أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إبراهيم كمال الدين - كاتي وكيكو: قطط مدللة لدى المعتقلين















المزيد.....

كاتي وكيكو: قطط مدللة لدى المعتقلين


إبراهيم كمال الدين

الحوار المتمدن-العدد: 1023 - 2004 / 11 / 20 - 10:26
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


السجن مرآة عاكسة لمدى صلابة وإيمان ووعي المعتقلين فيه يظهر المعتقل على حقيقته دونما زيف.

وهو المحك الحقيقي لمدى تحمل المعتقل لمعاناة الزنازن بل "القبور" الانفرادية والرطبة والتي تفوح منها الروائح الكريهة ... والتوقيف الانفرادي أو الجمعي ... والعزلة عن الأهل والمجتمع الذي تحب المدد نطول وتطول لسنوات قد تصل للعشر دونما محاكمة أو تهمة محددة. اللهم إلا حبك لوطنك وشعبك وتمنياتك لهذا الوطن بمستقبل زاهر يعيش فيه المواطن دونما خوف من إعتقال أو أبعاد أو تعذيب.

هذه المعاناة وهذا العذاب المتواصل يعكس نفسه في سلوك المناضلين – فتجد التباين في ردود الفعل لتكشف معدن هذا الإنسان .. فنجد البعض ينعكس هذا العذاب والعزلة ردات فعل إنفعالية وغاضبة تطال الرفاق في نفس الزنزانة ويحدث التوتر والضيق ... بل في بعض الأحيان الشجار لأتفه الأسباب.

وبالمقابل ينعكس لذى البعض سلوكاً إنسانياً بمداراه الرفاق ورفع معنوياتهم وخلق الأجواء الملائمة لتحمل قسوة السجن والسجانين وما يرافقه من عذابات.

هذا السلوك الذي يفيض إنسانية، ومواساة للآخرين ونكران الذات والترفع على الصغائر شاهدته متجسداً في كثير من المعتقلين وأخص منهم إثنان كانوا معنا في نفس الزنزانة في سجن جزيرة جدا – هما عادل العسيري وأخي سلمان كمال الدين. فقبل حل البرلمان بأيام وتحديداً مساء 23 أغسطس عام 1974 تم إعتقال كل النشطاء السياسيين ونقلوا إلى جزيرة جدا وقد وزعنا على زنازن .. كنت في أحداها مع الزملاء أحمد صالح مطر – عادل العسيري – إبراهيم بشمي - جاسم سيادي – وسلمان كمال الدين.

وفي بداية الإعتقال تكون الاجراءات الأمنية مشددة بحقنا – حيث أبواب الزنازن الحديدية مقفلة والخروج للحمام مرتين في اليوم الأولى صباحية قبل استيقاض السجناء الجنائين – حتى لا يتم الاحتكاك بهم ومعرفة من هؤلاء المعتقلين – في ذهابنا وأيابنا للحمامات نكون مخفورين بالشرطة المسلحة بالبنادق ولا تطول مدة بقاءنا في الحمامات أكثر من عشر دقائق.

في هذه الأجواء المتوترة والمحمومة... التقط عادل العسيري قطة صغيرة... لا تزال مغمضة العينين ـ تاهت الدرب عن أمها فبدأت تموء وتستغيث.. فكان لها المنقذ. ورغم شحة ما نعطى من غذاء، وخصوصاً الحليب، فقد كان يحرم نفسه منه ليرضعها... بواسطة قطارة التقطها ونحن في طريق العودة للزنازين.

واغدق عليها من عطفه وإنسانيته.. حتى كبرت هذه القطة وبدأت تقوم بحركات مسلية في الزنزانة، وتقفز من سرير لسرير وسط اعجابنا برشاقتها وخفتها، وتذمر إبراهيم بشمي الذي كان لا يريد أن يضيع دقائق من وقته دونما قراءة، وكان يدون ما يكتب بعد أن سمح له بالقلم والورق. وكنا نهرب الكتب والجرائد بطرقنا الخاصة ونتداول قراءتها. وفي أحدى المرات انقضت كاتي على أوراق إبراهيم بشمي تنتيفاً وتمزيق، وتدخل عادل العسيري لتهدئة غضبها، هذه القطة عاشت مدللة في الزنازن.. وعندما كبرت كانت تقوم بزيارة لزنازن السجناء الذين لا يألون جهداً في اغداق العطايا لها..

فكانوا يدللونها، بكاتي قطة المعتقلين. ويحضرون لها السمك من البحر. فكان احترامهم وحبهم لنا كمعتقلين ينعكس في تعاملهم مع كاتي.

وعندما قررت إدارة سجن جدا التخلص من القطط بترحيلها إلى ساحل البديع.. أبقى المساجين كاتي تذكاراً للمعتقلين السياسين وعشرتهم معهم ووفاءً لأيام يعتزون بها وفي هذا السياق لا ينسى القط المدلل للسجين سجناً مؤبداً المناضل مجيد مرهون (جيكو) الذي كان يرعاه ويدربه، ورافقه طوال فترة سجنه.

أما القط الثاني المدلل لذى المعتقلين فهو كيكو. فبعد أعتقال دام سنتين في جزيرة جدا – نقلنا بشكل مفاجىء لمعتقل أعد للامعان في تعذيبنا وقتلنا قتلاً بطيئاً إلا وهو "صنادق" معسكر التدريب في سافرا، هذه الزنازن التي عملت على عجل – ويستحق مصممها لعنة التاريخ والإنسانية لروح الانتقام والتفنن في قتل الإنسان دونما جريمة اقترفناها.

هذا السجن الذي شهد اضرابات واحتجاجات متتالية والطرق على الأبواب والاضراب المتكرر عن الطعام. وبعد مرور 100 يوم بالتمام والكمال في هذه الزنازن القبور 6 قدم × 6 قدم – نقلنا إلى قلعة سافرة القديمة التي تحولت إلى مخازن – والتي تفتقر إلى أبسط الشروط الإنسانية حيث الحشرات معششة في جنباتها – الصراصير والعناكب وأم أربعة وأربعين التي كان نصيبي لسعة من إحداها، وتم اسعافي من قبل الدكتور جعفر طريف الذي كان في زنزانة مجاورة – فعقم موضع العضة بالديتول وجرحها بالموس .. ليخرج الدم الذي تلوث بسمها.وقد لجأنا للدكتور جعفر بعد أن رفضت إدارة السجن نقلي للمستشفى أو أجراء الاسعافات الأولية.

في ظل هذا التوتر والمواجهات مع الشرطة ... ومع كل الممنوعات – السجاير ممنوعة – مقابلة الأهل ممنوعة الرسائل ممنوعة – الأبواب موصدة – لا كهرباء. نضطر للنوم بعد مغيب الشمس – الأجواء الخارجية متوترة في هذه الظروف أحضر أخي سلمان كمال الدين – قطاً أسود اللون – كان يعاني الجوع وضياع المرضع. أحضره للزانزانة وغسله بالماء والشامبو وجففه وأطعمه مما تبقى عنده من جبن "كرافت" واستمر في اطعامه من الجبن ومحاح البيض – حتى تعافى. ولكنه خيب آمال سلمان – في أن يكون أداة تسلية لنا في الزنزانة ... بل العكس – كان قطاً كسولاً يحب النوم طوال الوقت .. لا يستيقظ إلا وقت الوجبة ويرفض تناول كل أنواع الجبن عدا الكرافت.

ويأكل مح البيض ويرفض الزلال. مما أثار حنق فؤاد سيادي عليه – فقرر إبعاده عن الزنزانة – حيث لا فائدة ترجى منه إلا أن أصرار سلمان على مواصلة الرفق به إستمر معنا حتى الإفراج عنا ومغادرتنا لهذه القبور بعد سنوات من العذاب والحرمان ... ولكن كل شيء يهون لعيون الوطن. فسلمان كمال الدين هذا الإنسان الذي يملىء السجن مرحاً وتسلية ويهون عن الأخرين عذاباتهم بذاكرته الحافظة وشخصيته المحببة والذي يحترمه ويحبه الأعداء قبل الأصدقاء وكان هو الواسطة والمترجم بيناوبين القوميات الأخرى من الشرطة – فمرة سألنا أحد الشرطة عن صلة القربى له مع شرطي آخر يشبهه فأجاب (أبو مال هو أهو مال أبو مال أنا) أحترنا في تفسير هذا اللغز واستعنا بسلمان الذي فسرها فوراً وقال يقول لكم بأن الشرطي الآخر إبن عمه. أي أبوه أخوه وشقيق لابيه.

وهو الآن نائب رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان التي تشكلت في ظل قمع قانون أمن الدولة وكان لمنزلنا في حي النعيم شرف إستضافة الاجتماعات التمهيدية لتأسيسها.

هذه الجمعية التي إرتعب من المشاركة في أنشطتها الكثير الذين عرضنا عليهم الانضمام لها خوفاً ورعباً من قانون أمن الدولة السيء الصيت.

هذان نموذجان من التجليات الإنسانية التي يفيض بها قلوب المعتقلين السياسيين لتنعكس ممارسات تطال الرفاق والحيوانات .. وكل من يخالطهم أو يمر بهم.

وهكذا تخرج السجون نماذج من المناضلين المخلصين لوطنهم وشعبهم وعشقهم للعطاء دونما منة أو كلل.



#إبراهيم_كمال_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اع ...
- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إبراهيم كمال الدين - كاتي وكيكو: قطط مدللة لدى المعتقلين