ياسر عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3608 - 2012 / 1 / 15 - 15:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فازت الأحزاب السياسية ذات الإسناد الإسلامى فى الانتخابات البرلمانية التى شهدها المغرب وتونس أخيراً، كما باتت تهيمن على نحو ٧٠% من مقاعد مجلس الشعب فى مصر، وهى، على الأرجح، ستكون قادرة على تحقيق الفوز فى أى انتخابات نزيهة تشهدها معظم الدول العربية راهناً.
والواقع أن أسباباً عديدة تجعل من صعود تلك الأحزاب أمراً بدهياً، وتهيئ لها الأوضاع اللازمة لأخذ فرصتها فى تجربة الحكم، والانتقال من مواقع المعارضة المأزومة والمقيدة إلى حيث تصنع القرار وتبنى السياسة.
فما أسباب فوز الإسلاميين؟
لقد بدأت الحركات السياسية الإسلامية فى ممارسة العمل السياسى على الأرض منذ عقود طويلة، ولذلك فقد امتلكت تجربة ثرية وخبرة عريضة.
ومنذ بدء تلك الحركات فى العمل لم تنعم، سوى لفترات قليلة جداً لا يعول عليها، بدعم السلطات أو مباركتها، بل على العكس من ذلك تماماً؛ فقد تم البطش بها، واضطهاد أعضائها، وتعذيبهم، ونفيهم، وقتلهم، وتشريدهم، وتخوينهم، واعتقالهم، ومصادرة أموالهم، رغم أن بعض الأنظمة العربية استخدمت تلك الجماعات، أحياناً، لضرب تيارات سياسية أخرى، أو لتحقيق منافع متبادلة.
لقد أدرك الجمهور معظم الوقت أن تلك الجماعات خاضت كفاحاً كبيراً، وناضلت ضد قوى استبدادية، أخفقت عادة فى تلبية احتياجات الشعوب، ومارست الفساد والهدر، فى وقت كانت فيه بعض الأحزاب والقوى المدنية تعول على الإصلاح التدريجى وتعقد تحالفات من وقت إلى آخر مع السلطات المستبدة، وربما تشارك فى الحكم فى بعض الأحيان.
سبب آخر عزز صورة التيارات الإسلامية فى وجدان الجمهور؛ فقد عجزت الدولة العربية المستبدة على مدى العقود الأربعة الأخيرة عن الوقوف فى مواجهة العدوان الإسرائيلى المتكرر، كما رهنت إرادتها للولايات المتحدة والغرب عموماً، وانتهجت سياسة خارجية فى مجملها تابعة وذليلة؛ وهى أمور لاشك أثرت سلباً فى صورة الدولة العربية والقائمين عليها.
لقد نالت تلك الأمور من الكرامة الجمعية للجمهور العربى، بالنظر إلى مشاهد الانتهاك والذل المتتالية التى تعرضت لها دول وشعوب عربية عدة، دون أن تكون الدولة العربية المستبدة قادرة على الرد بشكل مناسب، فى وقت أخذت جماعات إسلامية فيه على عاتقها محاربة هذه الانتهاكات، سواء عبر أعمال العنف، التى راوح تصنيفها بين «الإرهاب» و«الاستشهاد»، أو حتى عبر تبنى الخطاب الرافض والمتوعد، الذى لاقى صدى طيباً فى أوساط الجمهور، فى مقابل خطاب الخنوع الذى تتبناه الدولة العربية.
ثمة عامل مهم عزز حظوظ الإسلاميين الانتخابية كذلك، فهم الأكثر التصاقاً فى كل المجتمعات العربية بالجمهور المحلى، والأكثر اهتماماً بالقضايا الخدمية والمعيشية البسيطة، وعبر تحكمهم فى جزء مهم من أموال الزكاة والصدقات استطاعوا تقديم خدمات ومعونات مهمة للفئات المضطهدة والمهمشة فى الجيوب الفقيرة، التى عجزت الدولة العربية المستبدة والفاسدة عن الوصول إليها.
ثمة عنصر خارجى أيضاً عزز حظوظ الإسلاميين، فيبدو أن الغرب يقبل بهم ويرحب بصعودهم إلى البرلمانات وتولى الحكم، ويبدو أن هذا لم يحدث إلا بعد تفاهمات عديدة أيقن من خلالها الغرب أن تلك الحركات تريد الوصول إلى السلطة والبقاء فيها ولا ترغب فى تفجير الأوضاع، وأنها تحفظ الاتفاقيات والمصالح المتبادلة وتعتمد لغة دبلوماسية غير صدامية، وربما تشكل حليفاً موثوقاً يتميز عن الحلفاء الاستبداديين العتيدين بأنه يحظى بتوافق شعبى أكبر.
لقد استفاد الإسلاميون أيضاً من خواء المنافسين وضعفهم وعدم قدرتهم على العمل الميدانى، فى مقابل نجاحهم التنظيمى الكبير، المستمد فى جزء منه من قيم الولاء والطاعة، التى تطبع أى اقتراب دينى من العمل السياسى.
ومن بين الأسباب المهمة التى قادت إلى تسيد الإسلاميين المشهد الانتخابى العربى الراهن أيضاً، استغلالهم السيئ للعاطفة الدينية لدى شعوب المنطقة. ولعل تسخير المساجد المصرية المنتشرة فى أعماق البلاد، للدعوة إلى «الإخوان» و«السلفيين» تحديداً، واستخدام قادة دينيين منابرهم الإعلامية والدعوية لترويع الناخبين من التصويت لـ «العلمانى والليبرالى واليسارى ومن لا يريد تطبيق شرع الله»، أوضح دليل على هذا الاستخدام والخلط المشين بين الدين والسياسة.
يبقى أن تسيد الإسلاميين الانتخابات العربية المقبلة سيظل هو الأقرب للتحقق على الأرجح، وستظل أسباب هذا التسيد واضحة ومفهومة، لكن الإشكال الحقيقى يكمن فى مدى قدرتهم على الوفاء بمطالب الجمهور الذى انتخبهم، وهو جمهور سيتوقع منهم ما هو أكثر من المعارضة اللفظية لإسرائيل والغرب، وما هو أنجع من الصدقات والمعونات، وسيقصيهم قطعاً عن السلطة فى حال أخفقوا فى تلبية تطلعاته وآماله الواسعة، مهما استخدموا من عواطف دينية.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟