أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير البحيري - أسئلة الثورات العربية















المزيد.....


أسئلة الثورات العربية


زهير البحيري

الحوار المتمدن-العدد: 3447 - 2011 / 8 / 4 - 23:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتفق مختلف المتتبعين والمهتمين على أن ما تعيشه البلدان العربية من حراك سياسي واجتماعي، والذي في حقيقة الأمر فاجئ وأدهش العالم الغربي قبل العربي، ليس له مثيل في التاريخ الإنساني. وذلك باعتبار طابع الخصوصية والانفراد الذي وشم على مساهمة عربية متميزة في نظريات الثورات.
ذلك أن جميع الثورات التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ، بما فيها الثورة الفرنسية والثورة الروسية لم تخرج أبدا عن السياق العام لمفهوم الثورة، والذي ينطوي على تحقيق قفزة نوعية تؤدي إلى تغير جوهري نتيجة استلام الحركة الثورية للحكم. غير أن الحال العربي يعتبر أمرا غير مألوف بالمرة، إذ أن ثوراته تهدف وتقود إلى الإصلاح ولم تسعى أبدا إلى السيطرة على الحكم. فلا الثورة التونسية التي أطاحت بنظام بنعلي، ولا الثورة المصرية التي قضت على حكم مبارك أديتا إلى استلام الحكم من طرف الثوار.
أما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مؤشر انخراط المواطنين، فإن الثورات العربية الممثلة لحدود الساعة في كل من تونس، مصر، اليمن، ليبيا وسوريا.. قد عرفت أكبر مشاركة للمحتجين على الإطلاق في تاريخ الثورات. فالنسبة للثورة الفرنسية لم تتعدى النسبة تقريبا 1% من مجموع السكان، وأعلى النسب تعود للثورة الإيرانية بنسبة تتجاوز بقليل 7 % (المعطيات حسب المفكر العربي عزمي بشارة). في حين أن المشاركين في ثورات غالبية الدول العربية لم يشهد التاريخ مثل ذلك من قبل، ويجمع العديد من المراقبين على أن عدد الذي شاركوا في يوم واحد من ثورة 25 يناير 2011 يفوق مجموع الذين شاركوا في كل الثورات التي عرفتها أروبا منذ سقوط جدار برلين..
نحن إذن هنا أمام ظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية جديرة بالدراسة والتحليل، وتستدعي تسليط الضوء، ولو بعجالة، على أسبابها وماهيتها، أبعادها وأهدافها، مستقبلها وانعكاساتها...

أولا: الربيع العربي..هل هناك استثناء بين الدول العربية؟

لابد في البداية من الإشارة إلى أن مفهوم " الربيع العربي" قد تم استلهامه من مصطلح ربيع الشعوب الذي طبع الحركات الثورية بأروبا خلال سنة 1848، والذي في الحقيقة يمكن تشبيهه إلى حد كبير بربيع الشعوب الأوربية، وذلك في سياق الثورات التي انطلقت من فرنسا إلى روما إلى فيينا ، وعمت بعد ذلك غالبية القارة الأوربية منادية بمطالب ديمقراطية.
وإذا كانت نظرية لينين التي مفادها "أن لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" قد طغت خلال القرن 20، فإن الحركات الثورية التي شهدتها الدول العربية لم تأت من توطئة فكرية ولا نظرية ثقافية، بل أتت كما تنبأ لذلك إيمانويل طود انطلاقا من دراسته للمعطيات السوسيوديمغرافية، والاقتصادية. عندما خلص رفقة فريق البحث إلى نتائج أولية مفادها بروز بوادر ثورة اجتماعية بفعل تأزم الواقع والاحتقان الاجتماعي، واندحار فئات اجتماعية لطالما شكلت صمام أمان للأنظمة.
وبفعل تشابه الظروف لغالبية البلدان العربية-باستثناء بلدان الخليج من طبيعة الحال- لاسيما ما يتعلق منها بالمؤشرات السوسيوديمغرافية وتأثيرها على التحولات المجتمعية، إضافة إلى التراجع والاندحار المستمر للطبقة المتوسطة. هذا دون أن ننسى الاستفحال الكبير للفساد وهيمنة أقلية المقربين، والجمع الفاحش بين السلطة والاقتصاد، في مقابل ذلك نلاحظ تأزيم عموم المواطنين على كافة المستويات. هو ما يفسر في نظرنا الانتقال السريع للثورة من تونس إلى باقي البلدان العربية، من المحيط إلى الخليج في إطار ما سمي بالربيع العربي. على اعتبار أنه يمكن القول بأن تونس قد أعطت صافرة الانطلاق وكسرت هاجس الخوف.
وعلى حد تعبير المختار بنعبدلاوي فقد أحرق الرماد المتفحم لجثة البوعزيزي "عرش" بنعلي القائم على أسنة الرماح، ودك أركانه، ولم يفتأ اللهب المنبعث أن امتد لكي يبعث الحرارة في كل مكان، ولكي يصبح مصدر إلهام لعدد من الثورات العربية في مصر والشام والجزيرة العربية وشمال إفريقيا.
فانتقلت ثورة الكرامة كما يحب التونسيون تسميتها، من تونس، التي انطلقت شرارتها يوم 18 دجنبر 2010 وأجبرت الرئيس بن على مغادرة البلاد في 14 يناير2011، لتحط الرحال بأرض الكنانة، معلنة عن قيام الثورة المصرية يوم 25 يناير 2011، التي لم تمهل الرئيس مبارك أكثر من 17 يوما ليعلن تنحيه بفعل الإرادة القوية والعزيمة البالغة للشعب المصري في إسقاط نظامه، وهنا برز الاستثناء المصري ليس كما قال مبارك، بل في إسقاط الريس ،كما يحلو للمصريين مناداته به، في أقصر وقت مقارنة بدولة تونس.
لتهب بعدها رياح التغيير في اتجاه اليمن معلنة عن قيام الثورة في نفس يوم سقوط نظام مبارك في 11 فبراير 2011م، حيث تأثرت الدولة التي عمر فيها الرئيس لأكثر من ثلاثة عقود كاملة بموجة الاحتجاجات العارمة التي شهدتها الدول العربية وبخاصة مصر وتونس ، مطالبة بإصلاح حقيقي في البداية قبل أن تتحول إلى المطالبة بإسقاط نظام عبد الله صالح، وذلك بعد استخدام السلطة للعنف في مواجهتها والتأخر في الاستجابة لمطالب الإصلاح التي نادت بها.
شأن ذلك كل من بن على ومبارك اللذان كانت خطاباتهما الإصلاحية تأتي دائما متأخرة، وهنا الخطأ الكبير الذي وقع فيه جل الرؤساء العرب. فما ينبغي الإعلان عنه من إصلاحات لا بد وأن تكون في السياق التي يمكن من خلاله الشعب أن يقبل بها، لكن ما إن تتغير الأوضاع ويرتفع سقف المطالب فمن الطبيعي أن يقابل بالرفض، ويتحول إلى المطالبة بإسقاط الأنظمة بل ومحاكمة رؤساءها.. وعموما يمكن القول أن نظام صالح يعيش أيامه الأخيرة في انتظار ساعة الحسم.
كما حدثت ثورة سلمية بالبحرين مطالبة بإصلاحات سياسية وإجراء تعديلات جذرية في النظام في إطار ملكية دستورية، لكنها قوبلت بإجراءات قمعية مع فتح الحوار لتتخذ الأمور بعد ذلك منحى آخر من خلال طلب التدخل العسكري من دول مجلس التعاون لاسيما السعودية والإمارات العربية. حيث أدى الاستعمال المفرط للقوة إلى قمع كل الأشكال الاحتجاجية مع فرض حالة الطوارئ.
كما تشهد سوريا مظاهرات عارمة، كانت بدايتها ذات مطالب إصلاحية، لكن تلؤك الرئيس الأسد في الاستجابة لمطالب التغيير التي لم تعد تحتمل التأخير، جعلت آلاف السوريين والسوريات ينضمون إلى ما طالبت به غالبية الشعوب العربية ألا وهو إسقاط النظام.
لكن الأوضاع الحالية ببلاد الشام يصعب التكهن بما ستؤول إليه، في ظل الاستعمال المفرط للقوة من طرف النظام وإصرار وعزيمة الشعب على السير قدما في درب التغيير. وهنا نكون أمام تساؤل يحوي في طياته خيارين كلاهما مر، هل سنعيش مثال ثان لليبيا أم أننا سنشهد أكبر عملية قمع في التاريخ؟
كما امتدت موجة الاحتجاجات إلى كل من العراق، الأردن، فلسطين، السودان..، بالإضافة إلى السعودية والكويت التي تمكنت السلطات في هاتين الدولتين من تطويقها من خلال إجراءات وتحفيزات مادية صرفة.

ثانيا: تونس، مصر..مهد الثورات العربية

بالنسبة لثورة الياسمين والتي تسجل باسمها براءة الاختراع وكسر حاجز الخوف الذي قيد العرب لعقود طوال، وهي التي ساهمت في خلق مناخ عربي متفائل سرعان ما سيمتد إلى باقي البلدان العربية. هذا النموذج التونسي بخصوصياته لا يختلف كثيرا عن نظيره المصري، ونتحدث هنا عن مسار الثورة وليس عن بنية أو تنظيم المجتمع المصري والتونسي، ولا حتى الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وذلك على اعتبار أن الثورة التي شهدتها كل من تونس ومصر كانت في البداية عبارة عن حركات احتجاجية سرعان ما تحولت إلى ثورات عارمة، أطاحت بأنظمتها التي عمرت عقودا عديدة.
ويمكن القول بأن الثورة التي عرفتها هاتين الدولتين، والتي كانت منذ ولادتها الأولى ذات توجه سياسي محض، لكن مغلفة بأبعاد اجتماعية واقتصادية، قد استطاعت تحقيق نتائج مبهرة وفي ظرف زمني قياسي، بالمقاربة مع جميع الثورات التي عرفها التاريخ البشري. لكن لا ينغي التفاؤل كثيرا، بل وجب التشديد و التنبيه بأن مسار هاتين الثورتين هو في مرحلة الانتقال من الصعب إلى الأصعب.
فإذا كان الشعب التونسي والمصري قد استطاعا في أيام معدودة القضاء على أشد الأنظمة استبدادا ودكتاتورية، فإن تحقيق اهداف الثورة وجني ثمارها لن يكون بالسهولة المتصورة ولا بالسرعة نفسها. فقد أثبت التجارب السابقة أن طريق نحو التحرر وبناء الديمقراطية لا يتم ضربة واحدة، كما أنه لا يسير وفق خط مستقيمي متصاعد.
فالنجاح في الإطاحة برأس النظام ممثلا في رئيسي الدولتين وبعض أذنابهم، لا يعني البتة اقتلاع النظام من جذوره أو إسقاطه كما حمله الشعار العربي الذي رفعته ملايين الحناجر. إذ لا تزال نخب النظام البائد هي التي تحكم، ولم تتبلور لحدود اللحظة نخب جديدة يمكن أن تقود التغيير.
في هذا السياق تطرح العديد من الأسئلة وهي:
- إلى أين يقودنا المشهد الثوري في كل من مصر وتونس باعتبارهما نموذجين متقاربين إلى حد ما؟
- هل يمكن للثورات العربية ان تقود إلى بناء نظام ديمقراطي أم انها ستؤدي على إعادة إنتاج نفس النظام لكن بمواصفات جديدة؟
- هل ستؤدي الثورة بكل من مصر وتونس إلى خلق نسق ونظام اجتماعي جديد؟
- كيف يمكن الحفاظ على الثورة المحققة وتجنب الثورات المضادة؟
- ما السبيل إلى خلق نخب جديدة تتولى مرحلة البناء وتقود نحو التغيير الذي طال انتظاره؟
- كيف يمكن تجنب تأثير التدخل الغربي، لاسيما ضغط الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية في انتقال حقيقي للديمقراطية، على اعتبار أن أي تحقيق للديمقراطية في الدول العربية سيشكل ضررا استراتيجيا لمصالح الغرب وتهديدا لأمن إسرائيل؟
- ما موقع المثقف من الثورات العربية؟ وما ها دوره في تأطير الموطنين وقيادة الثورة؟
- أليس حريا بالمثقف أن يشكل الحصانة وصمام الأمان الذي يعول عليها لحماية الثورات، ويكشف زيف المواقف الغربية؟
- هل سيظل الشباب الثائر يشتغل وفق نفس النمط الذي يرتكز على الاحتجاج، أم أنه سيتغير ويكيف ذاته مع متطلبات كل مرحلة؟
- هل جدير بالحركة الثورية أن تتحول وتنتظم في إطار حزب يمكن أن يقود التغيير؟ أم أن الظروف لم تنضج بعد والوقت غير مناسب لذلك؟
- كم تحتاج الثورة بتونس ومصر من الوقت حتى يمكن القول أنها حققت الأهداف وبلغت المرامي؟
- هل التشكيلية والطبيعة السياسية بمصر وتونس ستسمح مستقبلا ببزوغ حزب أو تحالف أحزاب منسجم، يمكن ان يحقق الأغلبية تقود على تغيير حقيقي، أم أن التشتت وغياب الانسجام بين المكونات السياسية سيكون سيد الموقف، وبالتالي عائقا للتغيير؟
- كيف يمكن تجنب الظروف الاقتصادية السيئة لما بعد الثورة نتيجة تهريب رؤوس الأموال وتراجع الاستثمارات، وتقلص مداخيل السياحة..، لتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن التونسي والمصري؟
- أليس مطلوبا ولازما على الدول العربية، لاسيما تلك التي وقفت متفرجة، بل وفي صف الأنظمة المنهارة، أن تكفر عن غلطتها وتقف إلى جانب الشعوب العربية، وتعمل على إنشاء صندوق عربي لدعم تونس ومصر وغيرها حتى لا تتجه الأخيرة إلى الدول الغربية او الصناديق الدولية؟
- ...

ثالثا: المغرب العربي...ورياح التغيير

إذا كانت تونس قد أعطت الضوء الأخضر لاندلاع حراك اجتماعي وسياسي لم يشهد العالم العربي مثيلا له من قبل، فإنه يمكن القول أن ليبيا قد كبحت بشكل كبير النجاح الباهر الذي تحقق في كل من تونس ومصر، وغيرت مسار الثورة العربية من ثورات سلمية سرعان ما تتساقط أمامها الأنظمة تباعا، إلى مواجهات عسكرية دامية مع الأنظمة المستبدة.
فالقذافي، الذي يعتبر نفسه عميد القادة العرب وأمير ملوكها، لم يتصور يوما أن ينتفض في وجهه الشعب الليبي، وهو الذي تحسر على الإطاحة بنظام بنعلي واعتبر ذهابه خسارة لتونس وشعبها.

حيث بدأت الاحتجاجات في ليبيا يوم 17 فبراير 2011 على شكل انتفاضة شعبية سلمية متأثرة بموجة التغيير الذي يجتاز العالم العربي، وشملت معظم المدن الليبية مطالبة إصلاحات سياسية وديمقراطية. لكن تهور العقيد الليبي في استخدام العنف من خلال قصف المتظاهرين العزل بالأسلحة الثقيلة والطائرات المقاتلة جعلت الشعب الليبي ينحو إلى ما نحت إليه مصر وقبلها تونس مطالبة بإسقاط النظام الذي عمر أكثر من أربعين سنة.
لكن استمرار الكتائب التابعة للقذافي في قمع المتظاهرين وتقتيل الشعب الليبي، جعلت الثورة السلمية تتحول إلى ثورة عسكرية مطالبة برأس القذافي، وحظيت بتعاطف كبير من طرف كل الشعوب، وبدعم ومباركة من غالبية الدول بما فيها العربية. وجعلت الأمم المتحدة تتدخل يطلب من جامعة الدول العربية تحت قرار أممي يتيح لحلف الناتو فرض حظر جوي لحماية المدنيين.
وإذا كان نظام القذافي حتما في طريق الزوال ولم يعد إلا مسألة وقت ليس إلا، فإن العديد من الأسئلة تطرح نفسها وبإلحاح نورد بعضها:
- بأي كلفة إنسانية يتطلبها سقوط نظام القذافي؟
- هل فعلا تتحقق مقولة أن " الحرية شجرة تموت إن لم تسقى بدماء الشهداء"؟
- كيف يمكن قراءة الوضع الليبي لما بعد القذافي، خاصة في ظل التدخل الأجنبي؟
- هل التكوين العشائري والقبلي لليبيا يمكن أن يشكل عائقا في نجاح الثورة؟
- ما هي حدود وأوجه الدعم الأجنبي لاسيما من الدول التي سيكون فيها سقوط نظام العقيد القذافي ضررا بمصالحها ؟
- ما هو تأثير دول إفريقيا جنوب الصحراء في صمود القذافي؟
- هل ستكون ليبيا قادرة على تجديد بنيتها الديمغرافية ونسقها الاجتماعي في ظل الحروب الضروس الدائرة في كل أرجاء البلاد؟
- ما هو مستقبل ليبيا عربيا وإقليميا ودوليا بعد الثورة؟
- ...

وشهدت بدورها الجزائر احتجاجات شعبية سلمية مطالبة بإصلاحات سياسية وبتحسين الاوضاع المعيشية وإلغاء حالة الطوارئ.. لكن سرعان ما تم قمعها من طرف السلطات الجزائرية مع استجابة جزئية لبعض مطالبها.

أما بالنسبة للمغرب والذي لا يمكن عزله في حقيقة الأمر عن السياق المغاربي والعربي، ولا عن تطلعات شعوب المنطقة في التحرر وتحقيق الديمقراطية، فإن دينامية الحراك السياسي والاجتماعي التي انطلقت منذ عقود على يد مجموعة من القوى الديمقراطية والتقدمية، قد تطورت في العقد الأخير لاسيما في ظل النقاش الذي رافق عمل هيئة الانصاف والمصالحة، ومطالبة مجموعة من الفعاليات المغربية وبخاصة الحقوقية منها بإحداث تغييرات جوهرية في بنية مؤسسة الدولة، وطريقة الحكم واستقلال القضاء... باعتبار ذلك الضامن الأساسي لعدم تكرار الانتهاك الجسيمة لحقوق الإنسان.
وفي نفس السياق تم سنة 2002 تأسيس إطار للمطالبة بتعديل الدستور حمل اسم "حركة المطالبة بدستور ديمقراطي" التي تضم في عضويتها مجموعة واسعة من الجمعيات والهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والثقافية. (أكثر من 50 جمعية ومنظمة غير حكومية حقوقية وثقافية وتنموية..)، بالإضافة إلى ما يقارب 12 من الهيئات والأحزاب السياسية والنقابية. حيث تعتبر الحركة بأن الانتقال الحقيقي نحو الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، وضمان احترام الحقوق والحريات، وتحقيق التنمية، يتوقف على مراجعة شاملة للدستور الحالي، أي دستور (1996).
ليتكرس بعد ذلك الحراك السياسي والاجتماع بالمغرب، لكن هذه المرة بوثيرة أسرع مع ظهور ما سمي بحركة 20فبراير، وبمشاركة و دعم من قوى سياسية ونقابية وجمعوية. حيث أعلنت مجموعة من الشباب أطلقت على نفسها اسم "حركة حرية وديمقراطية الآن" ( والتي أصبحت تعرف في ما بعد بحركة 20 فبراير)، عن مبادرة في تنظيم تظاهرات عارمة من أجل مطالبة المؤسسة الملكية بإحداث التغييرات الضرورية في النظام السياسي بما يمكن كل فئات الشعب المغربي من حكم نفسها، و إحداث قطيعة حقيقية و نهائية مع ممارسات الماضي. و الاستفادة من خيرات البلد و تحقيق التنمية الحقيقية للجميع. و حددت كتاريخ لتنظيم هذه المظاهرة يوم 20/02/2011 ابتداء من العاشرة صباحا في كل المدن المغربية أمام العمالات أو الولايات و تمثيليات السلطة المركزية.
وعلى نحو ما جاء في البيان التأسيسي للحركة، فقد نادت الفعاليات الحرة في المغرب بضرورة تمييز واضح للسلط، و ضرورة ربط ممارسة السلطة بالمسؤولية السياسية و القانونية، و القضاء على نظام الريع الذي يراكم الثروة لدى فئات دون أن تقدم مقابلا حقيقيا في الاقتصاد، مما ساهم دوما في مزيد من إفقار الشعب المغربي و دفعه الى اليأس و ظهور نزعات التطرف الديني.
لكل هذه الأسباب و غيرها أعلنت المجموعة ميلاد حركة "حرية و دمقراطية الآن" على أرضية المطالب التالية :
-إلغاء الدستور الحالي و تعيين لجنة تأسيسية من كفاءات هذا البلد النزيهة لوضع دستور جديد يعطي للملكية حجمها الطبيعي.
-حل البرلمان والحكومة و الأحزاب التي ساهمت في ترسيخ الفساد السياسي.
-القيام بإجراءات فورية حقيقية وملموسة للتخفيف عن معاناة الشعب المغربي و إحداث صندوق عاجل للتعويض عن البطالة.
-إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.
- تعيين حكومة مؤقتة تقوم بالتدبير المؤقت ،في انتظار وضع الدستور، و توافق الهيئات و الفعاليات النزيهة من كافة فئات الشعب على ما يجب القيام به، في إطار التعاقد المجتمعي الجديد بين الملكية و المجتمع
ويمكن القول بأن المغرب قد استفاد إلى حد بعيد من دروس الدول المجاورة، وقرار عدم استخدام القوة لمواجهة المتظاهرين شكل في نظرنا نقطة هامة في مسيرة الاحتجاجات بالمغرب. كما يمكن القول بأن السلطات المغربية قد تبنت مقاربة استباقية في مقاربة الوضع العربي، وذلك من خلال سن مجموعة من الإصلاحات ذات الطبيعة الاجتماعية كالإعلان عن مناصب وفرص جديدة للشغل خاصة بالنسبة للشباب وبحاملي الشواهد، الزيادة في أجور الموظفين والموظفات ب ما مقداره 600 درهم، وتخفيض سعر الكهرباء ابتداء من شهر يوليوز 2011..
لكن الأهم في هذا السياق هو ما أعلن عنه الملك محمد السادس في خطابه التاريخي ل 09 مارس عن مواصلة ورش الإصلاحات السياسية من خلال تكليفه للجنة يعهد إليها العمل على مراجعة شاملة للدستور، اعتبرت من قبل المحللين والمتابعين استجابة ضمنية وجزئية لمطالب حركة 20 فبراير والضغط الذي مارسه الشباب المنتمين لها، بينما اعتبرتها السلطات استمرار لدينامية الإصلاح والتغيير الذي رفعها المغرب منذ سنوات في ظل الحكم الجديد للملك محمد السادس.
لكن، وباختلاف المواقف من تعيين لجنة عبد اللطيف المنوني، بين ترحيب غالبيه مكونات الجسم السياسي والنقابي المغربي بنقاباته وأحزابه المحسوبة على المعارضة والأحزاب التقليدية، وبين رافض لاسيما من طرف الحركات الحقوقية وبعض الأحزاب اليسارية (الطليعة والنهج)، مع رفض حركة العدل والإحسان المحظورة، نجد أن حركة 20فبراير اعتبرت ما أعلن عنه الملك الشاب لم يلبي مطالبها الرئيسية والمتمثلة في حل الحكومة والبرلمان وإنشاء مجلس تأسيسي لصياغة دستور ديمقراطي حقيقي..
ومع صدور مسودة الدستور الجديد، وإعلان الملك محمد السادس عن خطوطه العريضة في خطاب 17 يونيو 2011، وبعدما رفض شباب حركة 20 فبراير سابقا دعوة رئيس اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، قررت الحركة مقاطعة الاستفتاء الذي تم تنظيمه في فاتح يوليوز 2011، والذي أظهرت نتائجه فيما بعد أن أكثر من 98 في المائة من المغاربة صوتوا بنعم للدستور، وبلغت نسبة المشاركة ما يفوق 72 في المائة.

لكن بالنسبة للنموذج المغربي تطرح العديد من الأسئلة من قبيل:
- ما هي درجة اندماج ومشاركة مكونات وأطياف المجتمع المغربي في حركة 20 فبراير؟
- هل الحركة تعبر حقيقة عن مطالب الشعب المغربي لاسيما الشباب منه؟ أم أنها أداة تابعة لجهات معينة وتحمل أجندة خاصة؟
- ما هي حدود التأثير السياسي والاجتماعي لحركة 20 فبراير؟
- ما هو دور وأبعاد الإعلام العربي والدولي في الواقع الداخلي للمغرب؟ على اعتبار تغطيته المستمرة للأحداث العربية جعلت المواطن المغربي شأنه شأن كل العرب يتجهون إلى قنوات عربية ودولية لمتابعة الأحداث، في مقابل تجاهل مقصود للإعلام الرسمي أو تغطية محتشمة؟.
- هل نسبة الأمية المرتفعة بالمجتمع المغربي يمكن أن تشكل عائقا في فهم وتمثل حقيقة وأبعاد الحراك السياسي والاجتماعي بالمغرب؟.
-.....
خاتمة
ختاما لابد من التأكيد على أن معظم البلدان العربية تعيش فترة مخاض سياسي، قد تطول مدتها كما قد تقصر باعتبار الأوضاع الداخلية لكل دولة على حدة، ثم باعتبار قوة التأثير الخارجي من جهة ثانية. لكن من دون شك أن غالبية هاته الدول هي في طور تحول وتغير تاريخي، إما تحولا جذريا بسقوط الأنظمة، أو تغييرا تدريجيا بضغط الشارع والاستجابة المكرهة.
ومما لاشك فيه أن الثورات العربية قد أجبرت الحكام على إعادة النظر في العلاقة بشعوبهم وفق تصورات جديدة تنبي على عقود اجتماعية تحدد من خلالها علاقة الحاكم بالمحكوم. كما أنها أعادت الكرامة والهيبة للمواطن العربي التي لطالما اعتبرت فيها مكانة العربي في أدنى المراتب.
وجدير بالإشارة أن ما حملته رياح التغيير، قد كسر بعبع الخوف، وقوى الشعور بالوطنية، كما أعاد الثقة للشعوب العربية باعتبارها أساس الوجود، ومصدر الإرادة، فإن أراد الشعب شيئا فلا قصف الطائرات، ولا قاذفات المدافع .. يمكن أن يمنعه من ذلك.
ومما يحسب للربيع العربي هو تغير نظرة المجتمع الغربي تجاه المواطن العربي الذي كان لا يعدو في نظرهم سوق استهلاك لا أكثر، كما أنه سيكون المفتاح في تغيير وإعادة النظر في السياسة الخارجية للدول العربية خاصة تجاه إسرائيل.
وما ينبغي التشديد عليه هو أن جميع الدول العربية أمام فرصة تاريخية للانتقال الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون، لكن لا بدا من الاحتياط من تأثير الأذناب المقاومة للتغيير و الرافضة لأي إصلاح، كما يجب الحذر من تأثير المحيط الخارجي والعمل على بناء دول عربية قوية ومستقلة تضمن العدالة والعيش الكريم للمواطن.



#زهير_البحيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير البحيري - أسئلة الثورات العربية