على جوادي
الحوار المتمدن-العدد: 1036 - 2004 / 12 / 3 - 08:48
المحور:
القضية الفلسطينية
رحل ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية وقائد حركة التحرير الفلسطينية وحركة فتح. بوفاة عرفات خسرت الحركة القومية الفلسطينية قائدها التأريخي ورائدها على الصعيد العالمي. رحل ياسر عرفات عن عمر يناهز 75 عاما في الساعة 3.30 بعد ظهر يوم الخميس بتوقيت باريس والمصادف للـ 11 من نوفمبر في احدى المستشفيات العسكرية بضواحي باريس بسبب مرض مجهول بعد مروره بمرحلة غيبوبة لم يصح عنها. من المقرر اجراء مراسيم الجنازة الرسمية في القاهرة وبعدها نقل الجثمان ليدفن في مدينة رام الله. برحيل ياسر عرفات حل الحزن العميق على المناطق الفلسطينية وتنكست الاعلام الفلسطينية.
يشكل رحيل عرفات بدون شك نقطة تحول مهم في الحركة القومية الفلسطينية وتأريخ التحولات السياسية في فلسطين والمنطقة. فماهي النتائج المترتبة على رحيل عرفات؟ واي مسلك ومجرى ستناط بالمسألة الفلسطينية والسلام في الشرق الاوسط؟ وما العقبات التي ستواجه مسألة تأسيس دولة فلسطينية مستقلة؟ وبأي شكل سيتجسم الموقع السياسي لخلفاء عرفات؟ واي تغيرات سياسية ستطرأ على ميزان القوى الاجتماعية؟ مهما يكون مستقبل التغيرات السياسية والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية غامضا ومبهما، فأنه بوفاة عرفات ستبرز هذه المعضلة التأريخية، مسألة فلسطين، مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة، مسألة الصلح في الشرق الاوسط ، نفسها بشكل اكبر واكثر في الرأي العام وفي مراكز الدبلوماسية السياسية، ويتطلب اكثر من اي وقت مضى حلا فوريا وعاجلا.
ماهي الاثار المترتبة على وفاة عرفات؟ بدون شك رحيل عرفات قد خلق ثغرة في قيادة السلطة الفلسطينية. من الذي سيخلف عرفات؟ من المستبعد ان يقوم بهذا الدور شخص واحد. فقيادة الحركة القومية الفلسطينية كان منحصرا بشخص عرفات. ما اعلن عنه هو انه بعد عرفات يقوم رئيس البرلمان الفلسطيني راوي فتوح بترأس حكومة المناطق الفلسطينية لمدة 60 يوما. ويحدد بعدها الانتخابات في المناطق الفلسطينية. لكن هذا هو الشكل الصوري والحقوقي لملئ الفراغ السياسي الناجم عن غياب عرفات. هذه الاطر واشكال الحل ناجمة عن موقع القوى المتصارعة على الساحة السياسية الفلسطينية، وهي ضعيفة وتفتقر لاسسها، فالهجمات المنظمة لاسرائيل من جهة والعمليات الانتحارية للاسلاميين من جهة اخرى ستخلق في اية لحظة تخلخلا كبيرا في الظروف السياسية وموقع القوى المتصارعة.
لاجل فهم التحولات القادمة يجب النظر الى موقع القوى الاجتماعية. هذه القوى مقسمة في الاساس الى قطبين رئيسيين: قوى الحركة القومية الفلسطينية المجتمعة حول مظلة حركة التحرير الفلسطينية والاقطاب المختلفة لحركة الاسلام السياسي الرجعية هي جزء من التركييبة الرئيسية لهذه الحركة. ولكن هنالك قطب آخر، هذا القطب يتألف من جماهير لاعلاقة لها بالقطبين المذكورين، ولاترى شعاراتها وآمالها في تلك الحركات القومية او الاسلامية. على الرغم من ان هذا القطب الثالث ليس منظما ويفتقر لقيادة علنية فأنه قابل للملاحظة. فمصيرالواقع السياسي والتحولات الاتية في فلسطين يتعين من خلال موقع هذه الحركات الاجتماعية وصراعها من جهة ومواجهتها للرجعية الحاكمة في اسرائيل من جهة اخرى.
لاشك ان الوضع السياسي والدبلوماسي في فلسطين وبغياب عرفات سيشهد تحولات وتغيرات ملموسة ويتخذ ابعادا اخرى، فهنالك اختلال لتوازن القوى الحالي. حيث تأبى الحركات الاسلامية والقوى من امثال حماس والجهاد الاسلامي الضلوع بدور اكبر في ادارة الحكومة الفلسطينية وفي تقرير مصير الشعب الفلسطيني. من جانب آخر تواجه الحركة القومية الفلسطينية عواقب غياب عرفات وتعمق الهوة مابين الاتجاه اليميني الميال للغرب و الحركة المسلحة والمناهظة (للامبريالية). ويمثل قيادة الاتجاه المسلح مروان البرغوتي المحتجز في السجون الاسرائيلية، والاتجاه الميال للغرب في هذه الحركة القومية يمثل بـمحمود عباس و أحمد قريع. وقد انتخبت منظمة التحرير الفلسطينة محمود عباس كخليفة لعرفات.
في الجانب الاخر من الاراضي المحتلة، تحاول البرجوازية الامريكية والرجعية الاسرائيلية تقوية الاتجاه اليميي ذوالميل الغربي في الحركة القومية الفلسطينية لملأ الفراغ الحاصل. وتعمل السلطة الامريكية الحاكمة وبالاخذ بالاوضاع المستجدة على احياء مسيرة تأسيس الدولة الفلسطينية. وكانت دولة بوش قد اعلنت ضم صوتها لآريل شارون بعدم استعدادها للتفاوض لحين تنحي ياسر عرفات من رئاسة الدولة الفلسطينية.
يجب حل المسألة الفلسطينية، يجب احلال السلام والاستقرار في الشرق الاوسط. جواب حل هذه المسائل يمكن فقط وبالدرجة الاولى من خلال تأسيس دولة فلسطينية مستقلة بجوار دولة اسرائيل تتمتع بكافة حقوق الدولة والاعتراف الكامل بكافة حقوق الجماهير في فلسطين.
قبل نصف قرن شرد الملايين من سكان هذه البقعة بحجة (ارض الميعاد اليهودي)، بالحديد والنار من بيوتهم ومحلات سكنهم، ويواجه منذ عقود محاولات هؤلاء بالقمع والهجوم العسكري الدموي لدولة اسرائيل العنصرية وحماهتا الغربيين والبرجوازية الامريكية. كانت مسألة فلسطين في زمن الحرب الباردة ميدانا لتلاقي تضاد القطب الشرقي والغربي. وكانت مصائب ومشاق هذه الجماهير المظطهدة ثمرة لصراع هذين الكتلتين. بنهاية الحرب الباردة على الصعيد العالمي خفت آعباء هذه الصراعات العالمية التي تمحورت حول مسألة فلسطين. وكانت معادلة (السلام مقابل الارض) المسيرة التي قربت اطراف النزاع من بعضهما.
لكن معاهدة صلح اسلو تعرضت الى انتهاكات من قبل كل الجهات المتصارعة. حيث ضحت من جهة القوات الرجعية لاسرائيل بقيادة نتنياهو وشارون ومن جهة اخرى قوى حماس والجهاد الاسلامي الرجعية بمعاهدة اوسلو في صراعاتهم. لم تمر مدة الا واستبدلت آمال الجماهير بالصلح مع الحرب وصراع الاتجاهات والحركات القومية العنصرية والدينية والتجاوزات العلنية لدولة اسرائيل. وتوضح بسرعة أن تحقيق السلام وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة يستلزم تنحية وابعاد هذه الاتجاهات اليمينية والرجعية سواء على الساحة الاسرائيلية او الفلسطينية. وتبين بسرعة أن اليمين المتطرف في اسرائيل يحتاج الى الارهاب الاسلامي للابقاء على حياته وحركته. فهما وجهان لعملة واحدة ويستنبطان وجودهما من الاخر. السؤال الأن هو: هل طرق الحل الامبريالي لتحقيق السلام قادرة على اسكات والسيطرة على هذين القطبين الرجعيين؟ وهل خروج عرفات من المعادلات السياسية هو محرك لاجل حل مسألة فلسطين؟ فقد اعلن توني بلير ولاجل التأكيد على عزمه على الخوض في هذا الموضوع على نيته للالتقاء بجورج بوش. على الرغم من ان الردود الحالية مبنية تماما على تقليص المناطق الفلسطينية وبناء المستوطنات و تجريد هذه الجماهير المظلومة من حقوقها المدنية.
على كل حال مهما كان الجواب فأن السلام الحقيقي يستلزم التخلص من شر هذه القوى الغارقة في الرجعية. الخطوة التالية مليئة بالتعقيدات والمآسي. معوقات السلام كثيرة. لاجل حل المسألة الفلسطينية، لاجل الوصول الى سلام دائم في المنطقة يجب ان تنتصر العدالة والعلمانية. لاجل اقرارالسلام يجب ان ينتصر محبو الحرية والاشتراكية سواء في اسرائيل او في فلسطين. انتصار القطب الثالث، قطب المدافعين عن الحرية والاشتراكية مرهون بأعتلائهم للميدان السياسي. هذا هو الطريق الوحيد لاجل تحقيق حياة انسانية في فلسطين.
ترجمه عن الفارسية نوزاد خالد
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟