|
عقبات في رحلة اكتشاف الذات
ياسر كوكو
الحوار المتمدن-العدد: 1015 - 2004 / 11 / 12 - 09:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عقبات في رحلة اكتشاف الذات يعاني كل منا من الكثير من العقبات التي تعترضه في رحلة اكتشاف الذات في هذه الحياة .... يستمر في محاولاته لكشف جوانب الضعف والقوة في ممارساته اليومية و يطرح على نفسه الأسئلة التالية: من انا ؟؟ ماذا أريد ؟؟ ماهي أهدافي؟؟ ماذا يمكن أن اعمل ؟؟ و كيف ذلك؟؟ بماذا أتميز عن غيري ؟؟ وكيف يمكنني تحقيق تميزي؟؟ وكثير من البشر قد يخطئ أو يفشل في تقديم الإجابات على هذه الأسئلة وينحرف عن المسار الذي يجب عليه ان يسلكه ليصل في نهاية الطريق إلى اكتشاف ذاته ومكنوناتها. كثير منا يقوم بأعمال لا تنتمي لشخصيته و لاتمت لتركيبتها النفسية والاجتماعية والدينية بأي صلة. والكثيرمنا يعاني من الاغتراب العملي(الأعمال التي يقوم بها ليست تماما هي التي يريد أن يقوم بها) والاغتراب الاجتماعي(المجتمع الذي يعيش ويتفاعل معه ليس هوالمجتمع الذي يطمح إلى التفاعل معه) والاغتراب النفسي(مايظهره الشخص من شخصية أمام الناس ليست هي الشخصية الداخلية الحقيقية) كثير من الأعمال نقوم بها و كأننا آلة ميكانيكية تقوم بترتيبة معينة من الأعمال و فق مخطط تدفقي متسلسل مبرمج سلفا على نمط وحيد فنبدي استجابات أحادية ذات طابع واحد على نفس المحرضات و تحت تأثير نفس المؤثرات التنبيهية دون تمحيص او تحقق و دون ان تظهر الصفة الذاتية لردود افعالنا (أي ردود أفعالنا جميعا متشابهة رغم انه يفترض بها ان تكون مختلفة من شخص لآخر) الكثير من الإشكاليات تقودنا في معمعة هذه الحياة وتحملنا على فعل ما لاينتمي لمخزوننا الفكري والنفسي و الثقافي إنها إشكالية ما أصطلح على تسميته بـ"التحديات الداخلية التي لا يمكن التغلب عليها" و أريد ان أسهب في شرح هذا الاصطلاح وهو يعني ان الحياة التي يعيشها الانسان مليئة بالآمال والتحديات والمشاريع التي يطمح كل منا في النهاية إلى تحقيقها او إلى إدراك بعض آليات حدوثها إنها اشكالية عدم القدرة على تجاوز الآمال الصغيرة للذات في سبيل تحقيق آمال الذات الأوسع(الذات الاجتماعية) والمشكلة تكمن دوما في ان الحد الفاصل بين ما لايمكن تحقيقه بسبب الظروف الموضوعية من بيئة عمل أو ضعف إمكانات بشرية ذاتية من جهة؛ و بين العجز عن تحقيق اي شيئ بالمعنى المطلق لما تعنيه كلمة "العجز" من معنى سلبي من جهة اخرى. فهناك الكثيرممن يعيشون حياتهم بأكملها و يموتون دون أن يحققوا شيئا لاعلى صعيد الذات ولا على صعيد الانجاز التراكمي التاريخي, فضلا عن فهم مجتزأ لظروفهم وإمكاناتهم ودورهم في دورة حياة هذا المجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه , فلا يمكنهم إكمال مشاريع تركها لهم أجدادهم لكي يكملوها, و بتقديري فإن مشكلة نقد الماضي وتحميله مسؤولية كل شيئ فيها بعض من المغالاة إن لم نقل كثير من المغالاة . شيئ آخر وهو ضرورة تبلور الذات الفردية او الشخصية لدى كل واحد منا ليعرف ما يريد و ما يراد منه فالكثير ممن نراهم يملأون الشوارع ازدحاما ليسوا في النهاية إلا مجرد أرقام تائهة في هذا الخضم الواسع من الفوضى وإن غياب التحرك المبرمج باتجاه واحد محدد هو السبب في رأيي في هذا الهدر للجهود حيث ان الأعمال المتناقضة لمختلف الشرائح والموجات البشرية في مجتمعنا بحيث تفني كل جهة تأثير الجهة الأخرى دون ان ننتبه إلى أن الطاقة المهدورة هي المشكلة الأهم والحفاظ على الطاقة البشرية و موارد تنميتها أهم برأيي من الحراكات المفتعلة السمجة, والتي قد لا يقصد منها إلا ملأ الفراغ بشيئ من الضجيج والغبار دون ان تترك ملامحها على صياغة المشاريع الحقيقية لاستنهاض الانسان لمواجهة استحقاقات واقعه المتغير.فمالمطلوب اليوم و قبل أن نتعصب لأي تيار فكري؟؟ (وإن كان لدي اعتراض على وجود تعصب فكري أصلا فالفكر لا يجتمع مع التعصب) المطلوب هو ان يفكر كل منا في رحلة حياته بكل الأسئلة المحرجة التي يطرحها هو على نفسه وان يتعلم الصراحة والجرأة على الإجابة عليها بكل شفافية بينه وبين نفسه دون تملص أو تهميش او تزييف. المشكلة في النهاية كما أعتقد هي مشكلة مرض نفسي جماعي أصاب المجموع البشري لدينا و لم يفرز لنا الواقع حتى الآن طبيبا شجاعا او كاتبا جريئا ليجهر بهذه الحالة من التشرذم الفكري والنفسي بل أكثر من ذلك فنحن نعاني من هروبية كبرى نحو الوراء و انجذاب جنوني نحو الخطأ ونحن نعرف أنه خطأ. نحن نهرب بمجموعنا إلى الخلف لكي لا نشعر بمرارة وخيبة الهزيمة نحن نخدر أنفسنا لكي لانشعر بمقتضيات العمل الجدي المطلوب منا, و بالتالي فنحن إزاء أزمة بالمعنى النفسي وأزمة بالمعنى الاجتماعي إذ إن مثل هذا الهروب الجماعي للمجتمع بأكمله نحو الوراء هو ما يفتح المجال لحلول خارجية مستوردة,كما ان التيارات الفكرية الحديثة التي ظهرت في هذا القرن والقرن الماضي بكل مفاهيمها الجديدة المبطنة منها والمعلنة كلها تشترك في نقطة فشل واحدة وهي توجهها نحو النخب فقط أو نحو نخبة النخبة و كأن الأمر في النهاية صار يستثني المواطن العادي و كأن هؤلاء يريدون الإبقاء على بعض الفرق بين المواطن العادي و المفكر_(النخبة) ,لكي يستطيع هذا المفكر النخبة ان يغامر ويناور كما يريد ويدخل ما يريده من ذئاب إلى المزرعة بدعوى التنوير والتفتح والانفتاح و تحت ستار شعارات براقة لاتحمل في محتواها إلا مزيدا من التنازلات المجانية للعدو المتربص الذي أثبتت التجربة انه لاحدود لمطالبه ولا مجال للتفاوض معه. كما أن بعض من ظهر مؤخرا على الساحة قد وقع في فخ عدم الالتزام وهو مفهوم أصر عليه كثيرا ,لأن ما يميز العمل الجدي عن اللعب والتسلية هو الالتزام فلم يعد يهم الباحث المتنور أو المثقف النخبوي إلا حشو الورق و جلجلة الانترنت بمقالاته المتلاحقة.دون ان يكلف نفسه حتى الخروج من منزله لمساءلة الشعب الفقير عن حاله و إحساساته ومعاناته ودون ان يتجاوز و لو لمرة واحدة الهامش المتاح لتعرية الواقع فتراه ينقد نصف نقد ويتخذ نصف موقف ويغضب نصف غضبة ويرفض نصف رفض. نريد من كل من يعمل ان يعمل بروح المغير بروح النهضوي و لن نخجل من القول (بالروح الثورية)بالمعنى الدلالي لمفهوم الثورة. إشكالية الخوف والرهاب: بدأت تتنامى هي الأخرى ذلك الخوف الذي أقعد الكثيرين عن الصدوع بالحق وعن الجهر بمبادئهم.حتى صار كل منهم خبيرا في تمثيل دور الانسان المهستر ذلك الذي يدعي أنه فارغ و سطحي و ليس لديه اهتمامات إلا ما يناسب الذوبان في أتون السلطة والتماهي مع شعاراتها. ذلك الذي وضع رأسه في التراب كالنعامة ظنا منه ان ذلك سيعفيه من واجبه تجاه نفسه و تجاه مجتمعه فراح الكثيرون ينسحبون من الساحة بصمت وآخرون ينسحبون بضجيج فالنموذج الصامت انسحب معلنا افلاسه وأنه لم يعد قادرا على متابعة هذا الطريق الصعب ولو أنه قد قطع أكثر من منتصفه فعاد إلى الوراء وراح يعود إلى نقطة البداية . والنموذج الذي تراجع مع الضجة الاعلامية و الذي راح يعلن توبته على الملأ مدعيا ان هذا الطريق طريق خاطئ وطريق مشبوه و لايوجد فيه ضمانات حقيقية للعمل فراح ينضوي مع الأعداء و يتزيا بشعاراتهم ويخدع نفسه قبل الآخرين بأنه يمكن التفاهم مع الآخر المختلف,وراح يحدث نفسه بجدوى حلول الوسط و التي هي في حقيقتها ليست حلول وسط بل هي حلول استسلامية تلبس لباس الوسط لأننا حتى عندما نرتضي أن نكون خائنين لا نخون ونقول عن أنفسنا اننا خائنون بل على العكس نرتكب العمل الخياني ونقول عن أنفسنا ان هذا هو الاخلاص و بالتالي فنحن لا ندور مع المفاهيم إنما نجعل المفاهيم تدور معنا وهذه إشكالية أخرى من إشكالياتنا.و هذا النموذج أغرب ما فيه انه سيترك العمل والتحرك و التفكير الجماعي وسيسير في ركاب السلطة او يبتعد عن كل السياسة والفكر, ويعيش تناقضاته ويكبتها في داخله إذ اثبتت التجربة ان شعبنا يستطيع ان يعيش تناقضاته وينميها بشكل غريب يستحق بأن يوصف بأنه متجلد وصبور و لكنه يبتعد بهذ عن اهم خصائص الانسانية و هي رفض الكذب على الذات. مشكلة الكسل والفشل: قد يتساءل المرء وهو يعيش في هذه الظروف الموضوعية لماذا كل هذا الفشل الجماعي؟؟ وتبرز للاجابة على هذا السؤال الكثير من الاجابات التقليدية و الكثير من الاجابات تفضي بأنها قضية مفتوحة,فالبعض يحلل أسباب الفشل الجماعي في أن كل قضية لها أسباب فشلها الذاتية وهو أمرطبيعي,والبعض الآخر يذهب بعيدا في التخمينات و ينحي باللائمة على القضاء والقدر... ولكن تحليلا ذاتيا تحرريا لهذه الظاهرة يفيد بأن الفشل والكسل قد صارا جزءا من كينونتنا الذاتيةالمعاصرة وقد دخلا في عمق شخصيتنا المعاصرة,فمقارنة بسيطة بين دول الغرب (أمريكا وأوروبا) ودول الشرق الأوسط نجد أن دول الغرب كانت تعيش في حالة من الظلام التاريخي وكان التخلف والسيطرة الكنسية عنوان تاريخ أوروبا في حين كان التقدم الحضاري والفتوحات الاسلامية أكبر من أن تنكر!! ما الذي حصل اليوم ؟؟ تقدم الغرب لأنه اعترف بوجود مشكلة فقام بإصلاحاته الدينية واكتشافاته العلمية وعمل بجد ونشاط على مستوى الأفراد والمجتمعات ,بينما بقينا نحن نكابر على فشلنا وأزمتنا وحتى الآن كثير منا لا يعترف حتى بمجرد وجود الأزمة. بدل الاعتراف بالأزمة وتحليلها والتداعي لحلها أفرادا ومؤسسات راح المفكرون والمنظرون والساسة الوصوليون يزيفون لنا أزمتنا و يستهلكون ما تبقى من رصيد حضاري في تحقيق مآربهم الخاصة .فراح البعض يتحدث عن معاداة أفكار الغرب وعن الغزو الثقافي وكأن مواجهة هذا الغزو تكمن في أن نضع أصابعنا في آذاننا و نعلن على المنابر مجرد إعلان أن هذه المبادئ والأسس العلمية التي سببت نهضة الغرب هي نظريات ملحدة كافرة مارقة ,حتى قام بعض التياراتبمعاداة العلم تحت شعار"معاداة العلمانية (مع التحفظ على الفرق بينهما)" بادعاء ان الأرض ليست كروية,وأن غزو الفضاء مجرد إشاعات مخابراتية!!! كما أن البعض بالمقابل نسف كل الخصوصية التاريخية لشعبنا و حاول تغريبه بشكل كامل من خلال تطبيق حرفي لنظريات وضعت في مجتمعات غربية خصيصا دون ان يأخذ بعين الاعتبار خصوصيتنا الثقافية . كل ذلك حتى يعفوا أنفسهم من العمل ويبرروا فشلهم في عدم القدرة على بناء انجاز حضاري حديث في هذا القرن بعد ان غربت شمس العرب التي كانت تسطع على الغرب . وماذا كانت النتيجة:الغرب غزا الفضاء وو صل إلى المريخ و طور أسلحته البالستية وصواريخه العابرة للقارات لحماية نفسه من الخطر الإرهابي(الذي اتضح انه دول محور الشر(نحن)) وطور شبكات التواصل ونظريات الاقتصاد وراح ينشئ منظمة التجارة العالمية و ينادي بعولمة كل شيئ ...و..و...و ....إلخ بالمقابل ماذا فعلنا غيرانتاج الكلام و غير استهلاك التاريخ ونظرياته القديمة وتباكينا على محراب الماضي وأبواب المساجد وعلى أضرحة الأولياء والصالحين علهم يعطونا حجابا يخلصنا من كوابيس الليل!! و ماذ فعل سياسيونا و مثقفونا و مشايخنا في عز ازمتهم و أزمتنا ماذا قدموا لنا و ما هي الحلول التي وضعوها لمنع تقلص خرائطنا تحت أقدامنا ؟؟ لقد فعلوا الكثير الذي يستحق الاحترام والتبجيل: لقد كرروا على مسامعنا آلاف الخطابات التاريخية الماضية و وظفوا النصوص الدينية أسوأ توظيف حتى صار البعض يشك في مصداقيتها,و في كل يوم يتحدثون عن عدالة القضية وعن أن الحق معنا و المستقبل لنا مهما كان واقعنا مزريا.يتحدثون عن أننا مبشرون بالنصر وأننا خير أمة اخرجت للناس وكل ذلك الكلام يقال و لكنهم قد نسوا ان من تتحدث عنهم تلك النصوص الدينية ليسوا نحن إننا مدانون في النصوص الدينية ذاتها و لسنا مبشرين ولوكان هناك متسع لشرحت ذلك ولكن المقام لايتسع لهذا. الغفلة الذاتية(جهل الذات والامكانات): إن جهل الشخص بذاته وإمكاناته هي المشكلة الأكبر التي تواجهنا لأن الكثيرين من الأشخاص يعيشون كل حياتهم أو جلها ولا يستطيعون ان يعرفوا تماما ماهو دورهم وهم كالريشة في مهب الريح تتقاذفهم التيارات الفكرية والسياسية من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار(وفي هذا الواقع من الجهل يصعب التمييز بين اليسار واليمين و لايوجد من يعرف كوعه من بوعه) ,دون ان يستطيعوا ان يبلوروا وعيهم وتيارهم الذي يستطيع ان يعبرعنهم ويكتشف مكنوناتهم,كماأنه لا يخفى على أحد ان أغلب الشباب ليس لديهم العمر الزمني الكافي لكي تتبلور أفكارهم فتراهم إجمالا مع كل جديد دون القدرة على تمييز الغث من السمين. طبعا نحن لانشكك هنا بقدرتهم على فهم الواقع و معطياته ولكن الكثيرين من الشباب يوجد في لاشعورهم تقديس لأفكار من هم أكبر منهم سنا و أكثر تجربة من أولئك المفكرين الذين يباهون بعمرهم النضالي(وانهم جربوا الحياة و الدليل واقع الهزيمة الذي أوصلونا إليه اليوم).
مشكلة حصار الزمن: وهي مشكلة تمتاز بطبيعتها الخاصة كونها تتعلق بالإطار الزمني للأحداث والوقائع إن هناك ما يصطلح على تسميته بالعمر الافتراضي الفكري.والخصوصية الزمنية المحددة او الفرصة الزمنية حيث أن التقاء بعض الأشخاص من الذين يحملون نفس الفكرة والهاجس من الصعب ان يتوفر في زمان آخر ولذلك فإن فرصة اللقاء قد لا تتكرر في زمن آخر وهذا بالتالي يعني عدم إمكانية العمل إلا في الأزمنة التي يلتقي فيها أشخاص يفكرون بنفس الطريقة ويحملون نفس التطلعات وبناء على ذلك ينبغي علينا ان نولي هذه المسالة من الخصوصية ماهي أهل له,كما ان دور الزمن في اتخاذ القرارات له أهميته فبعض القرارات وصيغ العمل إذا لم تجري في زمانها المناسب فقد لا يكتب لها النجاح بسبب عدم توفر الظرف المناسب لها ,كما تتفرع عن ذلك مسألة المسؤولية التاريخية أمام الأجيال وبالتالي فإذا كنا نستطيع في هذا الزمن ان نقوم بشيئ ما أو على الأقل يمكننا القيام بعمل ما بأي صيغة كانت ولم نقم به إما بسبب تكاسلنا او تقوقعنا على ذواتنا فإن الأجيال التي ستأتي بعدنا قد تحملنا المسؤولية كاملة عن غياب عمل فاعل في فترة من فترات التاريخ البشري ,كما نحمل نحن اليوم آباءنا وأجدادنا مسؤولية بعض الهزائم التي حصلت بسبب تكاسلهم و عدم قدرتهم على اتخاذ المواقف الجريئة في لحظات كان يمكن ان تكون مثمرة في التاريخ البشري و تشكل مفاصل تاريخية حقيقية. مشكلة الكل أو اللاشيئ: نحن جميعا بطبيعة الحال متحمسون للقيام بعمل ما ونقول عنه بأنه يجب أن يكون مثمرا وفعالا و مستمرا ,وبناء عليه فإنه يتوجب علينا القيام بما يمكن القيام به في الزمن المحدد,دون تأخير أو تقديم وهذا بدوره شرط النجاح برأينا. ولكن المشكلة قد تكمن في أن بعضنا يريد أن يغير كل شيئ دفعة واحدة وبسرعة قياسية طبعا بدرجات متفاوتة من شخص لشخص لكن التسرع غير محمود في مثل هذا النوع من العمل الجماعي خصوصا عندما يتطلب الأمر ايصال جميع الأشخاص إلى نفس الدرجة من الوعي ونفس الدرجة من الفهم وجعل الهدف المرحلي المشترك واحدا لدى جميع أطياف العمل الجماعي.ولايمكن لنا ان نتهم البعض بأنه قاصر بسبب أنه لم يقم بكل شيئ فاستعدادات البشر متفاوتة وكذلك قدرتهم على العمل .نحن بحاجة إلى كل فكرة تتجه بنا نحو الأمام نحن بحاجة إلى كل شخص يعلن أن لديه شيئا ما يمكن أن يفيدنا به ,علينا ألا نحقر أي جهد في بناء منظومتنا المتكاملة كل إنسان فيه خير وفيه قدرة على تقديم أفضل ما عنده ولكن التحجيم و الكبت القيادي وعمليات التقليم للقواعد هي في كثير من الأحيان ما يسبب نزيف الإمكانات والطاقات.
مشكلة التآلف مع الخطأ: حينما يكون الطفل صغيرا تكون لديه الكثير من الأسئلة ذات الطابع الفضولي و مع التقدم بالعمر يصبح أقل فضولية ,ويفسر هذا بأن هذا الشخص بدأ يتآلف مع الواقع المتردي الذي يعيشه وبحكم طبيعة الإنسان فإنه قد جهز بإمكانية التأقلم مع شتى العوامل الطارئة والمتغيرة لذلك فإنه يبدأ ببناء الآليات الجاهزة للتفكير المسبق والأحكام المسبقة عن كل ما يعترضه بالتوازي مع تناقص في تواتر الفضولية لديه أي أن تزايد الروتينية والآلية في التفكير تترافق مع تناقص في طرح الأسئلة ذات الطابع الفضولي والاتجاه الداخلي المعارض للمألوف. إن هذا السلوك يصبح مؤشرا حقيقيا على خطر جسيم حينما يعوَد الإنسان على الإقرارية المرضية بالأمر الواقع والاستسلام لما يفرضه الأمر الواقع, دون المبادرة إلى التدخل لتغيير المعطيات والعوامل المؤثرة في هذا الواقع خاصة إذا كان الواقع سيئا لدرجة لاتحتمل,أو كان يفرض علينا ان نبرر الخيانة أو المهادنة مع الأعداء تمهيدا للاستسلام لهم كتحصيل حاصل. إن الخطأ يبقى خطأ وعلينا ان نحافظ على مسافة شعورية بيننا وبين الخطأ من خلال رسم الحدود الواضحة بين المصطلحات و وضع مناهج واضحة للعمل مع النصوص وتأويلاتها حتى لاتصبح مجالا للتلاعب أو ميدانا رخيصا لدس السم في الدسم بدعوى أن النص يحمل هذا المحتوى الثوري أو الاستسلامي بل علينا محاربة هذه الروح السمحة التي تقبل بالمعاني الفضفاضة دون تحديد دقيق لمحتوياتها في كل أشكال الخطاب الانساني فيما بيننا. مشكلة المصطلح: تطرقنا في توصيفنا لمشكلة التآلف مع الخطأ إلى قضية المعاني والمصطلحات التي قد تفهم بشكل فضفاض ولا تؤدي إلى الغرض المطلوب بل قد يتلاعب البعض بها و يدعي أنها تؤيده و تخالف غيره. في الحقيقة إن مشكلة اللفظ ودلالته الفكرية والاجتماعية لدى المتحاورين مشكلة فريدة ودون توحيد المعاني لمختلف الألفاظ على شريحة المتحاورين يستحيل الوصول إلى تفاهم دقيق كما ان ضبابية اللفظ و اتساعيته المعجمية قد تسبب إشكالية في تفسيره وقد تكون حجة ضد البعض وحجة لدى البعض الآخر .فمما لايخفى على أحد ان اللغة مثلها مثل الانسان تتطور عبر الزمن وبالتالي تتطور الألفاظ و دلالاتها عبر الزمن هي الأخرى,و إن ما ألاحظه في أغلب نقاشاتنا أن من أكثر أخطاء سوء الفهم التي قد تحصل بين المتحاورين أنهم لايحملون نفس المعنى للفظة الواحدة , فالكلمة قد تعني عند الأول شيئا وتعني عند شخص آخر شيئا اصطلاحيا آخر و بالتالي فعندما ينطقها شخص في سياق حديثه فهي قد تكون سببا لتحسس أحد المحاورين من محاوره دون أن يكون من نطقها قد قصد بذلك إثارة الحساسية و هنا نقع في حلقة اتهامية و تراشق بالاتهامات من قبل المتحاورين مما يقلب النقاش في كثير من الأحايين إلى جدل سفسطائي أنوي الغاية والوسيلة. و نخرج بذلك من منطق العلمية في تناول المواضيع بل يسيطر علينا البعد العاطفي. وقد تتجلى مشكلة المصطلح بشكل آخر وذلك حينما يريد أحدنا أن يترجم نصا لمفكر من لغة ثانية غير لغتنا فيأتي إلى اللغة العربية فلا يجد مصطلحا يناسب في ترجمته مصطلح اللغة الثانية فيضطر إلى النحت الشخصي أو الترجمة الحرفية وبالتالي يفقد المصطلح المترجم كثيرا من محتواه الدلالي في الترجمة. وقد تبرز المشكلة بطريقة أخرى وهي ان العلوم قد كثرت وتداخلت وبالتالي تصبح الكلمة نفسها تعني في ميدان الفلسفة غير ما تعنيه في علم النفس و تحدث مثل هذه المشكلة حينما يتحاور فيلسوف مع عالم نفس.وقس على ذلك من غيرها من المشاكل التي يسببها عدم التوصيف الدقيق للمصطلح .ولذلك فإني أقترح على كل مشروع حواري أن يحمل في صفحة الحوار الأولى (صفحة المحاور)جدولا بالمصطلحات والألفاظ المستخدمة وما يعنى بها لدى الجميع حتى يعرف كل منا كيف يستخدم هذا اللفظ أو ذاك للتعبير عن نفسه بسهولة ويسر.
مشكلة التواصل: إن الطبيعة المتغيرة لظروف الحياة قد تفرض على الانسان بيئات متغيرة يعيش فيها و لكن سرعان ما يضطر المرء بحسب ظروفه المتغيرة ان يغير منطقة سكناه أو يسافر إلى مكان آخر طلبا للرزق أو العلم ,ويعيش في بيئة جديدة ومختلفة ولذلك فإن كل علاقاته القديمة و أصدقائه القدامى يصبحون بعيدين عنه و بالتالي تقل الزيارات و اللقاءات بينهم,و الطريف في الأمر أنه يمكن التواصل بواسطة الرسائل أو البريد الالكتروني أو اللقاءات الدورية المنتظمة بشكل دوري إما شهريا او في مناسبات كالأعياد أو ماشابه ,ولكن المشكلة تكمن أساسا في أن أفراد المجموعات أصلا لا يعون وعيا جيدا هذه المشكلة ولا يحسون بها وكأنها مشكلة حقيقية وتشكل خطرا على عملهم الجماعي ويأخذون الأمر على بساطته و ينطبق عليهم المثل الشهير: "البعيد عن العين بعيد عن القلب". والحل المبدئي لهذه المشكلة يكون بالاهتمام بها وإيلائها حيزا من الأهمية والعمل على إبقاء ولو خيط بسيط من التواصل و ذلك من خلال تنظيم مجموعات بريدية الكترونية حيث يضع جميع أعضاء المجموعة عناوينهم الإلكترونية في صفحة خاصة على الانترنت مع أسمائهم وأرقام هواتفهم المحمولة حتى يبقى إمكانية للتواصل في المستقبل بعد تغير الظروف فليس من السهل في هذه الأيام ان يجد المرء أناسا يلتقون معه في تفكيره وطريقة فهمه للأمور.
مشكلة النرجسية الذاتية: فقد ينخدع المرء كثيرا بنفسه وقدراته ويعتقد أنه افضل ما هو موجود على الساحة وأن طرحه هو الطرح الوحيد الذي يمكن أن يكون فعالا وذا مدلول جدي,في حين أن هذا الاعتقاد سرعان ما ينهار لدى اصطدامه بأول مواجهة مع المجتمع او مع المشاكل التي يتعرض لها كل عمل فالطرح الذي ينهار أمام أول مشكلة حقيقية تواجهه طرح يجب إعادة النظر فيه من كل النواحي وهذا يعني بالضرورة وجود مشكلة في بنية هذا الطرح سواء أقررنا بهذا أم لم نقرر به. طبعا هذا الكلام يفسر على وجهين فنفس هذا الكلام قد يقوله أي معارض للخط ويريد أن يجد له فرصة للتهجم و محاولة التهجم الفكري على مشروعنا,ولكن المعنى الحقيقي لهذا النقد إن تقبلناه بحسن نية قد يفيدنا وإننا نستفيد كثيرا من هذا النقد حينما نسقطه على تجربتنا الصغيرة والمحدودة,فلا شك أننا لاندعي الكمالية أو الوصول للقمة ولكننا بالمقابل نقول : من الطبيعي أنه إذا توقفنا في مكاننا وأوقفنا عملنا فإن الأخطاء ستتلاشى ولن يبقى هناك احتمال للخطأ لأن العمل كله قد توقف ,ولكن علينا ان نعمل حتى و لو أخطأنا فإن العمل على الساحة هو ما يكسبنا مكسبا لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال العمل ألا وهو الاستفادة من تجربتنا وأخطائنا. كما ان الإغراق في التنظير وتخيل المشاكل وحلولها ليس منهجا عمليا في هذه الأيام ,لأن الواقع لا تجتمع فيه كل الاحتمالات دفعة واحدة, فقد يكون هناك مشكلة او مشكلتان ليستا في الحسبان كما يمكن ان يكون هناك فرصة لتحقيق مكاسب لم تكن في الحسبان وقد تسمح بها إمكانية العمل على الساحة الصغيرة والكبيرة أي أن عدد الأرباح يساوي عدد الخسائر بشكل عام. ومع ذلك فإننا لسنا مؤيدين لأي طرح فردي يتخذ طابع الشخصية الواحدة التي تريد أن توصل كامل المنظومة إلى ما تريد هي في قرارة نفسها,فمن حق كل شخص يركب القطار أن يعرف إلى أين يتجه القطار وإن أي تغيير في جهة سير القطار على الطريق من قبل سائق القطار واجتهاداته الذاتية سيؤدي بالضرورة إلى تمرد جماعي وسط الركاب. وإننا أيضا نعترف ان بعض العناصر لها من المؤهلات العملية والعلمية ما يجعلها تمتاز عن غيرها بالطرح و القيادة والتوجيه للعمل يضاف إلى ذلك تجربتها التاريخية القاسية التي عاشتها في أجواء العمل (ونحن نحترم كل هذا)و من ثم فإن انسحاب بعض هذه العناصر انسحابا أفضل ما يقال عنه بأنه لايليق بها وأنها لا ترضاه هي لنفسهالأنها فجاة ودون مقدمات انسحبت وأغلقت على نفسها كل الأبواب دون تفسير مسؤول لموقفهاو دون سبب واضح محدد,فليس لنا أن ننتقد نرجسية البعض أو طريقة أدائهم ثم ننسحب من عملنا الذي هو ملكنا جميعا ويخصنا جميعا متذرعين بذلك الخطأ الصغير من هذا وذاك فحين نرى خطأ في العمل علينا ان نسعى لإصلاحه لاأن نترك العمل ينهار أمامنا ونتفرج عليه وهو ينهار و قد يكون سبب الانهيار هو ابتعادنا عنه في هذه اللحظة الحرجة. كما أننا يجب أن نقدر ذاتنا الجمعية ككل ونحسب إمكانياتنا على أرض الواقع كحسابات دقيقة لمايمكن القيام به تماما دون زيادة أو نقصان فحينما نعرف ذاتنا يسهل التعامل مع غيرنا, وقديما كتب على باب أحد المعابد اليونانية :"أيها الانسان اعرف نفسك".
مشكلة تحديدالأولويات: وهي أهم شيئ يجب ان تتفق عليه أي مجموعة تعتزم القيام بعمل جماعي,هل الأولوية في حواراتنا هي مناقشة المشاكل القديمة والدوران في حلقاتها المفرغة و التوقف في نفس نقاط التوقف التي نقف فيها كل مرة ,أم الأولوية للأفكار الجديدة التي تطرح نفسها على الساحة وتفرض علينا نسيان المشاكل الصغيرة وإعادة هيكلة جماعية لنا جميعا طالما ان ما يجمعنا هو أكثر مما يفرقنا كما ان هناك شيئا مهما وهو ان خطابنا وأفكارنا يجب أن تنطلق من بيننا نحن لا أن نستوردها من هذا وذاك من المفكرين(مع احترامنا للجميع) لكي نضمن خصوصية تجربتنا التي تختلف بطبيعتها عن التجارب المحيطة بعدد جيد من المنطلقات. كما ان المرونة و التنوع في أشكال العمل يجب ان يكون شعار المرحلة لكي لا نسمح لأحد بسهولة الاستئصال او نعطيه مبررا لإخراجنا خارج الدائرة وعزلنا عن المجتمع تمهيدا لالتهامنا كلقمة سائغة رافضين الاستفزاز بكل معانيه وصولا إلى ما نصبو إليه من أهداف. و طالما اننا متفقون على ضرورة الاستمرار معتبرين انه الأولوية الأولى فعلينا ان نكون أكثر قدرة على التأقلم مع كل وضع جديد يفرض نفسه وبخطاب مرن لا يحمل في طياته مشاريع أكبر من ان تذكر على الملأ فضلا عن ان تنجز أو تناقش.كما أن علينا جميعا تحمل المسؤولية تجاه بعضنا بعضا واحترام التاريخ المشترك الذي يجمعنا جميعا في هذه البقعة من الأرض لا أن نحول عملنا إلى طابعه التحسسي الذي أثبت فشله في الاتيان بجديد فالتحسس و التجريم والتخوين لا يفرز إلا المشاكل المتفاقمة التي لا ضرورة لاطلاقها لا اليوم ولا غدا, والعقل الناضج هوالذي يستفيد من كل الفرص المتاحة للتوحد على مصلحة الجميع دون استثناء لأحد او إخراجه خارج المشروع المتكامل لكل المهتمين بهذا الشأن.
#ياسر_كوكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالم ظهرت بفيديو استقبال محمد بن سلمان لوزير خارجية إيران ت
...
-
تتبعت تحركاته.. داخلية الكويت تقبض على فرد بالأسرة الحاكمة و
...
-
إخلاء مستشفيات شمال غزة، وفتح وحماس تناقشان مقترح -لجنة مجتم
...
-
باريس تعلن استضافة مؤتمر دولي لدعم لبنان في 24 أكتوبر
-
إعصار ميلتون -الخطر للغاية- يجتاح سواحل فلوريدا برياح عاتية
...
-
الإعصار ميلتون يجتاح سواحل فلوريدا
-
ترامب يرفض إجراء مناظرة ثانية مع هاريس
-
عاجل| إصابة سفينة بقذيفة مجهولة المصدر وتعرضها لأضرار جنوب غ
...
-
الأعاصير الخطرة.. 5 فئات تحدد سرعة الرياح وقوة التدمير
-
-طفل من بين كل 7- يعاني من أمراض ترتبط بالصحة العقلية
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|