|
امنحنى السلطة أمنحك الفتوى
نادين البدير
الحوار المتمدن-العدد: 3549 - 2011 / 11 / 17 - 09:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعث صديق سعودى برسالة عاتبة على عبارة أوردتها بمقالى الأحد الماضى تحت عنوان (ميليشيا الشرطة الدينية.. قريباً) كنت أصف بتلك العبارة جرأة الإسلاميين بالتعبير عن نقدهم للسياسى، وكيف أنهم لا ينافقونه رغم إنجازاتهم الكبيرة فى خنق الحياة، يقول الصديق إن الإسلاميين ليسوا جريئين ولا يحزنون، بل إنهم أكثر من يجامل ويطبل للسياسى وهل نسيت العلاقة التاريخية التى تجمع بينهما؟
ربما بدا تعبيرى كأنه تعميم، إذ إن عدداً من أبناء تيار يشارك فى التوقيع على بيانات تطالب بتغييرات سياسية جريئة ليس دليلاً على صراحة ووضوح جميع المنتمين لهذا التيار. إذا استثنينا هذه المجموعة فسنجد أن البقية المتبقية منهم إما إرهابيين خارجين على الإنسانية وعلى طاعة النظام أو من يطلق عليهم السياسى لقب (الفئة الضالة)..
وإما فئات خرجت على الإنسانية بشطحاتها وظلمها لأفراد المجتمع، لكنها لم تخرج على رفقة النظام.. فئات (غير ضالة).. فئات مسالمة تم ترويضها، أو أنها من قامت بترويض السياسى بطريقتها المهادنة المهددة ضمن إطار علاقة المصالح المتبادلة التى يمكن اختصارها بعقيدة: امنحنى السلطة أمنحك الفتوى، تلك هى الأغلبية التى قد يحدث أن تدخل فئات منها المعتقل بأمر سياسى فتخرج منه عصا بيد السياسى.. عصا لا تعصى، تبيح أو تحرم الأحكام وتتغير فتاواها بتغير المزاج السياسى العام.. ويصبح التحول ١٨٠ درجة فى الأفكار أمرا محتما علينا تصديقه والتعامل معه. هؤلاء يمثلون أكثرية التيار الدينى، هم أصحاب الفتاوى التحريمية المخزية، فإضافة للمحرمات الثقافية والاجتماعية التى نعانى منها والتى ذكرتها سابقاً فهناك المحرمات السياسية.
هناك الفتاوى التى تحصر العمل السياسى ضمن نطاق محدود جداً من البشر، وتحرم الآخرين من ممارسة أى نشاط. فتاواهم تحرم التظاهرات وتعتبرها خروجا على إرادة الحاكم. فتاواهم تحكم على أى مطلب سياسى مهما كانت بساطته وبداهته بالخروج على طاعة ولى الأمر (الحاكم) المقترن بعرفهم بالخروج على طاعة الله بحسب الآية «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم»، تحت مظلة الحكم القائم على أسس دينية، يستمد الحاكم شرعيته من الله فكيف يمكن للشعب انتقاده؟
وتحت مظلة الحكم الدينى يتم تحريم مؤسسات المجتمع المدنى، لأنها حسب قولهم مسمى تغريبى، فالأجدر القول بمؤسسات المجتمع الدينى. يحرمون الأحزاب ويحرمون التجمعات والتيارات السياسية وجميع الاتحادات. يحرمون الانتخابات، ويحرمون الديمقراطية والحرية وكل القوانين، أما التشريع فمجموعة من الأحكام تتغير بتغير الأحوال. محرماتهم السياسية لا تنتهى.. تحريم التعددية الفكرية، وسيادة الرأى الواحد. هذه النقطة التحريمية ضمانة مهمة جداً ليتبع كل أفراد المجتمع فكراً واحداً. أحياناً أتخيل أن طلسما (أو فتوى) قرأه ثم نفخه أحد ( المشايخ) فوق رؤوسنا، فتسببت بهذه القطعان البشرية الوديعة التى تمشى فى الأرض وراء أحد الرعاة دون أى انحراف سلوكى أو فكرى عن المسار مصدقة بسذاجة مفرطة خرافة أن الله ضد الفكر، وتحريم قوانين الأحوال الشخصية وكل اتفاقيات حقوق الإنسان لأنها اتفاقيات ضد الله.
هناك ميثاق غليظ يجمع السياسى برجل الدين، ينحنيان لبعضهما أدباً ويربتان على ظهر بعضهما فى الشدائد ويعتقدان أن شرعية كل منهما مستمدة من وجود الآخر، لذا تجد السياسى (رغم ليبراليته الخاصة فى حياته العادية) متمسك بتطبيق شعائر وأحكام رجل الدين المتشدد بتطرف لدعم الحكم وإبقائه كنشأته الأولى، وفى المقابل فإن رجل الدين يعلم تماماً قيمته الأدبية لدى السياسى، ولا يقف ساكناً دون استغلال ذلك لمصلحته، والنتيجة الطبيعية انتشار حكم ثنائى يتجاهل كل التيارات الفكرية الموجودة ويتجاهل الطرف الأهم فى معادلة الحكم وهو: المواطن.
أتمنى ألا يصل الربيع العربى لهذا الحد لكن كل المحرمات السابقة هى نتائج حتمية (لا فكاك منها) لتدخلات التيارات الدينية بالحكم وأهله. عندها، حتى معجزة الثورة، حتى تظاهرات الملايين والميادين ستعلن جميعها لحظة موتها بأمر سماوى، وأعيد سؤالى المطروح بمقالى السابق: من يصوت بصناديق الاقتراع العربية لهذا المستقبل؟
#نادين_البدير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميليشيا الشرطة الدينية.. قريباً
-
حياتى كعازبة
-
متى أستطيع..؟
-
فتوى المرضعات الجدد
-
ما بكم؟ وما كل هذا الغضب؟
-
أنا وأزواجى الأربعة
المزيد.....
-
شيخ الأزهر عن مأساة غزة: المجتمع الدولي أصابه الانفصام العال
...
-
عمل في مصر 50 عاما.. تفاصيل عالم الآثار الإسرائيلي الذي عاش
...
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
-
أزمة مشتعلة بين الصحفيين والأوقاف المصرية والأخيرة تبحث قرار
...
-
لِيلي غرينبرغ.. مسؤولة يهودية استقالت من إدارة بايدن احتجاجا
...
-
فيديو.. فلسطينيو 48 يشدّون الرحال إلى المسجد الأقصى
-
“انسي الملل وفرحي عيالك” ضبط ترددات قناة طيور الجنة على جميع
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
-
مصر.. سورة بالقرآن يستشهد بها نجيب ساويرس: -تعارض أن الدين ع
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف هدف حيوي في إيلات
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|