أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن هويدي - تدمر في الذاكرة 2














المزيد.....

تدمر في الذاكرة 2


حسن هويدي

الحوار المتمدن-العدد: 1000 - 2004 / 10 / 28 - 09:27
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


في صبيحة اليوم التالي أخرجونا إلى الباحة الساعة الحادية عشر صباحاً ونحن عاجزين عن المسير أو حتى الجلوس خرجنا مغمضي الأعين مطأطئي الرؤوس ندور حول الباحة بنسق خماسي وعند الانتهاء من عدة دورات أُمرنا بالجلوس أرضا ووجوهنا باتجاه الجدار المقابل.
قال لنا أحد العناصر هذا هو التنفس ومدته ساعة لشم الهواء النقي وهو يسير خلفنا نسمع خطاه دون أن نراه ذاهباً وآيباً وهو يرفسنا بالبوط العسكري من الخلف على الظهر والرأس مخلفاً وراءه ألماً لا يحتمل، وبعد لحظات أمرنا بالوقوف ثم اختار أحدنا وإخرجه من الصف، ليكون هو من أهداه القدر لهم، هم الذين غادروا الزمان واحتفظوا بالمكان ،وجعلوا من لغة التعذيب أداة تواصل وتفاهم؛ غادري يا صرخات المكان واجعلي تراب الأرض ندياً ليطهر وجعه ووجعنا،ابكي على تراث نمجده حين نعجز عن تجاوزه.
أبو محمود مولود في عمره الجديد يناشد صباه يتوسل من الألم والعذاب مخاطبا الزمان وفي صراخه كل التراتيل التي تمجد الأنبياء، قفي يا سطوة الجلاد فجسدي أتعبته السنون وحفيدي الصغير الذي ينتظرني في طرف الحي يعشق فوضى المكان، سلامي إلى كل الأنبياء والرسل عساهم أن يخففوا عني مسيرة الذلّ؛ قالها وفي نفسه أمنية لرؤية من هم أعزاء على قلبه، هذا الشيخ المسنْ ذو الجسد الصغير أبى على نفسه أن يسقط ذليلا إلى أن ساقته قدماه لنلتقي في "باستيل" سورية.
نظراتنا حزينة وأصابع الريح التي تغازل "الشيح" و"العوسج" حزينةٌ هي علينا،
ابكي أيتها الجدران أن كنت قادرة على التحدي واقتلعي من بقايانا الشظايا، فالضحايا من قبلنا هم زوار هذا المكان صورهم معلقة على الجدران أسمائهم مكتوبة بدمائهم، طائر جراحه أثقلت جناحاه.
وأمه الحزينة تذرف الدموع بانتظار المولود الجديد وريثاً لاسم جده أبي محمود.غاب الزمان تماما وبقي المكان تماما جاثما ثقيلا مثقّلا بالسياط، وجلسنا نتأمل القادم إلينا من خارج الأسوار قد يحمل أقبح الصور وأسوء الأخبار، التي لم يعد يسمعها البعض منا لأنَ الكثيرين منا قد فقدوا السمع نتيجة الصفع على الآذان.
وعند الظهيرة أدخلنا طعام الغداء (حساء الجزر) الممزوج بدمائنا وبرغلٌ مطبوخ بالرمل والحصى وخبز (صمون) مطلي بمادة المازوت كانت بالنسبة لنا وجبة جيدة، بدأنا نفكر بكيفية التأقلم مع المكان حيث باشرنا بتوزيع الطعام على أكياس من النايلون محاصصةً بين الجميع وطلبنا منهم منظفات وصابون فلم يوافقوا
إلا على مادة الصابون ولكل سجين قطعة من الصابون العسكري الحجم الصغير (التي توزع مجاناً) دفعنا ثمنها غاليا من دمنا، فرحنا كثيراً بمجيء الصابون، وباشرنا بتناول الطعام حيث كنا مجموعات، نظرت إلى المجموعة التي بجوارنا رأيت أبا محمود يلتهم الطعام بطريقة عجيبة بحيث أنني كنت اسمع تحت أسنانه صوت كصوت الرحى يطحن الحصى فهز رأسه نحوي وضحك وقال لوز وصنوبر يرحم أيامك يا أم محمود .
وعند الانتهاء من تناول الطعام وقف احد السجناء قائلا تدمر هذا هو حالها ولن تتغير وأنا لي تجربة سابقة فيها لذا على كل سجين إن يتعامل معها والمهم والاهم أن نعتني بنظافة المكان، وخيم الصمت على الجميع،في أعينهم حزن شديد وألم، وفي دواخل نفوسهم أسئلة كثيرة هل يبقى حالنا هكذا: جوع، وخوف، ومرض، وقمل، وجرب، وتعذيب...
صمتنا أعطى المكان هدوءا، بحيث استطعنا أن نسمع جوقة من الأصوات البعيدة جوقة تلاميذ المدرسة التي لا نعلم أين موقعها بالنسبة لموقع السجن والأهم أننا نسمع ذاك الصوت البعيد، صوت الأبرياء القادم إلينا من خارج الأسوار ليبعث فينا أمل الحياة من جديد.
أصوات فرحة تغرد في مسامعنا لحن الحرية، ليضفي على صمتنا لحظة تأمل وتذكرْ، نظرت من حولي فإذ دموعٌ تذرفَ كأنها أنهار وسيول عبرت الحدود، وصدور مليئة بالشوق على أطفال تُركوا هناك لا يعلم أحدٌ عن أحوالهم شيئا، تلاشى الصوت، وتبددت معه الأحلام الجميلة حتى العصافير التي كانت تدنوا من الشبابيك الصغيرة غادرت المكان وتركت أعشاشها مهاجرة، كل شيء غادر ألا الصوت القادم إلينا من داخل السجن يحمل الصراخ والألم وأصوات الأقفال و المصاريع تفتح وتغلق تقترب منا شيئاً فشيئا دب الرعب والخوف في قلوبنا وجوهٌ أصفرت وأطراف ترتعش والقلوب تكاد أن تخرج من بين الأضلاع، أحسست إن رأسي يتمدد تحت ضغط داخلي وان طبولاً تقرع
وشياطين ترقص وتسخر منا، قرر احد السجناء أن يخرج إلى الباحة إذ طلب منه ذلك كان قرار صائباً للشْد من عزائم السجناء والخوف من الانهيار الذي إذا حصل يسبب لنا كارثة جاءنا الصوت منادياً ( مهجع ) يا عرصات منبطحاً جميعا وبعد لحظات وصلت الدورية وفتح الباب وطلب منا الخروج إلى الباحة مغمضي الأعين وأفهمنا رئيس الدورية أخراج جميع محتويات المهجع إلى الباحة من أجل تفتيش المكان خرجنا ودخلوا وبقي البعض منهم في الباحة سرقت النظر فإذا بهم يحملون قضبان معدنية كبيرة وفي مؤخرتها قرص معدني مثبت بشكل دائري وبداُ الدق في أرض المهجع خوفاً أن نكون فكرنا أن نحفر أنفاقاً للهروب وبعد الانتهاء من التفتيش خرجوا إلينا جميعا إلى الباحة وأمرونا بالانبطاح أرضاً وبدأُ بالدق على ظهورنا بالقضبان المعدنية والصعود عليها والدعس عليها بالابواط والعصي ونادى احدهم رئيس المهجع وطلب منه أخراج (ختيار الزفت ابو محمود والحرس الليلي) وادخلوا البقية إلي المهجع وبدأُ بضرب أبا محمود وبقية السجناء الذين كانوا في حراسة المهجع ليلاً واتهموهم بأنهم كانوا يمارسون اللواط وصرخاتهم التي كانت تنشد نشيد الأطفال في عرس الحي..
قد توقفت تماما ولم نعد نسمع شيئا وطلبوا منا ثمانية للخروج إلى الباحة أدخلناهم والدماء تنزف وأجسادهم لا تتحرك تجمعنا حولهم نضمّد لهم جراحهم منا من خلع ثيابه الداخلية والآخرون جاؤوا بقطع قماش وربطناها على الجروح النازفة لوقف النزيف الحاد ،حزنا كثيرا على هؤلاء العزل الذين خرجوا من الباب ودخلوا من الباب ، وما خلفه جنة القلب أشياؤنا باب الحكاية باب النهاية، السلام للذين على حائط الصوت والموت أسمائهم ندخل ونخرج كأهل الكهوف في عالم النسيان وآذار يخرج مودعا ليأتي شهر نيسان ....



#حسن_هويدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...
- مميزات كتييير..استعلام كارت الخدمات بالرقم القومي لذوي الاحت ...
- تقاذف الاتهامات في إسرائيل يبلغ مستوى غير معهود والأسرى وعمل ...
- غورغييفا: 800 مليون شخص حول العالم يعانون من المجاعة حاليا
- الأمن السعودي يعلن اعتقال مقيم هندي لتحرشه بفتاة ويشهر باسمه ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن هويدي - تدمر في الذاكرة 2