أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مونير كوبي - القرض الصديق















المزيد.....

القرض الصديق


مونير كوبي

الحوار المتمدن-العدد: 3445 - 2011 / 8 / 2 - 12:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لدى أغلبنا هذا الإحساس بأن الإقتراض شيء ثقيل على النفس، لكن الأثقل هو أن نقرض الآخرين الشيء العزيز علينا وهو مالنا الذي إِلَّمْ نكن نحتاجه فإننا ندخره لليوم الأسود من حياتنا. وعلى الرغم من إنتشار مؤسسات القروض الصغرى ومنتوجات السلف لأغراض إستهلاكية، فقد ظل هناك أناس يقترضون من أقربائهم أو أصدقائهم لأنهم في مثل هذه الحال ليسوا ملزمين برد الدين مع فائدته كما هو الحال بالنسبة للمصارف، كما أنهم ليسوا مقيدين بميقات محدد لرد الدين، ولأنهم ليسوا مهددين بأي حال من الأحوال بمقاضاتهم في المحاكم أو بالجلوس وراء القضبان إذا لم يسددوا ما عليهم، سواء تحدد أجله أو لم يتحدد، وسواء إحتُرِم أو لم يُحترَم. ويصل الأمر حد رهاب لدى البعض كلما سألته لماذا لا يقترض من المصرف إذ يتصور نفسه دائما وراء القضبان إذا ما إستلف من أي بنك.
لكن ونحن نتحدث في السوسيولوجيا المغربية خاصة عن التحولات التي عرفها المجتمع المغربي على مستوى البنيات التقليدية التي اقتحمتها الحداثة، يغيب عن ذهننا أن نظرة المغربي إلى المال وإلى موقعه في القيم والعلائق الإجتماعية هي نفسها طالها التغير، حيث كانت المشاكل المادية تحل في إطار التآزر والتكافل الإجتماعي الضروري والقسري حفاظا على تماسك العائلة الممتدة، ولم تكن القروض البنكية ضرورة ملحة إلا حينما بدأ التحول إلى الأسرة النووية مع ما رافق ذلك من إختلالات على مستوى الأدوار التي كانت تؤديها العائلة وإكراهات على مستوى القيم التي تؤسس لبنيتها في علاقتها بباقي البنيات السوسيو- اقتصادية والسوسيو- ثقافية.
وعليه، فالإكتساح الذي فرضته الحداثة لم يلغ تماما التضامن الآلي الذي مازال يقاوم وإن كانت هذه المقاومة تتم تحت أشكال وصور مختلفة، ويبدو الأمر واضحا في الدين، مادام هذا الاخير لا يوثق ولا يحدد أجل لتسديده ولا تترتب عنه أية تبعات في حال المماطلة أو التنصل من التسديد، اللهم إذا إستثنينا ما ينشأ من شرخ وتمزق عميق في العلائق الإجتماعية والعاطفية بين الدائن والمدين، فلا يعود القريب قريبا ولا يبقى الصديق صديقا، وكل ما نشأ في الماضي وتوطد بينهما صار في خبر كان، بمعنى أن العلاقات لا تحتفظ بدفئها التليد والذي كان يغنيها ويزيد من وشائج المحبة والود بين أصحابها، وهو ما يجعل البعض ممن يخشون أن يخسروا علاقاتهم القرابية والصداقية، يفضلون تجنب الإقتراض من دائرة الأقارب والأصدقاء، فيلجؤون إلى الأبناك لحل مشاكلهم المادية وسد حاجياتهم الحياتية.
وهكذا، حين تكتسي العلاقات المادية فيما يتعلق بالإقراض والإقتراض طابعا شخصيا، تحضر بشكل بدهي مفارقات "عجيبة" في نظر من يتأملها بأعين مجهرية إن لم يكن هو نفسه منخرطا فيها وهو يحاول أن يُكَوِّنُ فهما فيبريا لحيتيات الظاهرة في سلوكات فاعليها الإجتماعيين. ومن هذه المفارقات ما يرد على لسان هؤلاء الذين سبق لهم أن جربوا إقراض أقاربهم أو أصدقائهم. لنقرأ شهاداتهم.
- يقول أحدهم:"جاءني عمي يطلب مني 20 ألف درهم ليتم المبلغ الضروري لشراء عقدة عمل بالخارج لإبنه المعطل، فأقرضته. ومرت سنوات وأنا أنتظر أن يرد لي ما إستدانه مني، فإذا به يدخل ذات مرة إلى المغرب وعوض أن يعطيني مالي زَوَّجَ ابنه. لقد مللت من الصبر والإنتظار، إذ صرت أستجدي الآخرين ليقرضوني رغم أن مالي في حوزة عمي وإبنه".
- ويقول آخر:"حين كنت في الجامعة كنت أقترض من أصدقائي الطلبة ما يكفي في إنتظار المنحة الهزيلة، ووقتما حصلت عليها أهب لسد ما استدنته، وكنت أنا أيضا أقرضهم متى طلبوا ذلك، منهم من كان لا يرد لي أقرضته، ومنهم من اقطع علاقتي معه بسبب ذلك. المهم، حين توظفت كنت قد إستعديت للزواج، فإذا بصديق يخبرني أنه مقبل على الزواج، لكن أنت تعرف أني مجرد رجل مياوم في البناء، قد أجد عملا اليوم وأعطل غدا، وتعرف أن الزواج مكلف ماديا. لذلك لجأت إليك لتساعدني. ف"زَوَّجْتُهُ" وأجلت أنا زواجي. وإلى الآن لم يسدد ولو سنتيما واحدا، وبسببه مازلت أعزبا والأغرب أن يتجرأ على سؤالي: لماذا لم تتزوج لحد الآن؟ ماذا تنتظر؟!. يا لها من وقاحة!".
- وهذه شهادة يقول صاحبها:"لدي صديق حميم حالة أسرته المادية متواضعة، رغم أنه يشتغل هو وإخوته الذكور في أعمال مختلفة العائد منها هزيل، لكن ما يحصلون عليه يجعلهم يعيشون على الكفاف. وقد أقرضته مالا مرات عديدة حتى أنني لم أعد أتذكر كم أقرضته بالتحديد، وفي كل مرة كنت أقرضه فيها كان يبرر حاجته إلى المال إما بهدف تجهيز المنزل بالضروري من الأواني والأثاث، وإما ليشتري خرفانا ليربيها، وإما لأن رب العمل لم يعطه شيئا لهذا الأسبوع وهو ملزم باقتناء الحاجيات الأسبوعية لأسرته. ورغم أنه حصل على عمل جيد يخول له أن يسدد ولو بالتقسيط ما عليه أسبوعيا أو شهريا، لكنه لم يفعل. وذات مرة فاجأني حين أخبرني أنه يريد أن يضيف طبقة لمنزله، بعدما تزوج إخوته ولم يعد المنزل يسعهم جميعا".
في جميع هذه الشهادات إستقرت آلام غليظة وآهات داكنة وأنين ساخن يحترق في مكان سحيق من دواخل أصحابها، فهم الذين يشعرون بثقل هذه المفارقات شعورا ميتافيزيقيا ما داموا لا يستوعبون كيف يضحي المرء كقربان فرعوني من أجل إسعاد أقربائهم وأصدقائهم، وحين تحل مشاكل هؤلاء المدينين يضحون بمن أقرضهم، ويخذلونه حين يحتاجهم. إنهم – أي الدائنون- لا يفهمون هذه السلوكات الغدارة إلا إذا أدخلوها خانة الأنانية، حتى أن لسان حالهم يردد:"ما دير حسنة ما يطرا باس".
لكن لماذا علينا أن نقرض الآخرين؟ لماذا نقبل إقراضهم في غياب أية ضمانة من طرف المقترض بالتسديد؟ لماذا لا يوثق الدين ويشهد عليه أحدا ولا يحدد أجل لتسديده؟ إن القيم الثقافية والدينية والأخلاقية والتي تدعو إلى الغيرية والإيثار والحفاظ على أواصر الدم والقرابة والجيرة والصداقة هي التي تدفع هؤلاء إلى تبني هذا السلوك. في نظر هؤلاء من العيب أن تفرغ العلاقة مع القريب أو الصديق من طابعها الشخصي الحميم بإدخالها في ممارسات حداثية تعد بالنسبة إليهم إعداما للثقة والنية الحسنة بين الطرفين واقبارا للبركة التي ترفرف على من أقرض وإقترض. وحتى حين لا يؤدي المدين ما عليه أو يتماطل في التسديد، يسلم الدائن أمره للرب، إذ هو القهار الجبار وهو القادر وحده على أن يقتص له منه وينزل به العقاب الأليم، إلَّمْ يكن في هذا العالم فسيكون حتما في العالم الآخر.
إن علاقات محكومة بهذه النوايا مثل التي تنشأ بين الدائن والمدين، لو تأخرت في زمن حمورابي أو في زمن الفرعون لتحولوا إلى عبيد و تحول أبناؤهم وزوجاتهم إلى عبيد، ولقطعت أجزاء من أجسادهم تتناسب مع قيمة الدين، ولصارت راحتهم بعد الموت جحيما في أيدي دائنيهم. لكن في مجتمعنا اللغة ذاتها، لغة التسليم بأن هذا قضاء وقدر هي الطاغية.



#مونير_كوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معنى الطبيعة
- الأغنية: وشاح للتخدير أم عربون للتغيير؟
- هل للقسر الإجتماعي حدود؟
- القوي سينمائيا القوي سيميائيا


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مونير كوبي - القرض الصديق