أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جايمي دوران - مقابر جماعية في افغانستان...















المزيد.....


مقابر جماعية في افغانستان...


جايمي دوران

الحوار المتمدن-العدد: 237 - 2002 / 9 / 5 - 02:34
المحور: حقوق الانسان
    


 

 
Jamie DORAN

بقايا العظام باتت بيضاء، وكأنها مدفونة هنا منذ قرون، مع أن هذه الرفات البشرية لم يمض عليها اكثر من أشهر. وهي كل ما تبقى من بضعة آلاف من الشباب الذي اتكلوا على الحماية التي توفرها معاهدة جنيف، لكنهم قضوا في ظروف مرعبة إما اختناقاُ وإما إعداماً. وعند تكبير صورة الجثث يمكن بكل سهولة تمييز آثار أنياب الكلاب الشريدة التي تهيم على وجهها ليلاً في الصحراء. وتنتشر على قمة هذا الكثيب الاصطناعي الذي يبلغ طوله حوالى 50 متراً عظام الأفكاك والأضلع والسيقان والجماجم المحطمة. وحولها الثياب الممزقة تشبه الرقائق. أما عن قرب فيمكن رؤية بعض بطاقات العناوين: كاراتشي، لاهور وعناوين أخرى.

في داشت لايلي في أفغانستان بلغ عدد الرجال الذين لقوا حتفهم حوالى 3000، بعضهم كانوا قد قضوا اختناقاً خلال هذه الرحلة الجهنمية، وآخرون ناموا بين جثث رفاقهم الأسرى كانوا يصيحون ويتوسلون جزاريهم قبل أن يسقطوا تحت رشقات الرصاص. لقد اعتقدوا أنهم أتوا الى هذا البلد اللعين ليقاتلوا الكفار أعداء الله الذي يؤمنون به. هم من المتعصبين دينياً والمستعدون للتضحية بحياتهم في سبيل إيمانهم. ومن منهم كان يعتقد انه سيلقى هذا المصير الذي آل اليه وهو يغادر باكستان وتشيشينيا وأوزبكستان أو سائر الدول العربية للانطلاق في عملية الحج الجماعية هذه.

أفغانستان هي الحلقة الرئيسة في الحلم الاسلامي الشامل. وكان هذا البلد الذي أقفر بعد عقود من الحروب (ضد الأجانب كما في ما بين الأفغان أنفسهم) قد تحول في ظل حكم طالبان محجة جميع الذين اعتنقوا ديانة القرآن. وقد أدرك العالم تفسيرهم الخاص لكلام الله بفضل تلك الصور السرية لنساء متلحفات بالبرقة، يعدمن في الملعب الكبير في كابول لجرائم عقوبتها في الغرب خفيفة جداً او لا عقوبة عليها. وهذا العالم نفسه يدرك أيضاً انه في ظل طالبان تحول هذا البلد احد أكثر منتجي الهيرويين في العالم.

في يوم من نيسان/أبريل عام 2001 كنت واقفاً على ضفة نهر آمو داريا الذي يفصل بين أوزبكستان وجارتها من جهة الجنوب. كنت اقوم بتحقيق حول الخط الجديد لتهريب المخدرات عبر آسيا الوسطى وعلى مسافة لا تتعدى المائتي متر من المكان بدا حراس الحدود في ظل أنقاض مرفأ حيراتون؟؟؟ الاسمنتية، والذي كان فيما مضى نقطة عبور استراتيجية لآلاف الأطنان من الاسلحة السوفياتية  ولعشرات الآلاف من الجنوده. والى الشرق مني جسر الصداقة، الاسم على غير مسمى، يربط بين ضفتي النهر لكنه مقطوع بواسطة صخور ضخمة في وسطه. وبعد أشهر، أي في اواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001، ساعدني بعضهم في اجتياز الجسر نفسه سراً عند الفجر، واكتشفت أن هناك ممراً ضيقاً بين الكتل الصخرية. قادني "حراسي" من الأوزبك ليستقبلني حنود من تحالف الشمال، الذي كان قد استولى ليس على حيراتون وحسب بل على مدينة مزار الشريف الاستراتيجية التي تبعد مدة 50 دقيقة عبر الطريق المحاذي للنهر.

ومعركة مزار الشريف كانت الأهم في الحرب الأفغانية الأخيرة. والشخصية الرئيسة فيها كان الجنرال عبد الرشيد دستم، وهو من المخططين العسكريين واحد أسياد الحرب الأكثر مهابة في أفغانستان كلها. وفي ما يشبه العودة الى القرن التاسع عشر علمنا انه أرسل الفاً من الخيالة في هجوم على قمم مزار شريف الغربية للإغارة على مراكز المدفعية الثقيلة لطالبان. ويوضح دستم قائلاً: "ما كانوا يتوقعون ذلك، ولو اني ارسلت مشاة لكانت القذائف شلّعتهم. اما على الجياد فقد تمكنوا بسرعة من الدخول وراء محيط مدى نيران الأسلحة الثقيلة مما اضطر عناصر طالبان الى الفرار." وقد سقط في هذا الهجوم ثلاثماية خيال وبالرغم من هذه الخسارة بدأ انهيار طالبان.

قبل اسبوعين كان العقيد حسن  وهو بمثابة اليد اليمنى لدوستم قد أعلمني سراً أنه في الساعات التي تتم فيها سيطرة دستم على مزار شريف سيطلق تحالف الشمال الهجوم النهائي. وقد نفذت الخطة كما كان متوقعاً، لكن ما لم يكن متوقعاً كلياً هو حجم وسرعة إنهيار حركة طالبان. وعملياً سقطت كابول بدون مقاومة تذكر، وقد فر عناصر طالبان، بعد ان انسحبوا من كوكشا في الشمال الشرقي ومن تولوقان ومزار الشريف في اتجاه الجنوب وصولاً الى قندز حيث وقع في الفخ المنصوب لهم حوالى خمسة عشر ألفاً من مقاتلي طالبان ومن ضمنهم بضعة آلاف من مناصريهم الجانب بعد أن حاصر المدينة مقاتلو تحالف الشمال الذين بلغ عددهم الضعف. فتمكن البعض من الفرار نحو الجنوب عبر ممر ضيق ووافق البعض على تغيير انتمائهم إنقاذاً لأنفسهم (وهي ظاهرة جارية خلال هذه الحرب). أما الآخرون فقد بات مصيرهم بين أيدي المفاوضين.

وفي خضم هذه المفاوضات كان هناك سيد آخر من أسياد الحرب، هو السيد امير خان الذي يحظى بثقة الجميع. "جميع القادة في قندز كانوا بالنسبة الي رفاق السلاح وأصدقاء. لقد قاتلنا جنباً الى جنب منذ بضع سنوات وقد طلبوا الي أن ألعب دور الوسي مع تحالف الشمال كي نضع حداً لكل هذا بالتفاوض وليس بالمعارك. وكان بعض هؤلاء القادة، ومنهم مرزي نصري وآجي عمر وأرباب هشام، قد أقنعوا تنظيم القاعدة ومجموعات أجنبية أخرى بالانضمام الينا".

وبحسب المقترحات الولى التي عرضت على تحالف الشمال فان قادة طالبان أبدوا استعدادهم لتسليم سلاحهم الى الأمم المتحدة أو الى أي قوة أخرى متعددة الجنسية مقابل بعض الضمانات. "كنت موجوداً عندما وصل اثنين من الملا (من طالبان) هما فيصل ونوري مع آخرين للاجتماع في قلعة جانغي ما بين الجنرالات دستم ومقاق وعطا. وقد شارك في اللقاء أميركيون وبعض الانكليز أيضاً. وقد تقرر ان يسلم أفغان قندز سلاحهم ويعودوا الى ديارهم, فيما يسلم مقاتلو القاعدة وسائر الأجانب الى الأمم المتحدة."

وقلعة جانغي، الحصن المنيع في ضواحي مزار الشريف، التي جعل منها دستم، على غرار طالبان قبله، مقراً للقيادة العامة، ستصبح في صلب الأحداث الآتية. الا أنه وفيما كان البحث جارياً لتسوية الأمور تدخل وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد. ويبدة انه خشي أن يسمح إنهاء الحصار بالتفاوض الى عودة المقاتلين الجانب أحراراً من حيث أتوا: "سوف يكون من المؤسف ان تطلق حرية بعض الأجانب في أفغانستان، من جماعة القاعدة والشيشان وغيرهم ممن شاركوا مع طالبان، فيتمكنوا فيما بعد من ارتكاب الأعمال الارهابية نفسها في بلد آخر." وقد اكد في الأيام التي تلت ذلك: "ىمل ان يقتلوا أو يأسروا. فهم اناس قاموا بأعمال فظيعة."

والحال انه لم يكن لقادة تحالف الشمال ان يصموا آذانهم حين يعبر عن رأيه بهذا الشكل حليفهم وممولهم الرئيسي، عدا عن أنهم كانوا موافين على ذلك. "الانتقام" هو عملياً الرياضة الوطنية وهو يخيم على المدينة تعطشاً للدماء. وبدا أن المجزرة محتمة.

هذا الطابع الخطير في الوضع لم يفت السيد أمير خان الذي لعب دون كلل دوراً مكوكياً بين الأطراف المتعارضة على امل تفادي الأسوأ. وفي النهاية تم التوصل الى اتفاق في 21 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001: تستسلم جميع قوات طالبان الى تحالف الشمال مقابل الحفاظ على حياتها.

وهكذا اقتيد حوالى 470 عنصر أجنبي من طالبان (ومن ضمنهم كثيرون يشتبه في أنهم ينتمون الى تنظيم القاعدة) الى قلعة جانغي حيث سجنوا في الأنفاق الموجودة تحت اسوارها الضخمة. وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001، وصل الى المكان عميلان من وكالة المخابرات المركزية الأميركية للقيام بالاستجوابات الفردية. وفيما التحقيقات جارية انفجرت حالة من التمرد، إذ فاجأ بعض عناصر طالبان الحراس وسيطروا على أسلحتهم وراحوا يطلقون النار. وفي بضع دقائق قتل جوني "مايك" سبان إضافة الى حوالى ثلاثين جندياً من تحالف الشمال. وقد تبع ذلك معركة منظمة زادت احتداماً عندما تمكن عناصر طالبان من السيطرة على مستودع الأسلحة في الحصن الواقع داخل السور المسجونين فيه وهذا ما يبدو على اكبر قدر من العبثية. فطلبت القوات الأميركية على الأرض مساندة جوية فيما كان رجال القومندوس البريطانيون يحضرون لهجوم مضاد. وبعد ثلاثة أيام من المعارك لم يبق في الحصن عنصر واحد من طالبان على قيد الحياة، وهو الأمر المفاجئ. فمن المعهود، في نهاية أي عملية عسكرية ان يوجد على الأقل بعض الناجين، وإن مصابين بجروح بليغة.

وقد سارع الصحافيون الغربيون، المتواجدون بالمئات لدى استسلام قندز، الى قلعة جانغي. وإذ احتموا في السور المجاور أو أحياناً أبعد قليلاً، كانوا يبعثون البرقيات المثيرة. فتركز الاهتمام الاعلامي العالمي على قلعة جانغي، خصوصاً بعد أكتشف في الأنفاق وجود عنصر من طالبان أميركي، هو جون واكلر ليندت و85 عنصراً من الناجين.

وبقدر ما يبدو أن هذا المر لا يصدق، يبدو ان أحداً لم يتساءل عن مصير سائر المقاتلين الذي سلموا أسلحتهم في قندز. والحال أن مصير هؤلاء الآلاف من الشباب الذي يحرك الدعوات الى تحقيق دولي حيادي إثر عرض فيلمنا امام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ. فما حدث لهؤلاء الرجال سيكون وصمة عار دائمة في حق تحالف الشمال، ومنظمة الأمم المتحدة وحكومة الولايات المتحدة وجسمها العسكري. ذاك انه في حصن آخر لم تأتِ على ذكره البرقيات الغربية بدأت هذه المقتلة التي قضى فيها حوالى 3000 أسير.

ولنعد الى حديث السيد أمير خان الذي شارك في مفاوضات الاستسلام. "لقد أحصيتهم واحداً واحداً، كانوا 8000. أما الان فلم يتبقَ منهم سوى 3015. وهذا العدد سشمل بعض الباشتون من قندز الذين لم يشكلوا جزءاً من الذين اعتبروا أسرى في الأساس. فأين ذهب الآخرون؟" والجواب عن هذا السؤال موجود في جزء منه على الأقل على عمق 50 متراً تحت هذه الرمال في عمق صحراء داشت لايلي.

والحساب بسيط، فهناك 5000 شخص لم يكونوا موجودين لدى إجراء التعدادقد البعض منهم تمكن من الفرار، والبعض الآخر اشترى حريته، وآخرون ربما بيعوا كل الى أجهزة مخابرات بلاده لكي يلقوا مصيراً أسوأ من الموت, لكن بحسب بعض الشهادات المهمة التي أمكننا جمعها خلال ستة اشهر من القيام بالتحقيق، فان غالبيتهم قد دفنوا بكل بساطة تحت الرمال. ونحن لم ندفع لأي من هؤلاء الشهود كما أنهم عرضوا أنفسهم لمخاطر كبيرة بسبب مشاركتهم في فيلمنا.

والقصة تبدأ في قلعة زايني على الطريق التي تقود من مزار الشريف الى شيبرغان، هذا الحصن الضخم حتى بالمقاييس الأفغانية قد استعمل كمخيم مؤقت لنقل الآلاف من الرجال الذين أسروا في قندز. فرسمياً كان من المفترض أن ينقل هؤلاء الجنود المهزومين الى سجن شيبرغان، حيث كان يجب ان يبقوا قيد التوقيف ريثما يخضعون للاستجواب من جانب خبراء أميركيين، على أن ينقل من يحكم بسجنه الى غوانتانامو في كوبا.

في قلعة زايني كانوا يجبونهم على البقاء جالسين أرضاً جنباً الى جنب في حقل واسع مسور. وسرعان ما وصلت قافلة من الشاحنات تحمل على قواعد هياكلها مستوعبات من الفولاذ المقوى. فاجبر الأسرى على السير في رتل إحادي ليحشروا في المستوعبات. ويروي أحد ضباط تحالف الشمال فضل عدم ذكر اسمه ما يلي: "كنا مسؤولين عن نقل الأسرى. في زايني تولينا أمر 25 مستوعباً نقلت الى شيبرغان. وقد ملأنا الواحد منها بحوالى 200 شخص."

وإذ كدسوا فوق بعضهم مثل السردين في العلب المعدنية حيث هواء ولا نور  في حرارة تزيد عن 30 درجة مئوية راح عناصر طالبان يطلبون الرحمة. ولم تتأخر الاستجابة لطلبهم بحسب ما يؤكد أحد الجنود الأفغان، الذي اقر بأنه هو نفسه قتل بعض الأسرى: "أطلقت النار على المستوعبات لأحدث فيها الثقوب من أجل التهوئة ولقد سقط بعض القتلى." وعندما سئل: "هل انت شخصياً أطلقت النار لفتح الثقوب في المستوعبات؟ ومن اعطاك الأمر؟ اجاب: "إن قادتنا هم الذين أصدروا الأمر."

لكن وراء صراحة هذا الرجل الكثير من الوحشية. فالكثير من ثقوب الرصاص التي عايناها على المستوعبات موجودة في أسفل أو في وسط جدرانها وليس في اعلاها حيث كان يمكن فعلاً تأمين التهوئة وتوفير فرص النجاة للأسرى.

احد سائقي التاكسي كان قد توقف على إحدى محطات الوقود المرتجلة المتكاثرة على الطرقات الرئيسية يروي: "يوم نقل الأسرى من قلعة زايني الى شيبرغهان، توقفت للتزود بالوقود، وكانت تفوح رائحة غريبة فسألت صاحب المحطة عنها فقال لي أنظر واءك، فرأيت ثلاث شاحنات محملة بالمستوعبات، والدم يسيل من كل مكان فيها. وقف شعر رأسي، إنه لأمر مرعب. واردت أن أغادر المكان لكنني لم أستطع لأن إحدى الشاحنات كانت معطلة وسيارة التصليح كانت تقطع علي الطريق."

اما المشهد الذي لقت انتباهه ولا يقل رعباً عن الأول فكان في اليوم التالي أمام منزله في شيبرغان: "رايت ثلاث شاحنات تمرّ بمستوعباتها وهي أيضاً كانت تقطر دماً." وبعض هذه المستوعبات لم يثقب بالرصاص الذي يأتي بالخلاص من الموت. ولا شك ان السرى فيها ظلوا ينازعون مدة خمسة ايام فيموتون اختناقاً وجوعاً وعطشاً. وحين فتحت في النهاية لم يبقَ فيها من شاغليها الا البول والدم والبراز والقيء واللحوم المتعفنة.

والسؤال الأول الذي يتبادر الى الذهن عند دخول سجن شيبرغهان هو التالي: "هل يعقل أن هذا البناء الذي أعد ليستوعب 500 سجين على الأكثر، يمكنه استيعاب ما يفوق هذا العدد بخمس عشرة مرة؟ وهل انه من باب الصدف ان يكون العدد الأكبر من الذين كان يفترض نقلهم اليه لم يصلوا أبداً؟

وقد رصفت المستوعبات بحمولاتها من الذبائح البشرية أمام السجن. وكان أحد الجنود المرافقون للقافلة موجوداً في المكان حين تلقى الضباط المسؤولون عن السجن الأموامر بمحو كل اثر للعملية بسرعة. "كان معظم المستوعبات مثقوباً بالرصاص. وفي كل مستوعبما بين 150 و160 قتيل. بعض المساجين كان ما يزال يتنفس لكن معظمهم كان ميتاً. فطلب الميركيون الى أهل شيبرغهان أن يبعدوم عن المدينة قبل أن يصوروا بواسطة الأقمار الصناعية."

هذه التهمة بالتواطؤ الأميركي سيكون نقطة حساسة في أي تحقيق محتمل، فالقانون الدولي في هذا المجال او حتى القانون الوطني أو العسكري من جهة اخرى يستند في جزء كبير منه على إعادة بناء تسلسل الأوامر التي نفذت الجريمة على أساسها، وبمعنى آخر سيكون المطلوب معرفة من تولى قيادة العمليات في شيبرغهان.

التقينا اثنين من سائقي الشاحنات من منطقتين مخلفتين والذين قادانا، بفارق بضعة أيام الواحد عن الآخر، الى المكان نفسه في الصحراء. وإذ بدا عليهما الانزعاج من الدور الذي لعباه في القضية، بدا أعطيا الرواية المرعبة نفسها عن الرحلة ما بين قلعة زايني الى داشت لايلي عبر شيبرغهان.

يقول السائق الأول: "كان هنالك حوالى 25 مستوعباً. وقد كانت الظروف سيئة لانه لم يعد بامكان الأسرى التنفس. عندها أطلقت النار على المستوعباتفقتل الكثير من الأسرى. وفي شيبرغهان أنزل اولئك الذين حافظا على نسمة حياة. لكن الكثير من عناصر طالبان كانوا قد غابوا عن الوعي لأنهم جرحوا أو لأن الوهن أصابهم. هؤلاء نقلوا الى هذا المكان الذي يسمى داشت لايلي حيث صفوا. وقد قمت بثلاث رحلات الى المكان وفي كل مرة كنت أنقل 150 سجيناص. كانوا يصرخون ويعولون فيما تطلق النار عليهم. وقد قام بالرحلة نفسها عشرة او خمسة عشر سائقاً."

ويقول السائق الثاني: "طلبوا الي تشغيل شاحنتي في مزار الشريف دون ان يدفعوا لي اي شيء. رفعوا المستوعب فوقها ثم نقلت الأسرى من قلعة زايني الى شيبرغهان ومن ثم الى داشت لايلي حيث قضى اطلق عليهم الجنود الرصاص. بعضهم كان على قيد الحياة، جريحاص او فاقد الوعي. لقد أتوا بهم الى هنا فأوثقوا أيديهم ثم اطلقوا عليهم الرصاص.قمت بثلاث رحلات ذهاباً وإياباً ناقلاً الأسرى. والعدد الاجمالي الذي نقلته الى هنا يتراوح ما بين 550 و600 شخص."

وبالرغم من العديد من شهادات أهل القرية ومن السائقين وجنود التحالف الشمالي، ما يزال البنتاغون يصر على نفي أي وجود اميركي في شيبرغهان أو في داشت لايلي في ذلك الوقت. ويوضحالكولونيل دايفد لابان من القيادة المركزية قائلاً: "لم يتواجدوا كلياً في تلك الناحية." ليؤكد ان تحيقاً داخلياً قد بين أن أي جندي أميركي لم يكن متواجداص في المكان ولم يكن شاهداً بأي شكل على الأعمال الوحشية. وقد رفض اي طلب باجراء تحقيق في الموضوع.

الشائق الثاني: "كان هناك من جماعات الجومبيش [وهم أفغان من الاتنية الأوزبكية] في سجن شيبرغهان. لم ارَ أميركيين هنا في داشت لايلي، لكني رأيت بعضهم في السجن، كما يمكن ان يكونوا قد لازموا الشاحنات."

ويجيب السائق الثاني عندما يسأل حول التواجد الأميركي: "نعم كانوا معنا هنا، في داشت لايلي." وحول عدهم يقول: " كان هناك تاكثيرون، ربما ما بين الثلاثين والأربعين. رافقونا في النقلتين الأوليين لكن لم أرهم في المرتين الأخيرتين.

وبعد شهرين ما تزال آثار جرافات البولدوزر بادية في مكان المقتلة في داشت لايلي، فقد دفعت الجثث الى الحفر ودفنت تحت أطنان من الرمال.

وبحسب شهود عيان أن أولئك الذين صمدوا في الرحلة من قلعة زايني الى معتقل شيبرغهان قد شهدوا على يد الجنود الأميركيين مصيراً ليس أفضل من مصير اخوانهم الذي طمروا تحت الرمال. فاحد الجنود الأفغان يؤكد أن رأى جندياً أميركياً يقتل أسيراً من طالبان كي يخيف الاخرين ويجبرهم على الكلام. "عندما كنت جندياً في شيبرغهان رأيت جندياً أميركياً يدق عنق أحد السجناء. وفي مرة أخرى سكبوا الأسيد أو ما يشبهه عليهم. كان الأميركيون يفعلون ما يشاؤون كان كل شيء في يد القيادة الأميركية."

وعى ذلك يشهد أيضاً أحد جنرالات تحالف الشمال، كان قد توقف في المكان في وقتها: "أنا كنت هناك وقد رأيتهم يطعنونهم بالسكاكين في سيقانهم ويقطعون ألسنتهم ويقصون لحاهم. وأحياناً أحسست أنهم يفعلون ذلك للمتعة. كانوا يخرجون مثلاً سجيناً فيوسعونه ضرباً ثم يعيدونه، لكن احياناً ما كان السجين يعود."

وجميع الشهود الذي يظهرون في فيلمنا أبدوا استعدادهم للمثول أمام أي سلطة دولية، لجنة تحقيق او محكمة مثلاً، تتولى هذه القضية بعد تصريحاتهم. وإذا ما توفرت لهم الفرصة هم مستعدون للتعرف الى العسكريين الأميركيين المعنيين.

ربما انه بعد وقت طويل على حدوث ذلك سوف يكون من الصعب تثبيت الاتهامات بالتعذيب والاغتيال داخل معتقل شيبرغهان.لكن على بعد أربعة كيلومترات من السجن توجد حفرة مشتركة تحوي على الأرجح رفات ىلآلاف من السجناء. وإذا كان العسكريون الأميركيون قد شاركوا فعلاً فيتصفية السجناء، وإذا كانوا هم في التراتبية أصدروا الأوامر كما يؤكد العديد من الشهود وإذا كانوا امتنعوا عن التدخل فيما مئات الرجال يعدمون إعداماً فانهم يتحملون المسؤولية عن جرائم الحرب.

قد يبدو أن مجزرة "ماي لاي" في العام 1968 ومثول الملازم وليم كالي أمام محكمة عسكرية قد مضى عليها الزمن وعلى الأرجح أن العالم تغير كثيراً مذّاك، لكن المبادئ الاساسية للقانون ما تزال هي نفسها، وفي ساعة الحقيقة ليس لدى الأبرياء ما يخشونه.


--------------------------------------------------------------------------------
*  معد ومنتج تلفزيوني، عمل لمحطة بي.بي.سي. وأخرج العديد من الأفلام الوثائقية منها واحد عن المفقودين في شيلي، وآخر حول النظام السياسي في بيرماني، وواحد عن ستانلي كوبريك:

The Making of a Myth : 2001

وهو يضع اللمسات الأخيرة على فيلم وثائقي بعنوان "مجزرة في مزار"( Massacre à Mazar ) سوف يكون جاهزاً للعرض في اواسط تشرين الأول/أكتوبر.

 

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهو
 



#جايمي_دوران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...
- مميزات كتييير..استعلام كارت الخدمات بالرقم القومي لذوي الاحت ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جايمي دوران - مقابر جماعية في افغانستان...