أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - زايار - أفغانستان – نظرة تأريخية عامّة















المزيد.....



أفغانستان – نظرة تأريخية عامّة


زايار

الحوار المتمدن-العدد: 262 - 2002 / 9 / 30 - 02:13
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


 
د. زايار – اوكتوبر 2001

ترجمة: نديم المحجوب

ماركسي من تونس

لفهم الحرب الحالية التي تحدث في أفغانستان، يجب أن  ناخذ  بعين الإعتبار العوامل التي شكّلت تأريخ هذه الأرض التعيسة .

مرّ التأريخ الأفغاني بالعديد من التقلبات، من محتل الى اخر. البعض اندمج  و اختلط مع السكان المحليين، في حين استقر اخرون ورحل البعض الاخر. كانت أفغانستان البوّابة الرئيسية لجنوب آسيا. فقد اطلق نائب الملك  البريطاني في الهند في اوائل القرن العشرين على أفغانستان "راس الحربة لآسيا"، بينما وصفها الشاعر المشهور إقبال بانها "قلب آسيا".

الآريون، الذين جاؤوا في موجات من الغرب و من المنطقة الشمالية الغربية طمسوا الثقافة والحضارات القديمة وارسوا دعائم ثقافية جديدة.  في هذه الارض إزدهرت أولى  الاديان  القديمة كالزرادشتية و المانية والبوذية.

بحلول سنة 654  إكتسحت جيوش عربية حاملة لراية الإسلام  أفغانستان  ووصلت إلى نهر أوكسوس. الأسباب وراء النجاح السريع للدين الجديد ليس صعبا ادراكها. فعلى الرغم من الإنجازات المتألّقة للإمبراطورية الساسانية التي حكمت بلاد  فارس  وأفغانستان، فانها تميّزت بالظلم المتطرّف للجماهير المظلومة.

في السنوات الـ2500 الأخيرة، حكم أفغانستان  ما لا يقل عن خمس وعشرون سلالة مختلفة. فقد سبق  جنكيز خان  والمنغوليون  الفرس، اليونانيون،  الاسبرطيون، الهنود، الهون البيض والاتراك، جميعهم دمجوا جزءا أو الكلّ من حاضر أفغانستان  في إمبراطوريات واسعة – لكن في أغلب الأحيان قصيرة العمر- امتدّ من البحر الأبيض المتوسط إلى شبه القارة الهندية أو من الهند إلى أراضي سهل آسيا الوسطى.

كلّ غزو أو هجرة جديدة ترك ورائه رواسب عرقية خاصة به في شكل مستوطنين، امّا تعايشوا مع السكان المحليين أو أجبروهم على اللجوئ الى أعماق الجبال، و مفرزا عبر القرون  فسيفساء عرقية محيرة في تعقدها.

أفغانستان بلاد محاطة باليابسة و في  اتساع  فرنسا تقريبا. تنقسم شمالا وجنوبا بكوش الهندوسي وسلاسل بامر الجبلية. أول إحصاء لسكان تم سنة 1979 (بعد ثورة سوار)  و  بلغ عدد السكان الجملي لأفغانستان 15.5 مليون. يتكلّمون عشرون لغة و معظمهم يفهم إثنتان: الباشتو، والداري و الاخيرة  لهجة خاصّة من الفارسية.

البوشتان هي المجموعة العرقية المهيمنة و يسكنون الجزء الجنوبي للبلاد. في شمال البلاد هناك ثلاث مجموعات عرقية رئيسية، ترتبط مع آخرين بنفس الإنتساب العرقي في آسيا الوسطى. إنّ الاقلية التركمانية في محافظة باجهيس مرتبطة  بتوركمنستان .   يقطن في المنطقة الشمالية الوسطي  الجزء  الأكبر من الأوزباك  و يتمركزون على امتداد مزار الشريف إلى أوزبكستان  و يتواجد الطاجيك  من شمال أفغانستان إلى طاجيكستان.

في اوائل القرن الثامن عشر برزت سلطتين محليّتين من جنوب أفغانستان: العبدالية والغزالية. لمدة 200 سنة بقيت القبائل والبطون– الى حد ما -  تحت  مراقبة شديدة من طرف الاعداء الالداء  وﻛﺫلك   من طرف  ثلاث إمبراطوريات أجنبية قويّة إجتمعت وقاتلت من اجل  أفغانستان: المنغوليون، الفرس الغساسنة  و حكّام أوزبكيون بآسيا الوسطى.  بعد 1747 و عندما اغتيل الفاتح الفارسي  نظير شاه إستنفذت الامبراطوريات  الثلاث قواها.  و  لملئ  الفراغ السياسي الناجم عن موت نظير شاه  تكونت جمعية ( جيرجا) في أكتوبر/ تشرين الأول  1747 في قندهار  من رؤساء العشائرلاختيار ملكا منهم . و إختار الجيرجا أحمد خان، وهو محارب شاب خدم في جيش نظير شاه.  توّج ملكا بوضع سنبلة  في عمامته.  و أتخذ اسم أحمد شاه دورراني. أحمد شاه كان مؤسس الدولة الأفغانية الحديثة  و مثل البوشتان القوّة الاساسية الاولى  لفتوحاته. اثر موته تفككت إمبراطوريته إلى حروب عشائرية.

بحلول سنة 1780 عقدت إمبراطورية الدوراني إتفاقية مع الحكّام الآسيويين المركزيين، الذي عيّنوا نهر أوكسوس (أمو داريا) كحد بين آسيا الوسطى و دولة أفغانستان الجديدة.  و فقد أباطرة الدوراني أراضيهم شرق نهر إندوس في القرن التاسع عشر.

العداءات  المختلفة بين عشائر دورراني  شتتت قواهم. الا ان  احدى عشائر الدوراني انفردت بحكم أفغانستان لأكثر من 200 سنة الى  1973، عندما خلع  داود خان إبن عم الملك ظاهر شاه وأعلن أفغانستان جمهورية.

في النهاية  أعطت الامبريالية الاوروبية، أكثر من أيّ شئ، أفغانستان مظهر التماسك الوطني. بعيد غزو أحمد شاه، للهند،فتح  انتصار كلايف  في بلاسي Plassey الباب العريض لبريطانيا لوضع أفغانستان تحت هيمنته 

في أوروبا، كان نابليون في قمة قوّته. فقد وقّع مع القيصر ألكسندر الاول معاهدة تيلتيست  Tiltist سنة  1807  و خطّطا الاثنان  لاحتلال مشترك للهند.  جر  هذا الخطر البريطانيين لعقد إتفاقية ودّية مع الحكّام الأفغان.  و تحت قيادة إلفينستون قابلت بعثة شوجا شاه في بيشاور لمناقشة  طرق و وسائل دفاع فعلي و وقّعا معاهدة في 7 يونيو/حزيران 1809. لكن فقد شوجا شاه السلطة و الحبر لم يجفّ بعد. و تمكن  من الهرب إلى لاهور حيث التجا بالبريطانيين.

في الفترة الممتدة بين 1821-33 18  زار ضابط بريطاني ( أي . بارنز Barnes .A) أفغانستان وبخارى وتوركمنستان. كان قد جاء في وقت سابق إلى محكمة المهراجا رانجيت سينغ في لاهور. بارنز هذا  كلف  في الحقيقة بمهمّة  دراسة علم الطوبوغرافيا والسمات الأخرى ذات العلاقة بالميدان العسكري. في ماي 1836 أرسل دوست محمد، ملك أفغانستان مبعوثا إلى روسيا. اثر عودته كان مصحوبا بالضابط الروسي الملازم أوّل يان فيتكيريتش، الذي جلب رسالة قيصر نيكولا الاول  بخصوص التعاون بين روسيا وبلاد فارس وأفغانستان. عندما أرسل دوست محمد مبعوثه إلى روسيا، ظهر مبعوث بريطاني هناك في كابول.  كان  الملازم أوّل أي . بارنز ذلك المبعوث  الذي كانت مهمّته أن يكسب دوست محمد.

إنتهت المفاوضات الأفغانية البريطانية بدون أيّ إتفاقية. في حين  قبل دوست محمد عرض نيكولا الاول  . هذا ما ازعج بريطانيا ومرة أخرى دعموا شوجا شاه  لمهاجمة أفغانستان. وقّعت الإتفاقية بين بريطانيا، المهراجا رانجيت سينغ و شوجا شاه. الإمبريالية البريطانية ورانجيت سينغ وعدا بإرجاع عرش الاجداد لشوجا. تجمّعت القوات البريطانية في فيروزبور و بدأت بالزحف نحو قندهار في 2  نوفمبر/تشرين الثاني  1838. لاحظ كارل ماركس بان : "بالميرتون  [Palmerton رئيس الوزراء البريطاني] شن الحرب بدون علم البرلمان.  لقد بررت الحرب الأفغانية و لطفت باستعمال وثائق مزوّرة."

في 25  أبريل/نيسان 1839 استولت  القوّات البريطانية على قندهار بعد  قتال  مرير و نصبت  شوجا ملكا. لكن القوّات البريطانية واجهت مقاومة شديدة في كابول قرب تشيكار، جلال آباد. فقد هاجم الشعب الأفغاني من كلّ زاوية. و من جملة 15000 من  القوّات البريطانية وصل جلال آباد واحد فقط.  في 13 يناير/كانون الثاني 1842 إكتشف الحراس رجلا  في زيّ  رسمي إنجليزي رثّ  على مهر بائس -  و كان كل من الحصان والرجل يحملان جروحا بليغة للغاية. كان الدّكتور بريدون،  الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من الـ15,000 الذين تركوا كابول قبل ثلاثة أسابيع.  كان الجوع قد انهكه – و قد دون كارل ماركس  ملاحظات مشهورة في ﺫلك حول  التأريخ الهندي.

حاصرت القوات الأفغانية قندهار. في أبريل/ نيسان 1842 و أسر شوجا في حصن  بالا هيسار. و تكبدت  القوات البريطانية هزيمة  كبرى في الحرب الإنجليزية الأفغانية الاولى.  مع ذلك انه  لصعب اتخاذ العبرة من التأريخ.  فقد نسي البريطانيون بسرعة النتيجة الفادحة لتدخّلهم الأول في أفغانستان.  ففي السنوات الخمسون التالية،  تأرجحت سياسة بريطانية بين نقيضين. فقد فضّلت احدى المدارس الفكرية ترك الشعب على حدود الهند الشمالية الغربية ليتدبروا امرهم بانفسهم.

و كانت حجة المدرسة الاخرى بأنّ الهند لن تكون آمنة مالم  تتقدّم حدودها إلى كوش الهندوسية شمالا.   و إستئناف الزحف الروسي  نحو الجنوب خلال ستينات القرن  قوّى من المضي في تلك السياسة في 1878.   و كان  لوصول بعثة ديبلوماسية روسية إلى كابول، في 21نوفمبر /  تشرين الثاني 1878  أثرا أبعد.  فغزا الجيش البريطاني أفغانستان للمرّة الثانية.  و مرة  أخرى هزم الأفغان الإحتلال البريطاني الثاني. انتفض الشعب مرة أخرى وكانت هناك إنتفاضة عامّة في كابول،  قتل على اثرها الرائد كافاجناري وموظّفوا مهمّة الجيش البريطاني.  و من سخرية القدر فان الرجل الذي أصبح حاكم كابول الجديد، عبد الرحمن خان، وصل مباشرة من روسيا، في زيّ رسمي روسي عارضا المساعدة العسكرية.  مع ان حرب  1878-80 18، الحرب الإنجليزية الأفغانية الثانية، لم تتمكن من وضع أفغانستان تحت السيطرة البريطانية، فانها ارست على الأقل   والى حد ما  نظاما ودّيا في كابول.

لم يخفي عبد الرحمن خان أوهاما حول هشاشة هذا الوضع . فكيف لقوّة صغيرة مثل أفغانستان، كمثل عنزة بين أسدين، أو كمثل حبة الحنطة بين إثنان من أحجار رحّى الطاحونة  بدون ان تطحن تماما؟ جاء هذا الوصف في سيرته الذاتية. الحل  الوحيد الذي عرضه على ورثته هو  أن يتبعوا سياسة حذرة أو الحياد  لتجنّب إثارة المتنافسين  الكبار المجاورين لافغانستان و منعهم من التدخّل في شؤون البلاد الداخلية. لم  يتخلّ البريطانيون عن هدفهم لإخضاع الشعب الأفغاني.  في غضون بضع سنوات وصلت  قوة بريطانية ضخمة على الحدود الشرقية  والجنوبية لافغانستان .  و وصل سكرتير الشؤون الخارجية للحكومة البريطانية في الهند، هنري دوراند، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 1893.  و كان لا بدّ للأمير عبد الرحمن خان أن يوافق على حدود جديدة لافغانستان. فرسمت الحدود الجديدة  وفق ما سمي بخطّ  دوراند.  الامرالذي حرم أفغانستان من حوالي الثلث من سكانها.  فقد قسّم خطّ  دوراند  شعب أفغانستان  بشكل مصطنع وأعطى البلاد حداّ غير طبيعي. خلال السنوات الأربعون القادمة، و الى حد  الحرب الأفغانية الثالثة سنة 1919،  ظلت أفغانستان محمية بريطانية.

كان لثورة  1905 الروسية أثّر على أفغانستان. فبدات حركة من الإصلاحات في أفغانستان وتركيا. و لعب الملك حبيب الله ، شقيق نصرالله خان،  دورا نشيطا في مجموعة تارسي، التي شرعت سنة 1901  في نشر صحيفة سراج الاكبر.  التي  اكتسبت شعبية كبيرة بين العناصر التقدمّية والضبّاط الوطنيين.  و أصبحت صوت الاتراك الشبان. هذه كانت فترة يقضة لآسيا كما جاء في وصف لينين: " هاجرت من الهند إلى أفغانستان العديد من الجماعات الثورية لتشكيل جبهة ضدّ الامبريالية.  في نوفمبر/ تشرين الثّاني 1917 جاء الحدث التأريخي في روسيا، ثورة أوكتوبر التي هزّت كامل العالم، و خصوصا آسيا. عصر جديد بدأ وأفغانستان، مثل العديد من البلدان الخاضعة الأخرى، تأثّرت بشكل هائل."

بعثت  الثورة البلشفية الآمال بين جماهير آسيا.  ألهم الملك أمان الله كثيرا بالثورة البلشفية  فأعلن إستقلال أفغانستان. و اعترف الإتحاد السوفيتي من جهته بحكومة أمان الله.

 اظهر البلاشفة خلال أعمالهم بأنّهم أصدقاء  للجماهير الكادحة ،  و خصوصا تلك التي في  الشرق. لم تقبل الإمبريالية البريطانية باستقلال الأفغان.  فقد استدعي المفوض الأفغاني  في الهند من قبل وزير الخارجية، هنري دوباسDobbas، وسئل عن سماح أفغانستان  لسفير بلشفي بدخول كابول.   عندما قال المبعوث الأفغاني  حدث ذلك  لأن أفغانستان مستقلة، أشار دوباس بأنّ أمريكا وفرنسا وإيطاليا مستقلة ايضا، لكنّها لم تسمح للمبعوثين البلاشفة بدخول اراضيها!  كما أشار دوباس بأنّ  علم أمان الله  كان أحمر اللون وذلك كان أيضا لون علم البلاشفة. في 28 فبراير/ شباط 1921 ابرمت  معاهدة صداقة بين أفغانستان وروسيا السوفيتية. و بسرعة اصبح أمان الله ذا شعبية كبرى في آسيا.

بعد توقيع معاهدة الصداقة الأفغانية التركية في موسكو، إنتقل المبعوث الأفغاني إلى الغرب. في 28 أفريل/ نيسان وقّعت  إتفاقية تجارية أفغانية- فرنسية في باريس وفي 3 جوان/ حزيران وقّعت  معاهدة مع إيطاليا بخصوص ربط العلاقات الدبلوماسية.  و في 22 جوان/ حزيران  وقّعت معاهدة صداقة مع إيران في طهران.

 للمرة الأولى في تأريخها لم تعد أفغانستان  في عزلة وراء  جبالها  بسبب سياسة بريطانيا المزدوجة، الناجمة عن ثورة أوكتوبر. في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني  وقّعت معاهدة إستقلال أفغانستان التام( من ضمنها السياسة الخارجية) بين أفغانستان وبريطانيا. ووقع الغاء الإعانة المالية لكن  أعيد التأكيد علىحدود 1893 (خطّ دوراند).

نفّذ أمان الله إصلاحات تقدمّية في أفغانستان. أعلن أفغانستان دولة لائكية. قلص دور رجال الدين في شؤون الدولة و حدد أراضي الملالي ورؤساء العشائر.  فرضت ضرائب على بعض القبائل التي كانت معفاة من نظام ضريبي قبل ذلك. و وقع ادراج نظام مصرفيو منعت العبودية ، و شرع في  إصلاحات في ميدان  التعليم بالإضافة إلى تحرير المراة.  كما قام أمان الله سنة 1928 بجولة لمدة ستّة اشهر في  أوروبا. حيث قام بعقد إتفاقيات تجارية بالإضافة إلى حصوله على  صفقات إقتصادية جديدة مع الغرب.

هزّت هذه الإصلاحات كامل المجتمع العشائري التقليدي. و كان الملا  الأكثر تأثّرا. اذ  صودرت أراضي الايقاف و قلصت سيادتهم و أسّست محاكم منفصلة.  كما هدّد إنتشار تعليم المراة مركزهم الإجتماعي أيضا.  فشكّلوا سوية مع ملاك الارض الإقطاعيين نواة  الرجعية بدعم الإمبريالية البريطانية التي جلبت سقوط أمان الله في النهاية.

الرجل الذي إستغلّ الحالة الفوضوية كان قاطع طريق طاجيكي من أحد الوديان شمال العاصمة، لقّب باشا السقاء .  كان السقاء على الأقل بالنسبة  للطاجيك  كروبن هود يسرق من المسافرين الاغنياء والمسؤولين الملكيين ويوزّع جزئا من الغنيمة على الفقراء. استولى على كابول وأعلن نفسه ملكا لأفغانستان.

هرب أمان الله وإستقرّ في روما، تلاه بعد 40 سنة ملك مطرود آخر، ظاهر الشاه. في وقت مبكّر من الـ1929، وصل من باريس إلى الهند نظير خان وأراد دعما بريطانيا لمحاولة استرجاع كابول. كان ذلك فرصة جيدة للبريطانيين. في منتصف شهر  أكتوبر/تشرين الأول ، جمع نظير خان جيشا قبليا كان كافيا لهزم ابن السقاء  وإحتلّ كابول وأصبح ملكا. كانت خطوته الأولى أن كسب دعم الزعماء الدينيين الذين لعبوا دورا كبيرا ضدّ الإصلاح و في الهياج المعادي لأمان الله. فقام بوضع أئمّة المساجد الكبيرة في الحكومة.

في نوفمبر/ تشرين الثّاني 1933  قام طالب شاب بقتله رميا بالرصاص في أرضية قصره الخاص، من المحتمل ان الدافع كان ثارا دمويا لعائلة أمان الله. أصبح إبن نظير خان الأمير ظاهر شاه  ذي  19 سنة ملكا في 8نوفمبر/ تشرين الثاني 1933.  لكن ظاهر شاه  لم يكن الا رمزا حكم في ظلّ أعمامه  للسنوات الخمس والعشرون القادمة . كان الأمير ظاهر شاه وإبن عمه داود  الذين سيسقطون الحكم الملكي ويئسّسون  جمهورية لاحقا ، كانوا بالكاد قد تجاوزوا سن المراهقة عندما إغتيل نظير شاه عام 1933. نشا ابناء العمّ سوية.   و درس كلاهما في فرنسا، و واصلا تعليمهما كزملاء في كليّة كابول العسكرية الأفغانية. و حينما أطيح به من قبل إبن عمه داود بمساعدة جماعة بارشام من  حزب الشعب الديمقراطي الافغاني سنة 1973،  بدا ظاهر شاه حياة النفي في روما.

 الثورة الصاعدة

اقدم نظام الحكم الستاليني الذي  اقامه  ضبّاط  يساريين من الجيش سنة 1978 على سلسلة إصلاحات من ضمنها  الإصلاح الزراعي والإجراءات التقدمّية  فيما يتعلق بالمراة والتعليم، في محاولة  لالتحاق  أفغانستان بالقرن العشرين. كان هذا تهديدا صارخا ليس فقط لمصالح ملاك الارض الأفغان والمرابين والملالي و انما كذلك للحكم الملكي الرجعي  في العربية السعودية ودول مجاورة أخرى، خصوصا باكستان وإيران. لهذا السبب و بحكم  قربها من  موسكو (التي في حقيقة الامر لم تلعب أي دور في ثورة 1978)،  عارضت الامبريالية الامريكية بقوة  النظام الجديد في كابول الذي، ولو أنه على نحو مشوّه، كان  يؤيد  الثورة.  لهذا و بتعمد  حرّضت الامبريالية الامريكية  تحالف الرجعية  الأكثر بربرية  ضدّ الثورة الأفغانية  ومدته   بالمال و العتاد.

بدون خيانة البيروقراطية الروسية، ما كان للمجاهدون ان  يستولوا على كابول أو أيّ من المدن الرئيسية، التي أخفقوا في الاستيلاء  عليها  طوال أربع عشرة سنة من القتال. مثّل سقوط كابول نصرا للأصولية الإسلامية. صرفت الإمبريالية الأمريكية بلايين الدولارات وزوّدت مساعدة عسكرية كبيرة إلى المجاهدين لكي يسقطوا نظام كابول. و حتّى عندما سحبت موسكو قوّاتها، لا زال باستطاعة قوات نجيب الله  هزيمة هجوم الرجعية  .  و لكن إنقطاع  المساعدة وضع النظام في موقع مستحيل. و كان  لازالة نجيب الله بإنقلاب اعدته وكالة المخابرات المركزية  السي اي اي و المخابرات الباكستانية  قد مهّد الطريق أمام الأصوليين الإسلاميين  للاستيلاء على كابول. و سارع   النظام الجديد بتصفية  أغلب الإصلاحات التقدمّية للحكومة السابقة. لكن الحكومة الجديدة كانت غير مستقرة منذ البداية.

فسرعان ما انفجر الصراع  بين قوات الحزب الاسلامي  بقيادة قلب الدين حيكمتيار والجماعة الاسلامية  لشاه أحمد مسعود. تقاتلت هذه الفرق المعادية  الثورة  بشكل رهيب  لذلك  و بحلول سنة 1994 و في الوقت الذي لم يحسم فيه اي من الطرفين الصراع الدائر كان الباب  مفتوحا لموجة جديدة  من  الأصولية  الرجعية  الاكثر تطرفا ممثلة في حركة طالبان. كانت طالبان من صنع  الجيش الباكستاني  ومؤسسة المخابرات  و  بدعم نشيط  من  وكالة المخابرات المركزية الامريكية.   كانت أمريكا هي التي اوجدت مصادر الحركة المضادة  للثّورة  في أفغانستان في 1979 في وقت كانت فيه  الفتيات تذهب إلى المدرسة و النساء  تخرج للعمل . ان الإمبريالية الأمريكية هي  المسؤولة المباشرة على  تطور حركة  طالبان  الرجعية  في أفغانستان·

دور أمريكا كشرطي عالمي  يؤثّر الآن على أمريكا  بشكل  مباشر جدا. فلمدة 21 سنة الماضية شهدنا الذبح الجماعي الوحشي للرجال والنساء والأطفال في أفغانستان.   تعاني البلاد الجفاف و الجوع  و تمزقها الحرب. الآن  هي  في وضعية شنيعة حقا.  و زادت العقوبات الأمريكية  المفروضة من حدة  التعاسة، وأضافت الظروف المتدهورة بعدا مأساويا على الوضع.  و تفاقمت المجاعة المتفشية و سوء التغذية  بسبب إستمرار حرب بربرية تتنافس فيها قوى أجنبية  للسيطرة على آسيا الوسطى وثرواتها النفطية الواسعة حيث تحتلّ أفغانستان مركزا إستراتيجيا كطريق محتمل لخطّ أنابيب نفط.  نتيجة لذلك  تحوّلت أفغانستان إلى أرض مقفرّة.  وعندما سيطر طالبان على  كابول أخيرا إنتقموا من أعدائهم انتقاما مرعبا.   فقد علّق نجيب الله  الرئيس السابق  في عمود كهرباء  و حشي  فمّه بأعضائه التناسلية.  بمثل هذه الطرق حقق "الغرب المتحضّر" ووكلائه أهدافهم الرئيسية. لقد  صدمت الصور الإعلامية عن  المأساة  في أفغانستان العديد من الناس . لقد أطلق نظام الطالبان عنان عهد الإرهاب بالتطهير العرقي في باميان ومزار الشريف وبالقمع المريع  للأقلّيات والمجموعات الدينية المضطهدة. تحطيم تماثيل بوذا، الإعدام العامّ  وجلد النساء في قندهار اظهر الوجه  الحقيقي لنظام طالبان الشرير. إنّ السؤال المطروح هو:  من المسؤول عن هذه الحرب الأهلية الدامية - عن كلّ هذه الضحايا و الجوع  و التطهير العرقي  والهمجية المطلقة؟  انها الامبريالية الامريكية التي ارسلت بأفغانستان إلى مستوى العصور المظلمة وحطّمت الحضارة هناك.

 انقلب السحر(طالبان) على  ساحره. و أحرق الأمريكان أصابعهم بشكل سيئ وهذا ما  تصوره لنا الأحداث في نيويورك وواشنطن. فالتخلص من  نظام  طالبان  يتطلّب هجوما أرضيا  من شانه  ان  يسقط كابول والمدن الرئيسية الاخرى. و لكن  ما يعسر هو الريف الوعر حيث القواعد الأصولية  بعيدة عن  السيطرة العسكرية الأمريكية.

هو صعب جدا  على القوات الأمريكية ربح الحرب في أفغانستان. فمجرّد السيطرة على كابول لم يسبق ابدا أن خول المحتل السيطرة على بقيّة أفغانستان. إنّ الشعب الأفغاني مدرّب جيدا على فن  حرب العصابات نتيجة للسنوات الـ21 الأخيرة من الحرب. فالقتال لا يزال مستمرّا  بين تحالف الشمال وقوّات طالبان.  يحاول الأمريكان الآن  صياغة  تحالف من تحالف الشمال مع الملك السابق ظاهر شاه.و من ناحية أخرى هم  يحاولون  خلق انقسام في حركة طالبان.

هناك فصيلان رئيسيان لطالبان تدعمان الملك ظاهر شاه  في السر. و يمكن أن تكون هناك حرب مفتوحة بين هذين الفصيلين.  في الواقع فقد طالبان الدعم الشعبي الكبير منذ 1996 عندما استولوا على كابول، وتغير شعار السلام سريعا إلى اعمال وحشية كبيرة ضدّ الجماهير.  ان العمل العسكري الأمريكي ودعم تحالف الشمال و اعادة ظاهر شاه كملكا سيقوّي صلب  طالبان.  ستتبع الحركة  حرب العصابات ولن تختفي من الساحة بسرعة.

ان الأصوليين الشيعة في تحالف الشمال المدّعومين من إيران هم ضدّ الملك ظاهر شاه.  وهناك ايضا  الحزب الاسلامي لقلب الدين  حكمتيار الذي  لا يتفق  مع معادلة الاستراتيجية الإمبريالية.  لذلك ففكرة نظام " ذي قاعدة عريضة" تحت ظاهر لا تستقيم البتة.  من  المحتمل ان  الأمريكان سينصّبون الملك ظاهر شاه لكنّه  لن يدوم  حكمه  طويلا، ولن يسيطروا  على كلّ أفغانستان،  ولن  يقدروا  على إنهاء  الإضطراب في البلاد.

 غير ممكن لأمريكا بدون قوّات برية  أن تنصب تضع  شاه على عرش  أفغانستان والتدخل العسكري سيحتاج إنتشار دائم للقوّات في آسيا الوسطى وكذلك في باكستان.  بهذا السيناريو حتى موسكو لن تسرّ لرؤية الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على أفغانستان وتقوّي تأثيرها في آسيا الوسطى. هناك مصالح قويّة مهدّدة بالضياع هناك  مرتبطة بالنفط والغاز و لب القصة هو بناء خط أنابيب عبر أفغانستان يصل الى  المحيط الهندي.

روسيا، الهند، إيران، الآن أمريكا والعربية السعودية وباكستان وتركيا جميعهم وراء الجبهة المتّحدة مدعومة من قبل تحالف الشمال و لكل  طرف  مصالحهم السافرة الخاصة - يصافح الواحد منهم الاخر  و سكينه  في يده الاخرى. ستتّحول الحرب الجديدة  الى فوضوى عارمة  قريبا ومن المحتمل ان تتفكك   أفغانستان بين قواد الحرب المختلفين و الممثلين لجنسيات ومجموعات عرقية مختلفة  في أفغانستان. ثمّ سيتقدّم الحلفاء تحت مظلّة  مكافحة الإرهاب ممتشقين سكاكينهم الحادّة  ضد بعض  و تبدا لعبة كبرى جديدة  دامية.  سيكون تفكك أفغانستان كابوسا لكامل شعوب المنطقة  و سيكون  لتأثير  هذا  التفكك  انعكاس هائل  في  المنطقة  ذي ابعاد وطنية.  و يجر كامل المنطقة نحو حرب مروّعة.

إنّ اللجنة التنفيذية  التي عدد أعضاؤها 120 تدعو  إلى  التآم  مجلس نواب (جمعية الزعماء العشائريين). إقترحت اللجنة التنفيذية بأنّ  على المجلس ان يجتمع في جنوب بالوتشيستان قرب الحد الأفغانية حيث يملك ظاهر شاه بعض المساندة.

القوميين و خصوصا البوشتان هم العنصر المهيمن في اللجنة التنفيذية.  و قد يثيرون  مسألة خطّ  دوراند.    و ذلك سيكون السبب الوحيد الذي يجعل باكستان  قد  ترفض السماح  للمجلس بالانعقاد على ارضها.

من السخرية أنه بدون ارض  أفغانستان، أهمية المجلس لن تكون فعّالة.  لربّما سيسلّط الأمريكان ضغطا  على النظام العسكري  في باكستان لمنح  أمن كامل للمجلس.  ولكن هذا  المجلس سيفتح أزمة جديدة للدولة الضعيفة بباكستان.  ليس هناك حلّ للحرب الأهلية الأفغانية والفاقة والهجرة الجماعية  تحت نير النظام الحالي. فعلى قاعدة رأسمالية تتجّه المنطقة بأكملها نحو العصور المظلمة.  الحضارة في الخطر، و البربرية  تطرق الباب في آسيا. إنّ طالبان صورة لهذه  الهمجية.  بتعبير اعم،  طالبان وأسامة بن لادن  منقذان  للنظام الرأسمالي الفاسد والدامي ، الذي اغرق كامل المنطقة في الحرب، و الارهاب و القتل والجوع.

من ناحية أخرى، تحتاج الجماهير الأفغانية القوت والماوى والملبس والصحة والبناء التحتي. وهذه الحاجات لا يمكن توفرها مالم يسقط هذا النظام المتعفّن.  ان البديل عن الأصوليّة ليس الليبيرالية و انما  الإشتراكية. كامل تأريخ أفغانستان هو تأريخ الكفاح  و المقاومة ضدّ المحتلين الاسياد الذين كانوا بيادق للقوى الأجنبية.  ان ذكرى ما حدث لبريطانيا ولروسيا  ما زالا  عالقا في اذهان  الجيش الأمريكي.  و على الأمريكان أن يتذكّروا شيئا واحدا، وهو  الحقيقة  الملموسة  ان جماهير أفغانستان ستنتفظ بالثأر ضدّ عدوان الإمبريالية الأمريكية ووحشية الطالبان. لكن لبلوغ النصر هم  يحتاجون لدعم المضطهدين، و لا سيما الطبقة العاملة الباكستانية.

د. زايار – اوكتوبر 2001

ترجمة: نديم المحجوب



#زايار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أمريكا تعلن تفاصيل جديدة عن الرصيف العائم قبالة غزة
- بوليانسكي: الحملة التي تشنها إسرائيل ضد وكالة -الأنروا- هي م ...
- بعد احتجاجات تؤيد غزة.. دول أوروبية نحو الاعتراف بدولة فلسطي ...
- بوليانسكي: أوكرانيا تتفاخر بتورطها في قتل الصحفيين الروس
- كاميرا تسجل مجموعة من الحمر الوحشية الهاربة بضواحي سياتل الأ ...
- فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ...
- رويترز: محققو الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبي ...
- حماس تبحث الرد على مقترح لوقف إطلاق النار ووفدها يغادر القاه ...
- - هجوم ناري واستهداف مبان للجنود-..-حزب الله- ينشر ملخص عملي ...
- -بلومبرغ-: البيت الأبيض يدرس إمكانية حظر استيراد اليورانيوم ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - زايار - أفغانستان – نظرة تأريخية عامّة