أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - شابا ايوب - المسيحيون العراقيون وطنيون صادقون ودعاة حضارة















المزيد.....


المسيحيون العراقيون وطنيون صادقون ودعاة حضارة


شابا ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 1008 - 2004 / 11 / 5 - 10:44
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في السادس عشرمن اكتوبر 2004 تعرضت خمس كنائس في بغداد الى هجمات تخريبية ارهابية. وهذه ليست المرة الاولى التي تتعرض فيها دور العبادة للمسيحيين الى سلسلة من التفجيرات بعبوات ناسفة او سيارات مفخخة ضمن حملة مسعورة ومبرمجة تستهدف ارهاب ماتبقى من شعب عراقي اصيل معروف بدعوته للسلام والعيش في كنف التسامح والمحبة مع اخوته من المسلمين سنة و شيعة والصابئة المندائيين واليزيديين ، كما تستهدف ايضا ترويعه واجباره على الرحيل من وطن ثبتت به اقدامه وغاصت الجذور في اعماقه, الى بلدان الشتات مواصلا سفر الغربة والتغرب الذي ذاقته اجيال من المسيحيين العراقيين منذ انقلاب شباط الاسود عام 1963 وما تلاه من السياسات المغامرة واللامسؤولة التي اتخذها انقلابيو تموز 1968 في العقود الثلاثة الاخيرة وسعيهم المحموم الى تصفية القوى السياسية العراقية المعارضة لا بل حتى المتحالفة معهم في السلطة ، وفي اضطهادهم للشعب الكردي وحرمانه من ممارسة حقوقه القومية المشروعة واتباع سياسة الارض المحروقه معه بما في ذلك جعله حقل تجارب لاسلحتهم الكيميائية المحرمة دوليا والفتك ب ( 5000 ) مواطن من ابناء حلبجة وعمليات الانفال سيئة الصيت بالاضافةالى حروب النظام الخارجية ضد الجارتين ايران والكويت وما خلفته من دمار شامل وخراب اقتصادي ترك اثارا اقتصادية واجتماعية ونفسية خطيرة وعميقة في نفس المواطن العراقي الذي لم يعتد على مثل هذه الاهوال والكوارث من قبل . وكان من نتائجها المباشرة هجرة وتهجير ما يقارب من اربعة ملايين عراقي يشكل المسيحيون منهم نسبة تصل الى 14% بينما لا تتجاوز نسبة المسيحيين الذين صبروا واصروا على البقاء والتشبث بالجذور وفضلوا العيش في كنف الوطن 4 % .
هنا يتساءل المرء : ما هي الدوافع الاساسية من وراء هذه الاعمال الاجرامية المدانة ؟
1. أهي محاولة لفك عرى التلاحم بين الاديان والطوائف الدينية في العراق باشعال نار الفتنة الطائفية والتمهيد لحرب اهلية لابطال العمليةالسياسية الجارية ؟
2. أم ان المسيحيين العراقيين قد اصابتهم شائبة ولا يرتقون الى مرتبة المواطنة وان شبهة العمالة للامريكان والغرب قدعلقت بهم وبالتالي لا بد من اجتثاثهم لتطهير ارض العراق من ,, رجسهم ! ,, ؟
3. أهي محاولة جادة من جانب هذه القوى لافراغ العراق من المواطنين غير المسلمين وتحويل فسيفساء العراق الى لون واحد وحيد ممل ومقيت وتمهيد الطريق لاقامة حكم طالبان العراق فيه وتنصيب احد امراء ( المقاومة ) خليفة عليه ؟

سأتناول هذه النقاط الثلاث بشئ من التفصيل والتحليل
أولآ : لقد دللت تجربة السنة والنصف الماضية على سقوط النظام المقبور آن الشعب العراقي تميز بحكمة سياسية وبوعي منقطع النظير رغم كل الظروف الآقتصادية والآمنية البالغة الصعوبة التي رافقت وترافق عملية إعادة البناء وذلك من خلال نبذه لكل آشكال التطرف القومي والديني والطائفي وافشاله لكل المحاولات التي بذلتها قوى الردة في الداخل وتلك التي خططت لها مخابرات دول الجوار لدق أسفين بين مكونات المجتمع العراقي وأطيافه الواسعة ، وبقيت مثل هذه الممارسات المشينة محصورة في مجموعات متفرقة صغيرة ومناطق محددة في وسط العراق وبعض مدن الانبار وداخل مدينة الموصل تحديدا . وبدوافع مكشوفة للجميع تتمثل بفقدان هذه الجماعات لنفوذها السياسي وضياع مكاسبها الأقتصادية وتخوفها من القصاص العادل الذي سيلحق بها فيما لو أرسيت دعائم دولة القانون والمؤسسات التي تقوم الحكومة المؤقته الحالية ، وتلك التي ستنتخب في أواخر كانون الثاني 2005، ببنائها . زد على ذلك تدفق عناصر خارجية ذات وجهة قومية أو إسلامية عبر الحدود العراقية في مسعى لجعل العراق ساحة ساخنة لتصفية حساباتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ، مما يتناقض ومصلحة العراق والعراقيين في هذا الظرف الذي يحتم على العراقيين الأسراع في اعادة بناء ما دمرته الحروب بما في ذلك الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق التي أطاحت بنظام صـدام . وستخيب آمال هذه القوى الشريرة حينما تتأكد من أن المسـيحيين في العراق لن ينجروا الى خديعتهم، ولن يخذلوا شعبهم بالأنزلاق إلى مستنقع التعصب الديني ألأعمى .

ثانيا : إن المسيحيين العراقيين لا يشعرون بأية عقدة نقص سواء في ما يتعلق بإيمانهم القوي بالله عز وجل أم في هويتهم الحضاريةوانتمائهم إلى وطنهم الأصلي ـ مابين النهرين ـ فعبر قرون خلت نشروا الأيمان بالله وبالرب يسـوع المســيح وتعاليمه في المحبة وألألفة والسـلام على أرض الرافدين ، صابـرين وصامدين بوجه حملات ألأبادة وألأضطهادات الوحشــية على أيدي ملوك الفرس والرومان الوثنيين ، في وقت خيم الجهل والضلالة على شعوب الدول المجاورة ومنها جزيرة العرب منبع الأسلام الحنيف . ولاتزال آثار الكنائس والأديرة والمقابر باقية في مناطق واسعة من وسط وجنوب العراق كالمدائن وبغداد وتكريت والنجف وكربلاء والكوفة وفي اعالي الفرات إضافة إلى سهل نينـوى ونوهـدرا واربيل وكركوك والبلدات المحيطة بهما وغيرها .
إن إعتناق الكثير من العراقيين الدين الأسلامي بعد الدعوة المحمدية لايلغي حقيقة تاريخية ساطعة وهي صلة الرحم التي تربط العراقيين ببعضهم منذ القدم ورابطة الدم الواحد الذي يسـري في عروقهم ، وقد امتزجت دماء العراقيين من المسلمين والمسيحيين وبقية الاديان والطوائف في خضم المعارك والحروب التي خاضوها سوية للدفاع عن العراق وشرف المواطن العراقي ( وهنا نترك جانبا الدوافع الاساسية والمبررات التي ساقها النظام السابق لشن هذه الحروب ) . فإن ما يجمعنا نحن العراقيون هو اكثر بكثير مما يفرقنا. إنه العراق ( أبو الأوطان) عنواننا وبيتنا المشـترك . أن أفكار وعقائد وعبادات البشـر تتغير وتتطور عبر الزمن وذلك وفق منطق هيغل الجدلي بفعل التحولات الحاصلة في البنية السـياسية والأقتصادية والأجتماعية وبفعل الأثار العميقة للأكتشـافات العلمية والتقنية بينما تبقى الأوطان ومنها وطننا العراق بنهريه العظيمين ونخيله وجباله ووديانه وسهوله وصحراءه طودا شـامخا لايتزعزع جيلا بعد جيل.
أما الطعن في وطنية مسيحيي العراق والنظر إلبهم مجرد عملاء لبوش وغيره من القادة الغربيين ، وبالتالي ينبغي إجبارهم على الرحيل من وطنهم الأصلي وبالقوة للخلاص من ,, شرهم ,, كونهم فئة تتعاون مع الأحتلال وتساهم في تكريس وجوده ، فإنه أمر لاتزكيه وقائع الحياة للأسباب التالية :
أ – ان مسيحيي العراق يرضعون حليب الوفاء وألأخلاص للوطن منذ أن يبصروا النور وهم لايغدرون بصاحبهم ولا يخونون محبة صديق أو جار مهما كان دينه منطلقين من تعاليم نبيهم القائلة :
(( وسمعتم إنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك ، أما أنا فأقول لكم أحبوا اعداءكم وباركو لاعنيكم واحسنوا معاملة الذين يبغضونكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويضطهدونكم، فتكونوا أبناء ابيكم الذي في السماوات ، فإنه يشرق بشمسه على الأشـرار والصالحين، ويمطر على الأبرار وغير الأبرار.فإن أحببتم الذين يحبونكم ،فأية مكافأة لكم ؟ أما يفعل ذلك حتى جباة الضرائب ؟ وإن رحبتم بإخوانكم فقط، فأي شيئ فائق للعادة تفعلون ؟ أما يفعل ذلك حتى الوثنيون ؟ فكونوا انتم كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل )) .
كما انهم مفعمون بالتضحية و التفاني بلا حدود بما في ذلك تقديم ارواحهم قربانا للوطن و للمثل الانسانية الرفيعة حالهم في ذلك حال النجباء من المسلمين وبقية الاديان و الطوائف ، فحينما كان العراق يرزح في عهد نوري السعيد واعوانه تحت نير الاستعمار البريطاني ، ويعاني شعبه من الفاقه والجوع و الجهل والمرض جراء حرمانه من التمتع بخيرات بلده ، إنبرى الى الكفاح الوطني رجال شجعان ذادوا ببسالة عن العراق وسيادته الوطنية وحرية شعبه يتصدرهم قائد جسور كلدوآشوري الولادة ، مسيحيي في الدين ولكنه عراقي حد النخاع ، تحدى المشنقة مرعبا جلاديه وواهبا روحه ومعه رفاقه الاماجد فداءا للعراق ، إنه القائد يوسف سلمان يوسف ( فهد ) والذي اعدم في 14 شباط 1949 .
ليس هذا سوى مثالا بارزا لوطنية المسيحيين العراقيين . وحين وقع إنقلاب 8 شباط 1963 إمتلأت السجون و المدارس وساحات الملاعب الرياضية في معظم مدن العراق بالشيوعيين والقاسميين والوطنيين وكل السياسيين الغيورين على الجمهورية العراقية الفتية ومستقبلها الديمقراطي ، لمعارضتهم هذا الانقلاب الذي جاء بتحريض ودفع من شركات النفط الاجنبية العاملة في العراق ونفذته القوى الرجعية ممثلة بخليط غير متجانس يجمعها قاسم مشترك واحد هو حقدهم الاسود على كل ما هو وطني اصيل و ديمقراطي وتقدمي في السياسة والمجتمع ،بالأضافة الى ساديتهم وميلهم المتجذر الى سفك الدماء في صراعهم مع خصومهم السياسيين . وذهب ضحية هذا الانقلاب عشرات من القادة الشيوعيين و الوطنيين والديمقراطيين العراقيين ومن بينهم كوكبة من المسيحيين نذكر منهم على سبيل المثال لاالحصرجورج تلو وعبد الاحد المالح وادمون يعقوب والياس حنا كوهاري وكامل قزانجي .
والى جانب الكفاح الوطني التحرري وقفت العناصر الواعية من مسيحيي العراق مع الحركة القومية التحررية للشعب الكردي وناضلت سياسيا وعسكريا من اجل احقاق حقوق الشعب الكردي القومية والادارية الى جانب حقوق التركمان و الكلدان والآشوريين والارمن, ومن منا لايتذكر القائد السياسي و العسكري البارز المرحوم توما توماس (ابو جوزيف) والذي حظي باحترام وتقدير الزعيم الكردي الشجاع المرحوم الملا مصطفى البارزاني, وقادة آخرون بارزون مثل المطران ماريو ألاها وهرمز مالك جكو و فرانسو الحريري ولازار ميخو ( ابو نصير ) وكثيرون غيرهم . واذا ما وجد عنصرا او عدة عناصر قد خانت وطنها وباعت نفسها للاجنبي وغدرت بصاحبها فأن هذا يعد استثناءا من القاعدة .
ب - أن مسيحيي العراق ويصفة خاصة مثقفيهم لايفسرون الصراع الدائر بين امريكا وحلفائها الغربيين من جهة والعالم العربي والاسلامي من الجهة الاخرى على انه حرب صليبية جديدة ضد الاسلام والمسلمين كما يروج لها السلفيون القدامى و الجدد والمتشددون الذين ارتكبوا ومازالوا يرتكبون أفعالا شنيعة تتقزز منها النفس ويقشعر منها البدن وتسيئ الى سمعة الدين الاسلامي والمسلمين في كل مكان ، بل اننا كمسيحيين عراقيين واعين نفهمها على أنها غطرسة القطب الاوحد في نشوة انتصاره على خصمه الايديولوجي في الحرب الباردة ، ويعبر عنها بتشديد قبضة الولايات المتحدة الامريكية والنظام الرأسمالي العالمي في ظل العولمة الراسمالية للتحكم بمصائر الشعوب المغلوب على امرها والتصرف بمواردها الطبيعية بما يضمن تطوير منظومتها السياسية والاقتصادية والتقنية وتعزيز اسواقها الدولية ومضاعفة قواعدها العسكرية واحتكار مصادر الطاقة واشهارها كسلاح بوجه منافسيها من الدول الصناعية الكبرى كاليابان وروسيا والعملاقين الجديدين الصين والهند . وتمارس الولايات المتحدة عمليا هذه السياسة في مناطق اخرى من العالم ، واذا كان الوجود الامريكي والغربي المكثف في منطقة الخليج العربي وعلى اطراف بحر قزوين ومناطق عربية واسلامية اخرى يشكل ظاهرة بارزة لمثل هذا التواجد ، فهذا مرده الى الاهمية الاستراتيجية والجيوسياسية لهذه المنطقة الغنية جدا بثرواتها الطبيعية و المتميزة في كونها سوقا استهلاكية رحبة وكونها صمام امان لصد الخطر الحقيقي الذي قد ينجم من تطور العملاقين الجديدين الهند والصين شرقا واوروبا وروسيا شمالآ وتاثير ذلك على مصالحها الحيوية.
والا بماذا تفسر الضغوطات الامريكية على دول مثل كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وهاييتي ودول اخرى كثيرة ؟ ولو كانت حربا صليبية جديدة حقأ ، بماذا تفسر موقف راعي الكنيسة الكاثوليكية البابا يوحنا بولص الثاني برفضه الحصار الاقتصادي الذي فرضته الامم المتحدة على العراق بعد حرب الكويت وموقفه الرافض للحرب الامريكية على العراق والتي ادت الى الاطاحة بنظام صدام !؟ وبماذا تفسر موقف الفاتيكان الداعم لكفاح الشعب العربي الفلسطيني العادل من اجل طرد الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة !؟
ليس لمسيحيي العراق ناقة ولاجمل في دعم ومساندة المشاريع التوسعية للامبريالية ، وأن مصلحة مسيحيي الشرق الاوسط ومنهم مسيحيو العراق مرتبطة عضويا بمصلحة شعوبهم ، والمتمثلة بالحاجة الماسة الى استثمار طاقات جميع ابناء الشعب من دون تمييز ومن خلال وضع المواطن في مركز الصدارة ومنحه حريته في التعبيير ليختار من يمثله في مراكز اتخاذ القرار واحترام ارادته وصيانة كرامته ، حين ذلك سيصبح عنصرا فعالا ومؤثرا في اقامة مجتمع متحضر طال انتظاره .
ثالثا : لاابالغ ان قلت ان الله احب العراقيين فوهب لهم وطنا جميلا بفسيفسائه التي تملأ النفس غبطة وسعادة ، واصطفى من بين ابنائه نبيا كريما وابا عظيما ليبشر بحكمته وعدله وينشر رسالته ويهدي الامم والشعوب الى طريق الايمان والعدل والصلاح . انه ابراهيم الخليل الذي ارتحل من أور قاصدا ارض كنعان ، ومن نسل نبينا ابراهيم عليه السلام ظهرت الديانات السماوية وانتشرت بين الامم ، لذلك فان وجود مسيحيين ويهود وصابئة ويزيديين الى جانب المسلمين في العراق هو ارادة الهية ، وان هذا التنوع في الطوائف الدينية هو ظاهرة طبيعية صحية حالها حال التنوع في الاطياف السياسية والقومية وفي اللغة واللون والعادات الاجتماعية في عموم المعمورة . زد على ذلك ان هذا التنوع لايقتصر على العنصر البشري لوحده بل يشمل مملكة الحيوان و النبات وسائر الكائنات الحية بما في ذلك حيوانات البحار والمحيطات ، حيث تتعايش ملايين الانواع من الكائنات الحية منذ الازل في ظل توازن بيئي دقيق ومحكم ، ولا يتعرض اي نوع منها الى الانقراض ، إلا اذا انعدمت اسباب الحياة تماما ، وهذا لايحدث الا بفعل تغيرات وتحولات كونية هائلة وطارئة تؤثر على التوازن البيئي القائم . ان فكرة المتشددين الاسلاميين من اجتثاث المجموعات الدينية غيرالمسلمة في العراق وبصفة خاصة المسيحيين منهم ، تشبه الى حد كبير فكرة العنصري الابيض الذي يكره رؤية الملونين وخاصة السود منهم . فهل يحق للابيض ان يجتث جميع السود في العالم ويخلي قارة افريقيا مثلا منهم ويحرمنا من رؤية نيلسون مانديلا وبيليه وبول روبسن ومريام ماكيبا لمجرد انهم يختلفون عنه في اللون و المظهراو يعتقد وبسبب وجود صورة نمطية في ذهنه توحي له بانهم ادنى مرتبة منه واقل استحقاقا في الحياة ؟
أن مشكلة جميع المتطرفين سياسيا وقوميا ودينيا وطائفيا هي مشكلة واحدة تتمثل في ان جميعهم مصابون بعمى الالوان ، وليس بمقدورهم تمييز الوان الطيف الضوئي الواسعة الانتشار، فيلتقطون منه فقط اللونين الابيض و الاسود . ولآن الحديث هنا يدور حول التطرف الديني عند المتشددين الاسلاميين فانك في نظرهم أمام خيارين لاثالث لهما ، فأما ان ترضى وتقبل ان تكون مسلما والا نزلت عليك لعنة الكفر . وهنا اود ان اخاطب صاحب هذا الرأي لأقول له :
بامكانك ان ترتدي دشداشة بيضاء وتضع فوق كتفيك سترة سوداء تقي بها برد الشتاء ، وتضع فوق راسك قبعة سوداء ، وتطلق لحيتك التي نقر جميعأ بانها ايضا سوداء ولكن بالرغم من هذا كله فاذا نظرت الى المرآة لترى صورتك ، فسترى حتما ان لم تكن مصابا بعمى الالوان لونا اخر غير الابيض والاسود . فاما بشرتك تبدو سمراء واما اسنانك صفراء واما قزحية عينك شهلاء واذا ماسالت منك قطرة دم فهي حمراء ولو نظرت قليلا الي السماء فستجدها زرقاء .
ان هذا القصور في النظر ممثلا بعمى الالوان هو الذي يجمع غلاة المتطرفين من اقصى اليسار الى اقصى اليمين بدءأ من نوري المرادي ومرورا بفهمي الهويدي وعطوان عبد الباري ومصطفى البكري وعبد الامير الركابي وعبدالله الجنابي وانتهاءأ بالزرقاوي .
واذا جادلتهم وسالتهم عن ماهذا الذي يوحد مواقفكم ؟ قالوا لك : اننا ضد الاحتلال ومع المقاومة ، ونحن بدورنا نقر ايضا بشرعية المقاومة ، ولكن احتلال العراق مشرعن دوليا ، فهل لنا أن نحارب دول العالم بأسرها ممثلة بالامم المتحدة وان نخرق قرارات مجلس الامن بهذا الشأن ؟ فقد جرب صدام فعل ذلك فماذا كانت النتيجة ؟
ألم يكن الاحتلال الثمرة المرة للسياسات المغامرة والتي تفتقر الى الحكمة والتعقل ؟ ان افضل مانستطيع فعله هو التصرف بحكمة ودهاء سياسيين للتقليل من مخاطر الاحتلال وتقصير امد بقاءه ثم قل لي بربك ، ماذا جنينا نحن العراقيون من ترحيل اليهود الى فلسطين في نهاية الاربعينيات لكي ترحل ماتبقى من المسيحيين ؟ ألم يشكل اليهود المرحلون عبئا ثقيلا على الفلسطينيين ومزاحمتهم في ارضهم ؟ زد على ذلك تصهين اعداد غفيرة منهم وتحولهم الى اداة بيد آلة الحرب العسكرية الاسرائيلية الغاشمة بعد ان كانت الطائفة اليهودية في العراق في غالبيتها يسارية ووطنية ، ولا افضل من ان اورد هنا نص رسالة بعث بها شيوعيون يهود عراقيون الى ستالين في 29 أيار 1946 جاء فيها :
(اننا نتضرع اليكم ، ايها الرفيق ستالين ، ان تؤيدوا قضية فلسطين عندما تطرح امام الامم المتحدة ...لاالتباس في حق شعب فلسطين العربي بالاستقلال ، وقضيتهم لاعلاقة لها بمأزق اليهود المقتلعين . اننا واثقون من ان حكومتكم ، التي تعتمد مبادئها وسياستها الخارجية على احترام حق الشعوب في تقرير مصيرهم ، ستقف الى جانب العرب في محنتهم ) .
ولو فرضنا جدلا بانك نجحت في قلب فسيفساء العراق الى لون واحد ، فكيف ستتعامل مع الامراء الموزعين في مناطق واسعة من العراق ، من الموصل مرورا بسامراء وبغداد ثم الى اليمين حيث الفلوجة والرمادي ثم الى اليسار الى بعقوبة ثم عليك ان تتقدم قليلا نحو الجنوب كي لاتنسى اللطيفية . فأي أمير من هؤلاء الامراء تنوي تنصيبه خليفة علينا ؟ واذا وقع اختيارك على امير الفلوجة لدورها المتميز في قطع الرؤوس البشرية والتمثيل بجثث القتلى واختطاف الرهائن ومبادلتهم بصفقات المال ، فهل سينتهي الصراع في نظرك ؟
انظر الى تاريخ الدويلات الاسلامية منذ وفاة النبي والى يومنا هذا ، انه تاريخ صراع متواصل وليس أقله تجربة الصراع الدموي لامراء الحرب في افغانستان . ان العالم بأسره قائم على الاضداد التي تلازم بعضها البعض فهي في صراع دائم وحينما نعجز عن ايقافه علينا ان نفكر بطرق سليمة لأدارته . أليس الاجدر بنا ان ندير هذا الصراع بالطرق السلمية بدلا من أراقة الدماء ؟ أم ان ثقافة العنف القبلية التي سادت مجتمعات جزيرة العرب في الجاهلية لها المناعة الكافية ان تصد اية بادرة حضارية تنبع من العقل وتستند الى الحوار البناء والتشاور ولها القدرة على ان تسود حتى في مجتمعات أهتدت الى دين حنيف يدعو الى الرحمة و التسامح منذ أربعة عشر قرنا ؟
أنظر الى اوروبا واليابان بعد حربين عالميتين طاحنتين كيف استخلصتا العبر و الدروس ووضعتا حدا نهائيا لممارسة العنف المنفلت وهيمنة القوة على القانون ، فمتى يهيمن القانون على القوة في العراق ؟ ومادامت القوة المنفلتة هي الطاغية على القانون فان عدوى التفجيرات سينتقل الى أضرحة الائمة الكرام والمساجد و الحسينيات.
وقبل ان أختتم مقالتي هذه لابد من الاشارة الى ان فعلة تفجير الكنائس الشنيعة لايمكن ان تصدر من شخص مسلم يتبع تعاليم دينه الحنيف مهما كانت دوافعه ومبرراته ، فقد جاء في كتابه العزيز ,, سورة البقرة,, الاية 62 :
(( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئيين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون )) .
ورغم ذلك كله أطبق الصمت على بعض المراجع الدينية الاسلامية التي ترى من مثل هذه الافعال ضروبا في مقاومة المحتل وجهادا مقدسا في سبيل الله . أنة لمن المضحك المبكي ان يكون الجهاد في سبيل الله بضرب بيوت الله .
أن الحكومة العراقية ملزمة بتعزيز اجراءاتها الامنية لحماية أمن المواطنين وبصفة خاصة أمن المسيحيين ودور عبادتهم لانهم هم المستهدفون في هذه الحملات الظالمة ، كما ان جميع المراجع الدينية في العراق وعلماء الدين الاسلامي مطالبون بأصدار فتاوى تدين مثل هذه الاعمال الارهابية التي تسيئ الى الاسلام والمسلمين ، وفضح العناصر والقوى التي تقف ورائها والى تحديد مواقف واضحة وجريئة من الحملة الارهابية ضد المسيحيين في العراق وحمايتهم من هجمات زارعي الفتنة ومشعلي الحرب الطائفية .



#شابا_ايوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- غيتار بطول 8 أقدام في موقف للمركبات الآلية يلاقي شهرة.. لماذ ...
- ساعة ذهبية ارتداها أغنى راكب على متن -تيتانيك-.. تُباع في مز ...
- اغتيال -بلوغر- عراقية وسط بغداد.. ووزارة الداخلية تفتح تحقيق ...
- ثوران بركان إيبيكو في جزر الكوريل
- -إل نينو- و-لا نينا- تغيران الطقس في أنحاء العالم
- مكسيكي يقول إنه فاز بشراء أقراط بـ28 دولارا بدل 28 ألف دولار ...
- سيناتور روسي يقيم جدوى نشر أسلحة نووية أمريكية في بولندا
- هذا هو رد بوتين على المساعدات لأوكرانيا من وجهة نظر غربية (ص ...
- الولايات المتحدة تطور طائرة -يوم القيامة- الجديدة
- الجيش الروسي يستعرض غنائمه من المعدات العسكرية الغربية


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - شابا ايوب - المسيحيون العراقيون وطنيون صادقون ودعاة حضارة