أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معن الطائي و أماني أبو رحمة - الفاشية الجديدة: أحزاب اليمين المتطرف أُنموذجاُ















المزيد.....



الفاشية الجديدة: أحزاب اليمين المتطرف أُنموذجاُ


معن الطائي و أماني أبو رحمة

الحوار المتمدن-العدد: 3441 - 2011 / 7 / 29 - 09:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفاشية الجديدة: أحزاب اليمين المتطرف أُنموذجاُ
د.معن الطائي أماني أبو رحمة

هيمنت تفاصيل المجزرة المروعة التي قام بها النرويجي اندريس بهرينغ بريفيك ضد مجموعة من الطلبة في جزيرة أوتويا المجاورة للعاصمة النرويجية أوسلو في يوم السبت المصادف 23-7-2011 على نشرات الأخبار لجميع القنوات الإخبارية المكتوبة والمسموعة و المرئية. وقد صدرت تصريحات عن الشرطة النرويجية تفيد بأن المتهم يحمل ميول يمينية متطرفة، بينما أشارت صحيفة (أفتينبوسطن) النرويجية إلى قلق الشرطة الغربية البالغ "إزاء ذلك المزيج من الركود الاقتصادي و البطالة، القابل للانفجار في أي لحظة، والذي أدى إلى تزايد التمييز العنصري وانتشار موجة غير مسبوقة من المشاعر المعادية للمسلمين في القارة"(1). وأكدت الشرطة النرويجية على أن المتهم بريفينك كان قد نشر ميثاقا معاديا للاسلام ونمو الثقافة الماركسية المنادية بتعدد الحضارات ، يتكون من 1500 صفحة حمل عنوان (إعلان أوروبي للاستقلال). يقول بريفيك في ميثاقه هذا إن " أساس المشكلات التي تعاني منها أوروبا يكمن في فقدان ثقتنا بحضارتنا أو بالأحرى بقوميتنا. فمعظم الأوروبيين ما زالوا يخافون من العقائد السياسية ذات الطابع القومي معتقدين ان اعتناق هذه العقائد سيؤدي الى ظهور هتلر جديد وإلى اندلاع حرب كونية جديدة. إن هذا الخوف غير المبرر من العقائد القومية يمنعنا من اجهاض انتحارنا الوطني والحضاري بسبب الاستعمار الاسلامي المتنامي.لن يمكننا من دحر الاسلمة ومنع الاستعمار الاسلامي لاوروبا الغربية الا إذا أزلنا أولا كل العقائد السياسية التي تنادي بها الماركسية والحركات الداعية الى تعدد الحضارات"(2). وتكتسب هذه الجريمة المؤلمة دلالات بالغة الأهمية في ظل التحولات الثقافية والسياسية و الاجتماعية التي تشهدها المجتمعات الغربية المعاصرة و تنامي التيارات اليمينية المتطرفة و الفاشية الجديدة.
تراجعت الفاشية التقليدية في الدول الرأسمالية الصناعية الديمقراطية بشكل ملحوظ. ولكن هذا التراجع ترافق مع صعود ضرب من الفاشية الجديدة ما بعد الحداثية التي ترتكز على التنوع المحلي الهائل والنجاح السياسي المتصاعد. تختلف الفاشية الجديدة في الظاهر عن الفاشية التقليدية، الأمر الذي دعا كثير من النقاد الليبراليين إلى تسميتها باليمين المتطرف وقصر مصطلح الفاشية على تلك الأحزاب التي تعتبر نفسها امتدادا للأحزاب الفاشية التي سادت في ثلاثينيات القرن الماضي. ولكن دراسة معمقة لهذه الأحزاب اليمينية المتطرفة الجديدة وتفجرها الراديكالي في الثمانينيات من القرن الماضي لا يستبعد فكرة كونها صورة ما بعد حداثية للفاشية التقليدية.
تشير التطورات الحديثة في فهم الفاشية إلى أن الفاشية شكلا ثوريا من القومية المتطرفة تهدف إلى تعبئة عامة لطاقات الأمة الجماعية لأجل إعادة التأهيل والتجديد والبعث الوطني. وتشكل الفاشية رداً على هشاشة الروح الوطنية في بيئة دولية تنافسية غير عادلة في جوهرها، وعلى فشل النخبة الوطنية في تعزيز قاعدة السلطة المحلية. ومن هنا فإن الفاشية تدعو كما يراها روجر غريفين ـ في كتابه (طبيعة الفاشية) ـ إلى مناهضة الديمقراطية الليبرالية، وإيديولوجية جمعية واقتصاد تعاوني، ومعاداة التعددية الثقافية والتقسيم الاجتماعي. ويمثل اليمين المتطرف اليوم شعبوية سلطوية داخل هياكل ديمقراطية تمثيلية، تدعو إلى شكل من (الأفضلية الوطنية) مقترنا باعتناق اقتصاد السوق الحرة فضلا عن دعمه لنظرية التعددية الإثنية Ethnopluralism)) على أساس التجانس الثقافي واستحالة تمازج الكتل الحضارية (3).
والتعددية الإثنية هي مصطلح نحته اليمين المتطرف للدعوة إلى احترام الاختلافات الثقافية والعرقية مع التأكيد على أن أفضل إستراتيجية لحمايتها هي تجنب الاختلاط والتمازج بينها. ويوظف اليمين المتطرف الجديد المصطلح ليشير إلى تخليه عن الإشارة إلى التفوق العنصري أو العرقي ويفترض وجود خطاب ما بعد عنصري جديد يرتكز على أساس الحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية. وبذلك فإن اليمين المتطرف يكون قد خصخص وحول تعريف (الاختلاف) الذي وظف تقليدياً من قبل اليسار لتعزيز التعددية الثقافية واحترام التنوع. يقول بيار أندريه تاغيياف في كتابة (العنصرية الثقافية في فرنسا):" يدعي اليمين الجديد أن العنصرية الحقيقية هي محاولة لفرض نموذجا عاما وفريدا بوصفه الأفضل، مما يعني القضاء على الاختلافات... وبناء عليه، فإن المناهضة الحقيقة للعنصرية تقوم على الاحترام المطلق للاختلافات بين المجموعات المتجانسة عرقيا وثقافيا")4)
ويمكن القول أن تقبل اليمين المتطرف لنظام السوق الرأسمالي، يمثل واحدة من نقاط ضعفه الأساسية، إذ يعني ذلك أنه يفتقد إلى برنامج اقتصادي بديل لبرنامج الأحزاب السياسية الرئيسية. استبدلت أحزاب اليمين المتطرف عداء الفاشية التقليدية للبرجوازية بعدائها للمهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين، سيما إذا كانوا من غير البيض والغربيين.
يرصد جيف باوتشر الفروقات بين الفاشية التقليدية التي سادت بين الحربين العالميتين (1918-1939) والفاشية الجديدة المعاصرة ويقول" تميزت فاشية الثلاثينيات بتجذر القومية الإثنية في العنصرية البيولوجية والهيمنة الاقتصادية والنزعة العسكرية المناهضة للديمقراطية، في حين تميزت فاشية الألفية الثانية بالتعددية العرقية ضمن وحدة ناظمة، وبالليبرالية الجديدة، والأفضلية الوطنية، والشعبوية الديمقراطية، وسياسات الاستفتاء" (5). يتابع باوتشر ملاحظاته ليلفت النظر إلى طبيعة مؤيدي الفاشية الثلاثينية والفاشية المعاصرة" تضم أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا منظمات الطبقات العاملة، بل إن عدد العمال المؤيدين للأحزاب اليمينية يفوق أعداد المؤيدين للأحزاب الشيوعية"(6). يرى بيرو أغنازي في كتابه (الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا الغربية)" أن تصويت أعداد هائلة من أبناء الطبقة العاملة لصالح أحزاب اليمين المتطرف هو أكثر جوانب الرواية إثارة للدهشة مقارنة مع العام 1980" (7). وهذا يشير إلى أن أحزاب الفاشية الجديدة لم تعد تعتمد على أصوات المحتجين من الطبقة الوسطى. بل أن ناخبي اليمين المتطرف اليوم ـ ولازال الكلام لأغنازي ـ يمثلون جمهورا انتخابيا محددا معبأ بمشاعر العزلة عن النظام السياسي وعدم الرضا تجاه الديناميات الاجتماعية والاقتصادية لعملية ما بعد الحداثة والعولمة.
وفي الوقت نفسه، فإن الطرح القائل بأن الفاشية الجديدة هي شكل من أشكال فاشية ما بعد الحداثة ـ وليست بدعة، مثل اليمين المتطرف ـ يحتاج إلى بعض التفسير.
ربما يتفق كثير من منظري ما بعد الحداثة، أن ما بعد الحداثة هي سليلة مباشرة للفاشية وأنها لا زالت تحتفظ بمعظم عناصرها الرئيسة وأن الفاشية بوصفها أيديولوجية أو نظرة عالمية هي أحد أجداد ما بعد الحداثة التي لا يمكن تجاهلها. هناك تشابه كبير ولكن قليلون في الماضي كانت لديهم جسارة الكشف عن هذه العلاقة. يقول ريتشارد فولن في كتابه (غواية اللامعقول):"تزودت ما بعد الحداثة بمذاهب فريدريك نيتشه ومارتن هايدغر وموريس بلانشو وبول دي مان، وجميعهم أما أنه أوشك أن يذعن أو أنه أذعن تماما لـ" الافتتان الفكري والثقافي بالفاشية"(8).
إن أفضل تعريف للفاشية التاريخية والفلسفية يقوم على إدراك ثلاثة من أهم أفكارها المتداخلة وهي: العضوانية أو العضوية (organicism) (9)، واللاعقلانية (irrationalism)، ومبدأ الكمون والحلول (Immanence) الذي يقول بأن الإله والكون كيان (جوهر) واحد. وهذه الأفكار الثلاثة بالتحديد هي أعمدة الفكر ما بعد الحداثي.
أبقت ما بعد الحداثة على كثير من الطروحات الفاشية مثل رفض وجود مصدر متعال للحقيقة، وأن الحقائق ليست سوى بُنى اجتماعية. وفي حين صادرت الفاشية حرية التعبير صراحة بحجة تأثيرها الهادم على التضامن العضوي، فإن ما بعد الحداثة صاغت هذا التقيد بلطافة الكياسة السياسية والشفرات الكلامية. فالكلمات تبعا لما بعد الحداثة ليست سوى وسائل قمع وتهديد. يؤكد الفاشيون وما بعد الحداثيين على سيادة الحكومة، ويعارضون الهوية الفردية (10) وكرامة الإنسان المتأصلة في التراث الإنساني، وبدلا من ذلك، فإنهم يشددون على هوية المجموعة والتعددية الثقافية. إن بناء الهوية في مفاهيم ما بعد الحداثة يعادل الاستهلاك الثقافي، يقول بودريلار"أصبحت هويتنا هي ما نستهلكه" (11).
ينكر ما بعد الحداثيين السمو الإلهي كما فعل الفاشيون تماما. افتتنت الفاشية التاريخية بشكل الإنسان، وبالمثل، يبدو الجسد المثالي مع إطالة العمر هاجسا في ما بعد الحداثة المعاصرة. تفسر الفاشية كل فعل تفسيرا سياسيا ولا تختلف ما بعد الحداثة عنها كثير فهي التي ترفع شعار كل الحياة سياسية. يدعي ما بعد الحداثيين نبذ العنف ولكن مظاهر العنف الصارخ الهمجي تصدمنا في الفن والسينما وعروض التلفاز يقول جين ادوارد فيث في كتابة (الفاشية المعاصرة):"في الثلاثينيات من القرن الماضي صدم الفنانون الطليعيون البرجوازيين بنظرياتهم الجمالية التي تمجد العنف وتدعو لإخراج مكنونات النفس من العواطف البدائية الهمجية. واليوم إذا كنت ترغب في مشاهدة أمثلة لجماليات الفاشية البدائية فما عليك إلا أن تذهب لمشاهدة أحدث انفجارات هوليود السينمائية الضخمة أو أن تشغل قنوات التلفاز الموسيقية أو أن تذهب إلى حفلة الهيفي ميتال(21) الموسيقية هناك ستشاهد المثل الفنية الفاشية مجسدة المتعة من العنف، رعشة التمرد الأخلاقي، عبادة الجسد الآري، المذابح المروعة، وبطل كمال الأجسام الذي يأخذ القانون بعضلاته ويقتل أعداءه بدم بارد، وجماهير من المراهقين يرقصون على أنغام فرقة الميتاليكا" اصرخ وأنا أقتلك" هذه الفنون هي جوهر الفاشية" (13).
أسقطت ما بعد الحداثة من طروحاتها أمرين خالفت بهما الفاشية التقليدية وهما: القومية والعنصرية البيولوجية، ولكن ما حدث هو أن الفاشية الجديدة قد تبنت خطابات انعكاسية صممت لتموضع التناقضات الثقافية محل العنصرية البيولوجية، وفي الوقت نفسه تحتضن الفاشية الجديدة"التشكيل الذاتي للفرد" المميز لسياسات ما بعد الحداثة والثقافة المرتكزة على أسلوب الحياة، لكنها تؤطر هذه النزعة الفردية الجديدة في إطار من العنصرية الثقافية. وعلى الرغم من أن البيئة الديمقراطية في السياسة المعاصرة تستبعد التمرد المسلح، و(هيمنة الفاشية) والدكتاتورية العسكرية والحرب الأهلية التي ترعاها الدولة، والمرتبطة بحالات الإبادة الجماعية ومعسكرات الاعتقال في أوروبا أو أميركا، إلا أن الأمر لا يبعث على كثير من الطمأنينة. إذ يجب أن نتنبه إلى خطر حقيقي يستند إلى حقيقة أن الدور المساند للفاشية الجديدة يجري تنفيذه اليوم من قبل حكومات ما بعد الحداثة المحافظة، وأن الأحزاب الفاشية الجديدة في السلطة قد انجذبت نحو البراغماتية المحافظة ما بعد الحداثية بدلا من التوجه نحو الديكتاتورية العسكرية، يحذرنا أمبرتو ايكو من صور خداع الفاشية الجديدة حين يقول:" يجب علينا توخي الحذر، كي لا ننسى معنى هذه الكلمات، الفاشية البدائية لازالت بيننا، وأحيانا في صور فاضحة. سيكون من السهل علينا لو أن أحدهم ظهر على الساحة مطالبا بإعادة فتح أوشفيتز أو قال لنا: أريد أن تتمختر القمصان السوداء في ساحات ايطاليا من جديد، ولكن الحياة ليست بهذه البساطة. الفاشية البدائية يمكن أن تعود وقد أجادت التنكر واصطناع البراءة" (14).
قبل سنوات الثمانينيات كان اليمين المتطرف الأوروبي مهمشا سياسيا لأنه حافظ على خط فاشية ما بين الحربين. ومع نهاية التسعينيات ارتفع التصويت لصالح أحزاب اليمين المتطرف. يرى أغنازي أن سبب هذا التحول هو أن حقبة الثمانينيات مثلت انفصالا جذريا بين أسلوب الفاشية الثلاثينية والفاشية الجديدة المعاصرة. وبسبب هذه القطيعة حصلت الفاشية الجديدة على مصداقية انتخابية عالية ساعدها في ذلك عاملان أساسيان يوضحهما باوتشر:
1- إنكار الصلة بالفاشية القديمة الذي تمثل في رفض الإطاحة بالدولة الديمقراطية، ورفض سلطة الدولة على التجديد القومي، والتخلي عن البنى التعاونية الاستبدادية الاقتصادية والاجتماعية، ونبذ العنف السياسي.
2- و الاحتفاظ، مع ذلك، بمفاهيم اللامساواة، ومكافحة التعددية، ومناهضة الليبرالية، حين تنادي بمجتمعات عضوية ترتكز جذريا على مفهوم الأمة والسياسات السلطوية والتحيز ضد الليبرالية (15).
أطلق أغنازي على الفاشية الجديدة مصطلح (فاشية ما بعد الصناعة post-industrial fascism) (16) وهو النموذج الذي ينكر صلته بالفاشية القديمة ولكنه يتبنى قيمها المعارضة للتعددية والليبرالية والديمقراطية. يعطي أغنازي أمثلة على أحزاب الفاشية التقليدية مثل الحزب البريطاني القومي BNP الذي أحيا الدعوة العنصرية بمعارضة السماح باستقبال المهاجرين من آسيا للعمل في بريطانيا، أو للجوء السياسي في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، والحزب الوطني الديمقراطي الألماني والتحاف الوطني الإيطالي الذي تأسسّ في سنة 1995 ويتزعمه جيان فرانسكو فيني والذي حصد 12 بالمائة من أصوات الناخبين في انتخابات 2006، ويفتخر هذا الحزب بأبيه الروحي بينيتو موسيليني. أما في روسيا فقد هبت جماعات تدعو للقومية الروسية بعد سقوط الحكم الشيوعي، وقد تبنى هذا الموقف الأيديولوجي الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة فلاديمير زيرينوفيسكي. أما فاشية ما بعد الصناعة فيمثلها حزب الحريات النمساوي Freiheits Österreich Partei وحزب ليغا نورد الايطالي (LN-Italy) الذي تأسسّ في سنة 1994 ويترأسه أومبرتو بوسي والذي حصد 4% من أصوات الناخبين في انتخابات 2006، ويتبنى الحزب سياسة عدائية من المهاجرين، بل وطالب رئيسه في حوار صحفي بالقيام بإطلاق النار على المقيمين بطريقة غير شرعية في إيطاليا، وقريب من هذا الحزب حزب الجبهة الوطنية الفرنسي الذي يتزعمّه جون ماري لوبان والذي تأسس سنة 1972، وفي السياق نفسه يتحرك حزب من أجل فرنسا MPF)) الذي تأسسّ في سنة 1994 وترأسّه فيليب دوفلييه.
خضعت الأحزاب الفاشية التقليدية خلال الثمانينيات من القرن الماضي لعمليات هبوط وانقسام وإعادة تشكيل وتحول، وبفضل هذه العمليات تخلت عن العناصر الرئيسية الإيديولوجية والسياسية لفاشية ما بين الحربين: الاقتصاد التعاوني، والديكتاتوريات العسكرية، والعنصرية البيولوجية، والذاتية الجمعية. وفي الوقت نفسه شهدت الحقبة ذاتها صعودا هائلا لتشكيلات جديدة اتسمت منذ البداية بالشعبوية العنصرية. واليوم فإن اغلب المنتمين إلى اليمين يؤيدون التعددية الإثنية ما بعد العنصرية post-racist ethno-pluralism)) التي تهدف إلى حماية والحفاظ على الثقافة والمجتمع الخاص بكل مجموعة بدلا من الانتقاص من الثقافات الأخرى. تعد الوطنية أو الأهلية (nativism) الراديكالية اليوم وطنية ثقافية معنية بالهوية الأمريكية والأوروبية والاختلافات الإقليمية وتبعا لذلك يصبح بإمكان الفاشية الجديدة أن تقدم نفسها مدافعة عن الحرية الديمقراطية والعدالة القانونية في وجه الغرباء المختلفين ثقافياً. لا تستند كراهية الأجانب التي نراها في أوروبا اليوم إذا على الدم، ولكن على الدين والثقافة. يقول بورغ هايدر زعيم حزب الحريات النمساوي:
"يتعارض النظام الاجتماعي الإسلامي مع قيمنا الغربية. كما تتعارض حقوق الإنسان وحقوق النساء والديمقراطية مع العقيدة الدينية الإسلامية. لا يقيم الإسلام وزنا للفرد أو للإرادة الحرة بينما يمثل الإيمان والجهاد المقدس كل شيء" (17).
استغلت الفاشية الجديدة أثنين من التطورات المترابطة: أزمة الشرعية السياسية، والظروف الثقافية لما بعد الحداثة.
فمن الناحية السياسية أدت عمليات ما بعد التصنيع (Post-industrial) إلى أضرار اقتصادية على العاملين لحسابهم الخاص والعمال اليدويين ذلك أن القانون والنظام الصارم، والاعتزاز بالهوية الوطنية والمعايير الأخلاقية التقليدية، وتمكين الدولة قد فرض إعادة صياغة رمزية الانتماء والدفاع عن النفس. تعززت هذه العملية بالتمثيل النسبي والانتخابات المحلية، وأيضا ب"مرحلة ما قبل الانتخابات"، حيث سلط تراخي الناخبين التقليدين عن دعم أحزاب طالما انتموا إليها وميوعة أنماط التصويت، الضوء على جماهير انتخابية جديدة محتملة، فضلا عن تكشف أزمة في الشرعية في المجتمعات الغربية تمثلت في تراجع الثقة في النظام وصعود أحزاب اليمين المتطرف. لقد تراجع الرضا عن أداء الديمقراطية التي كانت مقبولة بنسبة 95 ٪ لدى المواطنين الأوروبيين الغربيين باعتبارها النموذج المثالي إلى 57 ٪. وهذا يشير إلى أن التوجه نحو اليمين المتطرف لا يقوم على العنصرية فحسب، ولكن أيضا على معارضة إضفاء الشرعية على قواعد النظام الديمقراطي الليبرالي.
لم يترافق الشرط الثقافي في ما بعد الحداثة بتراجع العقلانية التنويرية فحسب، ولكن أيضا بمجموعة كبيرة جديدة من قيم ما بعد المادية (postmaterial) (18)المرتبطة بأنماط الحياة الفردية. ارتكزت التعبئة الفاشية الجديدة المعاصرة على حماية الهوية الأوروبية من تهديد الأصولية الإسلامية (والإمبراطورية الأميركية). يرجع أغنازي تبني اليمين لسياسات الهوية السياسية إلى تراجع القطاع الصناعي (وهو ما يعني تراجع الصراع الطبقي)، وتصاعد نزاعات القيم. كان على الفاشية الجديدة مواجهة التذرير الاجتماعي (Social atomization) والفردية الجديدة ـالتي هي نتاج المجتمع ما بعد الصناعي ـ الأمر الذي قادها إلى تبني تعبيرين أساسيين: الأول هو تأكيد الذات الذي تبناه الجناح اليساري في مرحلة قيم ما بعد المادية والثاني هو الدفاع عن النفس الذي تبناه الجناح اليميني في مرحلة قيم ما بعد المادية. واجه تأكيد الذات التذرير الاجتماعي بواسطة تعبئة الموارد الشخصية. أما الدفاع عن النفس فقد تصدى له من خلال إعادة اكتشاف أشكال من التضامن العضوي (Organicist solidarity) التي مثلت استجابة لتراجع عوامل التضامن التقليدية: الطبقة والدين والأمة.
تجمع أحزاب الفاشية الجديدة بين التذرير والتآلف الاجتماعي ويتضح ذلك في برامجها الانتخابية إذ بالرغم من الاختلافات المحلية إلا أن هذه الأحزاب تحمل نواة مشتركة من المطالب الانتخابية. يعزز الخطاب العضواني الفاشي الجديد تركيبة متميزة من(مشاكل خاصة وحلول عامة (. أما تراجع المشاركة الاجتماعية والقيم المدنية في الحياة الخاصة للمواطنين العاديين فإن حله سيكون باللجوء إلى دولة استبدادية تفرض) الأخلاق العامة (.
إن ما يسمى ب (صيغة فوز) الفاشية الجديدة هي وصفة السياسات الاستبدادية المعادية للمهاجرين مع اقتصاد السوق الحرة. يحاول البعض أن يذهب (إلى ما بعد اليسار واليمين) في السياسة الاقتصادية مع التوازن بين القطاعين العام والخاص بهدف ضمان أن الإنسان الاقتصادي (homo oeconomicus) (19) لن يحل محل الرجل السياسي. بالإضافة إلى ذلك، تستبق هذه الأحزاب مطالب مرتبطة بالحاجة إلى الأمن في مواجهة عدم اليقين:
• الأمن من الجريمة والعنف.
• مجتمع متجانس ومتناغم.
• القيادة القوية والمؤسسات التي توفر الثقة والاطمئنان.
يزعم بعض الباحثين أن الفاشية الجديدة هي تطور خاص نتج عن تحولات ما بعد الفوردية (20)التي أدت إلى ظهور تقسيم دولي جديد للعمل (العولمة)، وتحول تاريخي حاسم مترتب على استنفاذ الحداثة. ويرى بيتز في قراءته لمقال (العولمة ودولة الرفاه واليمينية الشعبوية في غرب أوروبا لدوان سوانك وهانس جورج بيتز) أنه" ليس من قبيل المصادفة أن البروز المتصاعد الأخير لليمين المتطرف في الديمقراطيات الرأسمالية المتقدمة قد حدث في وقت اضطرابات هائلة وتغيير عميق أثّر تقريبا في جميع جوانب الحياة الفردية. لقد استغلت الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة الفرصة لتقديم نفسها بدائل عن القوى التقليدية، وملء الفراغ الناجم عن تآكل وانهيار الهياكل القائمة" (21). وفي السنوات الأخيرة ارتبطت هذه التطورات في المقام الأول بالعولمة وما بعد التحديث. فالنسبة للعولمة ـ تبعا للمصدر السابق ـ فإن التقسيم الدولي الجديد للقوى العاملة جعل العمالة غير المدربة عرضة لتحديات تنافسية تقوم على الحركة العالمية لرأس المال. ولكن فكرة أن اليمين الراديكالي يعتمد على ضحايا العولمة تبدو ساذجة وتبسيطية، فقد بينت الدراسات أن تأييد الفاشية الجديدة إنما هو استجابة لـ(حالة قلق). قلق بشأن إعادة الهيكلة الاقتصادية وما ينتج عنها من أزمات الهوية والاستبعاد الاجتماعي والاغتراب الثقافي داخل الثقافات التعددية ونظم العولمة. إنها ردة فعل على فقدان سلطة الدول القومية والهوية الثقافية، والأفضلية الوطنية. ونظام التجارة الحرة. هذه الحالة الثقافية تحرم الثورة (الوطنية) من شرعيتها وتفتح المجال للشعبوية الاستبدادية في آن واحد.
وتكمن المفارقة هنا انه وفي محاولة لتأكيد قربها من الجماهير ورفضها للوضع القائم، فإن أحزاب اليمين المتطرف الجديدة تفضل تعريف نفسها على أنها حركة عبر الحدود الوطنية، لها ممثلين في أوروبا الغربية والولايات المتحدة واستراليا، مما يوحي بأنها تتجاوز نطاق الأحزاب السياسية الرئيسية. ويمكن القول أنه وعلى الرغم من تبني هذه الأحزاب موقفا واضحا مناهضاً للعولمة، إلا أنها لا تجد حرجا في توظيف الوسائل التكنولوجية المتقدمة في صميم العولمة من أجل الترويج لصورتها ليس فقط داخل بلدانها وإنما عبر الحدود الوطنية أيضا.
أما عن ما بعد التحديث (Postmodernisation)(22) ـ وهو مصطلح يوظف للإشارة إلى الفترة التي تلت عهد التحديث(Modernisation) أو التصنيع(industrialisation) والتي تميزت باستنفاذ مشروع التنوير وانهيار شرعية سرديات الحداثة والتقدم العلمي وتحرر الإنسان وعلى الصعيد الاقتصادي بالتحول من الصناعة إلى الخدمات والمعلومات ـ فقد ولدت حالة عدم اليقين والحدود المائعة للحالة الثقافية التي ميزت ما بعد التحديث جدلية التوق لتحقيق الأمن والاستقرار، ودعم الكاريزما السلطوية. كما أن انحسار الأسرة التقليدية وانهيار السلطة الأبوية المرتبطة بتحول أدوار الجنسين أدى إلى خلخلة فكرة القوامة الذكورية وأطاح بصورة الذكر المثالية في حالة أطلق عليها أزمة الذكورة. فلا غرو إذا أن يكون مؤيدو اليمين الراديكالي رجالا لا نساء.
وعلى الرغم من تبني كلا من الفاشية الجديدة واتجاه المحافظين سياسات ديمقراطية زائفة وإيديولوجيات شعبوية استبدادية إلا أن الفاشية الجديدة ـ التي تعد ضمن الطيف الديمقراطي ـ تذهب أبعد من سياسات المحافظين في جوانب عدة.
ففي حين تبطن الفاشية الجديدة مناهضة الديمقراطية إلا أنها تظهر بوصفها أحزاب ثورية على عكس أحزاب المحافظين في ما بعد الحداثة التي تظهر تأيدها للديمقراطية وتخفي ثوريتها. إن ما يميز اليمين المتطرف عن غيره من الأحزاب السياسية في المنافسات الديمقراطية هو اعتناقه موقفا صريحا جذريا لصالح المواطنين (ضد المهجرين أو المقيمين) يتجسد في مفهومه عن التعددية العرقية والحماية الثقافية، استنادا إلى فكرة أن الثقافات والأعراق غير قابلة للامتزاج. والنتيجة بالطبع هي الشعبوية الإقصائية. الموقف الأساسي هنا هو المواطنة التقييدية على أساس الفرضية التي تقول بأن الديمقراطية الحقيقية تتطلب مجتمعا متجانسا، بحيث أن الوافدين لا ينبغي أن يحصلوا على المواطنة أو المزايا الاجتماعية. تناقض الشعبوية عادة السلطة النخبوية القائمة والقيم السائدة، وبالتالي فإنها تنادي بإصلاح جذري للمؤسسات السياسية بهدف زيادة المشاركة الشعبية. تدغدغ الشعبوية الإقصائية عقد الدونية والعجز الذاتي المصحوب بعدم تقبل الضعف الموضوعي والذي يراكم شعورا دائماً بالمهانة والظلم والحقد الموجه والإرادة الانتقامية (Ressentiment)(23) والنتيجة هي النظرة السلبية للاختلاف. تواكب هذه الحالة برامج الإصلاح والتجديد الوطني التي يفترض أن تؤدي إلى الإطاحة بالطبقة الحاكمة والنخب الفكرية. تواجه الفاشية الجديدة شأنها شأن المحافظين صدوعا وتناقضات داخلية على مستوى القيادة والقاعدة وبين القيادة والقاعدة. فمثلا تعد مسألة القومية الاقتصادية مسألة شائكة فعلى الرغم من أن معظم الأحزاب الأوروبية اليمينية تتبني الليبرالية الجديدة الأمر الذي يضعها في صراع مع برنامجها التعبوي القائم على أساس الامتعاضات الاقتصادية وسياسات الأفضلية الوطنية. فمثلا يعرف حزب الشعب الألماني نفسه بوصفه" قوة وطنية ثورية معادية للرأسمالية تحارب من أجل نظام اجتماعي جديد" (24). وهذا يعني انه حزب فاشي يقوم على العدائية للتعددية الثقافية وينافح عن التحديد العنصري للمواطنة. كما ندد هورست ماهلر القيادي البارز في الحزب القومي الديمقراطي اليميني بالعولمة بوصفها أعلى مرحلة من مراحل الامبريالية ودعا إلى إحياء الأمة الألمانية. واليوم، فإن أحزاب اليمين المتطرف هي آخر التشكيلات الجماعية التي تحتفظ بمطالب الأحزاب الشيوعية والاشتراكية، للتنديد بالعولمة والبطالة.
ترتكز كل مجالات عمل الأحزاب اليمينية المتطرفة على مشروع ثقافي غير ظاهر ـ ولكنه حاسم ـ يربط بين الأفضلية الوطنية والسياسات الشعبوية من جهة، و(التجديد الوطني) من جهة أخرى. إنها المقاومة البيضاء التي كان منشؤها التقاليد الأمريكية التي تزعم تفوق البيض والقومية العنصرية، وفكرة أن بقاء الجنس الأبيض والحضارة الغربية مهدد بـ(الإبادة المنظمة للعرق الأوروبي). وهذا يحدث عن طريق الإجهاض والهجرة والتزاوج. يشعر أنصار اليمين المتطرف بمزيد من الاغتراب نحو أداء النظام والمؤسسات الديمقراطية. وهذه هي (فرضية عدم الرضا السياسي) التي تجعل من نقد المؤسسات الديمقراطية القائمة يعادل الدعوة إلى الأفضلية الوطنية. وتتعزز المشاعر المعادية للنخب بالتشكيك في الأحزاب وبرامجها، ويستفيد اليمين المتطرف من تناغم أنصاره ومجتمعاته المحلية، ويتميز ببغضه للانقسامات الاجتماعية والتعددية السياسية.
يهاجم الفاشيون الجدد التعددية والمساواة بين البشر والمنافسة السياسية وتسوية الصراعات. يقول أغنازي" أن الثقافة السياسية الكلية والواحدية لليمين المتطرف معادية للنظام"(25). ويرى أيضا أن"خيارات معادة النظام الراديكالية تمثلت في الاستبدادية المعادية لليبرالية وفي الواحدية المعادية للتعددية وفي كراهية الأجانب المعادية للمساواة بين البشر" (26). وكانت نتيجتها المتوقعة دعم أحزاب اليمين المتطرف الذي يتمتع اليوم بجاذبية خاصة لأنه يسمح بأقصى تعبير ممكن عن مشاعر الإحباط وعدم الارتباط والاغتراب عن النظام, ويمنح أنصاره عالما خاصا بعيداً عن السياسة السائدة. والأكثر جاذبية هو منظور التكامل الجديد في مجتمع متجانس دينيا واثنيا، وفي مجتمع كلي أحادي على المستوى الوطني وما دون الوطني يرتبط بعلاقة اجتماعية قوية وهرمية داخل حدود مجتمع قومي ويحلو للفاشيين الجدد توظيف مصطلح Volkische community))لوصف المجتمع الذي يحلمون به. وكلمة Volkische التي تعد التفسير الألماني للشعبوية مع تركيز رومانتيكي على الفولكلور والعضوانية وتعني تحديدا العرق، وتحمل حسب المؤرخ جيمس ويب نغمة الأمة والعرق والقبيلة (27). وعلى نطاق ضيق يمكن توظيف الكلمة لتعيين الجماعات التي تنظر إلى الصلات البشرية عن أساس الدم فحسب.
هوامش:

1. http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2011/07/110724_norway_breivik.shtml
2. http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2011/07/110724_norway_anders_manifesto.
3. ينظر: (Griffin, Roger. The Nature of Fascism. Pinters Publisher Limited(1991
4. ينظر: Pierre-Andre Taguieff,"Cultural Racism in France," in Telos 83 (Spring 1990), PP 111
5. ينظر: Geoff, Boucher. The resistable rise of postmodern neo-fascism: 1930s-style Fascism has been replaced by a species of postmodern neo-fascism, Viewpoint essay. Arena Magazine (April 1, 2006)
6. المصدر السابق.
7. ينظر: Piero Ignazi, Extreme Right Parties in Western Europe, Oxford and New York: Oxford University Press, 2003:155.
8. ينظر: Richard Wolin, The Seduction of Unreason (Princeton, NJ: Princeton University Press, 2004), p xii.
9. العضوية: يرى الفاشيون أن الدولة هي وحدة عضوية حيةـ تماما مثل جسم الإنسان ـ والأفراد هم الأعضاء الذين يساهمون في تحقيق الرفاه العام أو الهدف الأعظم أو الإرادة العامة، وأن ذلك أعلي وأسمي وأكثر أهمية من أي فرد من أفراد الدولة. ترى الليبرالية أن الدولة بوصفها مؤسسة قد خلصت لحماية حقوق الإنسان. وبالمقابل فإن الفاشية تنظر إلى الوحدة العضوية دون أن يكون الفرد في المشهد، وفي مجتمع كهذا حيث لا وجود للعلو والسمو الإلهي تصبح الدولة هي الاسمي والأهم. يقول موسيلليني:" كل شيء في الدولة، لاشيء ضد الدولة، ولا شيء خارجها". ويمكن أن نستنتج أن في الفاشية صوت عدائي واضح للأنا الفردية. الإنسان في الفاشية هو البطل الشجاع القاسي الذي لا تشغله المتع والملذات والذي يحارب من اجل المثل العليا والقيم وليس من اجل تحقيق غايات فردية. ترى الأيديولوجيا الفاشية أن الهوية الفردية تأتي من الجماعة ولأن الثقافة تحدد الفرد فإن الحاجة إلى الثقافة تمثل أولوية قصوى. تعارض الفاشية استقلالية الإنسان. وتبعا لذلك فإن للثقافة منزلة مقدسة غامضة تكاد تقارب الإلوهية. ترى الفاشية أن الحضارة هي نتيجة التجريد والعقل اليهودي. إذن فالثقافة هي كل شيء، إنها العضوية الإثنية. آما الحضارة فهي آلية وعقلانية تؤدي إلى الإقصاء والتنفير. هذا التقديس للثقافة والعرق أدى بالتأكيد إلى العنصرية، التي كانت النازية أفضل مثال لها.
10. ترفض ما بعد الحداثة الفردية المستقلة ذات السيادة، وبدلا من رؤية البشرية بوصفها محيطا من الأفراد، يفكر ما بعد الحداثيين في البشر بأنهم"تركيبات اجتماعية". لا تفكير ولا وجود للفرد بشكل مستقل عن المجتمع الذي يتحدد فيه. لذا لا يمكن له الوصول إلى الحقيقة باستقلالية. أفكاره سياقية دائماً. تركز ما بعد الحداثة على الجمعية الفوضوية، والخبرة المجهولة والكولاج، والتنوع، والغامض أو المجهول الغير قابل للتمثيل، والعاطفة الشهوانية المتسمة بالعربدة والتي أصبحت هي بؤر الاهتمام. والأهم من ذلك غياب التمييز، وإدماج الذات والموضوع، والذات والآخر. هذه هي المحاكاة الساخرة اللعوب من الحداثة الغربية والرفض الراديكالي الفوضوي لجميع المحاولات الرامية إلى تعريف، أو تجسيد أو إعادة تمثيل الإنسان/ الموضوع.
11. ينظر: Sarup, Madan, and Tasneem Raja. Identity, Culture and the Postmodern World. Edinburgh: Edinburgh University Press, 1996:105-106.
12. الهيفي ميتال: الهيفي ميتال Heavy Metal(أو فقط ميتال Metal للاختصار) لون من ألوان موسيقى الروك تطور في ستينات القرن العشرين من البلوز والروك. يمتاز الهيفي ميتال بصوت الجيتار Guitar القوي مع استعمال الدرامز drums والباس جيتار Bass Guitar. وتختلف كلمات الأغاني من نوع إلى آخر وتتحدث في المجمل عن الموت وقصص الفانتازيا وميثولوجي والحروب والحزن والشياطين والوثنية وغيرها الكثير. جاء في موقع Allmusic في تعريف الهيفي ميتال:" من جميع أنواع الروك & رول المختلفة, الهيفي ميتال هو النوع الأكثر تطرفاً بدرجة الصوت, الرجولية ومضاهاتها للتمثيلات المسرحية." وقد ظهر المصطلح الميتال على يد فريق ستبنولف Steppenwolf عام 1968 حينما استخدموا فقرة كتبها مارس بونفاير Heavy Metal Thunder في أغنيتهم" ولد ليكون متوحشا" Born to be wild (الويكيبيديا العربية).
13. ينظر: Gene Edward Veith, Modern Fascism: Liquidating the Judeo-Christian Worldview, Concordia Publishing House, St. Louis, 1993:12
14. ينظر: Umberto Eco. Ur-Fascism, Article from The New York Review of Books, June 22, 1995, pp. 12-15..
15. ينظر: Geoff, Boucher. Postmodern Neofascism: Contemporary Rightwing Extremism in the Metropolitan Countries. February 2006:
http://ethicalpolitics. org/seminars/neo-fascism. Htm
16. ينظر: Piero Ignazi, Extreme Right Parties in Western Europe, Oxford and New York: Oxford University Press, 2003.
17. ينظر: Geoff, Boucher. Postmodern Neofascism: Contemporary Rightwing Extremism in the Metropolitan Countries. February 2006:
http://ethicalpolitics. org/seminars/neo-fascism. Htm
18. يعد مفهوم ما بعد المادية أداة مفيدة في تطوير فهم للثقافة الحديثة. ويمكن تناوله، بالإشارة إلى ثلاثة مفاهيم ميزت المادية: المفهوم الأول من المادية، وهو الذي نوظف مصطلح ما بعد المادية نسبة إليه في معظم الأحيان، ويشير إلى المادية كنظام قيم يتصل بالرغبة في تلبية الاحتياجات المادية (مثل الأمن والقوت والمأوى)، والمفهوم الثاني هو المادية التاريخية والجدلية التي وضعها ماركس وإنجلز. والمفهوم الثالث هو النقاشات الفلسفية التي تهتم بالحقيقة الوحيدة الموجودة. تجدر الإشارة إلى أن المفهومين الأولين اجتماعيان، أما الثالث فهو فلسفي. وضع رونالد انكلهارت النظرية السوسيولوجية ما بعد المادية في السبعينات بعد مسوح واسعة النطاق، أفترض إنكلهارت أن المجتمعات الغربية ضمن نطاق المسح تشهد تحولا في القيم الفردية، من القيم المادية، التي تركز على الأمن الاقتصادي والمادي، إلى مجموعة جديدة من القيم ما بعد المادية، التي تركز على الاستقلال والتعبير عن الذات ويعتقد أنكلهارت أن ارتفاع معدلات الرفاهية والرخاء الاقتصادي أدى إلى تحرير الرأي العام في المجتمعات الصناعية المتقدمة من أعباء الاحتياجات المادية الأساسية. وقد لاحظ أنكلهارت أن الشباب أكثر عرضة لتبني قيم ما بعد المادية، وتكهن أنكلهارت أن هذه الثورة الصامتة لم تكن مجرد تغير في دورة الحياة، على اعتبار أن الناس يصبحون أكثر مادية مع تقدم العمر، ولكنها مثالا حقيقيا لتغير القيم بين الأجيال.
19. الإنسان الاقتصادي (Homo Oeconomicus):هو الإنسان الذي يكون سلوكه محدداً بالمصالح الاقتصادية وحدها دون أي دافع عاطفي أو أخلاقي أو ديني. وقد وظف المصطلح أولا في أواخر القرن التاسع عشر من قبل الناقد جون ستيوارت ميل.
20. مرحلة ما بعد الفوردية: هو الاسم الذي يطلق على نظام الإنتاج والاستهلاك الاقتصادي السائد، وما أرتبط به من ظواهر اجتماعية واقتصادية، في معظم البلدان الصناعية منذ أواخر القرن الماضي. وهو يتناقض مع الفوردية التي تعني النظام الذي صمم في مصانع هنري فورد للسيارات، والذي يعني أن العمال يعملون على خط إنتاج، ويؤدون المهام المتخصصة بصورة متكررة. يختلف تحديد وطبيعة ونطاق ما بعد الفوردية اختلافا كبيراً ولازال موضوع نقاش بين العلماء. ويمكننا أن نقول أن مرحلة ما بعد الفوردية تتميز بالسمات التالية: إنتاج دفعات صغيرة، واقتصاديات النطاق، والمنتجات والمهن المتخصصة، وتكنولوجيا المعلومات، والتركيز على أنماط المستهلكين على النقيض من التركيز السابق على الطبقة الاجتماعية ودخول ذوي الياقات البيضاء إلى الخدمة وتأنيث القوة العاملة.
21. ينظر: Swank, Duane and Hans-Georg Betz (2003): Globalization, the Welfare State and Right-Wing Populism in Western Europe, in: Socio-Economic Review 1, S. 215-245
22. في كتابة التحديث وما بعد التحديث يرى الباحث البريطاني رونالد انكلهارت أن مرحلة ما بعد التحديث قد تطورت خلال الخمس والعشرون سنة الماضية. وهي مسار جديدا يركز على تحقيق مكاسب اقتصادية بقدر تركيزه على صياغة منظومة من القيم الجديدة، مثل تعظيم رفاهية الفرد. كان هذا التغيير ممكنا بفضل أن الحاجة للأمن والاستقرار الاقتصادي قد حققتهما مرحلة التحديث والتصنيع فأصبح الهدف الرئيسي لما بعد التحديث هو الابتعاد عن الدين والدولة معا والانصراف إلى الفرد مع زيادة التركيز على الاهتمامات الفردية مثل الصداقة والترفيه ونوعية الحياة وأهمية التعبير عن الذات بالنسبة للفرد.
23. Resentment: الحقد والإرادة الانتقامية في الفلسفة وعلم النفس هي نوع خاص من الضغينة والعدائية الموجه نحو من يعتقد المرء انه سبب إحباطه وهزيمته. إن الإحساس بالضعف والدونية وربما الغيرة ممن يعتقد أنه السبب، يولد نظام قيم أو أخلاق تعتمد الرفض/التبرير تهاجم أو تتجاهل المصدر المدرك للإحباط وبهذه الطريقة يخلق الأنا عدوا ليحرر نفسه من المسئولية. وظف المصطلح من قبل الفيلسوف الألماني ماكس شيلر في كتابه ((Resentment الذي نشر في عام 1912، ومنع من التداول لاحقا على أيدي النازيين. و حاليا يوظف المصطلح على نطاق واسع في علم النفس والوجودية، وينظر إليه على أنه قوة فعالة لإنشاء الهويات، والأطر الأخلاقية، ونظم القيم.
24. ينظر: Geoff, Boucher. Postmodern Neofascism: Contemporary Rightwing Extremism in the Metropolitan Countries. February 2006:
http://ethicalpolitics. org/seminars/neo-fascism. Htm
25. : Piero Ignazi, Extreme Right Parties in Western Europe, Oxford and New York: Oxford University Press, 2003:155
26. المصدر السابق.
27. تعريف الويكيبيديا الانجليزية لمصطلح (Volkische) والملاحظة لبيرو أغنازي في المصدر السابق.



#معن_الطائي_و_أماني_أبو_رحمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معن الطائي و أماني أبو رحمة - الفاشية الجديدة: أحزاب اليمين المتطرف أُنموذجاُ