أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريديريك دوران - الموت يفضل الفقراء















المزيد.....

الموت يفضل الفقراء


فريديريك دوران

الحوار المتمدن-العدد: 1108 - 2005 / 2 / 13 - 11:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طالما تسببت الهزات الارضية والفورات البركانية بالدمار. والمناطق المعنية عديدة من كاليفورنيا الى اليابان مرورا بالشاطئ اللازوردي الفرنسي. لكن الاكثر عرضة هي بلدان آسيا الواقعة عند تلاقي أربع طبقات زلزالية. فبين 1990 و2000 تعرض جنوب شرق آسيا لاكثر من 100 هزة تتجاوز قوتها 6،5 درجات على مقياس ريختر. في العام 1883، اوقع انفجار الكراكاتو بين سومطرة وجافا 37 الف قتيل وقد وصل تأثيره الى المحيط الهندي بأكمله. في الارخبيل الاندونيسي وحده يمكن حتى اليوم احصاء 130 بركانا ناشطا. وبالرغم من ان باقي ثورات البراكين لم تكن بهذه القوة الا انها أدت الى تهجير 150 الف شخص منذ بداية العام 1980 . [1]

في 26 كانون الاول/ديسمبر 2004، جاء تحرك الطبقات الجوفية بنسبة 20 مترا قبالة سواحل سومطرة ليفجر ما يوازي 30 الف قنبلة ذرية وليسجل في التاريخ الجيولوجي للكرة الارضية. لكن بعد ادراك حجم الظاهرة التي يدعونا الى التواضع فان علينا التفكير في البعد الانساني لما حدث.

فالعدد المرتفع جدا للضحايا ليس محتوما بالضرورة فالمحصلة ترتفع كلما اقتربت الكارثة من مناطق الكثافة السكانية وتمركزها على الشواطئ. ففي آسيا الشرقية يعيش في الواقع 70 في المئة من السكان في المناطق الساحلية حيث يجدون غذاءهم واشغالهم ومواردهم. فالسمك بالنسبة للشعوب المفقرة بخس الثمن قياسا على مصادر البروتيين الحيواني الاخرى. لكن قسما كبيرا من المساكن غير حائز رخصة بناء وهو بالتالي غير صامد بينما تتداعى البيئة في ظل الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية . [2]

قد نأسف لان اعمال القطع تكاثرت حيث يفصل شجر المانغروف [3] الاستوائي بين البحر والبشر وذلك من اجل تربية القريدس لتصديره الى دول منظمة التعاون والتنمية والاقتصادية. والمانغروف يحمي من التآكل والفيضانات والاعاصير والمد العالي كما يساهم في تثبيت الكاربون ليخفف من تسخن المناخ. منذ الخمسينات تم تدمير ثلثي هذه الغابات في جنوب شرق آسيا تحت تأثير "التنمية" والنشاطات التجارية. الخراب نفسه بسري على التشكيلات المرجانية الآسيوية المهددة بنسبة 80 في المئة من الصيد بالمتفجرات وفوضى البناء على السواحل واستخدام السيانور لالتقاط الاسماك الاستوائية ... [4] يضاف الى ذلك كله مفاعيل التسخن المناخي حيث يضعف المرجان مع ارتفاع حرارة البحر.

بالطبع ان المرجان والمانغروف ما كانا سيوقفان تسونامي لكن كان بالامكان الحد من الصدمة وكانا سيلعبان دورا ايجابيا في كوارث اقل حجما.

وبينما عرفت بلدان المحيط الهادئ وفي مقدمها الولايات المتحدة واليابان كيف تجهز نفسها منذ 1949 بمركز لرصد تسونامي في هاواي فان لا رقابة من هذا القبيل في المحيط الهندي. بالطبع ان مركز هاواي سجل الهزة في 26 كانون الاول/ديسمبر، علما ان الموجة لم تصل الى سري لانكا او الهند الا بعد ساعتين فانه كان بامكانها توقع المدّ. لكن المركز لم يكن يملك الادوات اللازمة لنشر المعلومة.

والقدر لعب لعبته على الارجح لان الزلزال حصل صبيحة يوم احد. كما دلت الكارثة على الضعف في التوقع لدى العديد من الحكومات، فبلدان "فقيرة" أخرى مثل كوبا عرفت كيف تبلور سياسات وقائية. يضاف الى هذا الضعف نقص في ردة الفعل المطلوبة. فقد صرف من الخدمة المسؤول عن دائرة الطقس في تايلاند لانه لم يقدم على اي اجراء خوفا على الموسم السياحي [5] . هذه السياحة التي تعتبر رافعة النمو الاقتصادي تتميز بتطور على المدى القصير يفتقر الى التخطيط ويوقع اضرارا سريعة في البيئة ايضا.

ان الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تفسر هشاشة البنى التحتية المحلية وندرة اعتماد المعايير الواقية من الزلازل، تعقد وصول المساعدات وتفاقم من الخسائر. كذلك فان الصعوبة في تجاوز التوتر السياسي تضر بحسن سير عمليات الانقاذ. ففي اتشه وبالرغم من خطورة الوضع الانساني والهدنة من طرف واحد التي طالبت بها حركة تحرير أتشه الاستقلالية، فان المسؤول في جيش المشاة الاندونيسي ذكّر جنوده بأن مطاردة المتمردين لا تزال احدى مهماتهم. وقد ارتفعت اصوات في سري لانكا ضد التباطؤ في وصول المساعدات الى الشمال الخاضع لسيطرة نمور التاميل والمزروع بالالغام المضادة للافراد والتي تغيرت مواقعها احيانا بسبب المد البحري، وكل ذلك يجعل عمليات الانقاذ واعادة البناء محفوفة بالمخاطر. اما في بورما او ساحل تنيساريم الذي اصابه مد تسونامي فان النقص في المعلومات يدعو الى الاعتقاد بان المحصلة الرسمية التي تتحدث عن 90 قتيلا يمكن ان تخفي حقيقة اكثر مرارة بكثير.

لقد سمحت الكارثة على الاقل بإعادة البحث في مسألة الدين واقتراح تجميد الديون العامة كي تتمكن الدول المنكوبة من مد يد العون الى مواطنيها بدل تسديد القروض المتزايدة. فمنذ العام 1990 باتت خدمة الدين المستحق على بلدان الجنوب اكبر من المساعدة التي تتلقاها من دول الشمال. ففي العام 2003 سدد الجنوب 375 مليار دولار ليتلقى 68 مليارا من المساعدات وفي هذا السياق لا بد ان نأمل في اعادة نظر بالقضية برمتها علما بان صاحبة الرقم القياسي في الدين العام هي الولايات المتحدة، 7600 مليار دولار، أي خمسة اضعاف ديون بلدان العالم الثالث مجتمعة.

يمكننا ايضا التساؤل حول الاسباب التي ادت الى هذه التغطية الاعلامية الكبيرة للكارثة. ليس المقصود انتقاد اندفاعة السخاء الرائعة فهي على العكس منحت العالم بكامله شعورا بالارتقاء والاخوة عند الحاجة. لكن علينا ايضا ان ندرك لماذا توقف الرأي العام الدولي طويلا عند هذه الكارثة اكثر من غيرها بكثير. فهناك العديد من الكوارث غير المنظورة والتي لا تحرك كثيرا طاقات المساعدة وتبقى خارج النقاش العام مثل الفيضانات المتكررة في بنغلادش او قضايا اللاجئين في افريقيا الوسطى او دارفور وصولا الى الملاريا (مليونا وفاة سنويا) او السيدا (2،3 مليون) والجفاف والتصحروكلهاتضرب اساسا البلدان النامية.

ماذا يتبقى بعد أشهر من هذه الحركة التضامنية؟ ربما تكون هذه الكارثة مناسبة للتفكير في سائر عذابات البشر والتي تفضل الدول الغنية التغاضي عن رؤيتها، وبالتالي اطلاق ضريبة "توبن" للتضامن كما يقترح البعض. انه تحقيق لمبدأ الوقاية لا بل المسؤولية اذ ان عددا من السيناريوهات الناتجة من التسخن المناخي مع التزايد المرجح لظواهر التطرف في الطبيعة، ترفع نسبة التخوف من مآسي على درجة الخطورة نفسها. يضاف الى ذلك انه اذا استمر البشر في تدمير بيئتهم بالإيقاع الراهن فانهم سيحدثون ازمة كبيرة في تاريخ الاحياء وقد يلزم الطبيعة 10 ملايين سنة لاصلاحها [6]! في هذه الحالة لن يقتصر الاثر على بلدان الجنوب وحدها.






--------------------------------------------------------------------------------

* استاذ محاضر في جامعة تولوز لو ميراي الفرنسية، من مؤلفاته La jungle, la nation et le marché. Chronique indonésienne, L’Atalante, Nantes, 2001.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] “ Risque naturels et environnementaux en Asie du Sud-Est ”, in Michel Foucher, Asies Nouvelles, Belin, Paris, 2002, p.166.

[2] “ Conserving Our Coastal Environment ”, United Nations University, Tokyo, 2002.

[3] غابات كثيفة من الاشجار التي تضرب جذورها في الخلجان الهادئة الامواج حيث يستقر الوحل والطمي.

[4] راجع ابحاث International Coral Reef Initiative : http://www.icriforum.org

[5] Bangkok Post, 5 janvier 2005

[6] Sophie Boukhari, “ L’inestimable valeur du vivant ”, Courrier de l’Unesco, Paris, mai 2000.



#فريديريك_دوران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريديريك دوران - الموت يفضل الفقراء