أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم محمود - متدينون نحن، غصباً عنا















المزيد.....

متدينون نحن، غصباً عنا


إبراهيم محمود

الحوار المتمدن-العدد: 3429 - 2011 / 7 / 17 - 12:59
المحور: الادب والفن
    


في الصيغة الشعاراتية المركَّبة: الله- سوريا- بشار وبس، أو: الله- سوريا- حرية وبس، يبقى الحامل الإلهي، وبطابعه الإسلامي هو الموجّه للشعار المرفوع في الشارع السوري كثيراً منذ 15مارس2011، إذ إن" الله" إحالة إلى الإسلام حصراً، والأمر الثاني هو أنه يُظهِر هذا النهر البشري السوري الهادر هنا وهناك..
لكن ثمة ما يرجعنا إلى الغيبي ويشدنا إلى طبعته التليدة في ماض غابر ومذهبي، إلى أن منقذاً: مخلّصاً سماوياً يمثّل العلامة الفارقة لتاريخ طويل، بقدر ما يحدّد الكامن والمحرّك الفاعل في الأحداث، أي الاستهلال الضروري بما يُخفى معرفة على أي منا، تكون مسبحة الشيخ في الواجهة وليس معداد المعلم وسبُّورته..
لنعترف صراحة إذاً، بأن هذا الحامل الديني بمكمّله ضمناً( الله أكبر)، وقد تابعنا مسيرته الصوتية في تونس ومصر، والحال لما يزل قائماً في ليبيا وسوريا وغيرهما، حامل يخفي خللاً ليس علينا إلا أن نعترف به، إسلاميين كنا أم علمانيين أم ما بينهما، إنها صيغة لم تركَّب وتطرَح إلا لتكون أشبه بنفير كوني، يعلَم بإيذان حدوثه من الأعلى تأكيداً منطقياً غير مفكَّر فيه على أن الأرض تدور حول الشمس، رغم أنه في تركيبته وتهجئته وترداده محصّل واقع أرضي بامتياز، وهو يختزل تنوع مذاهبه وقواه سياسياً.
إن تركيز أسماعنا على هدير أصوات المحتجين، لا يجوز أن يغيّب أنظارنا عما يغذّيها دينياً ودلالة الشحنة..
يمكن ملاحظة التغيير في الحالتين. في الحالة الأولى، عندما يكون"ذو الجلالة" في البداية، ومن ثم تأتي الجغرافيا وفق تصور تاريخي معين، واسم علم شخصي: حاكمي، زعاماتي، يقابل ذا الجلالة، بقدر ما يكون الوحيد الأوحد مقابله في تمثيل المكان، حيث يتم اختزال مريع للعدد السكاني كافة، وإحالة الجميع إلى أكباش فداء، كما هو الجاري في الشارع السوري، من عنف لجعل جغرافيا كاملة رهينة شخص واحد مرئي لكنه نظير قداسة إلهية.
في الحالة الثانية، ثمة إحلال قيمة أخلاقية" حرية" وبإطلاق محل اسم العلم المتنفذ: الحاكم، ليتشكل مفهوم آخر: لله، دون أن يعزلنا هذا التحول عما هو واحد" الله"، الاسم الذي جرى استخدامه منفعياً أو شعبوياً إسلامياً وعربياً لتحويل الشعب جملة وتفصيلاً إلى رعية، بعلامة فارقة" عصا الراعي"، حيث علينا أن نتذكر بداية ذلك النشيد الذي صاغ كلماته الشاعر عبدالله شمس الدين في مصر، ومطلعه:
الله أكبر فوق كيد المعتدي والله للمظلوم خير مؤيّد
إن التكبير يحيل إلى القادر على كل شيء هنا، في مواجهة المستعمر، ولنجد لاحقاً استثماره داخلياً في عبارته الأولى( الله أكبر)، إنما وقد تغيَّر اتجاهه، عندما صار الاسم علامة فارقة للعلم العراقي بإيعاز صدامي، ليغيب الحاكم وتبقى العبارة، ويُستأنف العمل بها في أكثر من جهة، ثم لنجد( كما هو السيناريو)، كيف أن التعبئة الدينية شعبوياً، أحالت مئات الملايين إلى رعايا مجيَّرة دينياً، في أنشطة وتفعيلات سياسية وإعلامية وأمنية، ولينقلب السحر على الساحر! إذ من ذات العبارة كان التحويل، وقد وجَّهت الرعية أصواتها الصاخبة باتجاه مهندسي النفوس المروضة بالإيمان، إنما دون أن ننسى أن المزوّد الفعلي لكل ذلك بدأ من الأرض وتراءى أرضياً، وإن كان التحدي الأكبر كامناً في كيفية التعبير عن التحولات الكبرى بمؤثرات شعبية وتاريخية وليس بتعليمات ما ورائية. إنه تحدي المثقف والسياسي الآن ممن يفكران في التمهيد لعقد اجتماعي مغاير تماماً لما كان، وما يكونه مفهوم المواطنة في مجتمع مدني مجيَّش إيمانياً.
في قلب المفارقة يمكن تبين الحضور الإلهي واختلافه في كل حالة، والذين يسوسون الرعية، أو يخططون لأكثر الطرق عنفاً ومحاولة ضبط للشارع المنفجر، أي كيفية تطويق إرادات الثائرين، وتلجيم النفوس باعتبار القائم هو النسخة الأصلية في الشأن الإلهي، ولكن الجاري والمتعاظم يري أكثر من نسخة، كما لو أن الصراع على أشده جار على قدم وساق بين أكثر من اسم علم سماوي" الله" والانقسام المريع في المفهوم الواحد.
إنه للافت جداً هذا الإصرار على التقابل الموجَّه بين صاحب " ملكوت السموات والأرض"، والمعرَّف به سيد البلاد والعباد، وما يمكن متابعته إزاء جموع الضحايا ممن يتوزعون في أمصار وجهات شتى، في سوريا، والطريقة الرهيبة التي يجري فيها تقديم الضحايا في غفلة منهم أو عبر مواقع متحركة، حيث ممثلو السلطة وهم في قمعهم الشعبي وترويعهم الشعبي، لا يسمُّون من قبل المعنيين بالبلاد، كما لو أنهم حقاً يشكلون العناصر الأكثر ترهيباً للناس وتمثيلاً بهم( رموز العنف وسواهم)، ليحمَّل الضحية عبءَ الخلل، ونفقاته ورعب النتيجة دائماً.
وبالمقابل يبرز أكثر المثقفين تميزاً لما هو علماني، ومن أجل هدف مرجو: التغيير للنظام، كما في حال تيزيني أو غليون، وميشيل كيلو، مسيّرين في الرواق الديني: الغيبي، حيث يكون الاعتراف الضمني بالتخلي عما كان يطرَح مدنياً، وما يترتب عليه قيمياً، كرمى المتغيَّر، وصرف النظر عن تاريخ من المقاومة البحثية والفكرية لهم ولغيرهم، دون أي شعور بالمفارقة، كما لو أننا نشهد إخفاقاً لكل ما طرِح باسمهما، أو تنازلاً عما تم تناوله في سياق مجتمع مدني، والاندفاع في جانب لم يُشر إليه، ونبأ هزيمة المثقف المدني كما كان يسوَّق له حتى " البارحة"، وما في ذلك من دخول في المغامرة الدينية المحددة بمصدرها ولعبة ركوب الأمواج الخطرة فيها.
تلك لعبة إعلامية، بين أجهزة تركّب صورها ومشاهدها في ظل الشعار الأول، والذين يظهرون في أقنية أخرى ويسمون قتلتهم بالصوت والصورة معاً، لتكون صرخة( الله أكبر) نفيراً قياماتياً على ذوي الشعار ذاك، من قبل الذين يحتمون بالله وما يترتب على علاقة كهذه: الحرية، وهي لعبة قوة لا دخل لله فعلياً بها في الواقع، ولكن لا يمكن الإغفال عما هو متوقع أو منشود فيها، في مسيرة العبارة التي جاءت تعبيراً عن شعب مستعمر ومنكوب بقوى أجنبية، وتحويراً للهدف، ليكون رمزاً قومياً مشبعاً بالديني، وقد ألحق شعب كامل بزعيمه عراقياً سابقاً، ليستعاد في سياق مغاير هنا: سورياً، عندما يردد ويجري انقسام في محتواه، وفي "ذي الجلالة" بالذات، وهو تعريب مستجد يلبي تطلعات من ينسون أنهم ليسوا وحدهم في الساحة بوازع قومجي جلي السمات.
إنما الشيء الذي يمكن التشديد عليه مجدداً هو أننا متدينون برغبة منا أو بدون رغبة، ولو بتفاوت، متدينون غصباً عنا، إن تابعنا حشود الهاتفين بما هو سماوي، ومن يتحرك في ركابهم وحتى مؤتمرياً، والمستقبل الذي يتشكل في ضوء هذا التفعيل الديني الشعبوي المؤسلم، والأدوار المرتقبة للسياسي والمثقف اللذين يهيئان نفسيهما لعهد جديد، حتى إن لم يسفر مخاض التحولات القاعية عما هو مأمول. إننا إزاء ثقب من نوع أوزوني، سمه" ثقباً أسود"، لا يمكن التنكر لثقله النوعي والمتعلق بنسبة أسهم السماء والأرض والثقافة المستولدة في الحالتين...



#إبراهيم_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين جمعتين: جامعة وجامع ودماء4
- أبعد من حدود المسيحي- المسلم- حدث قامشلي نموذجاً
- عن برنامجي الانتخابي مسبقاً
- يوتوبيا المثقف
- شكراً شكراً للجراثيم
- التالية أسماؤهم من الكتاب الكرد
- إنا ل- الشعب- وإنا إليه راجعون
- رسالة مفتوحة إلى جكرخوين جكرخوين المأخوذ على غفلة من كرديته-
- أي مبارَك هو العيد؟


المزيد.....




- مسرحية كوميدية عن العراق تعرض على مسارح شيكاغو
- بغداد تمنح 30 مليون دينار لـ 6 أفلام صنعها الشباب
- كيف عمّق فيلم -الحراس الخالدون 2- أزمة أبطاله بدلا من إنقاذه ...
- فشل محاولة إقصاء أيمن عودة ومخاوف استهداف التمثيل العربي بال ...
- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم محمود - متدينون نحن، غصباً عنا