جنان عبد الحسين الدخيلي
الحوار المتمدن-العدد: 1006 - 2004 / 11 / 3 - 10:55
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
حينما يبدأ الخلاف يسري في تفاصيل الحياة بين الزوجين فأن هذا يعني أن خللا قد حصل في الحياة الزوجية المشتركة ، وأن تصدعاً خطيراً يصيب حياة الأسرة ، وحينما يتطور هذا الخلاف ويستفحل قبل أن يستطيع الزوجـين أو الأهل والأصدقاء من أيجاد الحلول الناجعة لهذه الخلافات ، فأن الخطأ بالتأكـــــيد يكون في هذين الزوجين كل بنسبة الفعل الخاطئ الذي صدر منه .
وكنتيجة طبيعية لعدم استقرار الحياة الزوجية واستحالة استمرارها يلجأ الزوج في أغلب الأحيان الى استعمال الحق الشرعي المقرر في فصل الزوجة عن حياته بإرادة منفردة فيلجأ الى إيقاع الطلاق على الزوجة مهما كان السبب تافهاً .
المهم في هذا أن المجتمع العراقي والمجتمعات الشرقية عموماً تنظر الى المرأة المطلقة نظرة مليئة بالظلم ، فهي مذنبة وقليلة القيمة الاجتماعية ومتهمة وعبء ثقيل أضافة الى قلة فرص التقدم للزواج منها من قبل الآخرين ، مع عدم معرفة هذا الكثير بتفاصيل الحياة الآسرية التي كانت تعيشها هذه المرآة أو حتى أسباب الخلاف التي أدت الى انفصالها سواء بإرادة الرجل أو بطلب منها .
هذه النظرة الاجتماعية متأتية دون شك من النظرة الاجتماعية المتخلفة للمرآة ، لأن نفس المجتمع لا ينظر للرجل بنفس المستوى الذي ينظر فيه للمرأة المطلقة ، ويمارس الرجل المطلق حريته الجديدة في الحياة ولايجد أي عائقاً يقف أمامه .
وظاهرة أخرى تنم عن التخلف والتردي الذي يغلف العلاقات الاجتماعية والتي لم يلغيها الزمن بالرغم من التحولات العلمية الكبيرة التي عمت الدنيا ، لكنها بقيت تنخر في مجتمعنا دون أن تجد من يتمرد عليها أو يلغيها من قواميس المجتمع .
فالمرآة لا تستطيع أن ترفض الرجل المفروض عليها من عائلتها كزوج ( باعتبار أن هناك حق عرفي وعشائري يعطي لأبن العم حق الزواج من أبنة العم ) فاذا رفضت المرآة فانها تبقى دون زواج ما تبقى لها من العمر رغم زواج الرجل ، إلا أذا وافق هذا الرجل والأهل والأقارب على زواجها ، وأذا ما حدث أن تزوجت رغم ذلك ، فأن جريمة جنائية ستقع بالتأكيد تدخل في باب التمرد على الآسرة والعائلة والعشيرة والعرف الاجتماعي .
في حين ان الرجل يستطيع أن يتنصل من جميع التزامات الآسرة ويرفض الزواج بسهولة ويسر ودون أن يبدي الأسباب لذلك ، ويستطيع الزواج خارج هذا الالتزام المقيت والغير منطقي دون مسائلة عشائرية أو عرفية أو عائلية .
كثير من الظواهر المتخلفة التي لازالت تنخر مجتمعاتنا تدلل على قدرة العلاقات الأنسانية المتخلفة من الثبات والبقاء وسط مجتمع لابد له من الأنعتاق منها وإهمالها وتجاوزها بعد أن تجاوزتها الأمم وطواها الزمن .
فالرجل يستطيع أن يعمل في أي عمل يشاء وفي أي وقت يشاء ، بينما لا تستطيع المرآة العمل في كل الأعمال ، فأن قسم من الأعمال غير مسموح لها بالعمل فيه عرفاً ، أما بالنسبة للوقت فالمرآة تستطيع على سبيل المثال لا الحصر أن تعمل في وجبات الليل والمساء ، وأن عملت فأنها تتحمل مسؤولية مجازفتها بتحدي العشيرة أو المجتمع المتخلف الذي سيعمل على الإساءة الى سمعتها .
كما تقدم بعض الآسر على عقود زواج لأولادها الصغار الذين لم يبلغوا سن العقل أو المعرفة برغبة الرجال الكبار ، وتبقى هذه العقود محترمة وملزمة للعائلتين ، وبعد أن يكبر الأولاد ويتبصروا في أمور حياتهم ويجدوا أنهما لا يتناسبا مع البعض تقوم الدنيا ولا تقعد ، وأن هذا الارتباط إلزاميا وإجباريا مفروضاً عليهما وفق التقاليد والعرف العشائري وأن التمرد عليه يعتبر بمثابة التمرد ليس على العائلة وأنما على العشيرة .
ووفق هذا المسرى يتم الزواج المتبادل ( ويسمى بالعرف العشائري زواج الكصة بالكصة ) أي بمعنى زواج الرجل من أبنة الرجل الآخر أو أخته مقابل تزويج هذا الآخر أبنة الرجل آو أخته ، وبهذا تكون المرأة هي ثمن هذا الزواج المتبادل وضحية هذه الصفقة .
وفي كثير من المنازعات العشائرية والحوادث التي تصل الى القتل أو أحداث العاهة المستديمة يتم الفصل العشائري والاحتكام الى الأعراف والقوانين والتقاليد العشائرية ومن ضمن ما تقضي به هذه القوانين أن يتم الحكم على الرجل بالإجلاء عن المنطقة مدة زمنية معينة أو أن يعطي دية مالية تقدرها هيئة التحكيم أو أن يعطي أمرا’ من عائلته لعائلة المجني علية ، وهنا الطامة الكبرى ، حين يتم تسويق أمرآة لاأرادة لها ولاناقة لها ولاجمل في مجمل عملية التحكيم الى عائلة المجني عليه ليتم امتهانها أو استخدامها كخادمة في أمور الزراعة والرعي وأعمال الريف أو تزويجها لمن تشاء هذه العائلة من أبنائها دون أرادتها أو رغبتها ودون ما يوازي شخصيتها أو قيمتها في المجتمع العشائري أو يكون كفئا لها .
أن مفاهيم متخلفة لم تزل تنخر مجتمعنا لازال البعض يصر على تكريس العمل بها ، مما يمكن اعتباره مرضاً اجتماعيا يدعو الزمن والتطور الاجتماعي الى التخلص منه ونبذه ، بعد أن سادت المجتمعات نظرة التوازن والمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرآة ، وحققت المرآة في هذا المجال ما يجعلها مؤهـــلة وقادرة على أن تتبوء هذه المكانة المتساوية مع الرجل ، ويكفي أن تكون المرأة هي الأقدر على الأنجاب والمساهمة الفعالة في الرضاعة والحضانة والتأثير الكبير في التربية وأدارة شؤون البيت وتفاصيل حياة الآسرة أضافة الى عملها أحيانا ، لذا فأن الجمع بين كل تلك المهام وبين بروزها الثقافي والاجتماعي والسياسي يجعل منها رائدة وجديرة بأن يرفع عنها المجتمع تفاصيل العلاقات الاجتماعية والعادات المتخلفة التي كانت تحكمها قيل مئات السنين دون عدالة ودون حق بل ودون منطق بشري .
وحيث أن المرآة هي التي تلد الرجال ، فانها تشكل الأصل في تشكيل نواة الأسرة والمجتمع مما يتطلب من الجميع الالتفات الى تغيير التوازن المختل في العلاقات الاجتماعية التي تسري بين مجتمعنا ، لتحل محلها علاقات إنسانية متطورة وتتناسب مع التطور الاجتماعي ومكانة المرآة في العالم ، ونحن جزء صغير من هذا العالم الكبير .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟