أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - البنية الروائية عند بعض الروائيين في غزة















المزيد.....


البنية الروائية عند بعض الروائيين في غزة


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 1030 - 2004 / 11 / 27 - 08:46
المحور: الادب والفن
    


طلب مني الصديق أبو بكر البوجي أن أناقش أعمال رجب أبو سرية في لقاء تلفزيوني ، ومنذ ذلك الوقت ظلت تلاحقني فكرة الكتابة عن هذه الأعمال بطريقة تكاملية تتناول معظم جوانب العمل الأدبي من حيث الشخصيات والزمان والمكان والنص الموازي واللغة وغير ذلك من القضايا الأدبية والاجتماعية. وقد أضفت على هذه الدراسة عملين للصديق عبد الله تايه ، وعملاً للصديق غريب عسقلاني .وتتناول هذه الدراسة الأعمال التالية:
1- دائرة الموت :رجب أبو سرية، رواية تقع في 157 صفحة من القطع الصغير صدرت عن دار سعاد الصباح " مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ، ط1؛1991 ، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب .
2- عطش البحر : رجب أبو سرية ، رواية من 94 صفحة من القطع الصغير، منشورات دار الينابيع ، 1994.
3- العربة والليل ، عبد الله تايه ، القدس : وكالة أبو عرفة للصحافة والنشر ، 1982 .
4- الذين يبحثون عن الشمس ، عبد الله تايه ، القدس : وكالة أبو عرفة ، 1979 .
5- الطوق ، غريب عسقلاني ، القدس : دار الكاتب ، 1979 .
أولاً : الفضاء الروائي :
أ - النص الموازي " استراتيجية العنوان "
1- دائرة الموت :
حصلت هذه الرواية على الجائزة الأولى في مسابقة د/ سعاد الصباح للإبداع الفكري، غلاف الرواية عبارة عن أرضية بيضاء محاطة بإطار أزرق وفي الزاوية العليا من اليسار نخلة ، ويتكون الكتاب من جزأين : الأول: " قضبان المنفى " يبدأه بشعر لمحمود درويش ص 2 ، أما الجزء الثاني:"من هو الملثم " فيبدأ بشعر لسميح القاسم ص 75.
وعند اختياره لعنوان روايته ، لجأ الكاتب إلى الحذف النحوي والحذف المضموني آملاً أن يدفع القارئ إلى البحث عما يختبئ وراء هذا العنوان ، فكلمة الدائرة توحي بالانغلاق، هذا الانغلاق يقود إلى الموت المادي أو الموت المعنوي بكل تأكيد ، وكأن الكاتب هنا أراد أن يقول لنا إن المنفى هو دائرة الموت التي لا فكاك منها إلا بالعودة إلى الوطن ، كما يحمل العنوان في طياته مضموناً زمانياً ومضموناً مكانياً ، فالمكان والزمان محصوران ضمن دائرة مغلقة يدركها المؤلف ويريد للقارئ أن يدركها .أما الفصل الأول الذي يشغل 71 صفحة فإن عنوانه " قضبان المنفى " يؤكد ما توصلت إليه من دلالات العنوان الرئيس للرواية، ولكن المؤلف في الفصل الثاني الذي يشغل 80 صفحة تقريباً لم يلجأ إلى أيٍّ من الحذف النحوي أو المضموني ، فالعنوان هنا " من هو الملثم ؟ " يكاد يبوح بالإجابة قبل أن نقرأ الفصل، فالملثم هو الوطن بكل أبعاده ، يدافع عن حق المنفيين في العودة إلى الوطن ، وبالتالي كسر دائرة الموت بالموت الإيجابي بدلاً من الموت وراء قضبان الغربة .
2 – عطش البحر :
وهنا لجأ المؤلف أيضاً إلى الحذف النحوي والحذف المضموني لدفع القارئ إلى استشفاف ما وراء العنوان ، وفي الرواية عنوانان فرعيان : أفق المستحيل من ص 7 – ص 64 ، وربيع الحقول من ص 64 – ص 94 ، وقد جعل المؤلف للمستحيل أفقاً ، وما دام قد جعل للمستحيل أفقاً ، فقد جعل بالإمكان تجاوز هذا الأفق ، وقد لجأ في العنوان الفرعي الأول إلى الحذف النحوي والحذف المضموني ، والعنوان الفرعي الثاني "ربيع الحقول " يوحي بإمكانية تجاوز المستحيل ، وكأنه يريد أن يقول لنا إن الربيع آت رغم عطش هذا البحر البشري للحرية .
أما الغلاف فهو أبيض اللون في وسطه لوحة تشتمل على حمامة يتوارى رأسها خلف خط أحمر وسط سماء زرقاء وفوق أرض تميل إلى السواد ، وكأن اللوحة تود أن تقول لنا أن لا سلام مع الغربة عن الوطن ، وعلى يمين الغلاف دائرة حمراء يسيل منها خيط أحمر .
4 – رواية العربة والليل لمؤلفها عبد الله تايه :
حين ننظر إلى الرواية يطالعنا غلاف أسود كتب في وسطه عنوان الرواية " العربة والليل " ، وقد لجأ الكاتب إلى الحذف غير الصريح ليتيح للقارئ إكمال الثغرات من بداية الرواية ، هذا العنوان غير المكتمل يدفع القارئ إلى التساؤل : أية عربة وأي ليل ؟ فالعربات أنواع مختلفة ، منها الملاكي والأجرة والشاحنات والعربات العسكرية ، ولكن كلمة الليل تشدنا بعيداً عن التفكير في نوع العربة إلى التفكير في الليل خصوصاً وأن اللون الأسود يغمر واجهة الغلاف ، بينما نجد أن خلفية الغلاف ذات لون أبيض وكأن من صمم الغلاف يريد أن يقول لنا إنه لابد من نهار يمحو سواد هذا الليل الذي يغمر الصفحة الأولى للغلاف، ومن هنا يمكننا أن نؤكد الليل يشير إلى الاحتلال،
وهذا بدوره يعيدنا إلى التفكير في نوع العربة ، والتي لا بد أن تكون بالتالي عربة عسكرية ، يتبع ذلك أنها تقل جنوداً ، وما دامت تتحرك ليلا فلا بد وأن يكون بداخلها سجناء .
أما في رواية الطوق ل " غريب عسقلاني " فإننا نجد أمامنا غلافاً أخضر تتوسطه حلقتان بيضاويتان ، العليا منهما تحيط بالعنوان الذي كتب بالأسود ، وفوقه توجد أسلاك شائكة مجدولة تذكرن بأيام حظر التجول على المخيمات ، حيث كان جنود الاحتلال يخرجون الرجال من البيوت ويجمعونهم داخل أطواق من الأسلاك الشائكة تحت الشمس ليقوموا بعد ذلك بمداهمة بيوت المخيم والموجودة داخل الحلقة الثانية وفي أسفلها حلقات من الأسلاك الشائكة وكأنها تكمل الحلقات العليا فيكتمل الطوق بكل معانيه النفسية والعسكرية ، وما يتبع ذلك من عمليات اعتقال واسعة لكل من يعتقدون أن له علاقة بمنظمة التحرير الفلسطينية .
ب ـ المكان :
يشكل المكان عند رجب أبو سرية حالة ضبابية ، ذلك أنه يتجنب الحديث عن تفاصيل حميمة ، مما يدل على أن المكان كما عرفه في طفولته يعيش في ذاكرته بشكل غير واضح ، والكاتب عند حديثه عن المستوطنة يستخدم اسم الإشارة بدلا من ذكر اسم المستوطنة خشية ألا يتوافق الوصف مع الواقع الذي لا يدركه الكاتب ، يقول : " أبو شنب ورفيقه يسرحان بخيالهما إلى تلك المستوطنة التي يعرفانها جيداً ويعرفان الطريق إليها " فالكاتب هنا يستند إلى معرفة أبي شنب ورفيقه بالمستوطنة لا إلى معرفته هو حتى ولو كانت هذه المعرفة خيالية لا ترتبط بواقع الحال ، ويرتبط الزمان بالمكان في دائرة الموت عند رجب أبو سرية ، يقول ص 35 وص 36 : " طأطأ رأسه ، لم يبق سوى بعض من جدران الجامع ، لكنه يعرف مواقع البيوت واحداً واحداً ، يقترب من البئر ، يتحسس جذوع شجرة التين التي ما زالت تنجب الثمار التي لا تجد من يأكلها ، تذكر قرصة السمن البلدي التي كانت تعدها له أمه كل صباح قبل أن يسرح بقطيع الأبقار وهو في ريعان الصبا على ظهر مهرته " . فالقرية كما نرى من العبارة السابقة غير محددة الاسم ، وهي قرية مهجورة لا تجد من يأكل ثمار شجرة التين الموجودة فيها ، والكاتب يؤنسن المكان ويمنحه صفة الإحساس البشري ، فالقرية تنتشي حين يلقاها ، يقول : " إنه ليس وحده الذي ينتشي بحلاوة اللقاء ، بل هي أيضا، يراها تفتح عينيها وتلوح له ثم تبتعد مرة أخرى ". وينم وصفه للكافتيريا في جامعة بير زيت عن عدم معرفته المسبقة أو تصوره للمكان ، يقول ص 124 : "لم يكن فارس بحاجة إلى كثير من الوقت كي يتعرف إلى الكثير من طلاب الجامعة أو إلى أروقتها ، أو حتى يصادف ذلك الكرادور الذي ينتهي بالكافتيريا العامة ". ويقول في مكان آخر من رواية " دائرة الموت " ص 108 : " أمام بيت في الدخلة الثالثة من الشارع الرئيسي للمخيم كان رقمه 23 " فالمكان هنا أيضاً غير واضح الملامح ، وفي ص 34 يقول : " ما إن غابت الشمس حتى اتجه الرفيقان شرقا فاجتازا السلك الحدودي غير بعيد عن مواقع القوات الدولية ... " فالمكان عند رجب أبو سرية غير واضح الملامح فلا يستطيع القارئ أن يتعرف على مكان بذاته ، حتى في العبارة السابقة التي تكاد تفصح عن المكان ، فإن القارئ لا يستطيع أن يحدد المكان بصورة واضحة، فالمكان المقصود هنا هو قطاع غزة ، ندرك ذلك من بعض الإشارات مثل وجود الحدود في ناحية الشرق ووجود قوات الطوارئ الدولية التي أقامت مواقع لها في قطاع غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية في السابع من آذار سنة 1956م ، ومع إدراكنا أن المكان في عموميته هو قطاع غزة فإننا لا نستطيع تحديد المكان في خصوصيته .
ثانياً : الزمن والسرد :
يتنوع الزمان عند رجب أبو سرية تنوعاً واضحاً ، فهو ينوع بين الاسترجاع والاستباق والتوقع والوقفة و المشهد والحذف والخلاصة ، ولا نستطيع هنا أن نفصل بين الزمن والسرد فصلاً ميكانيكياً لأنهما يتداخلان بشكل واضح في الأعمال الروائية ، والزمن يترك بصماته على شخصيات رجب أبو سرية ، فحكايات الجد لا تتغير على الرغم من تغير الأيام ، ومع ذلك فإن الحفيد لا يمل تلك الحكايات ( عطش البحر ص 12 ) ، هذا الحفيد لا يستطيع رؤية فعل الزمن في جده ، ولكن الراوي يخبرنا أن الجد كان شاباً يضج بالشباب ، يقود قطيع الأبقار في رءوس الجبال الشاهقة ويرافق شبابته يصارع الليل ووحوش البرية (عطش البحر ص 16 ) ، وتتداخل حلقات الزمن عند رجب أبو سرية فيلتحم الحاضر بالماضي والمستقبل من خلال التنوع في أساليب السرد ، وتلازم أعمال رجب ثنائية عجيبة ، فالإنسان عنده مجبر على الاختيار ، الأم محتارة بين الأحبة هنا والأحبة هناك ، (ص 26 عطش البحر ) وحين وقعت الحرب وجدت الأم نفسها مجبرة على الاختيار بين الذهاب إلى زوجها وبين البقاء انتظاراً لعودته ، كما أن الابن يجد نفسه محتاراً بين البقاء في الوطن وبين التوجه إلى المنفى ، وقد ظهرت هذه الثنائية عند الحديث عن البحر ، يقول ص 37 : "البحر هذا الهائج العملاق ، يهدر في الليالي الباردة وكأنه حين يتلقى خيوط المطر ، إنما يتلقى ما تجمع من دموع الثكالى والمعذبين " ولكنه يعود ليصف البحر وصفا مغايراً تماماً : " البحر هذا الطيب الكبير ، ما إن تدخل إليه في العمق حتى تكتشف هدوءه وصبره .. دفئه وحنوه الدائم .. هذا الثائر الذي لا يمل ولا ييئس من محاولاته الدائمة للتخلص من سجنه الأبدي في هذه الحفرة الهائلة ".
هذا التمزق الذي يعيشه الفلسطيني يترك بصماته على كل شيء في الوجود ، فهو يشعر أن لحظات سعادته غريبة عنه ، طارئة عليه ما تلبث أن تفلت منه ، فهو يراوح بين السعادة الطارئة والمرار المقيم ( ص 51 من عطش البحر ) والأشياء عنده تنحصر بين الحياة والموت لا تستطيع الإفلات من المصير المحتوم .
والزمن عند غريب عسقلاني يصبح له بعد غير بعه الحقيقي ، فمرور الملثمين المتكرر من المخيم ، ونظام حظر التجول يجعلان الزمن بطيئاً ، فعقارب الساعة لا تكاد تتحرك ، وكأن نظام حظر التجول يريد أن يستمر إلى الأبد ، لقد أصبح الأستاذ فهيم أكثر قرباً من الناس وأكثر رغبة في الالتصاق بهم ( الطوق ص 95 )
وينقسم الزمن في علاقته بالسرد عند رجب أبو سرية كما يا يلي :
1 – الاسترجاع : كثيراً ما تلجأ الشخصيات الروائية إلى استدعاء الماضي بما يخدم اللحظة الحاضرة ، ويتراوح السرد في " دائرة الموت " بين اللحظة الحاضرة والزمن الماضي من خلال الاسترجاع والعودة إلى الواقع فالاسترجاع مرة ثانية وهكذا ، يظهر لنا ذلك في الصفحات من 20 – 24 ، ففي أثناء حوار الشخصية مع الضابط ، يتذكر ما حدث معه من صعقة أصابته فأفقدته اتزانه ، ولكن الضابط يسحبه من ذكرياته ليعيده إلى الواقع ، يقول الضابط : " أنت الآن على بر الأمان ، والطريق الوحيد لإقامتك هو أن تصفي علاقاتك وتتعاون معنا …" وقد وقع الراوي هنا في خطأ غير مقصود يدل على عدم معرفته بعقلية ضباط المخابرات ، فلا يعقل أن يطلب ضابط المخابرات من الشخصية أن تنهي علاقاتها ما دام يريد منها أن تتعاون معه ، والفتاة في " عطش البحر تسترجع كلمات خالتها التي تعودت عليها، لكن هذه الكلمات أصبح لها تأثير مغاير بعد بروز صدرها واستدارة فخذيها.(ص 21 )
2- الاستباق :
وفي مقابل الاسترجاع يلجأ الراوي إلى استباق الأحداث وإخبارنا بها قبل وقوعها ، حين يعود الفتى مع صديقيه ، سمير و إبراهيم ، يتدخل الراوي – مفترضا معرفتنا بالحدث – بقوله : " الفتى الذي عاد مقتولاً بعد أعوام " ، ثم يرتد بنا إلى السياق مرة ثانية فيقول : "يومها أوقفوهم وسألوهم عن وجهتهم، ثم قاموا بفتح حقائبهم وفتحوا بقسوة كراريسهم " . (عطش البحر ص 29 )
3 – التوقع :
نجد التوقع ص 6 من رواية دائرة الموت في العبارة التالية : " إذا ما حدث لي شيء فقبل ابنتي … "، كما يبدأ القسم الثاني من الجزء الثاني من نفس الرواية بهذه العبارة المحفورة على جدران الزنزانة : " رفاقي .. إن السلطة قد تشنقني ، وهذا ممكن ، ولكنها وإن فعلت فلن تميتني ، فسأبقى حياً وأتحدى السلطة ولن أموت " ( ص 80 ) .
وفي رواية عطش البحر نجد التوقع أيضاً من خلال العبارة التالية : "أتدري يا خالد لو بعد ألف عام سيجيء جيل يعرف كيف يقاتل، ويتمكن من إعادة الحق إلى نصابه" ( ص 17)، وفي ص 49 يقول الراوي : " صحبة مهد أعادت له رونق الطفولة التي كاد أن ينساها في زحمة شروده اليومي وقلقه الدائم ، أعادت مراكبه التي كان يرسلها عبر الأفق الممتد مع صفحة الماء ، لتعود إليه قوارب مطاطية محملة ببشائر العائدين ، وطائراته الورقية التي طالما ارتفع بها إلى عمق السماء لتعود يوماً أسراباً من الحمام الأبيض الزاجل المشنشل بأشعة الشمس الصباحية الحرة الطليقة .. " .
4 – الحذف :
الحذف إما أن يكون حذفاً معلنا أو حذفاً ضمنياً ، والحذف المعلن هو الحذف الذي يحدده الكاتب بوضوح على عكس الحذف الضمني الذي يقوم القارئ باكتشافه من خلال الثغرات الموجودة في السرد ، وقد لجأ رجب أبو سرية إلى الحذف المعلن في أكثر من مكان، يقول : " وبعد مضي شهر من التحقيق دون أن يتفوها بشيء اعتقلوا والد عدنان ، وكان رجلاً مسناً … " ( دائرة الموت ص 135 ) وقد يمتزج الحذف بالخلاصة ، حيث يقوم الكاتب بحذف مدة زمنية ( تسعة أشهر) ويعطينا في نفس الوقت خلاصة مختصرة لما حدث خلال تلك الفترة ، يقول : " وبعد تسعة شهور من بدء التحقيق ، عقدت الحكمة جلستها بحضور فارس ووالدته ومحاميته وممثل الدفاع ، حيث تقرر وقف التحقيق الذي استمر معه طوال الفترة ، كما تقرر إخراجه من الزنازين الانفرادية والسماح لذويه بزيارته " (دائرة الموت ص 149) ، كما يلجأ الكاتب إلى الحذف في رواية عطش البحر ، يقول : " بعد أشهر قليلة كان الزفاف وكنت سعيدة بابن عمي" ( ص 25 ) ، ويقول في نفس الصفحة : " أشهر أخرى وكنت أحبل بك ، طار من الفرح حين أخبرته أول مرة ، وقال نسميه خالداً "
5 – المشهد :
حيث يتطابق زمن الحكاية مع زمن الكتابة ، لأن المشهد يقوم أساساً على الحوار ، ولا يكاد الحوار يوجد بكثرة في روايتي رجب أبو سرية ، ففي ص 85 و ص 87 نجد حوارا، لكنه لا يأخذ مساحة كبيرة ، كما نجد الحوار ص 108 من رواية عطش البحر .
6 – الوقفة :
من النادر أن نجد في روايتي رجب أبو سرية وقفا للسرد ، فالوقفة تعني توقف السرد ليفسح الكاتب المجال أمام الوصف ، في ص 24 من رواية عطش البحر ، يتوقف الكاتب عن السرد ويلجأ إلى الوصف ، يقول : ويرى خليط الألوان المائل إلى الحمرة بين سقف السماء الواطئة والسطح البعيد للبحر ، قرص الشمس الآيل للغطس ، كأنه عين وحش حمراء ، تعطشت في صحراء قاحلة ، تتعجل التقاء الماء لتطفئ اللهيب الظامئ، ومن تحته الزرقة الداكنة التي تلف أسرار الكون جميعاً بكل جمالها وغموضها والضباب الزجاجي بينهما حين تتكسر الأشعة فتخرج منه أطياف كأجنحة الفراش ".
يلاحظ القارئ لهذا المقطع أن الراوي أوقف الزمن ليصف لنا ما يشاهده ، وهو هنا يتخيل قرص الشمس عين وحش حمراء ، مما يدل على نفسية مشحونة بالقلق والتوتر ، ولو كان مزاجه رائقا لقدم لنا صورة قرص الشمس بما يوحي بالجمال والروعة .
ثالثا : الشخصيات :
تتراوح شخصيات رجب أبو سرية بين الفدائي وضابط المخابرات والأطفال الذين يلعبون لعبة الحرب ، فالأطفال " يلعبون لعبة الحرب باستخدام أكياس الورق المملوءة بالرمل على أنها قنابل " ( دائرة الموت ص 47 ) ، أما الفدائي مروان فقد رأى الموت بعينيه حين سقطت قذيفة أمامه لكنها لم تنفجر ، وهو يتساءل : هل سمعت يوماً أن مسئولا قد استشهد ؟ (دائرة الموت ص 79 ) ، أما ضابط المخابرات فيلجأ إلى وسائل مختلفة لتجنيد المتعاونين ، فهو يضع مسدسه في سيارة أحد السائقين خلال فترة نزول السائق من سيارته لشراء علبة سجائر ، ثم يبدأ في مساومته ، ويخيره بين السجن أو التعاون معه ، وقد جعلت حالة العجز التي يشعر بها بطل رواية عطش البحر ، جعلته يرتد إلى أحلام الطفولة ، نجد ذلك من خلال المونولوج التالي : لو ظهرت له عروس البحر، لو تحققت رغبة الطفولة ووجد طاقية الإخفاء لذهب فوراً إلى كل الأشرار واحداً واحدا، ولبصق في وجه كل الجلادين ، ولذهب إلى النقب ولحطم كل الهراوات ، وكان ذهب إلى البنوك وألقى بخزائنها في الشوارع ، لو جاءه بساط الريح … " (عطش البحر ص 33 ) أحلام البطل تدل على العجز والإحباط ، فالبطل لا يستطيع أن يحقق ما يريده فيلجأ إلى أحلام اليقظة للهروب من الواقع المر الذي يعيشه .وتصادفنا في نفس الرواية شخصية غريبة التي ترمز ـ في اعتقادي ـ إلى فلسطين ، غريبة هذه تقاتل من أجل أن تضم كل صريع جديد إلى صدرها ، وترافق جنازته ، وبعد ذهاب الجميع تحتضن شاهد القبر ، وترش الماء عليه وتظل في رفقته حتى يخر صريع آخر فتتحول إليه ( عطش البحر ص 60 ) ، وقد كانت غريبة فتاة جميلة ، ولكنها كانت يتيمة فتزوجها رجل غريب ، وقد أنجبت له أولادا كثيرين لكنهم ماتوا ولم يبق لها سوى اسحق ( عطش البحر ص 62 – 63 ) .والمرأة تشارك في النضال ، فهي تقدم المقلاع لراجم الحجارة ، كما تزوده بالحجارة اللازمة للرمي . (عطش البحر ص 80 )
ويقدم لنا عبد الله تايه شخصية اليهودي المتعصب ضد العرب في مقابل شخصية اليهودي الذي لا يمانع في أن يأخذ الفلسطينيون حقوقهم ، يقول موشيه : " عندنا من يتصورون أنهم يمكن أن يأخذوا كل شيء بالقوة، لكني لا أؤيدهم ، كثيرون مثلي لا يؤيدونهم، ابني موشيه جندي الاحتياط لا يؤيدهم ، أنتم تموتون ونحن نموت ، فلماذا لا تكون لكم دولتكم " ويستطرد قائلا : " ثم هل بوسعك أن تطرد المناهيل ( المسئول )الكبير الذي يسيطر على كل شيء، مئات الكبار يطردونا متى شاءوا ويستخدمونا متى شاءوا، رغبتي أن يطردوا مثل رغبتك ، نحن عشنا مع العرب ونعرفهم جيداً ونستطيع أن نتفاهم معهم ، ويمكن أن يتفاهموا معنا ، أما هؤلاء الكبار المستغلين فيستعرضون علينا وعليكم عضلاتهم ، إنهم لا يفهمون إلا لغة العنف والمال والسيطرة عندنا وعندكم " ( العربة والليل ص 13 ) ، ونلاحظ هنا أن الراوي قد قدم الصراع الطبقي على الصراع الوطني وجعل العداء موجهاً إلى الرأسماليين المستغلين ، وقد أثبتت الأيام أن الأمر ليس كذلك ، وأن الاحتلال الإسرائيلي احتلالي استيطاني يعمل على اقتلاع شعب بكامله ـ بغض النظر عن التركيبة الطبقية فيه ـ عن أرضه إلى الشتات . كما قدم لنا شخصية الفدائي الذي يشارك في العمل المسلح ضد الاحتلال ، وكذلك قدم لنا العميل الذي يصحو ضميره فيقوم بالمشاركة في عملية فدائية يصاب خلالها ويستشهد .( الذين يبحثون عن الشمس ص 113 )
رابعاً : اللغة :
تتميز لغة رجب أبو سرية بالبساطة والسلاسة لكن أسلوبه لا يخلو من هنات هنا وهناك ، ففي ص 55 من رواية عطش البحر يقول : " وظل يحوم الفتى مصباح حول رأسه طوال الليل " ونحن نجد هنا أن الراوي قدم خبر أصبح على اسمها دون مبرر ، إلا إذا كان اهتمام الراوي منصباً على الفعل ( يحوم ) أكثر من اهتمامه بالفاعل ، والفعل ظل يفيد الاستمرار ، وأن هناك فعل يفيد معناه الدوران المستمر ، وأن هناك فاعلا اسمه مصباح ، وهو فتى يمتاز بالنشاط والقدرة الخارقة ، كما أننا نستطيع أن ندرك أن الوقت ليل ، وأن هناك شخصاً ملقى ، قد يكون نائماً وقد يكون ميتاً، وقد وقع الراوي في أخطاء كان الأجدر به أن يراجعها قبل أن يضمنها في أعماله ، فقد أورد الآية القرآنية ( إنا خلقناهم من طين لازب) على الشكل : ( إنا خلقناكم من طين ) ، كما أورد قوله تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) بالشكل التالي: ( إنا خلقنا من الماء كل شيء حي ) كما وقع الكاتب في بعض الأخطاء اللغوية النحوية مثل قوله : " أتمنى أن تنجبين " ( ص 67 ليس غير الظل ) ، كما كتب كلمة زنجيل بالجيم المعطشة ، والصحيح زنقيل بالقاف ، ( زنقل في مشيه = تحرك كالمثقل بحمل، المعجم الوسيط ج1 ، ص 44 ) ، وقد وقع الكاتب في أخطاء في الصياغة اللغوية ، نجد ذلك في العبارة التالية : ( مع تثاؤبات الصباح الأولى لذلك اليوم ) ( دائرة الموت ص 124 ) فكلمة تثاؤبات توحي بالنعاس والرغبة في النوم والكسل ونقص الأكسجين ، بينما توحي كلمة الصباح بالنشاط والتجدد والنهوض من النوم والراحة والأمل ، إن الربط بين الكلمتين في جملة واحدة بهذا الشكل يفسد المعنى ولا يقويه .
المضمون :
لا شك أن أي عمل أدبي لا يخلو من مضمون ، ولعل قضية الشكل والمضمون قد شغلت النقاد مدة طويلة من الزمن ، وقد تركزت مضامين رجب أبو سرية حول قضية النضال الوطني التي شغلت حيزاً كبيراً من أعماله ، كما شكل حلم الكاتب بالعودة عنصراً مهما في أعماله الأدبية ، كما أن الجنس يشغل حيزا كبيراً عند راوي رجب أبو سرية ، فهذا الراوي يعتقد أن اللحظات التي يقضيها في حالة جنس هي اللحظات الوحيدة السعيدة التي تحسب في حياته ، وأنه يتمنى أن يعيش في حالة جنس دائم ( دائرة الموت ص 59 ) ، والفدائي يرفض ممارسة الجنس مع اليهودية الجميلة ، كما أن فارس رفض ممارسة الجنس مع الداعرة اليهودية بعد أن اشمأز من شعر عانتها وإبطيها والرائحة التي أفرزها واختلطت بعرق جسدها الذي لا يكل عن العمل .( دائرة الموت ص 103 )



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوم أريحا - دراسة نقدية
- إلى الجحيم أيها الليلك - دراسة نقدية


المزيد.....




- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - البنية الروائية عند بعض الروائيين في غزة