أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب -الفصل الاول















المزيد.....

الدفاع عن شعب -الفصل الاول


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 10:33
المحور: القضية الكردية
    


الفصل الأول

بينما أمرُّ، كفرد، بمحاكمة ضمن شروط عزلة ثقيلة الوطأة، وبمفردي من جهة، أواصل الدفاع عن ذاتي قانونياً من الجهة الثانية. وهاأنذا في السنة السادسة منها. من العصيب جداً رؤية مثال مشابه في التاريخ، لقضية سياسية ثقيلة الوطأة، طالت كل هذه المدة. ولا زال غامضاً كم ستدوم بعد. إلا إنه ثمة حُكم عنيد في النظر إلى القضية من زاوية شخصية، وغض النظر عن مؤثراتها الاجتماعية والسياسية. ومن الساطع تماماً أن تقرب محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بهذا الشكل، يتضمن نواقص جدية، ويمهد السبيل لمحاكمة غير عادلة. فعندما أُدرِجَت القضية – بحساسية واضحة – في جدول أعمال محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، هُمِّشَت جميع جوانبها السياسية والاجتماعية. ومن الجلي أن هذا السلوك كان يرى ضرورة في إخفاء جانب هام من الحقيقة. إن الموضوع الهام، الذي يتوجب تسليط الضوء عليه، هو ذاك التقرب الذي يفصل الفرد عن المجتمع تحت شعار "إنني أزوده بحقوقه"، ليُدَّعى فيما بعد بمحاكمته وفقاً لذلك. إنه يشكل جوهر الحضارة الأوروبية. وقد أعددتُ مرافعتي الأولى بكليتها، على وجه التقريب، في سبيل الكشف عن هذه الحقيقة. لن أدخل في التكرار، إلا إنني أرى حاجة للإيجاز مرة ثانية.
تعد المجتمعية الشرط الأولي لوجود الجنس البشري. ومن أحدث الحقائق المتجلية في علم الاجتماع، المتطور بذهول تماشياً مع تطور المجتمعية، هي أن أنسنة الإنسان تحققت بانفصاله عن فصيلة الثدييات البدائية السابقة له (وهي الفصيلة الأقرب إلى الإنسان). لكن، ومهما كثرت محاولات الفصل والعزل بين الفرد والمجتمع، اللذين يشكلان حالة الحياة، لا يمكن برهنة ذلك على الصعيد النظري. إذ ما من فرد يعيش بمفرده. قد يكون ثمة فرد تحطم مجتمعه، إلا أن هذا الفرد يواصل وجوده – على الأقل – بذكريات مجتمعه المتحطم ذاك. وبتلك الذكريات تصبح مجتمعيته مسألة آنية. يرتبط اكتساب الجنس البشري للقوة تماماً بمستوى علاقاته الاجتماعية. ومن أفظع أساليب إضعاف الفرد واستعباده، هو فرض العزلة والوحدة عليه. حتى العبيد، الأقنان القرويون، والعمال المدينيون المتواجدون على شكل جماعات، يكوِّنون مجتمعاً بحد ذاته، بحيث يتذكرون أنفسهم عبر تمرداتهم بين الفينة والأخرى. ومن جانب آخر، فالوحدة أفضل معلِّم على الإطلاق. وفترة الانزواء التي مر بها كل عالِم وحكيم ونبي بارز في التاريخ، إنما تعكس هذه الحقيقة بكل جلاء.
الفردانية مصطلح مشحون بالتناقضات إلى أبعد الحدود. وهي بوجهها الآخر، طليقة حرة، وكأنها تحررت من قيودها للتو، على حساب مصلحة المجتمع. إننا نسمي الحياة المضبوطة، دون رادع أو عنف، في المجتمع، بالأخلاق. ولكن الفردانية تضيق الخناق على هذه الأخلاق. أو بالأحرى، فالفردية في الحضارة الغربية تتطور ضمن سياق إضعاف الأخلاق وتهشيشها. وبينما يعد الفرد أساساً في الحضارة الغربية، يكون المجتمع هو الأساس في الحضارة الشرقية. نستخلص من هذا التعريف نتيجتين متباينتين: بينما يسمو الفرد الاستعماري الحاكم إلى الطبقة الإمبراطورية، يحيا الفرد المستعمَر والمظلوم أشد درجات العبودية والذل. وليس مصادفة أن يظهر الوجه الوحشي الفظيع للقرن العشرين من بين أحضان العبودية المتفشية والمتجذرة في عموم المجتمع، على يد النظام الرأسمالي. إذ ما من طيش أو تهور يستعصي على هذا النظام السيادي المنتشر لهذا الحد، بغرض الربح والمنفعة، بعد أن فقد قيمه المعنوية الأساسية.
وما الوحدة والعزلة والحكم الصادر بحقي، سوى ظواهر تمتُّ بِصِلة كثيبة بالبنية العامة لهذا النظام.
فإذا ما أُخرِج مجتمعك أو شعبك من كونه "ذاته"، فمعناه الحكم عليك بالوحدة الهزيلة منذ لحظة الولادة. وبمقدار ما تخرج من كونك "ذاتك" وتغترب عنها، بمقدار ما تلتحم بمجتمع آخر. ولكنك ستغدو حينها لست "ذاتك". فإما أن تعاني حينها من وحدة موحشة، أو أن تستسلم لواقع آخر. وهذا ما كانت عليه المفارقة المذهلة التي أسميتُها بـ"الشرك الكردي". وكأنه عليك اختيار نوع الموت الذي يعجبك.
يكثر الجدل في راهننا حول التعددية والمشاطرة مع "الآخر". والموقف الذي مفاده أن خلْق الغنى المجتمعي التعددي الشامل الأبعاد، والطوعي، يمر من مشاطرة "الآخر"؛ إنما هو موقف صائب. ولكن سياسة النظام القائم التخطيطية في التطابق (خلق نمط واحد من الأشخاص)، تختلف عن ذلك. فهي تفضي إلى مسح الإثنيات، والمجازر، والصهر والذوبان، والخروج من "الذات". والسياسة المتفشية بكثرة في الظاهرة الكردية، هي من هذا النوع، والتي تنبع من البيوسلطوية والعرقية والفاشية، ومن كافة مفاهيم السلطة التوتاليتارية التي كانت سائدة في القرنين التاسع عشر والعشرين. فبينما يُستَهدَف خلق عِرق وقوموية وطيدين، تكون المحصلة عبارة عن حروب وهجومات مستعرة. ولا شك في أن جذور ذلك تمتد لتصل إلى المرحلة الأولى لتأسيس المجتمع الهرمي، في حين أن تحولها إلى سياسة منظمة ومخططة متفشية في الدولة، خاص بالقرن العشرين.
لم تتلمس الحضارة الغربية ضرورة الوحدة والاتحاد كشرط لا يستغنى عنه، حسب المبادئ المسماة بمعايير الاتحاد الأوروبي، إلا بعد مرورها بالحربين العالميتين والحروب الأهلية. وما تحياه أوروبا في حاضرنا، ليس إلا نقداً ذاتياً لها إزاء البشرية جمعاء. إذ ما من سيئة إلا ويرتكبها الفرد المتحرر من قيوده وأكباله، وكذلك سلطة الدولة المتصاعدة كنقيض للقيم المعنوية، وبالذات بعد ما تستند في ذلك إلى جشع الربح والمنفعة بتراكم رأس المال.
لقد استلزمَت محاكمتي في ظل هذه الظروف أشد أنواع العقاب، بسبب محاولاتي تحفيزَ مجتمع فقدَ أمله وخارت عزيمته، على المناشدة بمطاليبه، وبسبب كونها عملية جذرية تجاه النظام المنجر وراء القوة وجشع الربح المنفعي. هذا لو تركنا المؤامرة المستترة تحتها جانباً! وهذا ما يتم فرضه. فأينما يندلع تمرد يشرع بالمساءلة: "أين مجتمعي؟ أين ثقافتي؟ أين لغتي الأم؟ أين حريتي؟"، يغدو ممهوراً بالانفصالية وخيانة الوطن. لم يكن ثمة جرم من هذا القبيل في الإمبراطورية العثمانية. بل وليس موجوداً في عموم نظام الأمة التركية. إنه من مبتكرات الأنظمة البيوسلطوية والعرقية والفاشية ونظم السلطات التوتاليتارية الأخرى للحضارة الأوروبية، حيث صدَّرته إلى نظام الدولة التركية في القرن العشرين. وقد أخذ العالم برمته نصيبه منه.
إن كنت ارتكتبُ جرماً ما، فهو إصابتي – أنا أيضاً – نوعاً ما بهذا الجرثوم (الميكروب) المتأتي من ثقافة السلطة والحرب. إذ كنتُ انزلقتُ في هذه اللعبة لدى اعتقادي بأن "الحرية تستلزم سلطة الدولة، وهذا ما يستلزم بدوره الحرب" بالنسبة لنا، كما الأمر القرآني بالنسبة للمؤمن. إنه المرض الذي يكاد كل المناضلين الناطقين باسم المسحوقين – على وجه التقريب – أصيبوا به ولم ينجوا منه. وبناء عليه، فأنا مذنب، ليس تجاه النظام المهيمن فحسب، بل وتجاه النضال التحرري الذي بذلتُ كل ما في وسعي في سبيل أيضاً. وسأستمر في تقديم النقد الذاتي بشأن ذلك، ليس على الصعيد النظري وحسب، بل وفي الممارسة العملية السامية لوحدتي أيضاً، وحتى الرمق الأخير. لكن، كيف سيدفع النظام القائم فاتورة ذنوبه في تغريب مجتمع أو شعب عن ذاته جبراً ومكراً؟! لذا، إذا كانت المحاكمة ستكون عادلة، فمن الضروري وقتئذ الإصغاء لادعاءات الأطراف المعنية على السواء، واتخاذ القرار وفقاً لذلك. ولكن، لا يمكن لقضاء بَتَر روابطه بالعلم أن يكون عادلاً بتاتاً. جلي أن علم الاجتماع سيكون السلاح الأساسي الذي سأتسلح به. فالسير في الدرب الصحيحة، بقدر تنوُّري وإلمامي به، هو من ضرورات أن أكون إنساناً مكرَّماً.
لا يمكن البتة غض النظر عن التخريبات التي ألحقها بالطبيعة النظام السائد المهيمن على المجتمع لهذه الدرجة. إن التقرب الأيكولوجي والفاميني لديه من القدرة ما يخوِّله لتعريفنا على الحياة الاجتماعية الطبيعية المفقودة. ومن أشد المواضيع أهمية هي التعريف الصحيح للديمقراطية، كخيار سياسي للشعوب، وإبداء قدرتها على الحل. فبينما تزركش موجةُ العولمة الجديدة مزايدات السوق الحرة للبضائع، وتزخرفها بعد أن تحولها إلى فَتَشيّة بكل معنى الكلمة (الفتشية طقوس دينية كانت سائدة لدى الشعوب البدائية التي كانت تعتقد بأن للفَتَش أو البُّد قدرة سحرية خارقة على حماية صاحبه أو مساعدته – المترجم)، وتَعرِضها على أنها الخيار الوحيد؛ سنقوم نحن بالإسهاب في شرح خياراتنا الأيكولوجية والديمقراطية، وسنرفعها كراية علياء ترفرف فوق سماء حياتنا الجديدة، متسلحين بالإدراك التام بأن تلك الموجة، إنما تَعرِض للعيان حقيقة المختلِس والمغتصِب القديم. وهكذا سنبرهن، بعَصرَنَتِنا للآمال والطموحات المتطلعة إلى الحرية والمساواة على مر التاريخ، وإحيائنا إياها؛ أن أي خطوة خطوناها في هذا السبيل لم تذهب سدى. فمثلما أنه ما من شيء في الطبيعة يفنى، فأي قيمة موجودة في المجتمع لا يمكن أن تفنى أو تزول.
يتعلق إعادة تداولي للواقع الاجتماعي في مرافعتي، بمدى العمق الفلسفي المحرَز. إذ على الفلسفة، كعلم اجتماع، أن تلعب دوراً في راهننا يطابق ما كانت عليه في ميلادها. وتُعَد العودة إلى الفلسفة، مقابل العلم المتسلط، المبدأ الأولي لظهور المجتمع الحر. وقد تبين من خلال أعداد لا حصر لها من الأمثلة، عبر التاريخ وفي حاضرنا، أن الديمقراطية غير المرتكزة إلى الفلسفة، ستعاني الانحطاط والتردي بكل سهولة، وستغدو الآلة الدنيئة على الإطلاق في يد الديماغوجيين لإدارتهم الشعوب بها. والسبيل الوحيد لعرقلة ذلك، هو تسيير الكفاح الذي تتوحد فيه السياسة والتقاليد والأعراف لتشكل كلاً متكاملاً لا ينفصم، بحيث يشكِّل العلم جانباً منه، لتكون الإثنية جانبه الآخر. وبروح المسؤولية العليا هذه، سنبدأ مسيرة الحياة الأكثر حرية، والمعتمدة على المساواة، وسنخلق عالمها من أحشاء أزمة النظام القائم.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن شعب


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب -الفصل الاول