جميل جابر
الحوار المتمدن-العدد: 1116 - 2005 / 2 / 21 - 10:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إن ما يحدث في لبنان هذة الأيام هو شيء غير عادي. يمسك اللبناني اليوم شمعة بيديه واقفاً أمام ضريح الحريري يتحدى الحكومة الموالية للنظام السوري مطالباً علناً برحيل الوجود العسكري السوري من لبنان، متمسكاً بحلمه الذي طال الانتظار لرؤيته واقعاً وهو العودة إلى أوضاع تسودها الحرية والإستقرار. يمسك اللبناني اليوم مستقبلة بكلتا يدية بعد أن نضجت تجربته ورسخت قناعته أن لا حاجة للبنان لوصاية الشقيقة سورية لتدير أموره وترى مصلحته وتفكر عنه. وككل بلدان العالم، يحق للبنان واللبنانيون، مهما صغر بلدهم أو كبر، أن يبنوا دولتهم ويقرروا مصير بلدهم بحرية ودون تدخل عربي أو أجنبي ودون وصاية من أحد. لقد مضت، بلا رجعة، سنوات الحرب الأهلية وزالت الأسباب التي أدت إلى دخول الجيش السوري إلى لبنان. حل السلم في لبنان لكن الشعب اللبناني لم ينعم بالحرية في ظل الوجود السوري.
في سنوات ما بعد الحرب أعاد النظام السوري هندسة بناء الدولة اللبنانية بما رآه متوافقاً ورغبات حكام دمشق وأقام نظاماً أمنياً لبنانياً- سورياً لضبط الوضع الداخلي، ومع هذا النظام الأمني وبواسطته نشأت شبكة، بل شبكات، من مصالح ربحية ضيقة أساسها التهريب والسوق السوداء تركزت في أياد قليلة فاسدة وتلاقت مصالح بعض الموالين للنظام السوري مع مصالح النافذين أصحاب القرار في سورية. لم تكن مشكلة لبنان الحقيقية مع الجندي السوري بل كانت مع أصحاب القرار في سورية ولبنان. وفي ظل الهيمنة السورية المزمنة اختفت كلياً، وبمساندة لبنانيين، جميع معالم الديمقراطية من الدولة اللبنانية المعهودة وحل محلها نظام أمني مجرب في سورية أثبت فاعليته من قبل. في هذه الفترة، لم يحصل أن غابت مصالح الشعب اللبناني فحسب بل و كُّبل لبنان بمعاهدات( صداقة وتعاون ودفاع) وسياسات لم يكن له دور فعلي فيها.
لقد استساغ الأخ الأكبر الوصاية على لبنان ورفض أن يرى أن وصايته تتعارض مع تطلعات اللبنانيين إلىمستقبل أفضل، وتحت شعارات وحدة المسارات والتنسيق بين الأخوة لم تترك عقلية الهيمنة أية خصوصية للبنان. الانتخابات اللبنانية، على سبيل المثال، يجري تداولها في غرف مغلقة في دمشق، والحكومات اللبنانية تُشكل في دمشق، وفي دمشق أيضاً يتم توزيع الحصص والأدوار بل وأصبح التمديد للرئيس اللبناني هي مسألة سورية، وهناك بعض الأحزاب اللبنانية تستأذن موافقة سورية على تغيير نظام الأنتخاب اللبناني.
لقد تجاهلت القيادة السورية واللبنانية جميع الإشارات والدلالات على تراكم الأزمات اللبنانية الداخلية واستخفت أيضاً بنمو الوعي عند أطراف واسعة من الشعب اللبناني بضرورة الخلاص من الوصاية السورية واستعادة القرار اللبناني ولم يفهموا مدى تعلق اللبنانيين في الداخل والخارج بلبنان وتوقهم إلى الحرية.
لقد أتى إغتيال الحريري ليفجر أزمة داخلية إستفحلت جوهرها الخبز والحرية ولم يعد يجدي تجاهلها.ولأول مرة استحوز لبنان بإهتمام داخلي وخارجي كبير. ولعل المشهد الآتي إلينا يتحدث عن نفسه حين يحضر شيراك مراسيم تشييع الحريري ويغييب الأسد، تحضر فرنسا البعيدة وتغيب سورية المرتبكة.
كم هو واضح للجميع تناقض إعلانات دمشق أن الإنسحاب السوري من لبنان مرتبط بالصراع مع إسرائيل، أي بعودة الجولان ثم وصولنا أخيراً إلى( إننا رهن إشارة الحكومة اللبنانية). النظام السوري في حالة ذعر واستنفار إعلامي وتصريحاته متشنجة كما عهدناها ينقصها الحد الأدنى من التنسيق والمصداقية، وها هو نائب الرئيس المايسترو خدام يقصد مسرعاً إلى بيروت لإنقاذ الحكومة اللبنانية المحبطة من الانهيار الكامل وإعادة اللحمة الظاهرية إليها، وفي سورية يتساءل المواطنون إلى أين نحن ماضون؟.
نعم هناك أخطار خارجية جدية ومؤامرات ولكن الأزمة اللبنانية داخلية المصدر طرفها الأول النظام السوري والآخر الشعب اللبناني ويزيد من خطورة الأوضاع أن النظام السياسي السوري تغيب عنه قوى رشيدة مستعدة لإعادة النظر بسياسات فاشلة وتمتلك الجرأة والنزاهة الكافية لتعيد للشعب اللبناني المسلوب الإرادة مفتاح داره.
المواطنون السوريون لا مصلحة لهم بلبنان مسلوب الإرادة ويدركون أكثر من غيرهم ماهية التحالف مع النظام السوري فهو إن أعطيته إصبعك أخذ كل يدك. النظام السوري قاموسه لا يعرف الحوار على أرضية المساواة، تعود أن يوزع الأوامر كعادة القائد ولا يشعر بأدنى حرج من ذلك. هل يريد أحداً منا أمثلة عن تحالفات النظام من داخل سورية؟ من جبهته التقدمية ومؤسساته الإستبدادية؟
إنه من الواجب القول اليوم بأن تصحيح العلاقات السورية-اللبنانية تبدأ بإنسحاب النظام الأمني وإنهاء جميع أشكال الهيمنة والوصاية على لبنان. لبنان كان دائماً أول المتضامنين مع قضايا العرب، والشعب اللبناني كان أول المتظاهرين تضامناً مع فلسطين والعراق. كل مظاهرات التضامن مع العرب، بدأت، وتبدأ، من بيروت وبعدها تنطلق إلى العالم العربي. لبنان، هذا الشعب بكل فئاته وألوانه، أعطى ولم يأخذ. القضايا الوطنية والقومية كانت دائماً بديهية لدى اللبناني، ووطنية اللبناني متأصلة ولا يستطيع أحد المزاودة عليه ..ألا يحق لهذا الشعب أن يطلب من العرب التضامن معه ومع قضيته الآن.
#جميل_جابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟