أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صفاء سامي الخاقاني - قصة قصيرة مستوحاة من الواقع














المزيد.....

قصة قصيرة مستوحاة من الواقع


صفاء سامي الخاقاني

الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 17:50
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة مستوحاة من الواقع

في الصباح حين تمتد نسائج ضوء الشمس لتصنع سيفا يمزق ثوب السواد ويبدد الليل الذي شكله، ويضفي على الربوع رداءً لماعا وينشر على الوريقات الخضر امل البقاء وطعم الحياة ومعها يبدأ دبيب الحياة بشكل يتسارع شيئا فشيئا ومع ذلك التسارع تنطلق الباص التي تنقل بعض الطالبات، اربعة طالبات يدرسن في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية في إحدى الجامعات العراقية.
وكان السائق صاحب سيارة الاجرة قد تعاقد مع اهلهن لإيصالهن يوميا الى مكان دراستهن في الجامعة بأجر معين وعلى هذا المنوال يأتي كل صباح ليقلهن بسيارته من بيوتهن التي تبعد عن الجامعة مسافة يستغرق زمن قطعها نصف ساعة بمتوسط السرعة.
سائق السيارة تبدو جبهته في تجاعيدها وهي تعبر عن عمر انقضى بلوعة وحسرة وعيناه اللتان اختلط بياضهما باحمرارهما ، باحمرار يجهل سببه اغضب هو ام سهر الم به؟!، وقطرات عرق تنضحهن جبهته ليتحررن رغم قيود البرد القارص.
وكان مظهر الطالبات متفاوت، واحدة منفتحة كثيرا وسافرة واثنين مظهرهن معتدل والرابعة تظهر بزي ملتزم جدا.
ما كان يلفت نظر السائق أن الطالبة الرابعة واسمها وسن تبدأ بالاتصال منذ صعودها في السيارة ولا ينقطع اتصالها إلا بالوصول الى الجامعة، وكانت الطالبة التي تجلس بقربها تبتسم وتضحك وكأنها تفهم شيئا غريبا.
وسن باعتبارها تدرس اللغة الانكليزية فهي تتكلم اثناء اتصالها بهذه اللغة لأنها تتقنها كما انها تشعرها بالاطمئنان وتمدها بنوع من الأمان وحفظ الخصوصية في وسط لا يُعرف بإتقانه اللغة الانكليزية فهو بالكاد يتقن اللغة العربية لذا كانت تأخذ حريتها بالحديث دون احراج ولم يكن احد يفهم ما تتحدث به في الموبايل سوى زميلتها التي تجلس بقربها حسب ما كانت تعتقد وسن.
وسن كانت مطمئنة الى درجة كانت تتحدث فيها بلا حاجز وقيد فهي تتبادل كلمات العشاق والمحبين وتسبر الغور في هذه المصطلحات وتغوص في اعماقها بلا حياء حتى أنها تتكلم بعبارات تمس الحياء وتخدش العفاف وتطعن الاخلاق والادب وكانت تظن أن لا أحد يعرف انها تتبادل هذه الالفاظ مع عشيقها غير زميلتها.
وفي صباح يوم نزل المطر بدأ بقطرات قليلة مصدرها غمائم متباعدة في سماء زرقاء ولكن ما فتأت أن تحولت الى سحاب داكن اللون شديد الكثافة ثم تفجر الرعد ولمع البرق وانهمر المطر بغزارة، وأمام حدة زمجرة المطر تلاشت اصوات الطبيعة وساد الضباب وتداخل بعض الاشياء ببعضها.
وأدارت الطالبات رؤوسهن نحو نوافذ السيارة، يتطلَعن إلى الساحات التي غمرتها الأمطار المتسارعة، القادمة على أجنحة الريح الشمالية الغربية ولم يعُد أحد ممن كان في السيارة يلتفت إلى ما تقوله وسن سوى السائق وهي مستمرة في حديثها واتصالها ولم يشغلها منظر المطر الذي يتساقط بغزارة.
وسن عيناها مُشرقتان بالفرحة والشعور بالنشوة، لامعتان بمعانٍ وألغاز، وعلى شفتيها ابتسامة غامضة، ظنت زميلاتها ان مغزى ذلك المطر، لأنه هطل بعد اشتياق ذرات التربة الظمأى إلى ريقه وتلهف وريقات الأشجار الجافة إلى وقعه وتوق البراعم الذابلة إلى لمساته النديَّة ولأنه جاء بعد انحباس طويل وجفاف عريض وكان جميع العطشى يترقَّبون قدوم ذلك الحبيب الغائب.
ولكن هذه الفرحة لم تدم طويلا، بعد ان وصلت السيارة الى الجامعة ونزلت الطالبات وكانت وسن آخر من نزل فحاولت اغلاق الباب بهدوء لكنه اغلق بقوة فقالت للسائق باللغة الانكليزية أنا اسفة لأنني اغلقت الباب بقوة.
فرد عليها بنفس اللغة وقبل اعتذارها وتكلم بعبارات اوضحت انه يتقن اللغة الإنكليزية، نعم كان السائق يتقن اللغة الانكليزية واللغة الفارسية فضلا عن اللغة العربية.
هنا بعد أن كان صوت ارتطام المطر بالأرض يطغى على كلِ من سواه صار وقع كلام السائق على وسن أقوى من كل صوت، كيف لا وهو منذ فترة طويلة تبين انه يسمع ويفهم كلامها الذي كان يخدش الحياء ويتجاوز الاعراف والتقاليد بل حتى الاخلاق والآداب الاسلامية ويتناقض مع مظهرها الذي يصور للرائي أن هذه الطالبة قمة في الالتزام الديني والحشمة لكن الواقع تبين خلاف هذا الشيء.
لم تعد تسمع زقزقة العصافير من على أغصان أشجار ساحة الكلية وحديقتها، فقد اختفتْ كل تلك الاصوات عن اسماع وسن، وراحت تنصت برهبة إلى كلمات السائق، ذُهلت وسن لِما اصابها ودهشت لحالتها فتركت السيارة التي كانت قد استأجرتها بلا رجعة فهي لا تقوى على النظر الى وجه هذا السائق الذي صار يعرف ما كانت تسره وحقيقة ارتباطها غير المشروع، وعندما وصلت الى الجامعة ذهبت إلى جنينةِ الكلِّيَّة وانتبذت ركنًا في خميلةٍ من خمائل الحديقة، واختبأت فيه، اختلت بنفسها وهي تفكر بما حدث لها ، فقد أتى عليها مطر الاحراج وسال حبر حقيقتها واختلطت حروف حياتها ولم تفارق الدموعَ عينيها.
وهي تحدث نفسها كيف إن اوصل السائق كل ما سمعه الى أهلي وخاصة أبي الذي جُبِل على الجد في طباعه ويرى أن مَن تتخلى عن دِينها اليوم، ستتخلى عن بقية الاشياء لسبب من الأسباب، وفوق ذلك كلِّه، فإن الرجلٌ الذي تتحدث معه في الهاتف متزوج، وزوجته الرائعة تحبه، وله منها طفلٌ جميل.
ظنت وسن أنّ ما حصل لها نوع من الغباء، وضرب من اللعب بالنار، قد يضرم حرائق تأتي على كل شيء، دون أنْ يتمكّن أحدٌ من إخمادها في الوقت المناسب، وظنت أنها فتاة لعوب تهوى غوايةَ الأزواج وهدم البيوت، ولكنها لم يكُن لها الخيار فقد داهمها داء الحب الوبيل كالقدر الغاشم، وكصاعقة ماحقة تحطّ من السماء على غير موعد، فلم يكن لها الخيار.
فبين ارتجاف الغسق المودّع وابتسام الصبح المشرق، شعرت وسن أنها كقارب صغير بلا مجداف في بحرِ المجهول، تتقاذفه رياح الحرمان وأمواج اليأس، وسينتهي به الرحيل مُحطّماً فوق جزيرة الأحزان.
ففارقتها شهيتها، وهجرها النوم، وأَمست رشاقتها نحولًا وانهارت قواها كتلالٍ من الملح أمام طُوفان فضح سرها الذي ظنته مكتوما وكشف حقيقتها التي اعتقدت ان مخفية عن الناس.

صفاء سامي الخاقاني



#صفاء_سامي_الخاقاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا بغداد
- قراءة مقارنة بين منهجية الرسول الامين وقادة اليوم


المزيد.....




- صلاح الدين 25 .. متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 25 م ...
- غزة تحت النار.. الشعراء الشهداء إذ ينثرون إبداعاتهم
- المخرجان المصريان ندى رياض وأيمن الأمير: -الجوائز مهمة لكن ا ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب يسدل الستار على دورته ال29
- -نظرات متقاطعة-حول كتابات الراحل إدمون عمران المالح بمعرض ال ...
- المغرب.. باحثون يتخوفون من تأثير الذكاء الصناعي على الأدب وا ...
- هل يغير الفيديو التوليدي باستخدام الذكاء الاصطناعي صناعة الأ ...
- ترقب لعرض فيلم عن سيرة دونالد ترامب في مهرجان كان السينمائي ...
- فرنسا.. جائزة القراء الشباب الأدبية للكاتب البوسني فيليبور ت ...
- “شو سارلك يا لولو”.. استقبل تحديث تردد قناة وناسة أطفال 2024 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صفاء سامي الخاقاني - قصة قصيرة مستوحاة من الواقع