عثمان الرواف
الحوار المتمدن-العدد: 235 - 2002 / 9 / 3 - 00:55
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
الشرق الأوسط، 2/9/2002
إذا كان حوار المسلمين والغرب هو حوار مهم من المنظور الغربي والاسلامي، فإن الحوار بين المسلمين أنفسهم حول طبيعة العلاقات مع الغرب وحول ظاهرة العنف المنتشرة بين بعض الحركات السياسية في المجتمعات الاسلامية هو بنفس أهمية الحوار الأول إن لم يكن أكثر منه أهمية وضرورة.
وإذا كان مفكرو الغرب يعطون أهمية خاصة لدراسة وفهم الحركات المتطرفة في العالم الاسلامي فإن قيام المجتمعات الاسلامية بدراسة وفهم طبيعة هذه الحركات التي ترفع شعار الاسلام هو أكثر الحاحاً وأهمية من دراسة وفهم الغرب لها. فلقد قطع الحوار بين المسلمين والغرب شوطا كبيرا، وما زالت موضوعاته الاساسية تطرح وتناقش بشكل متواصل بين الطرفين عبر العديد من الوسائل المختلفة. ولقد حقق هذا الحوار الكثير من المنجزات الجيدة وكان من الممكن للجانب الاسلامي فيه ان يحقق نجاحا أكبر في بناء صورة افضل للاسلام في الغرب لولا الاعمال الارهابية لبعض الجماعات الاسلامية المتطرفة ومواقف دعمها من قبل بعض الجماهير الاسلامية المتحمسة. وإن هذا الامر يعني ببساطة ان نجاح حوار الاسلام والغرب ـ اذا كان أمره يهمنا ـ يعتمد بشكل رئيسي على نجاح المجتمعات الاسلامية في التصدي لظاهرة العنف والتطرف فكرا وتنظيما وأنشطة. وإن مواجهة تنظيمات وأعمال الحركات المتطرفة في العالم الاسلامي هي أسهل بكثير من مواجهة الفكر المتطرف الذي تعتمد عليه هذه الحركات وتستخدمه لاشعال لهيب الجماهير الاسلامية وتجنيد الشباب الاسلامي المتحمس في صفوفها. ولكي يتمكن الصوت المستنير في المجتمعات الاسلامية من التصدي لظاهرة وفكر التطرف والعنف فينبغي عليه ان يدرك الاسباب الحقيقية التي أدت الى انتشار هذه الظاهرة وإلى الأسس التي يعتمد عليها الفكر المتطرف. وإن قليلا من التأمل يوضح ان الخطاب الذي تستخدمه الحركات المتطرفة يركز على الصراع مع الغرب ويدعو الى الجهاد ضده. ولهذا فإن مواجهة الفكر المتطرف ينبغي ان تنطلق من أرضية معاكسة وتهتم بتوضيح المعنى الحقيقي للجهاد في الاسلام وتضعه في سياقه التاريخي الصحيح، كما تركز على أهمية المنفعة والمصالح التي تربط المسلمين بالغرب.
فالخطاب المتطرف يعتمد على أدلجة الاسلام بهدف تسييس الدين وتعبئة المسلمين ضد الغرب، ولهذا فمن الضروري للخطاب المستنير المعاكس أن يعتمد على الدين لمواجهة عملية الأدلجة التي تقوم بها الحركات الإسلامية المتطرفة. وهناك العديد من الأدلة والحجج والبراهين التي يمكن للخطاب الاسلامي المستنير أن يعتمد عليها لمواجهة ظاهرة العنف والتطرف التي تسعى الحركات الاسلامية المتطرفة الى نشرها بين شباب العالم الاسلامي المتحمس.
إن هذه المواجهة الفكرية صعبة وشديدة الحساسية وينبغي التعامل معها بدقة متناهية. ولكي يحقق الخطاب الاسلامي المستنير الاهداف المرجوة منه في هذه المواجهة ينبغي له الاهتمام بتفنيد الاطروحات المتطرفة وتجنب الانزلاق في طرح أفكار قيمية واستنتاجية لا علاقة لها بمسألة التطرف الفعلية. وإن من شأن ذلك أن يؤدي الى اضاعة الجهود والى التأثير السلبي على الخطاب المستنير نفسه والى اضعافه وتشتيت الاسس التي يقوم عليها. ولقد سبق لي التنبيه الى وقوع بعض المشاركين في صياغة الخطاب الاسلامي المستنير في اشكالية التعميم وتحميلهم مسؤولية ظاهرة التطرف والعنف للتيار الاصولي في مجمله أو التيار السلفي في مجمله، ولكن حقيقة الامر هي ان الكثيرين من السلفيين ومن مفكري وعلماء التيار الاصولي بصفة عامة يحاربون التطرف ويدعون الى الحوار والتعايش مع الغرب ويساهمون بشكل جدي وفعال في هذا الحوار ويسعون الى انجاحه. ويتضح أحد أمثلة هذا التوجه الخاطئ في الاستعراض الذي قدمه هاشم صالح في «الشرق الأوسط» قبل عدة اسابيع لكتاب «ابن رشد الاسلام والعقل» الذي كتبه الباحث والمفكر الفرنسي «ألان دوليبير» المعروف باهتمامه وحبه للفلسفة الاسلامية وخاصة فلسفة ابن رشد. ومن خلال الاستعراض الذي قدمه هاشم صالح يبدو ان الكتاب متميز وجدير بالقراءة، وأهم ما جاء في استعراض الكتاب هو التوضيح الجيد المختصر الذي يبين ان ابن رشد قد توصل الى «معجزة» فكرية في العصر الاندلسي، اذ عرف كيف يوفق بين الشرع والحكمة، أي بين الدين والفلسفة في لغتنا المعاصرة. وإن أهمية فكر ابن رشد وتأثيره في الفكر الاسلامي والغربي غنية عن التعريف.
وعلى الرغم من ان الكثيرين من المسلمين في الماضي والحاضر كانوا وما زالوا يرفضون فلسفة ابن رشد الا ان هذا لا ينفي اهمية فكره العقلاني وتأثيره الكبير على الحضارة الغربية، وان المعجبين بأفكار ابن رشد في الغرب يفوقون بكثير المعجبين بفكره في العالم الاسلامي. ولقد اخبرني الدكتور «سعيد بن سعيد العلوي» عميد كلية الآداب في جامعة محمد الخامس في الرباط ان الجامعة نظمت قبل مدة ندوة كبيرة عن ابن رشد ودعت اليها مجموعة من العلماء والمفكرين الاوروبيين ومن ضمنهم أحد الاساتذة الاسبان المتميز في تخصصه بالحضارة العربية في الاندلس. وعندما تحدث ذلك المفكر الاسباني بدأ حديثه بشكر جامعة محمد الخامس لاقامتها هذه الندوة المخصصة لمناقشة أفكار ابن رشد المفكر الاسباني العظيم كما وصفه استاذ الجامعة القادم من مدريد. فابن رشد بالنسبة اليهم هو اسباني بالجغرافيا ويفخرون بنسبه اليهم بسبب فكره المتميز. وينبغي على المسلمين بالمقابل ان يفخروا بفكر وفلسفة ابن رشد سواء اتفقوا معه أم لم يتفقوا. ولكن الاعجاب بفلسفة ابن رشد واقرار اهميتها العالمية شيء والاعتقاد بأن تيار العنف والتطرف الموجود الآن في العالم الاسلامي قد نتج عن انتصار التيار الاصولي وهزيمة منهج ابن رشد شيء آخر. ولقد أثار هاشم صالح في استعراضه لكتاب دوليبير عن ابن رشد السؤال التالي: «لو انتصر منهج ابن رشد في القرن الثاني عشر.. هل كان بن لادن سيظهر الآن؟» واجابتي عن هذا السؤال ببساطة هي نعم. ويضيف هاشم صالح في استعراضه للكتاب متسائلا بأنه لو اتيح لهذا النوع من الايمان العقلاني الذي اسسه ابن رشد ان ينتصر وينتشر في أرض الاسلام هل كنا سنشهد ظواهر من نوعية بن لادن وسواه في الوقت الحاضر؟ هل كنا سنشهد كل هذه الكوارث التي شوهت سمعتنا شرقا وغربا على خارطة العالم المعاصر؟ واجابتي عن هذا السؤال ايضا هي نعم. فإن عنف بن لادن وغيره من الجماعات الاسلامية المتطرفة لم يظهر في العالم الاسلامي نتيجة غياب المنهج العقلاني الديني، كما يعتقد هاشم صالح، ولكنه ظهر نتيجة تأثير الايديولوجية السياسية التي اخرجت بعض النصوص الدينية من سياقها الاسلامي الحقيقي واستخدمتها لخدمة أغراضها السياسية.
وقد نجد بين المسلمين المعاصرين من أنصار منهج ابن رشد العقلاني من هم أشد حدة في دعوتهم لمحاربة الغرب وتأييد بن لادن وايديولوجيته المتطرفة من بعض المسلمين الاصوليين. ولقد ادت الايديولوجيا في بداية القرن العشرين في أوروبا الى خلق العديد من تيارات العنف التي لم تمنع العقلانية الغربية المتأثرة بمنهج ابن رشد من حدوثها. وماذا بشأن الحركات المتطرفة التي انتشرت في امريكا اللاتينية في الخمسينات والستينات الميلادية من القرن الماضي فهل يعود سبب وجودها ايضا الى غياب عقلانية ابن رشد؟
بيت القصيد هنا هو ان الخطاب الاسلامي المعارض للعنف والتطرف ينبغي ألا يزج به في الاختلافات الاسلامية القائمة سواء بين الاصولية والحداثة أو بين السلفية والصوفية أو غيرها من التيارات الاسلامية المتصارعة. فخلافات هذه التيارات قديمة وذات صبغة دينية ولا تتعلق بمسألة التطرف والعنف الحالية والتي هي مسألة سياسية ايديولوجية ترتبط بالصراع مع الغرب وقد نزعت ثوبها القومي بعد ان استنفدته ولبست الرداء الاسلامي. ولكي يتمكن الخطاب الاسلامي السلمي من مواجهة ظاهرة العنف والتطرف ينبغي ان يركز على مواجهة خطاب ايديولوجيا الحركات المتطرفة بنصوص شرعية واضحة دون محاولة الغوص عميقا في بحر من الفلسفة، وذلك لكي نتمكن من مخاطبة شباب العالم الاسلامي المتحمسين باللغة التي يمكنهم فهمها واستيعابها. هكذا نكون واقعيين، وبهذا الاسلوب فقط نتمكن من كسب المواجهة ضد العنف والتطرف.
#عثمان_الرواف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟