أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - يوسف رزين - عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -















المزيد.....

عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -


يوسف رزين

الحوار المتمدن-العدد: 3862 - 2012 / 9 / 26 - 17:53
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لا أزعم أنني مطلع على جميع كتب الاستاذ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل و الاحسان أكبر الجماعات الاسلامية بالمغرب و المعارضة القوية للنظام المخزني الحاكم. كل ما هنالك ان الفضول المعرفي ساقني الى قراءة أحد كتبه : نظرات في الفقه و التاريخ . و الذي اشعر انه يشكل عصارة فكره . سفر صغير ، لكنه كثيف في معانيه و أفكاره. و في هذا المقال سأحاول أن اقدم قراءة لهذا الكتاب الهام ، لكن من منظور حداثي . بعبارة أخرى سأحاول تحديد نقاط الاتفاق الممكنة بين الحداثة
و مشروع عبد السلام ياسين الفكري و السياسي . قد يستغرب البعض لهذا الكلام ،
و يقول ما لعبد السلام و الحداثة ، و كيف يعقل ان يجتمع الاصولي و الحداثة في مكان واحد ؟ و الجواب هو أن الحداثة ما كان لها ان تستوطن في بلاد الغرب لولا أشخاص قاموا بالاصلاح الديني اللازم للمسيحية فانقلبت من دين يشل طاقات الانسان إلى دين يفجرها على يد جون هوس و مارتن لوثر و جون كالفن . بعد ذلك سيأتي مفكرو الحركة الانسية و فلاسفة الانوار ليأخذ قطار الحداثة في اوربا طريقه نحو الامام. إذن في منطقتنا العربية الاسلامية لا مفر من المرور من نفس المرحلة . أي مرحلة الاصلاح الديني ، لتأتي بعد ذلك باقي مراحل التحديث. و هذا ما لاحظته كباحث لدى قراءتي لكتاب الاستاذ : نظرات في الفقه و التاريخ . و من الغباء
و الاهمال الفادح تجاهل ما جاء فيه من طرف الحداثيين.
بعد هذه المقدمة لا بأس من ان نمر الى صلب الموضوع المراد دراسته . ففي هذا الكتاب يعرض الاستاذ نظرته للاصلاح الفقهي و السياسي لدى المسلمين . فهو أولا لا ينخدع بفكرة عدالة الصحابة و ينتقد بصراحة الصحابي معاوية بن أبي سفيان ، معتبرا اياه مؤسسا للحكم الجبري و منحرفا عن المنهاج النبوي ، كما يدعو إلى البحث في احداث الفتنة الكبرى و مقتل عثمان لفهم الانكسار التاريخي ، على عكس ما يفعله الفقهاء السنة من تعديل للصحابة و نهي عن الخوض في احداث الفتنة الكبرى . إذن نحن امام فقيه يسمح بفتح باب الشك في المسلمات و عدم القبول الا بما هو راسخ و متين ، أما أن نؤمن بجملة من المتناقضات و نقبل بها رغما عنا فلا.
إذن هذا موقف نقدي إيجابي يشكر عليه الاستاذ و إن كنا نقترح توسيع هذه المساحة المحررة من العقل الاسلامي من طرفه لنشك في جميع المسلمات
و الشخصيات التاريخية المقدسة ، لنعيد بناء ديننا و تاريخنا وفق أسس متينة. بعبارة أخرى يجب ألا تكون عندنا منطقة من اللامفكر فيه في التراث الاسلامي . كل شيء في هذا التراث يجب ان يخضع للنقد فلا يبق إلا ما هو صحيح.
بعد ذلك ينتقل بنا سماحة الشيخ إلى مسألة الفتاوي الفقهية الصادرة عن فقهاء الاسلام عبر التاريخ الاسلامي ، فيعبر صراحة أنها فتاوي تاريخية ، اي انها بنت ظروفها التاريخية و السياسية و الاجتماعية و حتى النفسية بالنسبة للفقيه الذي اصدرها . لهذا يجب وضعها في سياقها التاريخي العام ، و انه من الخطأ اسقاطها بكل تعسف على واقعنا المتغير و المتجدد باستمرار . و مادام الاستاذ يرى ذلك فلماذا لا نوسع هذا المفهوم ونتعامل مع مع النصوص القرآنية خصوصا أيات الحدود على انها أيات نزلت في سياق تاريخي معين و انه إذا طبقناها في عصرنا الحالي دون إدراك للسياق التاريخي الذي صدرت فيه نكون متعسفين في حق الناس و متجنيين عليهم ؟ مجرد سؤال ، لكنه سؤال في نظرنا يستحق النقاش.
مسألة اخرى لا تغيب عن نباهة الشيخ ، و هي التناقض الحاصل بين أحكام القرآن و أحكام السنة ، و هو ما يسميه بتناقض التشبثين . فالقرآن يدعو إلى العدل
و الاحسان و الاحاديث النبوية تدعو الى الرضوخ للحاكم مهما تجبر ! تناقض و إن أدركته فطنة الشيخ إلا انه ظل عاجزا عن الحسم فيه ، فلجأ الى تفسيرات و تاويلات توفيقية واضحة الضعف ، لأنه ببساطة ، لا يمكن الجمع بينهما ( التناقضات) ، فالقرآن يقول بصريح العبارة :" و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار و مالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " الاية 113سورة هود ، ثم يقول أنه سيعاقب هؤلاء الراكنين و سيحشرهم مع الطغاة :"و قالوا ربنا إنا اطعنا ساداتنا و كبراءنا فاضلونا السبيلا " الاية 67 سورة : الاحزاب ، بل ان القرآن لا يجعل عذرا للمستضعفين عن سكوتهم :" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا" الاية 97 سورة النساء . إذن الجمع بين التشبثين سيكون ضربا من التعطيل الواضح للنص القرآني و هو الامر الذي عالجه الامام الشاطبي و غاب عن ذهن الاستاذ عبد السلام ياسين . فالشاطبي لاحظ بدقة فوضى الاحكام الفقهية في عصره و فهم أن ذلك راجع إلى تضارب المصادر الاسلامية فيما بينها ، فقام بحل المشكل ، بأن وضع قاعدة لاستخراج الاحكام تقوم على ترتيب المصادر حسب قوتها . فالقرآن يقع في اعلى مرتبة يليه الحديث ثم يليه الاجماع ثم القياس ثم العرف ، بحيث إذا تناقض مصدارن نأخذ بالمصدر الاقوى . قاعدة لا نملك إلا ان نثمنها نحن معشر الحداثيين لانه كما هو ملاحظ ، فإن أحكام القرآن تتسم بالتقدمية بينما أحكام الحديث تتسم بالرجعية . فالقرآن يدعو الى الثورة على الطاغوت و الحديث يدعو الى القبول به و القرآن يقبل بحرية الاعتقاد : " لا اكراه في الدين " الاية 256 سورة البقرة ، " ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم و لا ليهديهم سبيلا " الاية 137 سورة النساء ،" و لو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " الاية 99 سورة يونس ، و الحديث يرفض هذه الحرية " من بدل دينه فاقتلوه" إلخ من الاحكام مما يجعلنا نثمن هذه القاعدة الشاطبية و ندعوا إلى اسقاط جميع الاحاديث التي تتناقض مع احكام القرآن و ندعوا سماحة الشيخ الى عدم اهمال هذه القاعدة مادام هو نفسه يعترف للشاطبي في اكثر من موضع من الكتاب بالأستذة .
ثم ينتقل بنا الشيخ بعد ذلك إلى الحديث عن مسألة بالغة الاهمية في عالم المسلمين السنة ، و هي الموقف من الاخر الشيعي ، فالشيخ لا يفوته حجم الدمار الحاصل في بلاد الاسلام بسبب التعصب المذهبي . فالحرب الايرانية العراقية خلفت اكثر من مليوني قتيل و اربعة الاف مليار دولار كخسائر مادية . رقم فظيع أليس كذلك ؟ بل و مازالت الفتنة المذهبية تفعل فعلها في بلاد الاسلام إلى يومنا هذا . الشيخ هنا يعلنها دون مواربة ، يجب ان نقبل بالاخر الشيعي ، كفانا تطاحنا ، كفانا فتنة . أضرار التسامح أقل بكثير من أضرار التعصب . الشيخ بموقفه التقدمي هذا ، و بمده يد المصافحة لاخيه الشيعي ، يقدم – في نظرنا- على اول حركة مسكونية في العالم الاسلامي شبيهة بالحركة المسكونية في أوربا التي انهت التطاحنات الدموية بين الكاثوليك البروتستانت . موقف تقدمي من الشيخ لا نملك إلا ان ننصفق له بحرارة
و نحن كحداثيين نطلب توسيع هذا الموقف ليشمل الجميع : سنة و شيعة و اباضية
و بهائيين و علمانيين و ملحدين و مرتدين و مسيحيين و يهود الخ ..هكذا تتعايش جميع الطوائف في بلاد الاسلام جنبا الى جنب في أمن و دعة و سلام . فكما سبق
و قلت : اضرار التسامح أقل بكثير من من أضرار التعصب.
و في نظرته للفقه السائد أيامنا هاته ، فإنه لا يتأخر عن انتقاده ، و فضح علته ، و هي كونه فقها تجزيئيا فاشلا . لهذا فهو يدعو إلى فقه ذو نظرة شمولية ، لكنه بحكم تموقعه في دائرة الفقهاء ، فإنه يحمل نظرة سلبية عن الفلسفة ، في هذا لا يسعني كحداثي إلا ان أقول : إذا كنت سماحة الشيخ تشكو مر الشكوى من تدهور الفقه
و وقوعه في التجزيء ، فما ذلك راجع إلا الى انهيار الفلسفة العقلانية في البلاد الاسلامية ، سواء بنكبة المعتزلة أو نكبة ابن رشد . فمن مميزات هذه الفلسفة أنها تساعد العقل على تكوين نظرة شمولية عن الوجود ، فالفلسفة تعرف بانها محاولة لوضع العالم بين قوسين . اما عندما سادت الفلسفة اللاعقلانية و دخلنا في طور العقل المستقيل ، تدهور العقل العربي الاسلامي و صار تجزيئيا ، و هو ما انعكس بالضرورة على الفقه و الفقهاء ، فصارت احكامهم هي أيضا تجزيئية .
و الواقع أن نظرة الشيخ للفقه الحالي هي نظرة واقعية مدركة لأخطائه
و مشاكله، فهو يصرح بأنه فقه تجزيئي و ايضا منفصل عن الواقع ، و الاكثر من ذلك فهو يعترف بوجود فقه سلطاني جبري ، لهذا فهو لا يجد بدا من الاستعانة بأستاذه الجليل الامام الشاطبي للخروج من الازمة التي يتخبط فيها هذا الفقه ، و ذلك باستعمال فقه المقاصد . فهذا الفقه حدد أهداف الشريعة بوضوح ، و هي حفظ الدين
و النفس و العقل و المال و العرض ، و بالتالي فإن احكامها يجب ان ان تهتدي بهذه المقاصد و إلا صارت باطلة . و نحن بدورنا نتسائل ألا يعتبر النظام العلماني و دولة المواطنة و الديموقراطية و التعددية السياسية و الدينية و التسامح متطابقة مع مقاصد الشريعة ؟ ألا تحفظ هذه الاشياء الدين و النفس و العقل و المال و العرض ؟ أليس هذا ما نجده بالضبط في البلدان العلمانية الديموقراطية ؟
و لكن من جهة اخرى يحاول عبد السلام ياسين تجاوز مقاصد الشريعة بفكرة من ابداعه ، يسميها : مطالب الشريعة . فكرة في نظرنا غير صائبة ، لاننا نرى كما قال هيغل : التحقق شرط التجاوز . و الفقه المقاصدي لم يتحقق بعد و يستنفذ اغراضه في بلاد الاسلام لكي نتجاوزه . فهذا الفقه مرحلة لم نصل إليها بعد ، و ما زلنا غارقين في فقه المقلدة على حد قول الشيخ الجليل ، و هو محق في قوله. أكثر من ذلك ، فإننا ندعوا الى حسن استثمار هذا الفقه للتحرر من الشكلانية النصية أو الحرفية التي ينتقدها الشيخ بدوره . فما دام أن مقصد الشريعة مثلا هو حفظ المال بالاساس و ليس قطع يد السارق ، أفلا يجوز لنا أن نحكم بسجن السارق بدلا من بتر يده ، دون أن نتهم بعصيان النص ؟ ألا يمكن اعتبار النص شكلا و روحا ، و مادمنا قد حافظنا على روح النص ، فلا ضير من التخلي عن الشكل ؟ ألا يمكننا انطلاقا من هذا التعامل مع النص ان نجتهد و نستنبط بشكل افضل ؟ فندرك أن النص روح و شكل مع عدم اغفال سياقه التاريخي ، فيتغير الشكل بتغير الواقع و نحافظ على روحه و مقصده ؟ فكرة اطرحها على الشيخ قصد النقاش .
أيضا في تناوله للمسائل التاريخية ، لا يسع المرئ إلا أن يعجب بقلبه المبصر
" فإنهالا تعمى الابصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور " الاية 46 سورة الحج، فالشيخ لا ينخدع بانتصارات الامويين و العباسيين و العثمانيين و التي يتخذها الفقهاء المقلدة كذريعة للتغطية على جرائمهم ، بل يعتبرها انتصارات لا تعني الاسلام في شيء لانها صدرت عن انظمة جبرية ظالمة . موقف مبدئي نشد عليه بحرارة
و نثمنه ، خصوصا و انه يقر بوجود فقه سلطاني صادر من هذه الانظمة الجبرية ،
و لهذا وجب نقد هذا الفقه . قوة بصيرة لا يمكن إلا ان نعجب بها. إذن نحن أمام إسلامين ، إسلام جبري يمجد الانظمة الجبرية و يجد لها العذر بفقه مزور ،
و إسلام الشورى و العدل و الاحسان . و الشيخ هنا يدعو إلى مراجعة هذا الفقه السلطاني و نقده. لكن يبقى شيء يجب قوله و هو أنه رغم يقظته النقدية فإنه يغفل عن الدور الذي لعبه الخوارج و القدرية في مقاومة الجبر عسكريا و فكريا . لهذا فهو يظلمهما ظلما بينا. ايضا يظلم الشيخ فرقة المعتزلة ، و يبخسها حقها ، ناسيا أنها هي من نافح عن العقيدة الاسلامية ضد هجمات المانوية و المزدكية عن طريق علم الكلام، الذي هو علم الدفاع عن العقيدة بالادلة العقلية . هذا من ناحية ، أما من ناحية مراجعة الفقه السلطاني الجبري ، فأحب ان أثير انتباهه إلى ان انظمة الجبر لم تكتف بقطع الاعناق و الارزاق ، بل امتدت يدها إلى المصادر الاسلامية و عبثت بها
و سخرتها لصالحها . لهذا من الجائز و الممكن ان تكون الاحاديث النبوية ، مجرد تراث جبري و ضع للتغطية / للتكفير ( فعل كفر يعني غطى) على احكام القرآن ، خصوصا حينما يلاحظ الباحث أن أحكام القرآن تقف في صف المستضعفين ، بينما أحكام السنة تقف في صف المستكبرين ! أيضا بخصوص التاريخ ، ننبه عناية الشيخ إلى انه كتب تحت رعاية و أنظار بني أمية و بني العباس ، بدأ بالزهري المتواطئ مع الامويين و عروة بن الزبير الذي أكره على العمل معهم و ابن اسحاق المتواطئ مع جعفر المنصور الى آخره من كتبة الدواوين العباسية . هذا التاريخ كتب في مدرسة المدينة و بغداد ليخدم مصالح الامويين و العباسيين ، أما تاريخ مدرسة الكوفة و البصرة ، تاريخ المعارضة الشيعية و الخارجية فقد تعرض للتعتيم . إذن مسألة مراجعة التراث الاسلامي و تنقيته من الشوائب الجبرية ، مسألة ليست سهلة و تتطلب يقظة و شجاعة فكرية.
طبعا هناك نقطة سلبية في الكتاب ، و هي عدم اعتراف الشيخ بحرية التعبير للملاحدة حينما يتناولون قضايا الاسلام ، فهؤلاء في نظره ملبسون على المسلمين
و الواحد منهم هو منافق عليم على حد قوله كالدكتور حسن حنفي . و لهذا فالدولة الاسلامية في نظره يجب ان تقمع مثل هذه الاصوات ! بالاضافة إلى انه لا يعترف بحرية الاعتقاد ، لان الردة في نظره لها احكامها الشرعية التي لا بد أن تاخذ مجراها في دولة الاسلام . موقف سلبي من الشيخ ، لكن في نظرنا ، يمكن ان يغير موقفه عن طريق الحوار و افهامه أن اضرار التسامح هي اقل بكثير من اضرار التعصب ، أيضا إذا فهم ان هذا " التلبيس" يمكن ان يلعب دورا ايجابيا ، و هو استفزاز العقل المسلم و منعه من الخمول الفكري و دفعه دفعا نحو البحث و الاجتهاد المستمر ، لانه لا شيء يبقي العقل حيا غير التحدي و الاستفزاز ، أما إذا قمع مثل هذه الاصوات التي يصفها بالخبيثة ، فستسلك الامة نفس الطريق الذي سلكته من الجمود و التقليد الفقهي حينما نكبت المعتزلة و ابن رشد .
هذه تقريبا كانت جولة في فكر عبد السلام ياسين في تقاطعه و توافقه مع فكر الحداثة ، و يمكن القول أنه ( الاستاذ عبد السلام ) متقدم على الاخوان المسلمين
و السلفيين الوهابيين و متأخر عن ابن خلدون و ابن رشد و الشاطبي. فمن ناحية هو يرفض إسلام الجبر و التغني بأمجاده العسكرية و لا يغفل عن آثاره الوخيمة على مبادئ الاسلام المساواتية ، مما يوفر على الباحثين الحداثيين الكثير و الكثيرا جدا من الجهد لفصل الاسلام عن الاستبداد . و بالتالي تصبح معركة الحداثة ليست مع الاسلام كما يدعي الوهابيون بل مع نسخته الجبرية . إذن قيام تحالف بين الحداثة و اسلام الشورى و العدل و الاحسان وارد جدا ، و لكنه ( الاستاذ عبد السلام ) لم يمتلك بعد نقدية ابن خلدون ، الذي لم يقدس علم التعديل و التجريح بدعوى انه علم شريف ، بل قال بصريح العبارة أن التعديل و التجريح مجرد نقد خارجي للرواية أو الخبر و هو نقد غير كاف و يلزمه نقد باطني سماه بالمطابقة ، اي مطابقة النص للواقع و امكان حدوثه . هذه القاعدة التي سنها ابن خلدون بخصوص الرويات التاريخية يمكن بقليل من الذكاء تطبيقها على الاحاديث النبوية فلا يكون الحديث صحيحا إلا اذا تطابق متنه مع تعاليم القرآن . و بالتالي نتحرر من أحاديث تدعوا للركون الى الظلمة . أيضا للشيخ موقف سلبي من الفلسفة ، علما انها يمكن ان تكون خط الدفاع الاول عن الدين.
فالذي نافح عن العقيدة الاسلامية ضد هجمات المانوية و المزدكية الملحدين في بغداد العباسية كان هم المعتزلة ، و لو ترك الامر للفقهاء فقط لما استطاعوا شيئا . أيضا اذا كان الاستاذ يشتكي من تجزء الفقه و انشغاله بالتفاهات ( ذكاة الحلزون) فما ذلك راجع الا لغياب الفلسفة العقلانية التي تعين العقل على امتلاك نظرة شمولية كلية .
فلسفة عمل ابن رشد جاهدا لارساء دعائمها في بلاد المغرب و عمل فقهاء المالكية عندنا على محاربتها ، لتنتقل إلى اوربا و يستفيد منها الاوربيون لينجحوا بعد ذلك في احتلال بلداننا بفضل عقلانيتهم و تفوقهم التكنولوجي الذي يعترف الشيخ باننا فقراء منه . إذن حان الوقت ليغير الاستاذ موقفه من الفلسفة ، فهي كما وصفها ابن رشد الاخت الصغرى للشريعة . هل نطمع في مصالحة تاريخية بين فقهاء المالكية
و الفلسفة ؟ هل نطمع في اعتذار تاريخي لفقهاءنا من ابن رشد ؟ من يدري فالايام كفيلة بتصفية النفوس . أما بخصوص الشاطبي فنحن نرى ان على الشيخ ان يلتحق بموقف استاذه الجرئ من المصادر ، حيث رتبها تباعا من الاقوى فالاضعف ، بحيث إذا تناقض الاضعف مع الاقوى تمسكنا بالاخير . و هو موقف لا يعمل به حاليا الا فقهاء الاباضية الذين اذا تناقض القرآن مع الحديث تمسكوا بالقرآن لا بالتشبثين . هذا الموقف سيكون له الاثر الكبير في الاصلاح الفقهي المنشود ، و سيسمح لاحكام القرآن الثورية و الانسانية أن تبرز للوجود . فلا ركون لظالم و لا قتل لمرتد ، الى آخره من الاحكام الرجعية.
و في النهاية و كخلاصة لما جاء ، يمكن القول أن الاستاذ عبد السلام ياسين يمكن ان يلعب دورا اكبر مما هو عليه ، دورا يكون أكثر مما هو عليه كزعيم ديني
و سياسي . عبد السلام ياسين يمكن ان يكون ذلك المصلح الديني الذي طالما انتظرته الامة الاسلامية ، شأنه في ذلك شأن مارتن لوثر و جون كالفن . لذلك عليه يعي أنه بين طريقين ، إما طريق الوصول الى السلطة و التخلي عن وعوده و ممارسة الجبر شاء ام أبى مثل حكام المرابطين و الموحدين الذين بدؤوا رائعين و انتهوا باستخدام المرتزقة النصارى يسومون المغاربة سوء العذاب ، نظرا لقوة و جبروت التراث الجبري الذي خلفه حكام الجبر، و إما أن يتعاون مع الحداثيين زنديقهم و مؤمنهم بحثا عن الحقيقة و عن اسلامنا الشوري المغيب ، و كذلك لاقامة نظام ديموقراطي تعددي ، الذي و إن كان يسمح بالزندقة و الاباحية فإنه لا يسمح بالجبر و الطغيان .
و ما من شيء أضر بديننا و أمتنا عبر اربعة عشر قرنا كالطغيان و الاستبداد.


يوسف رزين



#يوسف_رزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البغاء في الإسلام


المزيد.....




- قيادي بحماس لـCNN: وفد الحركة يتوجه إلى القاهرة الاثنين لهذا ...
- مصر.. النائب العام يأمر بالتحقيق العاجل في بلاغ ضد إحدى شركا ...
- زيارة متوقعة لبلينكن إلى غلاف غزة
- شاهد: -منازل سويت بالأرض-.. أعاصير تضرب الغرب الأوسط الأمريك ...
- الدوري الألماني ـ كين يتطلع لتحطيم الرقم القياسي لليفاندوفسك ...
- غرفة صلاة للمسلمين بمشفى ألماني ـ مكان للسَّكينة فما خصوصيته ...
- محور أفدييفكا.. تحرير المزيد من البلدات
- خبير ألماني: بوتين كان على حق
- فولودين: واشنطن تضحّي بالآخرين للحفاظ على القطب والواحد
- فرنسا تتهم زوجة -داعشي- سابقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - يوسف رزين - عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -