|
السرقة وقانون حماية الملكية الفكرية في سورية
زياد زنبوعة
الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 07:23
المحور:
حقوق الانسان
إن مجرد وجود القانون رقم 12 لحماية الملكية الفكرية والأدبية لدينا في سورية يعبر عن نقلة نوعية في حقوق المواطن –على الرغم من عيوبه الكثيرة والتي سيتم تلافي الكثير منها في مشروع التعديل الحالي لهذا القانون- ووجود هذا القانون يعتبر شيء إيجابي ويعبر عن مستوى حضاري يجب أن يرقى إليه كل العاملون في المجالات التي يشملها من تأليف ونشر واختراع وغيرها من النشاطات المبتكرة، التي لابد من حمايتها من المتطفلين والمتسلقين على أكتاف الآخرين، والذين لا هم لهم –بسبب عجزهم وتقصيرهم، أو فقرهم الفكري، أو حالة الخواء التي يعايشونها- سوى اقتناص الفرص –في غفلة من القانون- للانقضاض على حقوق الآخرين ونسبها إلى أنفسهم. وهذا أكثر ما يشاهد للأسف في مجال التأليف والنشر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا هذا الاستخفاف بالحقوق الأدبية؟ وهل الحقوق المعنوية أقل أهمية من الحقوق المادية والمالية؟ إن الإنسان الذي يميل إلى ترجيح كفة الحقوق المعنوية والأدبية، من حيث حفاظه على حقوقه وحقوق الآخرين، إنما يمثل شخصية أكثر وعياً وإدراكاً، وأكثر تحضراً ورقياً وإنسانية –حتى بعض الحيوانات المدجنة أو المروضة يمكن أن تمتنع أحياناً عن الطعام في حالة هضم حقوقها المعنوية إذا صح التعبير، وبعضها يمكن أن يدر حليباً أكثر فيما إذا أعتني بها أكثر- ولكن للأسف نرى أحياناً أناساً بعيدين عن وعي وإدراك ذلك وهذه مصيبة، ولكن المصيبة الأكبر تكون عندما يكون هؤلاء لا مبالين ومستهترين بهذه الحقوق، فأمثالهم لابد عند ذلك من توقيع العقوبات الجزائية عليهم، والتي تنص عليها القوانين المتعلقة بالموضوع (كقانون حماية الملكية الفكرية، وقانون المطبوعات، وقوانين العقود، وذلك بحسب مجال الاعتداء الفكري أو الأدبي أو الفني وأسلوبه ونوع العلاقة بين الأطراف المتنازعة على الحقوق...) إن الاستهتار لدى بعض الكتاب المتسلقين، والذين يقومون بنسب مالا يستحقونه من أعمال الآخرين لأنفسهم، يُعد جريمة سرقة بكل معنى الكلمة، لا بل أكثر من ذلك، فالمسروق المادي يمكن التعويض عنه بقيمته أو بإعادته نفسه، أما المسروق المعنوي فإعادته أحياناُ كثيرة تكون مستحيلة، والتعويض عنه مادياً مهما غلى قد لا يغطي الخسارة والضرر بالكامل، والتي تكبدها المسروق منه. هذه جريمة يمكن أن ندعوها -مع الاستئذان من رجال القانون- ’’السرقة غصباً‘‘، وهي أقل بكثير من الشكل الآخر من السرقة التي سندعوها مجازاً ’’السرقة عمداً‘‘ (مع الاعتذار من رجال القانون لعدم دقة تمييزنا بين الغصب والعمد)، ونقصد بها سرقة الناشرين بعض الأفكار من الأعمال التي يقدمها إليهم الكتاب من أجل نشرها وليس سرقتها أو سرقة أجزاء منها، وذلك لأن السرقة هنا تعبر عن سوء الائتمان لدى الناشر، وخيانته لمن ائتمنه؟ هذا الكلام الذي قدمناه ليس وعظاً أو تنظيراً وإنما يقع أحياناً هنا وهناك، ومثال على ذلك ما حصل مع كاتب هذا المقال شخصياً. فبعد أن سلمنا البحث بتاريخ 17/11/2004 إلى إحدى الصحف الاقتصادية المحلية لنشره سريعاً نظراً لأهميته البالغة ويتحدث عن موضوع الساعة ولا يحتمل التأخير، فوجئنا بعد أيام قليلة ليس برفض النشر (وليته كان كذلك)، وإنما بقيام مديرة تحرير تلك الصحيفة بسرقة فكرة هامة من البحث لم يعرض لها أحد ولم تُثر سابقاً، مما يعني سبق صحفي لم تستطع مديرة التحرير أن تقاوم إغرائه، فكتبت زاويتها النارية من أفكار مسروقة. وكان لها ما توقعته من السبق الصحفي حين جاء بعدها بأسبوع محرر آخر ليثير الموضوع ولكن بأمانة –بحسب ما قرأ في الصحيفة بدون معرفة ما وراء الكواليس- وليشير إلى أسبقية مديرة التحرير بإثارة هذا الموضوع. أما المؤلف الحقيقي فتم تجاهله، وليست في هذه المشكلة فقط، ولكن أيضاً إهمال البحث الفائق الأهمية، والذي أُهمل بكل أنانية من أجل تحقيق السبق (السرقة) الصحفي، والتي لا تشكل هذه الفكرة المسروقة من البحث سوى جزء صغير، وإن كان بمثابة البؤرة في البحث. ونحن هنا نشير إلى حرفية مديرة التحرير في انتقاء زواياها النارية بهذه الطريقة الجهنمانية؟ وما كنا لنهتم بالأمر كثيراً لو تم نشر البحث، فنحن كباحثين لا يهمنا الإثارة، وإنما كل ما يهمنا هو موضوعية البحث ودقة أفكاره ونشرها (وليس سرقتها) للاستفادة منها، وليس العمل منها’’ضربة صحفية‘‘. ومن نافلة القول أنه قد يكون لهذه الطريقة غير الحضارية وغير الموضوعية في التعامل مع الكتاب، أثراً ودوراً كبيراً في توجه كتابنا إلى النشر خارج القطر. وبذلك نخسر مرتين: مرة عندما تخسر وسائل الإعلام المعلومة الجادة والحيوية، التي تعتبر هي كل رصيدها. ومرة عندما يخسر القارئ الأبحاث والمقالات والمؤلفات المهمة والمفيدة، والتي يبحث عنها بالذات ولو في ’’الصين‘‘. فهل من واع يعي أن هذا الوطن هو جسد وروح، فلا روح بدون جسد، ولا حياة لجسد بدون روح! وأن كل خارج عن القانون والأخلاق هو سكين في هذا الجسد، لتطير الروح بعيداً.
#زياد_زنبوعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجلس الأمن يبحث الوضع الإنساني في قطاع غزة
-
الداخلية السعودية تعلن إعدام يمني -حدّا- وتكشف ما اقترفه
-
الأمم المتحدة تحذر من هشاشة الوضع السياسي في ليبيا وتدعو لات
...
-
شمال غزة يواجه أكبر عملية تطهير عرقي ومطلوب تدخل عاجل لوقف م
...
-
روسيا: إسرائيل تقوض القرارات الدولية التي منحت لها العضوية ف
...
-
الأمم المتحدة تعلن عن وجود أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطرا
...
-
قوات الاحتلال تغتال صحفياً وتصيب إثنين آخرين خلال توغلها شما
...
-
نيبينزيا: إسرائيل تقوض القرارات الدولية التي منحت لها العضوي
...
-
مندوب الجزائر بالأمم المتحدة: -اسرائيل- توسّع وحشيتها لتشمل
...
-
لبنان: بعد شروعهم بسرقة منازل النازحين من الحرب.. شبان في ال
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|