أحمد عسيلي
الحوار المتمدن-العدد: 3782 - 2012 / 7 / 8 - 10:23
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في مثل هذا الصباح كانت ترتكب أبشع جريمة في التاريخ السوري....جريمة فضحت الواقع الذي يمكن أن تصل اليه الدول حين تتحالف سلطة المؤسسة العسكرية بسلطة رأس المال.
فينتج خليط فيه كل العفونة و الاستهتار بحياة الامم و الافراد
في مثل هذا الصباح-العار على التاريخ السوري كان يغتال و باسم القانون و العدل و بأدواتهما واحد من أهم المفكرين الذين شهدتهم الساحة السورية في القرون العشرين الاخيرة من هذا التاريخ المترامي عبر العصور
...........................................................
لن أتكتب هنا عن ظروف استشهاد أنطون سعادة.......و لن أكتب عن المؤامرة الدنيئة التي حاكها زعيم المؤسسة العسكرية حسني الزعيم مع زعيم العائلات المافيوية رياض الصلح فهذا شيء كتب عنه الكثير.....و أصبح الاثنان في مزبلة التاريخ تلعنهم الامة السورية على مدار الأجيال.....و لكن سأكتب و بعجالة عن ثلاثة مواقف في اللحظات الاخيرة التي مر بها الزعيم في ذاك الموقف الجليل
ثلاثة مواقف دلت على عظمة هذا الانسان السوري.....و دلت بالفعل على أننا نحن السوريين أخلاقنا من ارث جدنا العظيم المسيح السوري
.................................................................
الموقف الاول حين طلب منه امنية قبل استشهاده.......و حين رفضوا أمنيته الاولى بلقاء زوجته......طلب منهم فنجان قهوة
ويكمن السر في طلبه فنجان القهوة أن ارتشاف القهوة يتطلب دقة في حركات الاصابع...و ان أي خوف أو قلق أو ذعر ستنعكس حتما و بشكل واضح على حركة يديه أثناء شربه لفنجان القهوة.......و لأنه زعيم في روحه......زعيم في سخريته من الموت........أراد أن يلقن جلاديه درس في القوة و الثقة بالنفس....فطلب فنجان قهوة ليرشفه و بكل قوة دون أن ترتجف أصابعه الطاهرة.....ليثبت لنا و بطريقة لا تقبل الشك.....أنه يدرك ان رسالته ليست متوقفة عليه.....بل هي رسالة أمة بأكملها و ان استشهاده ليس سوى قربان بسيط على مذبح هذه الامة
أراد أن يعلمنا أن قدر الزعيم أن يدفع حياته ثمنا لمبادئه......و أن الزعامات الكرتونية الفارغة هي فقط من تنفخ بالأخرين مبادئها و تجلس هي بالفنادق الفخمة و القصور المحصنة....و حين يجد الجد يهربون الى اقاصي الارض دون ادنى احساس بالمسؤولية.
أن اللحظات التي امضاها الزعيم في شرب القهوة لحظات عظيمة تدل على صدقه و ايمانه بقضيته و دوره في نهضة الامة السورية
................................................................
الموقف الثاني و الذي يدل أيضا على استهتاره بالموت هي حين ربطه الى الحجر و اغلاق عينيه قبل اطلاق النار على صدره......في هذا الموقف المخيف و المرعب.....طلب من جلاديه و بكل استهتار أن يزيحوا حجرا صغيرا تزعجه تحت ركبتيه
و عندما ازاح أحد الجنود تلك الحجر قال له
-شكرا
تخيلوا شخصا بأخر لحظات حياته و هو يشكر من سيطلق عليه النار بعد لحظات
ما اراد الزعيم ان يقوم به هو اعطاء دروس لنا –نحن ابناء الامة السورية_
دروس في طريقة التعامل مع الموت...مع الالتزام...مع بعضنا البعض
...............................................
ما يميز هذه الذكرى لاستشهاد الزعيم هو الالم الذي ينغص علينا و نحن نرى تلامذته و حاملي فكره و قد جعلوا من استشهاده طريقا لمكاسب صغيرة
أكتب و كلي ألم في ضياع جزء كبير ما ارث سعادة.....و حتى بعض التيارات من حزبه و التي كنت اثق بها و بولائها للحزب...تتحول هي الاخرى الى (كاريزما قزمة) في ارخبيل الكايزمات القزمة التي تحفل بها الحياة السياسية في سوريا
و لكن ما يعزيني هي أنه و كما خرج من دعوة المسيح البابا اوربان الثاني...و كما خرج من دعوة موسى نتنياهو و الحاخام يوسيف,,,,,فان سعادة لا يضره ان خرج من عقيدته أشخاص كحال معظم مسؤولي و امناء حزبه اليوم
.............................................
أذكر حين سألت أحد الاشخاص الذين اثق بهم و بولائهم لذكرى الزعيم عن الحال التي وصل اليها حزبه أجابني و بكل ثقة
-سعادة لا يمكن اختصاره بحزب أو مجموعة فقط من المتسلقين........فما تركه سعادة هو فكر و عقيدة .....و طالما بقي فكره و عقيدته فهو باق.
أكتب هذا الكلام و انا مؤمن تماما بمدى انتشار فكرة الامة السورية في وعي و ضمير السوريين....., وانه مهما تلوثنا بالفكر العروبي او الاسلاموي فان احساس الانتماء لامة عظيمة لا يمكن أن يتزحزح في الوعي السياسي السوري
.....................................................
ما ميز يوم مولد الزعيم و يوم استشهاده هو هذا التلاحم الكبير بين سعادة و الاسطورة السورية
فسعادة ولد بأذار......شهر الربيع و الحياة السورية....و استشهد بتموز.....شهر المعاناة و الموت السورية.....و كأن حياة سعادة كانت رمزيا هي حياة الامة بأكملها.
و ليس غريبا ان تختصر أمة بأكملها في حياة رجل.....ألم يصف القرآن ابراهيم أنه كان أمة....أي أمة الايمان اليهودي البدوي
أذن لماذا لا يكون أيضا انطون سعادة هو أمة....و لكن أمة لها جذور و امتدادات حضارية راقية ضاربة في عمق التاريخ
....................................................
في ذكرى استشهادك زعيمي.......لك مني السلام......و لروحك الخلود و السكينة و أعاهدك على اكمال طريقك في الفكر و العمل....و على تطوير منهجك الذي بدئته.....و ان لا يقر لنا جفن حتى نهضة الامة السورية التي بشرت بها و نذرت لها حياتك
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟