمق اكبر من الصراع الفكري يتمثل في استحالة التوصل الى حلول وسطية دون ان تؤثر هذه الحلول على الوجود المذهبي لكل طرف. وفي نهاية الامر ان عمق الصراع بينهم يقود الى اضعاف وجود الجميع وتعريض هذا الوجود الى القبول بتأثيرات الخارجية لدعم بقاءها وعلى حساب المصلحة العامة للجميع مما يعني ان الازمة الحالية ستقود الى اضعاف الوجود العربي نتيجة الفوضى التي تخلقها وبضياع كل الجهود المضنية لتثبيت هذا الوجود على المسرح الدولي .اي العودة الى مرحلة ما قبل الاستقلال من ضعف وعجز .وهذا ما يجري الكلام عنه الان في وضع صيغة جديدة لخارطة العالم العربي بدأت خطوطها العريضة مع احتلال العراق ومرورا الان مع سوريا من خلال ما يسمى بخارطة الطائف الثانية ، اي تقسيم العالم العربي على شكل ما تم الوصول اليه من حلول بالنسبة للبنان لإنهاء خمسة عشرة سنة من الصراع الدموي الطائفي .
4- ان وقوف بعض القوى الدولية مع النظام لا يفسر فقط عبر اهمية المصالح الاقتصادية بل يجب الاخذ بنظر الاعتبار ايضا مواقف هذه القوى من فكر معين بعبارة اخرى ان الصراع الجيوايكونوميك – بالعربي الصراع الجغرافي الاقتصادي - لا يتحدد فقط في البحث او الدفاع عن المصالح السياسية الاقتصادية بل يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار ايضا الصراع الجيوبولتيك ، والمقصود به ضمان المصالح السياسية والفكرية والتي تتمثل هنا ، بكيفية دفاع الدول ضد المجموعات التي تحمل فكر معين والتي تهدد الاستقرار السياسي لأنظمتها واقتصادها ، بسبب تكاليف المادية التي ستنفق لغرض المحافظة على الامن والاستقرار السياسي. فمواقف الروس والصينيين من المجموعات الاسلامية العربية له علاقة مع مواقفهم مع الاقليات الاسلامية وتحركها السياسي في هذه البلدان. فسلوكية هاتين الدولتين محكوما بتلك المقولة التي تذهب الى ان عدو عدوي صديقي ، اي ان تخوف من صعود التيار الاسلامي ونجاحه على المستوى الدولي هو وراء مواقفهم السياسية. فهاجس نجاح هذه التيار و انعكاسات تأثيره سيعطي نوع من الزخم ليس بالضرورة مادي ، بل زخم نفسي وفكري للأقليات الاسلامية ، يمكن له ان يهدد من شرعية الايديولوجيات السياسية لهذين النظامين .والحال كذلك بالنسبة للغرب ، فان عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالتعامل مع النظام السوري يكمن وراءه التخوف من نجاح وصول الاسلاميين الى السلطة مع امكانيات التطرف الذي سوف يهدد ليس اسرائيل والمصالح الغربية بل وأيضا في تعميق من تطرف مشاعر المتطرفين الذي يشكلون حاليا بالنسبة لهم مصدر قلق على المستوى العالمي والإقليمي ، علما ان زيادة التطرف يكمن وراءه زيادة غموض المواقف اتجاه التعامل مع قضية معينة . لذلك فالمماطلة في التعامل مع النظام السوري او بطئه اليوم يهدف الى تحقيق احد الامرين:اما الى انهاك القوى المتصارعة ويعني الانهاك ظهور الملل وسيطرة التعاسة واليأس على النفوس حيث ستدفع هذه الاوضاع في نهاية الامر الى تفكك مشاعر الدافعة للصراع وذبول فكر كل الاطراف نتيجة التكاليف الانسانية والاقتصادية والقبول في الاخير ما يطرح عليهم من الخارج وفي هذه الحال سوف لن نكون بعيدين عن محاولات اعادة استعمار الشعور عبر مشاعر اليأس ، بعبارة اخرى استعمار العالم العربي بدون ان اي تكاليف مادية وإدارية وإنما عن طريق قبول الشعب العربي برسالة الخلاص التي تأتي عبر الخارج ،بكل طوعية . او انها يهدف الى فرض واقع معين يشل كليا من قدرة الدولة والنظام والمجتمع على استمرار وجود الدولة كدولة لها تأثير سياسي وعلى النظام وعلى المجتمع في صيرورة وجوده كمجتمع متوحد ومندمج ، بإحداث صيغة توافقية شكلية على غرار ما موجود في لبنان عبر صيغة سياسية يراد لها ان تكون توافقية . ان نتائج هذا الحل لن تحدد بسوريا فقط ، وإنما سيكون له صدى في العالم العربي كتجربة سياسية حديثة في التعامل الدولي لإنهاء كل الصراعات المذهبية والدينية والقومية على المستوى العربي والعالمي . بمعنى اخر ان ازمة النظام في سوريا ستقود في نهاية الامر اذا ما استمرت الامور على ما هي عليه الى تقسيم جديد للعالم العربي وهذا ما يجري الكلام عنه الان في وضع صيغة جديدة لخارطة العالم العربي بدأت خطوطها العريضة مع احتلال العراق ومرورا بسوريا من خلال ما يسمى بخارطة الطائف الثانية اي تقسيم العالم العربي على شكل ما تم الوصول اليه من حلول بالنسبة للبنان لإنهاء خمسة عشرة سنة من الصراع الدموي الطائفي وأما على المستوى الدولي فالوضع الجديد الذي سيتمخض من هذه الخارطة سيأخذ كمثال لدعم التعامل في مناطق اخرى في العالم تعاني من صراع الاقليات قومية كانت او دينية او طائفية اي نتائج الازمة السورية ستصبح مصدر لتعامل الدول مع اقلياتها ..



#سويم_العزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعنت السياسي للقيادات العربية بالسلطة
- الديكتاتورية الإستبدادية في الإتحاد السوفيتي


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سويم العزي - الازمة السورية وتعقيداتها