أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى قزع - مستويات التمثيل عند عبد القاهر الجرجاني/هدى قزع















المزيد.....

مستويات التمثيل عند عبد القاهر الجرجاني/هدى قزع


هدى قزع
مختارات ثقافية

(أîêçٌçê ث‏ç‎يé)


الحوار المتمدن-العدد: 3522 - 2011 / 10 / 21 - 20:43
المحور: الادب والفن
    


مستويات التمثيل عند عبد القاهر الجرجاني





تتدرج مستويات التمثيل وفقاً لدرجة التأويل فيه ،إذ يتفاوت التأول في التمثيل _بسبب بعد طرفيه وعدم وضوح العلاقة بينهما حسياً _بين الوضوح الذي يكاد يجعله قريباً من التشبيه الصريح وبين الدقة التي تتطلب قدراً من التأول أو مزيداً منه ،عندما يصل الأمر إلى حد الغموض(1).
ورغم أن عامل الإفراد والتركيب ليس هو الحاسم في التفرقة بين التشبيه والمثل(2) عند عبد القاهر ،فإنه يعد من العوامل التي تصل بالتمثيل إلى أعلى درجات التأول ؛ ذلك أن الشبه العقلي قد ينزع من شيء واحد أو من عدة أمور مجتمعة ، كما أن وجه الشبه يتحقق في حالة التركيب من جملة من الكلام وترتيب الكلام على نحو مخصوص ،يكوّن مجموع الصورة ،حتى في حالة التركيب يتفاوت التمثيل أيضاً تبعاً لمستوى التركيب نفسه.
من أبسط صور التمثيل التي يطرحها عبد القاهر تمثيل اللفظ بالعسل في الحلاوة ذلك أن وجه الشبه هنا منتزع من أمر واحد ،حيث يمكن انتزاعه من حلاوة العسل ،والاشتراك في صفة الحلاوة أمر تقتضيه اللذة التي يسببها اللفظ للنفس ،والتي تشابه اللذة الناتجة عن حلاوة العسل(3).
أما التمثيل الذي يبدو أكثر تركيباً ، فهو الذي يكون وجه الشبه فيه منتزعاً من عدة أمور(4) ، ومثاله الآية القرآنية :" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (5).
__________________________
(1) انظر: عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة،ص82_84.
(2) يرى عبد القاهر أن التمثيل تشبيه وجهه عقلي غير حقيقي ،سواء كان مفرداً أم مركبا ،ويفضل المركب لأنه أدق تصويراً وأعظم تأثير ،أما السكاكي فيرى أن التمثيل تشبيه مركب وجهه عقلي غير حقيقي ، وأخيراً يرى الخطيب القزويني والجمهور أن التمثيل تشبيه منتزع من مركب ولذلك تدخل فيه التشبيهات المركبة أو تشبيه الصورة سواء كان الوجه فيه عقلياً أم حسياً .
انظر :السكاكي ،مفتاح العلوم ،تحقيق نعيم زرزور ،دار الكتب العلمية،بيروت ،ط1، 1983، ص140_151.
وانظر:القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة ،تحقيق عبد المنعم خفاجي ،مكتبة الأزهرية للتراث ،القاهرة ،ط3 ، 1993 ، ص57_59.
(3) انظر: عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة،ص88.
(4) يرى شكري عياد أن عبد القاهر متأثر في فكرته هذه بمعنى ترجمته عند أرسطو "الأجزاء أيضاً تقوم الأمور هكذا ،حتى إذا نقل الإنسان جزءاً ما أو دفع يَفْسَد ويتشوش ويضطرب كله بأسره " انظر: شكري محمد عياد ،كتاب أرسطو طاليس في الشعر ، ، دار الكاتب العربي ،القاهرة ،1967،ص272.
(5) سورة الجمعة،الآية رقم 5.

فالشبه هنا كما يقول عبد القاهر ، "منتزع من أحوال الحمار، وهو أنه يحمل الأسفار التي هي أوعية العلوم ومستودَعُ ثَمَر العقول، ثم لا يُحسّ بما فيها ولا يشعر بمضمونها، ولا يفرِّق بينها وبين سائر الأحمال التي ليست من العلم في شيء، ولا من الدَّلالة عليه بسبيل، فليس له مما يحمل حظٌّ سوى أنه يثقُلُ عليه، ويكُدُّ جنبيه فهو كما ترَى مُقْتضَى أمورٍ مجموعةٍ، ونتيجةٌ لأشياءَ أُلّفت وقُرن بعضها إلى بعض"(1).
فوجه الشبه ليس مستمداً من الحمل ،وإنما من الحمل مقترناً بالأسفار والجهل بها ؛ ذلك أنه ليست هناك علاقة مشابهة بين اليهود والحمار ،وإنما تتحقق في حالة اقتران الحمل بالأسفار والجهل بها .
والأمر نفسه ينطبق على تمثيل من يسعى ولا يحصل على نتيجة مسعاه وعمله بالقابض على الماء ،حيث لا يرجع الشبه إلى القبض في ذاته أو على إطلاقه ،وإنما القبض والماء والنسبة بينهما (2)،والشبه في هذه الحال لا يتحقق إلا من جملة من الكلام مرتبة بشكل متعاقب بحيث لا يمكن حذف جزء دون جزء وإلا اختل التمثيل .
ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحاً ،حين يتصاعد وجه الشبه العقلي ليصل إلى أعلى درجات التأول ، ليصبح عقلياً محضا على حد قول عبد القاهر ،حين يصبح التمثيل أكثر تركيباً ،فيقع في عدد كبير من الجمل المتوالية ،كما يتحقق في بعض الأمثال القرآنية ،يقول عبد القاهر الجرجاني:
"فينبغي أن تعلم أن المثَل الحقيقي، والتشبيه الذي هو الأوْلَى بأن يسمَّى تمثيلاً لبُعده عن التشبيه الظاهر الصريح، ما تجدُه لا يحصل لك إلا من جملة من الكلام أو جملتين أو أكثر، حتى إنّ التشبيه كلما كان أوغل في كونه عقليّاً محضاً، كانت الحاجة إلى الجملة أكثر(3).
__________________________
(1) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة،ص90_91.
(2) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة،ص94_96.
(3) يندرج تحت هذا النص معطيات عدة :
أ_ انسجام الخطاب : تنبه النص السابق إلى مسألة انسجام الخطاب ،وكيف أن التمثيل كوّن آلة لنسج خيوط الخطاب ،وبهذا غدا الخطاب في هذه الحالة سلسلة من العناصر المترابطة من أجل بناء الخطاب أولاً وضمان تماسكه وانسجامه ثانياً ،ويتجلى ذلك من خلال القول :" لا يحصل لك إلا من جملة من الكلام أو جملتين أو أكثر"،ب_ الجمل المترابطة عمداً :لا يمكن أن يتشكل الخطاب من دون وحدات عدة تعمل في شكل سلسلة مترابطة ترسم التشكل الدلالي للنص ،ويمكن ملاحظة ذلك في قول الجرجاني :" حتى إنك لو حذفت منها جملةٌ واحدةٌ من أيّ موضع كان، أخلَّ ذلك بالمغزى من التشبيه"،ج_ وظيفة السياق :لا يمكن فهم الغرض من التمثيل أو خطابه من دون ملاحظة ذلك الخطاب في تركيبة النص ،لأن هذه التركيبة توحي بالوظيفة الإشارية للتمثيل ،ولذلك اقترنت البراعة فيه بالتفطن إلى العلاقت الخفية الرابطة بين عناصر موجودات النص .
محمد سالم سعد الله ،مملكة النص ،التحليل السيميائي للنقد البلاغي الجرجاني نموذجاً ، عالم الكتب الحديث ،الأردن ،ط1 ،2007 ،
ص86
ألا ترَى إلى نحو قوله عزَّ وجلَّ: "إنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمَِّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأنْعَامُ حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنُّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أوْ نهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْس" "يونس:42"، كيف كثُرت الجُمل فيه? حتى إنك تَرَى في هذه الآية عَشْرَ جمل إذا فُصِّلت، وهي وإن كان قد دخل بعضُها في بَعْض حتى كأنها جملةٌ واحدة، فإن ذلك لا يمنعُ من أن تكون صُور الجمل معنا حاصلةً تشير إليها واحدةً واحدةً، ثم إنّ الشَبَه مُنْتَزع من مجموعها، من غير أن يمكن فَصْلُ بعضها عن بعض، وإفرادُ شطر من شطر، حتى إنك لو حذفت منها جملة واحدة من أيّ موضع كان، أخلَّ ذلك بالمغزى من التشبيه"(1).
لا تخفى هنا رؤية عبد القاهر الكلية للصورة التمثيلية حيث يقع المشبه به _الذي يوازي دورة الحياة الدنيا بمراحلها المتعاقبة ،والتي تنتهي بالزوال والفناء_في عشر جمل متوالية ومتداخلة وقد شكلت كُلاً يصعب أن يفصل فيه جزء عن الآخر ،أو يتقدم أو يتأخر عن موضعه ،حتى لا تختل الصورة المشكلة من مجموع هذه الأجزاء وفق هذا الترتيب ،وبالتالي يفتقد المغزى المستفاد منها.
وقد شكل تعاقب الجمل في هذا التمثيل نمطاً شبيهاً بالنمط القصصي الذي يعتمد على توالي الأحداث وتصاعدها ،وذلك من خلال التصوير الحسي ،الذي يبين في هذه الآية الكريمة كيف تؤول الحياة الدنيا إلى زوال بهدف استخلاص العبرة والعظة.
من هنا تحول "المثل" عند عبد القاهر إلى معنى كلي تجاوز النمط الجزئي للصورة البلاغية المعتادة .
لكن عبد القاهر لم يكن معنياً لهذه النظرة الكلية بقدر ماكان معنياً بالكيفية التي يستخرج بها وجه الشبه العقلي من مجموع هذه الصورة ،ليستدل بهذا على فكرة مؤداها أن جوهر التمثيل

__________________________
(1)عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة،ص96_97.

يتحقق من خلال بعده عن التشبيه الظاهر الصريح ، وكلما ازدادت مسافة هذا البعد أصبحت الصورة تمثيلاً ،وأياً كان الأمر ،فقد شكّل هذا النوع من التمثيل القرآني نمطاً عالياً من أنماط التمثيل عند عبد القاهر لاعتماده على التأويل العقلي ،الذي يقتضيه نوع من الغموض المستحب الناتج عن بعد العلاقة بين طرفي التمثيل ،فضلاً عن قيام التمثيل على التركيب، الذي يدعم بدوره ذلك الغموض بل الإغراق في التأويل.
لقد كان "المثل" عند عبد القاهر وضعاً خاصاً من أوضاع التشبيه والاستعارة ،لكن عنايته الشديدة بالتمثيل كتشبيه عقلي كانت هي الغالبة ،وقد تدرجت مستويات المثل بالمعنى البلاغي وفقاً لدرجة التأويل فيه ،الذي كان يرتد إلى بعد العلاقة بين طرفيه ،ثم إلى تراوحه بين الإفراد والتركيب ،حيث كان اعتماد التمثيل على التركيب عاملاً من عوامل تدعيم فكرة التأول العقلي ،الذي يميز التمثيل عن التشبيه ،كما كان عاملاً مهماً في مجاوزة النظرة الجزئية إلى التمثيل بوصفه صورة بلاغية .
وتضمنت بعض أنماط المثل(التمثيل) _عند عبد القاهر _ التعبيرات الشائعة والمتداولة ،التي تدخل ضمن الأمثال بمعنى الأقوال السائرة ،وتستخدم على سبيل التشبيه اعتماداً على الأداة أو على سبيل الاستعارة .
وعلى الرغم من تنويه عبد القاهر في بداية تناوله لموضوع التمثيل بأنه سيعرض للتمثيل من حيث اختصاصه بالشعر ،فإن تناوله لتفصيلات الموضوع جاوزت الشعر إلى النثر فالنص القرآني والأحاديث النبوية ، الأمر الذي جعله يؤكد السمة العقلانية للتمثيل ،ويدخله ضمن المعاني العقلية الصادقة مستبعداً إياه من المعاني التخييلية .



#هدى_قزع (هاشتاغ)       أîêçٌçê_ث‏ç‎يé#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في السيرة الذاتية لعائشة عبد الرحمن -بنت الشاطئ-
- تجربة الحياة والموت عند أبي العلاء المعري قراءة في ضوء اللزو ...
- مقابسة قرآنية ( أيامًا معدوة وأيامًا معدودات) تعددت الأوصاف ...
- قراءة في سيرة المؤيد لدين الله داعي الدعاة هبة الله الشيرازي
- عرض كتاب القيان والغناء في العصر الجاهلي لناصر الدين الأسد / ...


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى قزع - مستويات التمثيل عند عبد القاهر الجرجاني/هدى قزع