أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عبدالله مطيويع - الترحال بين: سجن القلعة – سجن الجزيرة ـ جزيرة جداـ سجن سافرة ـ سجن جو















المزيد.....

الترحال بين: سجن القلعة – سجن الجزيرة ـ جزيرة جداـ سجن سافرة ـ سجن جو


عبدالله مطيويع

الحوار المتمدن-العدد: 1051 - 2004 / 12 / 18 - 12:33
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


(حتى الآن لا أصدق أن حرية الكتابة متاحة في كل شيء، كما لو أن فخاً منصوباً للذين في الخارج أن يعودوا إلى الفخ أو أن كل الذين حفظوا الأسرار تحت أقسى ظروف العذاب وحفظوا أرواحاً وعلى مدى سنين طوال. حتى تم استدراجهم للبوح بما في صدورهم)


الحلقة الأولى

كان عدد من السجناء الجنائيين شديدي التضامن مع المعتقلين السياسيين وكان أبرز هؤلاء سجين اسمه (جاسي) بكسر السين واسمه الحقيقي جاسم تراب، وإبراهيم حبيب من رأس رمان وعزيز عبد الرسول الذي صار فيما بعد رفيقاً لبونفور. وجاسي من السجناء الذين اعتادوا ارتياد السجن بشكل منتظم، وتحتفظ مخازن السجن بنفس الفراش مطوياً ينتظر عودة جاسي. فمعظم الأحكام التي تصدر ضده قصيرة عبارة عن أشهر وجلها بل جميعها أنه يسكر حينما يرتكب حماقات تتراوح بين الشجار وحتى مع الشرطة الذين يذهبون للقبض عليه (وغالباً ما يكون سكراناً) وكثيراً من الناس الذين يتشاجر معهم يتنازلون عن حقهم في مقاضاته وذلك لطرافته وذكائه وطيبته، وشجاعته أيضاً. وجاسي تراب هذا يجيد ثلاث لغات إجادة تامة الإنجليزية والفارسية والأوردو، وتأتي العربية في المقام الرابع أو الثالث.

استخدم ذكاءه وفطنته بالدرجة التي اعتمدته إدارة السجن بمثابة حلال لكل المعضلات التي تستعصي على الشرطة الذين كانو أميين أو شبه أميين وفي أحيان عدة مترجماً بين مسئولي الشرطة والسجناء في سجن القلعة أو في سجن جزيرة جدا. في أحد الأيام أمام باب الزنزانة كان مسئولاً عن مطبخ السجن ومعه العديد من السجناء الذين يقوم بتوزيعهم في عملية الإعداد للطبخ أو توزيع الأكل. في ذلك اليوم وفجأة كان أمام باب زنزانتنا يوزع صحون الرز ويشير بإشارة تجاه صحن الرز. كانت أول رسالة عن أخبار الانتفاضة في الخارج. خلال توزيع الوجبات يكون الشرطي مرافقاً يفتح أقفال الزنازن ويغلقها زنزانة زنزانة. جاسي تراب لديه سحر مؤثراً على السجانين، فهو الوحيد الذي يتهاون السجانون معه. كان قليل الكلام وكثير الإشارة، وبارعاً في إرسال ما يريد من إشارات أو رسائل، دون أن يلتفت إليه المرتزقة.

في العام 1965 وفي الزنزانة رقم 5 التي جمعتني والمناضل علي دويغر (وكان واثقاً ومبتسماً طوال الوقت وتعلمت منه الدرس الأول في السجن، أن تكون واثقاً وباسماً) وضع جاسي صحن الغذاء بيده اليمنى وراح بيده اليسرى يمط اذنه اليسرى.لم أكن قد تعرفت على حيل السجن ورموزه لكني أحسست أن هذه الحركة تنم عن "مسج" رسالة يريد توصيلها، وحين نظرت إلى وجه الأخ علي دويغر وجدته يبتسم.

بعد أن اقفل الشرطي باب الزنزانة. قال لي علي دويغر هناك في الحمام أودع جاسي لنا شيئاً من المحرمات على المعتقلين.

من قوانين السجون في البحرين أن يتم إخراج المعتقلين إلى الحمام ثلاث مرات فقط أي بعد كل وجبة، ولا يفتح باب الزنزانة بأي حال من الأحوال، فلدى المعتقل علبة طلاء (صبغ) قديمة فارغة يتبول فيها ويقضي فيها حاجته إذا اضطر لذلك. وفي الزاوية الأخرى من الزنزانة "صطل" حديدي به ماء الشرب و"بالدي" فقط.

بعد أن أكلنا صحن الرز المرشوش بصالونه البوبر حبة حبة تأهبنا للخروج للحمام وفي الطريق للحمام نمر بزنزانة المرحوم أحمد حارب رقم 4 المقيد بالقيد (بالهافكري) طوال الوقت. يفتح القيد (الهافكري) في الحمام، وتليه زنزانة بها عبد الله القصاب وخليل إبراهيم الظاعن وجميل المسقطي وعلي محمد حسن المدفع ومحمد عبيد اليماني وكريم الشكر اللذين صمدوا تحت ضربات الجلادين. وفي الطريق إلى الحمام هناك زنزانة يقبع بها علي ربيعه وحميد العلوي وعلي الشيراوي وعيسى الذوادي، بالإضافة إلى محمد جبارة وجميل فالح بعد أن فك قيدهما كسجناء جنائيين (كان الحكم 3 شهور) بعد انتهاء حكمهما كجنائيين وأودعا الزنزانة بعد انقضاء مدة حكمهما.

الحمام لقضاء الحاجة فقط.. ممنوع الاستحمام .. ممنوع الكلام .. ممنوع التبول إلا في العلبة الصدئة في زنزانتك: حين يدخل المعتقل الحمام يقف الشرطي بسلاحه مسافة قصيرة وذهنه وأذناه مسلطة عليك وتسمع دبيب حذائه ذهاباً وإياباً وحمحمته التي تبدأ وتنتهي عند آخر ممر للمراحيض وكأنه يريد إشعارك أنك لست خارج سلطة وسطوة السجن حتى في الحمام. ولك أن تتخيل تواجدك في حمام لقضاء حاجتك على أنغام حمحمة الشرطي !!!

قبل خروجنا من الزنزانة قال لي الأخ علي: في الحمام فتش كل مكان، كل الشقوق والفتحات وإذا استطعت التسلق إلى سقف الحمام والوصول إلى الفراغات التي بين فتحات الإزبستو فهناك أكثر الأماكن ضمانة لتبادل الأشياء. كنت نحيفاً رشيقاً خفيف الوزن ولي تجربة في تسلق الجدران (كنت قد هربت من منزلنا عبر تسلق جدران الجيران في 1965 وكان عمري 17 عاماً وقبضوا على آخي كرهينة، بينما أطلق سراح والدي كي يبحث عني . عرض الحمام كان حوالي متراً وارتفاعه حوالي ستة أمتار. وضعت الرجل اليمنى يمين الجدار واليسرى يساراً ودفعت بثقل جسدي في الاتجاهين وبحركة الضغط في الاتجاهين وحركة بسيطة نحو الأعلى وصلت إلى سقف الحمام. وبسرعة البرق فتشت عيناي فتحات السقف ما بين نهاية الجدار والإزبستو لم أعثر على شيء لكنني كنت فرحاً جداً أنني استطعت الوصول إلى هناك.

لم يمهلنا الشرطي أكثر من خمس دقائق فبدأ ينادي (يلا حمام خلاص وقت) أي انتهى وقت الحمام.

في العادة، وبعد أن يعيدوننا إلى الزنزانة ويقفلون الباب، يقف المعتقل يطل من كوة الزنزانة ليرى الذاهبين إلى الحمام ، إذا ما تسامح معك الحارس وفي العادة يزجرك وبعضهم يدخل كعب البندقية في الكوة ليبعدك عن الباب.

كنت قرب الباب حين فتح الحارس زنزانة 6 وكان بها عبد الله هرمس وإبراهيم هرمس (تم القبض عليهما لأنهما أخفيا في منزليهما بالمحرق أحمد الشملان وراشد القطان وشاكر عقاب. في الزنزانة 7 كان محمد بونفور ومحمد جابر الصباح وسبت سالم وفي الزنزانة 8 كان أحمد بوجيري ومحمد توست ومحمد سيف عجلان.

كان المعتقلون موزعين في سجون القلعة: على سجن القلعة الذي نحن فيه والبرج الجنوبي الغربي والزنزانة رقم (1) خارج (الجيل) ملاصقة لمكتب السجن، وقد وضعوا بها الشيخ الضرير أحمد إبراهيم المطوع الذي كان ممرضاً ومنفاخ حداد محرضاً من الطراز الأول لانتفاضة مارس 1965 من مسجد مجرن في1965 قبيل الانتفاضة كانت خطبه هي التي أوقدت الشرارة ولكثرة أعداد المعتقلين اضطرت إدارة الشرطة والأمن العام إلى استخدام فصول المدرسة الخاصة بالشرطة (داخل القلعة) وتحويلها إلى زنازن جماعية تسع العشرات.

كنت عند الباب أراقب الذاهبين إلى الحمام، في زاوية الزنزانة كان الأخ علي دويغر يخرج من بين ثنايا الهاف (لفافة ورق). جريدة بداخلها نصف رغيف وتتوسطها قطعة حلوى.

كانت قطعة الخبز والحلوى أشهى وألذ من كل حلوى العالم وكانت قصاصة الجريدة تلك أثمن وأمتع من كل ما قرأ المرء من صحف بيروت.

فيما بعد اتفقنا مع جاسي تراب أن يكون سقف الحمام مكاناً لتوصيل الممنوعات لنا.

بعد أن قرأنا قصاصة الجريدة بشغف الملهوف كان لابد من طريقة لإيصالها إلى باقي الأخوة وكان لابد من إخفائها في مكان آمن في الزنزانة احتياطاً من المداهمات والتفتيش. كان عقاب من يكتشفون عنده قلم رصاص أو ورقة بها كتابة أو أياً من الممنوعات هو الحرمان من الوجبات إلا من رغيف واحد وبالدي ماي في زنزانة. كان سقف الزنزانة من (الدنجل والبامبو والمنكرور) كأي بناء في البحرين. تأملت السقف وقلت للأخ علي: ما رأيك أن أركب على أكتافك لكي أصل سقف الزنزانة ؟. ، كانت الفتحات بين ثنايا الدنجل مخبأً لا تطاله إلا العفاريت.

في سجن سافرة سنة 1977 وبعدها تم استخدام سقف الزنزانة مخبأ، فقد كان أيضاً من الدنجل والبامبو (والمنكرور) لإخفاء (راديو ترانزستر) ونخرجه ليلاً ونشترك أنا والأخ شوقي العلوي في الإعداد للنشرة الإخبارية السرية التي تخرج من الزنزانه رقم (1) وتطوف الزنازن حاملة أخبار الثورة الإيرانية وأخبار العالم. كان دوري التقاط الإذاعات عن طريق سماعة الراديو والبث مباشرة داخل الزنزانة رقم (1) وشوقي العلوي يحرر النشرة لسرعته الفائقة على الكتابة وجمال خطه.

وسوف نأتي لاحقاً على تفاصيل ذلك في أوراق نضالية من سجن سافرة.



#عبدالله_مطيويع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سوناك: تدفق طالبي اللجوء إلى إيرلندا دليل على نجاعة خطة التر ...
- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن
- خبراء: حماس لن تقايض عملية رفح بالأسرى وبايدن أضعف من أن يوق ...
- البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم -المثلية الجنسية-
- مئات الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بغزة ...
- فلسطين المحتلة تنتفض ضد نتنياهو..لا تعد إلى المنزل قبل الأسر ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...
- خلال فيديو للقسام.. ماذا طلب الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو؟ ...
- مصر تحذر إسرائيل من اجتياح رفح..الأولوية للهدنة وصفقة الأسرى ...
- تأكيدات لفاعلية دواء -بيفورتوس- ضد التهاب القصيبات في حماية ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عبدالله مطيويع - الترحال بين: سجن القلعة – سجن الجزيرة ـ جزيرة جداـ سجن سافرة ـ سجن جو