أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالعال البهادلي - قصة قصيرة














المزيد.....

قصة قصيرة


عبدالعال البهادلي

الحوار المتمدن-العدد: 3513 - 2011 / 10 / 11 - 23:22
المحور: الادب والفن
    


تراتيل في مقبرة

يتحرك ببطء ، يهاذي نفسه بفتور ، يستسلم لألتواءات طرقٍ متعرجة ، يضيع في أتونها اللاّهبة ، يترجل كثباناً رملية ، يعومُ في تضاريسها بعنف وتلامس وجهه المتغضن حبات رملٍ قاسية ، يتوقف فجأة ، لم تحمله قدماه ، ظل يراوح مكانه ، تُجْهِدهُ ريحَ سمومٍ تمر على جسده ، تدغدغ آماله ، تستوقف عنده سيلٌ من نزقٍ قهري ألمَ به منذ سني عمره الأولى ، مكافحاً حرَ الشمس ومتوسداً قلقاً لا ينتهي ترسمه دعاباته بألوان باهتة ، ليس لها طعم ، تنتشر كحبات عرقٍ بلورية ، تتخذ مساراتٍ دبيبية نحو الأسفل ، تحتمي بثنيات بطنه المتهدلة وأخرى تتشرب أسماله المتهرئة .
يستنهض قواه ويداري أرتعاشات جسده محدثاً نفسه .. كم تحتاج من الوقت وأنت تشقُّ هذه الوِهاد ؟ منفرداً في مشيتك ، متوجساً بما تقدمُ أليه ، تفضحك كلماتك خجلى مرتبكة تطرق أسماع الآخرين ،هكذا بدأت كلماته تنسلّ من جوفه ، لم تجد لها جواباً في زحمة الأضداد وهي تدور من حوله وتذوب في فضاءات منكسرة .
يرقب عن بُعد طوابير لمركبات مندفعة ، تقضم المسافات ، تحمل توابيت موتى ، تنسل بوجل أزاء المقبرة .. تملكه فضولٌ آسر لرؤية ما يحدث ، يندفع بقوة ، يحثُّ الخطى ، خطواته تثير غباراً ، تُوشِمُ خيطاً من أخدودٍ يسري إزاء خطواته ، الطريق موصدة أمامه سوى طريق واحد يؤدي الى المقبرة القديمة،ينتهي بمنعطفٍ ضيق ، يرسم آثار أقدام تسري للتو ، يتفرس تلك الخُطى ، يقتفي أثرها ، يبحث عن ضالته،عن الذين ودعوا الحياة قهرا الى عالمٍ آخر .
عالمٌ لم يألفه من قبل ، أراضٍ منبسطة وأخرى متحجرة ، بقايا لقبورٍ مدروسة ، قطع من الآجر متكسرة،مثلومة،ترصعّها أسماء الموتى وتاريخ وفاتهم بالتقويم الهجري.. يتقدم خطواتٍ أخرى ، يلجّ أحد المنعطفات بتثاقل ، يصادف أرضاً متشققة تفغر أفواهها بنهم ، تدخلها أشعة الشمس باستحياء ، عظام تبرز بوضوح ، صفراء بالية بتأثير نيكوتيني مزحوم بينما راح يلتصق بعضها عشقاً بأديم الأرض ، يتوجس لمسها ، يمعن النظر فيها ويستفهم بأناة ..... يا لها من نهاية حزينة ..؟!
لفَّ المكان سكون متهدج بأصواتٍ تسيرُ بتقافزٍ عشوائيٍ ، أجسامٌ قصيرة ، هلامية ، تلتفع قماشات بيضاء بلون الثلج ، تعتمر عمائم ملونة ، ذؤاباتها مسترخية ، تنتهي برؤوسٍ مدببة .. حفاة يدوسون الأرض بأسترخاء ، يمسكون بأناملهم أعواد بخور مشرعة نحو السماء ، يصطفون بطابور واحد ويأمرهم كبيرهم بالجلوس ...يفترشُ الأرض ، يقعي أمامهم ، يدثره الخوف ، يحاول قتله بأبتسامة خجلة ترسمها شفتيه الذابلتين إزاء عيونهم.. هزوا رؤوسهم ، أومأ كبيرهم بإشارة تنمُّ عن بوحٍ قدسي ، أنضم أليهم ، أعطوه العهد وأمنّوا على جسده ومسّدوه بدهان لامع .
أطلعوه كتباً ملأى بالرقى والتعاويذ وتمائم مأسورة بخط عبري قديم ، تتوسط تلك الكتب وحولها عزائمٌ تحمل أسماء مزدوجة كثيرة ، ظل يرددها برغبة ، بان كل شيءٍ أمامه ، يفكُ طلاسمه ، يتعلم أسرار الكون ومواقع النجوم والأفلاك ببعدها المترامي ، بدأ يغوصُ بكتبٍ أخرى تتوسد الأرض ، تسرد حكايات عن آلهة الحب والمطر، آلهة تحوم في فضاءات لاحبة ، تعترش متكآتٍ بوهيمية متنقلة ، تقتات أعشاب سحرية معجونة بخلود جلجاميشي .
ظل يرقبهم عن بعد محدثاً نفسه بكلماتٍ لم يُفهم منها شيء.......................
تشرين الأول 2011



#عبدالعال_البهادلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -الديمومة-.. كيف تصمد القضية الفلسطينية أمام النكبات؟
- ترامب يواصل حرب الرسوم.. صناعة السينما تحت الضغط
- من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة -الإلغاء- وحقّ الجمهور بال ...
- سيرسكي يكشف رواية جديدة عن أهداف مغامرة كورسك
- الأفلام السينمائية على بوصلة ترمب الجمركية
- الغاوون:قصيدة (وداعا صديقى)الشاعر أيمن خميس بطيخ.مصر.
- الشَّاعرُ - علاَّل الحجَّام- فِي ديوان - السَّاعَةِ العاشِق ...
- محمد الغزالي.. الداعية الشاعر
- تحقيق المخطوطات العربية.. بين إحجام العالم وإقدام الجاهل
- رواية -نيران وادي عيزر- لمحمد ساري.. سيمفونية النضال تعزفها ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالعال البهادلي - قصة قصيرة