أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لنا عبد الرحمن - قصة قصيرة-موت الحواس














المزيد.....

قصة قصيرة-موت الحواس


لنا عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 999 - 2004 / 10 / 27 - 08:01
المحور: الادب والفن
    


رويداً•• رويداً•• بدأت حواسي تعلن موتها، لتدخل في غيبوبه طويلة حاسة وراء أخرى باتت تنتهي، وصرت أعي بعمق هوة تناثرها وتحولها لأشلاء وأوصال لا تجمع ولا تلم• الأيام، الأحداث، الأشياء تبدو لي واهية، باهتة ، بلا بريق، لا طعم لها ولا لون لا رائحة، لا ملمس، لا نكهة تميزها، ولا عبق يشعل حاسه الفرح ويستدعيها• فكرت إنه عليّ أن أحلم وأحلم وأحلم في محاولة مني لإقامة علاقة نشوة سرية مع أمنيات أوغل فيها بالمتعة علَْني ألقي بنطفة حلم بعد سنوات من العقم• لكن لا أحلام لدي، اكتشفت بصدق أنني كائن مفرغ من التمني عاجز عن الرغبة، وأن بي جزءاً ما معطوبا إلي حد التلف• منذ متي وأنا علي هذه الحال؟ أحاول التذكر، ذاكرتي لا تسعفني للقبض علي اللحظة الحاسمة كل ما أعيه أنني فاقد لحواسي تماما، وأنني عاجز عن الإحساس بروح الأيام، واستشراف لحظاتي منها• رغم كل الأحداث التي عصفت بحياتي لكني أخمن أن حواسي ماتت في العشرة أعوام الأخيرة من عمري، لا•• لا، لا أستطيع الجزم ربما كانت تسعة أعوام وربما أحد عشر، لكني أعي فقدان حواسي من عشرة أعوام كاملة• ربما حدث ذلك منذ أصبحت رئيس تحرير للصحيفة التي أعمل بها الآن، بعد طردي من الصحيفة السابقة التي عملت فيها عشرين عاما وخرجت منها بسبب خطأ ارتكبه صحفي آخر• وربما منذ اللحظة التي فقدت فيها الرغبة في تناول الشيكولاته السوداء المستوردة، أو في تدخين "النارجيله" أو شراء قارورة عطر لصديقتي المفضلة بمناسبة عيد ميلادها، وربما منذ فقدت متعة متابعة تأمل أجساد الفتيات الحسناوات العابرات من خلف زجاج المقهي الشفاف•شيء ما تغيَّر في لا أستطيع أن أعي تاريخه•

يداي مقدستان، دائما تعاملت معهما علي أنهما أثمن ما فيَّ من حق الإنسان أن يقدس الجزء المبدع في نفسه، أتأمل أصابعي كنت معجبا بهما بشدة، أحافظ عليهما من أي جفاف أو خشونة أو تغيير في الطقس، أدلكهما بكريم معطر، وأمارس تمارين خاصة بالأصابع• أصابعي الآن هرمه، قاسية، النيكوتين ورائحته يعبق فيهما، أذكر أن "ماغي" كانت تحب لثم أطراف أناملي، بعد أن تلعق باطن يدي وتشمها مؤكدة أن يداي أشد نعومة من يديها، ثم تقلب ظاهر كفي في محاولة منها لعد الشعيرات الغافية بأمان• أين صارت ماغي الآن؟ آخر ما قيل لي عنها إنها تزوجت أحد الدعاة، تحجبت، غيرت اسمها، وتسافر معه من بلد إلي آخر لنشر الدعوة، من المؤكد أنها نسيتني أو تناستني في محاولة لتسغفر الله عن كل أيامها معي، رغم إيمانها بثورات غيفارا، إعجابها بغاندي وترديدها أشعار نيرودا، ومحمود درويش• تغيرت ماغي منذ اللحظة التي أتت فيها إليَّ لتقول:"إن العودة إلي الأصول هي الحل"، حدث هذا بعد إدمان أخيها الوحيد علي الشرب عقب إزعانه للمشاركة في "اتفاق أوسلو" ثم دورانه في الشوارع والمقاهي، تركت ماغي البيت، تزوجت ولم تبلغني لأنها كانت تعلم أنني لست من أنصار الزواج، وكانت هي مثلي حينها. بعد ماغي مالثم أحد أطراف أناملي، ولا حاول عد شعيرات ظاهر كفي، وأنا ما عدت لأدللهما كما في الماضي• في سنة 1992 مات أخي الصغير، خلال مشاركته في حرب الخليج الثانية كان بمثابه ابني، ذهب وحده متطوعا للحرب، وجاء خبرة بلا جثة تدل علي مكان رفاته• الكلام الذي كتبته في افتتاحية الصحيفة، أقام الدنيا عليَّ، وهدد بإقالتي، وغداة سفري، جاءت الفرصة لدس ألغام عبارات أدت إلي طردي بشرف.
الأشياء تتبدل سريعا حولي، الأشخاص، المواقف، الآراء، حتي سامح صديقي القديم، المتمسك بالانتقال من بلد عربي إلي آخر بحثا عن وطن بديل، فجأة قرر الهجرة إلي أميركا، ليقينه أن هذه البلدان سيأكلها طائر الرخ• ذهبت إلي طبيبة نفسية،حكيت لها عن موت حواسي وسألتها المساعدة، طلبت مني التذكر ثم البوح لكني لم أعرف من أين أبدأ ؟ نصحتني بالحكي أو الكتابه حكيت لها عن معيشتي في المخيمات، وعن المعتقلات الإسرائيلية، أريتها جراحا في سلسلة ظهري، ثم طلبت منها المقارنة بين بشرة يدي وجلد ظهري ثم حكيت لها كيف فقدت عيني اليسري خلال الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان؟ وأنني أعيش بعين زجاجية ثم كيف أصبحت رئيس تحرير لهذه الصحيفة من عشرة أعوام؟ وكيف كنت رئيسا لصحيفة أخري؟ لكن الآن أنا فاقد لحواسي فقدتها وهذه هي مشكلتي• طلبت مني المكاشفة أكثر حكيت لها كيف كنت وسيطا في بعض الصفقات السرية بين حكام وأمراء وقاده؟ وكيف دافعت عن البعض إلي حد الاستماته لأكتشف فيما بعد مدي خطئي• الأوراق لم تعد تثيرني صرت أكتب بآليه، ربما لأن أصابعي فقدت عذوبتها ورونقها وربما لأني فقدت حواسي• لكن الآن لا أستطيع التأخر أكثر، إنها الرابعة فجرا وعلي كتابة افتتاحية صفحة الغد، إنه اليوم الأول في الانتخابات البرلمانية، وغداً سأتابع الحديث عن موت حواسي•



#لنا_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لنا عبد الرحمن - قصة قصيرة-موت الحواس