أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهية شاهين - حماتي














المزيد.....

حماتي


زهية شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 3386 - 2011 / 6 / 4 - 03:30
المحور: الادب والفن
    


قامت بتثاقل تجر نفسها وقد أنهكها الكبر لتصل إلى المطبخ وتضع في صحنها أكلها القديم الذي لا يؤكل , وتنزل دمعتها على الطبق حزينة لوحدتها التي لا سواها إياها, لقد ذهب الأولاد على كثرتهم , اختفوا سريعا ..كأنها أيام قليلة ..تلك السنوات المضنية مرت تنادي بعضها البعض على الرحيل الذي لا قدوم منه.
قالت لي يوما وهي تنظر للطعام أمامها: لقد كنت اشبع من تعريشة أيديهم على الأكل كان تحلقهم حول الأكل يغنيني ويغني أيامي عن الوحدة وعن وجوه الناس والأهل ..لقد ذهبوا وتركوني بلا أهل.
سال حزني معها ونظرت لأولادي خلف الزمن يلعبون ويتضاربون ثم يتركون المكان والمضارب بلا ونيس وبلا حنان.
لم أتجرأ أن ارفع عيني ترسم وجهها الحزين في قلبي , طأطأت رأسي وكلماتي تصلها دون دليل معرفة : سوف يرجعون يوما يا حجة هم وأولادهم ..ويرجع الضجيج لذلك البيت, وسوف تضجرين من كثرة الونس وشقاوة الأولاد وسوف..
أجهشت في البكاء : توقفي ياابنتي لا احتمل أي آمال كاذبة.. أنا اعرف الحقيقة.
لم استطع الرد فهي تعلم وأنا اعلم هي الحياة التي كانت ملئى بالحياة انفرطت بدون استئذان تاركة صحراء الزمن تلتهب تحت أقدامها بلا ونيس .
غصت مع أفكاري كيف يعيش الواحد مع وحدته وحده, كيف يسير ولا احد يلتفت لوجوده وكأنه من عالم آخر ليس له من عالمهم مكان .. بعدما كان يذرع الأرض بخطواته.. وكان المكان له والوجوه له وكل الأشياء تنتمي له قبل أن ينتمي لها, وكان الاحتياج يفوق الحاجة.. والآن تصبح الحياة مقلوبة مابين البدء والانتهاء ومابين الانتهاء والانتهاء .
أفيق على صوت شيء يتكسر بشدة على الأرض : اتركيه يا حجة أنا سأساعدك ...لماذا لم تطلبي مساعدتي يا حجة.
نظرت إلي نظرة فيها عتب وكأنها تقول لي أكنت تحتاجين طلبا لمساعدتي ..!!!!!! وأتذكر تفكيري في الاحتياج والحاجة كيف يتكثفان في الجسد الواهن الموهن في أنين الموت الذي يسكن آخر الزمن.
تجنبت عتابها فانتقلت لأرى يدها التي كانت تمسك يدي عن أولادي حينما اغضب وما أكثر غضبي المثقل بحيرتي بين أولادي وعملي وحاجتي للراحة فاغضب تجاهها وارد بجلافة أنا حرة أريد أن أربيهم بطريقتي أرجوك لا تتدخلي .
تحزن لردي اللامبالي بمشاعرها وتتركني مع ضجيجي فلا أراها ولا أرى حتى نفسي..ومابين ذلك انتبه فأسرع لها وامسك بيدها لأوصلها إلى فراشها انظر إلى وجهها وكان ذلك الجرح الغائر تختلط فيه ذكريات بها حنان وصبر وكظم للغيظ فقد كان ابني أمير عنيف في صغره وهي تحبه حبا جما وفي ذلك اليوم امسك بالكاسه ورماها في وجه الحائط فأخطأت وجهها وكان الدم يغطي وجهها رأيت منظر الدم المفزع فجريت نحوه اضربه قبل أن أسعفها فوجدتها أسرع مني إلي : يا مجنونه والله إن ضربتيه لن أرحمك .
ووجدت الغضب يزيح الدم عن وجهها ويبحلق في ويفاجئني..فانا دائما من أغضب ولا اسمح لغضب احد علي .
وكأني أراها للمرة الأولى وارى عمق الجرح مالم أره من قبل ..ما الذي يغيرنا كبشر سوى الزمن وخبراتنا المتراكمة فقد أصبحت أكثر تفهما وفهما لما تمر به حماتي وكأني اقترب لنفس العمر والتجربة بعد أن كنت كالعاصفة لا أهدا في أحكامي على أمور الحياة بقسوة الشباب الذي لا يرى إلا أنانيته وتجربته .
اذكر حينما كانت تحتضن أمير واذهب للعمل إحتج احد أبناءها قائلا: كيف تعملين خادمة لابنها . فردت عليه : فشرت أنا اخدم ابن ابني يا...
فسكت للأبد ولكنه عندما أنجب أراد منها أن تثبت أنها تخدمه كابن لها, ففرض عليها وليده بعد أن تجاوزت شبابها وأصبحت منهكة ,وقد تحملت ذلك حتى لم يعد الطفل نفسه يتحمل البقاء في حضنها, وأراد اكتشاف حدود مابعد الجدران إلى الشارع فتحررت منه كما تحرر منها.
التفت إليها: حجة ألا تريدين أن تستحمي ...
استغربت علي واستغربت على نفسي ...وكأني أريد أن استحث حنانها ودعواتها لي وخاصة حينما كنت أقلم لها أظافرها كل يوم جمعة ومن ثم تستحم وتطلب مني أن افرك لها ظهرها , وطوال هذه الطقوس لسانها لا يفتر عن الدعاء والرضا وتتحول لإنسانه عطوفة صرف.
اجلس بجانب السرير انتظر أن تأتي ابنتها كي ارجع إلى بيتي وأولادي , واجدها تبادرني... راح تتركيني ...القي عليها مبرراتي لأسكت الشعور بالذنب لدي .
الرحيل يتكرر دائما, ونظراتها في كل مرة تجعلني اشعر بغصة, وكأني لن أرها بعد ذلك ...نفس تلك النظرات التي غرزت سهامها بعنف في قلبي قبل أعوام حينما غادرنا رفح حيث بيت العائلة إلى مدينة غزة , حينها سألتني باستعطاف تارة وبغضب تارة أخرى : لمادا تريدين أن تحرمينا منكم وتسكنوا بعيدا عنا..؟ لم احتملها فقلت لها: إني غير قادرة على تحمل مشاكل العائلة وكثرة الأطفال فيها, ولا أجد راحتي, ولن استطيع تربية أولادي كما أريد , وأود أن أكون وحدي.
ردت على : الجنة بدون ناس مابتنداس يا بنتي .
وجدت يدها تتسلل ليدي وتربت على كتفي وكأنها تشعر بما يدور في داخلي تجنبت النظر إليها , وحينها دخلت ابنتها وكأنها أنقذتني منها ومن نفسي , فغادرت المكان خلفي ... أتحسس الأيام القادمة واجد نفسي تلك المرأة التي تشبه أحزانها... تلك المرأة التي أفنت حياتها ونزفت محبتها حتى ذهب محبيها ..ووقفت على المفترقات وحيدة تستجدى لحظات تقف فيها الذاكرة دون ذكريات تركتها بلا وجوه تزورها حين الحاجة والاحتياج ...أسير بخطى تشبه خطاها ولكن قلبي أصبح ينزف مبكرا لم ينتظر أن يأتيه زمانه .
وجدت نفسي في الشارع خارج فضاءات حماتي ..وقفت السيارة بجانبي فوجدت يدي ترتفع ...إلى غزة؟
http://zahiakh.wordpress.com/



#زهية_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمي تلك المجهولة


المزيد.....




- السعودية تعلن ترجمة خطبة عرفة لـ20 لغة عالمية والوصول لـ621 ...
- ما نصيب الإعلام الأمازيغي من دسترة اللغة الأمازيغية في المغر ...
- أمسية ثقافية عن العلاّمة حسين علي محفوظ
- ثبتها الآن.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على نايل سات واستمت ...
- عروض لأفلام سوفيتية وروسية في بوينس آيرس
- -مصر القديمة.. فن الخلود-.. معرض لقطع أثرية مصرية في سيبيريا ...
- آخر ما نشره -نعم.. الموت حلو يا أولاد-.. كتاب وفنانون ينعون ...
- مطالبات واسعة في مصر لإلغاء حفل مطربة كندية شهيرة لهذا السبب ...
- ناشرون تحت المقاطعة: سوق الترجمة الإسرائيلي في مهب الحرب على ...
- سيلين ديون تتحدث عن معاناتها مع مرض نادر وتعد بالعودة إلى ال ...


المزيد.....

- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهية شاهين - حماتي