|
تناقضات النقاش الدستوري في المغرب
عثمان الزياني
الحوار المتمدن-العدد: 3495 - 2011 / 9 / 23 - 08:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الحاصل في الأنظمة الديمقراطية أن المخاضات الدستورية دائما تفرز ولادات طبيعية وتسبقها وتعقبها نقاشات دستورية حائزة لمقومات المعقولية والعقلانية بمواصفات موسومة بخطابية نوعية وجدالات ونقاشات وحوارات مستفيضة ومعمقة، تؤشر على مستويات النضج السياسي لدى مختلف الفواعل الدولتية ،مما يساهم في نشر الثقافة الدستورية(ممارسة التثقيف والتثاقف الدستوريين)، التي تعبر في كثير من الأحيان عن حالات التناغم مع البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الديمقراطية ،فيكون فعلي الإشراك والتشارك ومسارات التشاور والحوارية في صناعة الدساتير ثاوية لعناصر الشرعية والمشروعية. ويكون انخراط الجميع مبني على أسس سليمة ومتينة ،والكل يجتهد من موقعه ويساهم في ضمان مدخلات فاعلة تشكل قواعد إسناد حقيقية لنصرة سيرورة العملية الدستورية ،مما يفضي في النهاية إلى الحصول على منتوج دستوري معبر عن المطمح الدستوري الشعبي، بفعل ارتفاع درجات الاستجابة الديمقراطية في مكمنها وتعابيرها عندئذ نكون أمام ضمان استمرارية تحصين البناء الديمقراطي وتقويمه وتعزيز أركانه المفصلية في سياقات توافقية /توازنية بين مختلف البدائل المطروحة بتبايناتها المضامينية واختلافاتها المصدرية. والحاصل عندنا صعب على الفهم والهضم ،فالمشهدية التي تؤثث مجمل المداخل والمخارج الحاضنة للنقاش الدستوري المغربي بتفاصيله ودقائق أموره لهو فعل دال على أن عناصر استمرار اجترار الاسطوانة المعهودة منذ فجر الاستقلال مازالت تحصن تموقعها وتزداد نفاذية وتأثيرا ،وصبيب النقاش الدستوري وعلى الرغم من امتداداته في الفضاءات المجتمعية فانه لا يعرف نوعا من رجع الصدى وينحى في اتجاه واحد في شكل تنازلي من أعلى هرم السلطة إلى أسفل القاعدة المجتمعية /الشعبية دون تموجات أو منعرجات تعيق النزول والهبوط الاضطراريين،والجميع في حالة انسياق وتماهي يستلذ نفحاته ولفحاته ،فالنقاش الدستوري في المغرب بهكذا شكل يراد له أن يكون،وهو حقل لا يعرف المفاجآت وردود أفعال مضادة ويخضع لعمليات التنميط على مستوى الآراء والتوجهات والتصورات التي يكون مصدرها السلطة والفكرة الدستورية نتاج سلطوي بامتياز تآزره وتعقبه أفعال وسلوكيات المباركة والمبايعة اللامشروطة ومزاوجته بنوع من الإطباق على الآراء التي تقع في الضفة الأخرى. إن السلطة نجحت إلى حد كبير في إنتاج "محفل دستوري" وتسييج كل المنخرطين /المحتفلين به مما افقدهم بوصلة النقاش الصحيح والمثمر وعاودهم الحنين إلى لعب ادوار الكومبارس(مسرحة النقاش الدستوري) والتقاط الفتات وركوب منطق التبرير والتطبيل والتضليل ،وأمام التضخم الحاصل على مستوى النقاش الدستوري إن كان خطابيا وترويجا ودعائيا وتعبئتا وتسخير كل الأزلام والموالين والمنبطحين والموارين إلى الوراء والمتقدمين منهم في الإدلاء بشواهد زور كثر العبث والتسيب وتسيد الطفيليات السياسية التي تقتات على البيئة السياسية العفنة وتتحين الفرص للانقضاض والاسترزاق. وانبعث في الأفق الخطاب التبريري /التغريري الذي لا معقب عليه ،فأصبحنا نعيش اللحظة الدستورية بأفراحها واقراحها التي يمكن أن تفضي بنا إلى العيش في خريف دستوري دائم ،وكثر الوعيد بالجنة السياسية والانفكاك والانسلاخ عن الماضي المرضي الدستوري في حين يجتر" الكل السياسي" نفس الممارسات والسلوكيات والخطابات التي عفى عنها الزمن والتي لم تعد تأتي أكلها والفاصل بيننا وبينهم في الغرب الديمقراطي أننا نمتهن كثرة الكلام والقول وقلة الفعل والعمل ونظل حبيسي العيش في الضيق والشظف الدستوريين دون السعي نحو الرخاء وفتح فسحات الأمل للغد الأفضل ،فنكون أمام عمليات قرصنة مستمرة للنقاش الدستوري الحقيقي الذي تحترم فيه جل الآراء ومختلف البدائل الممكنة للمضي نحو السيرورة الدستورية المغربية وفق المقاسات الديمقراطية المتعارف عليها والتي لا تقبل أي مسوغات تقع تحت طائلة الخصوصية وننطلق الانطلاقة الصحيحة ،ويكثر التهليل بالرأي المبارك/المبايع بلا هوادة بينما يلصق فعل الخطيئة بالرأي المضاد وكأنه جرم لا يغتفر وتنحبس الأنفاس الرافضة وتراوح قوقعتها وتمارس تغيير المنكر بالكلام وهو اضعف الإيمان فهل هو مقدر ومكتوب ان نسفه النقاش الدستوري بهكذا درجة ،ونغيب عنه الجدية غيابا قسريا ،فيتراءى للمرء /الناظر مستويات الانسداد والانحباس في النقاش الدستوري وما يصاحبه من طقوس احتفالية تمارس نوعا من التهريب للنقاش الحقيقي وهي كلها براهين دالة على استصغار المواطن المغربي وتمثله على انه ليس في مستوى الرهان فيختلط عليه الحابل بالنابل بفعل تلقيه ضربات ولكمات تحت الحزام مبعثها قاموس دستوري لا يدرك منه شيء ولا يفهم منه إلا مايراد منه أن يفهمه فيضيع بين الدعوات السياسية التي في الغالب ما تستهويه وتأسره للمضي في قول النعم للدستور،فهل مازال المواطن المغربي قاصرا وغير قادر على المشاركة الفعلية في النقاش الدستوري ونحن مدركين تمام الإدراك أن نظرية الفيلسوف الفرنسي " لابوسييه " قد سقطت مع حلول ربيع الثورات العربية التي أثبتت أن هذه الشعوب لا تستلذ العبودية والاستعباد،ولاشك أن في ذلك خطر قد يلحق بنا إن لم نكسب النسق السياسي المغربي المناعة اللازمة بفعل الإصلاحات السياسية والدستورية الحقيقية البعيدة عن اللبوس المظهري /الشكلاني . فالرهان على نقاش دستوري حقيقي كان منذ البداية رهانا خاسرا بفعل أن القيادة التي احتلت المواقع الأولى في الواجهة مازالت تستمرئ نفس الأدوار وتدور في دائرة مفرغة وتفرغ بفعلها النقاش الدستوري من محتواه وغاياته ،وهي نخب سياسية/حزبية تتشدق بفصاميتها وأضحت حساباتها مكشوفة للعيان فهي تظل قابعة بصفة أزلية على هوامش الورش الدستوري وتعبئ كل مريديها المنتفعين من قريب أو من بعيد بحكم اشتغالها بثقافة القطيع ،فتتقن أفعال من قبيل الجر والانجرار نحو الوصفات الدستورية المقدمة من السلطة،وتصوب الكوابح والمتاريس في وجه المواطنين حتى وان كانت السلطة معطاءة بكرمها الدستوري وتسوغ لنا تبريرات إبقاء الوضع الدستوري على ماهو عليه تحت معطى ان الانفتاح الديمقراطي الدستوري يمكن أن يكون عامل فتنة ونقمة وان المجتمع المغربي لم يبلغ سن الرشد الدستوري لكي يتمتع بدستور على شاكلة الدساتير الديمقراطية المقارنة. فالنقاشات الدستورية يجب أن تكون موعدا سياسيا تقارع فيه الأفكار وتصاغ فيه الآراء وتبرز الحجج والبراهين فيكون النقاش رزينا يثوي في طياته معاني ودلالات الحكمة لكل الأطراف الفاعلة،كفانا من التعبئات المهرجانية /الاحتفالية القائمة على مخاطبة الوجدان والعاطفة ،لان زمن التمريرات والتبريرات قد ولى ،وبالتالي وجوبية التأسيس لقواعد الإقناع وليس لمطبات الاستمالة والإيقاع والمكيدة. صحيح أن الدستور الجديد فيه بقع ضوء يمكن الارتكاز عليها في البناء لكن يبقى الرهان على هذه النخب والمؤسسات الحزبية مدعاة لإعادة النظر فيه، فالجيل الجديد الناهض والمطالب الجديدة المتبلورة بحاجة إلى دماء جديدة تدب في شرايين الحياة السياسية المغربية،لمحاصرة الداء والتعافي والتشافي والتداوي حتى لا يتمكن المرض/العضال السياسي من الجسم السياسي المغربي عندئذ سيتعاظم التحدي ولن نقوى على المواجهة والمقاومة ،فالتجديد والتبديل سنة الحياة ،ونضرب موعدا مع نقاش دستوري آخر واستحقاق دستوري آخر لعلنا نحدث قطائع محورية ،ابيستمولوجية/معرفية،وسلوكية /ممارساتية،ونمضي سويا في الطريق الصحيح . +أستاذ جامعي.
#عثمان_الزياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هو مسعد بولس الذي اختاره ترامب مستشاره للشؤون العربية وال
...
-
عباس عراقجي يوجه رسالة إلى سوريا: الشعب الإيراني لن ينسى أصد
...
-
رئيس الأركان السوري يجري جولة ميدانية في ريف حماة الشمالي (ف
...
-
إسرائيل تكثف قصفها في غزة والضفة وتوقع قتلى وجرحى وفرنسا تحذ
...
-
سوريا: ما أسباب وأهداف الهجوم الذي تشنه المعارضة؟
-
من هو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام؟
-
ترامب يختار مسعد بولس مستشارا للشؤون العربية والشرق الأوسط
-
رئيس الحكومة السورية يدعو إلى عدم الإصغاء للشائعات ويتحدث عن
...
-
القمة الخليجية: ملكية حقل -الدرة- مشتركة للكويت والسعودية فق
...
-
-سأكون سعيدا ولكن-.. زيلينسكي يدعي أنه لن يطلب -أبدا- تدخل ق
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|