أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صالح كركر - حول مهزلة الانتخابات في تونس من جديد...















المزيد.....


حول مهزلة الانتخابات في تونس من جديد...


صالح كركر

الحوار المتمدن-العدد: 996 - 2004 / 10 / 24 - 12:34
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لقد حول الحاكم الحالي تونس إلى بلد الفضائح و العار على كل المستويات. فكل ما يحصل في بلادنا لم يعد يحصل بالمواصفات و الشروط الطبيعية و العادية مثلما تحصل به الأشياء و الأحداث في بلدان العالم الأخرى من حولنا. فكل ما يحصل من أحداث في بلادنا غدا مغشوشا و مزورا، ليس فيه ما يمت بصلة إلى الحقيقة و الواقع. و قد أصبح المرء يتفهم ويجد عذرا لؤلئك التونسيين الذين يتحرجون من التصريح للغير بأنهم من تونس لكثرة ما أصبحت تونس تعرف به لدى الغير بأنها بلد الرذيلة و الفاحشة و بلد الفضائح و الخيانات و بلد الكذب و البهتان و الباطل، خاصة على مستوى الطبقة الحاكمة. فما يصدر عن تونس، خاصة من جهة حكامها لم يعد يصدقه أحد، في الداخل كما في الخارج. كما غدت تونس قبلة الباحثين عن المتعة الهابطة و اللذة الرخيصة بفضل ما أشاعه النظام الحالي من فواحش في ربوع البلاد على طولها و عرضها، و كما يقول المثال : " الناس على دين ملوكهم "...
افتتح الحاكم الحالي ما ادعى أنه حملة انتخابية، و يا للعار لتونس من هذه المهزلة الانتخابية التي ينظمها هذا النظام المنحرف، بإلقاء خطاب كتبه له سحرته، خطابا لا يساوي قيمة الأوراق التي سودت به. و قد انتفخ كالديك الرومي خلال إلقاء خطابه و تبجح كثيرا بالإنجازات العظيمة التي حققها خلال فترة حكمه السابقة مستشهدا بأرقام ونسب، متناسيا أن أعوانه هم الذين وضعوها بإذن منه، و متناسيا على وجه الخصوص بأنه في نظر كل العقلاء كاذب، متمرس في الكذب، لا يصدقه أحد، و بشكل عام فسرده لإنجازاته لا قيمة له وهو مردود على وجهه جملة و تفصيلا ذلك لأنه سفيه و السفيه لا يعتد بأقواله وتصريحاته.
بدأ سارد الخطاب خطابه مخبرا للشعب بأنه قد تمكن من إنجاز برنامج حملته الانتخابية لسنة 1999 بنسبة مائه بالمائة. وهذا الكلام في حد ذاته دليل قاطع على كذبه المفضوح. فهو كاذب مولع بالكذب إلا أن بلاهته و نقص فطنته تتركه لا يجيد الكذب مما يترك هذا الأخير يأتي مفضوحا و مملا. فمن المعلوم أنه ليس هناك برامج في العالم تنجز مائة بالمائة في البلاد المتقدمة كما في البلاد المتخلفة على السواء. فالبرامج كما هو معلوم هي من وضع البشر، أما تطبيقها في الواقع فيعود إلى أسباب و عوامل منها ما يعود إلى إرادة البشر و أخرى خارجة عن إرادتهم. كالرغبة في الترفيع في الإنتاج الزراعي بنسبة معينة في مدة معينة، على سبيل المثال، يعود على مستوى الإنجاز إلى عوامل مادية و تقنية يمكن للبشر أن يتصرف فيها، كما يعود أيضا من جهة أخرى إلى عوامل طبيعة كالرياح والأمطار و حرارة الشمس و غيرها، ليس للبشر أدنى التأثير فيها... إلا أن صاحبنا مولع بنسبة المائة بالمائة و ما يقرب منها، فهولا يستطيع الفوز في الانتخابات الرئاسية إلا بنسبة مائة بالمائة إلا غبارا على سبيل المثال، و يا للجور و يا للحماقة و يا للعار من هذا الحاكم المستبد و من نظامه القذر...
كما ادعى سارد الخطاب أن الناتج القوم الخام للبلاد تضاعف خمسة مرات منذ 1987، دون أن يقر أن ذلك هو على مستوى الأرقام المضخمة و المزورة فقط. فقد تجاهل أن يذكر إن كان ذلك هو بالأسعار القارة لعام 1987 أم هو بالأسعار الجارية للعام الحالي 2004، كما تجاهل أن يقدم للشعب أدنى دليل على صحة ادعائه، و كأنه محل ثقة لا تناقش فيها لدى الشعب. كما ادعى قارئ الخطاب أيضا، و لست أدري إن كان يعي ما يقرأه أم لا، أن معدل الدخل للفرد التونسي ارتفع في الفترة الأخيرة إلى 3500 دينار، و هذا كلام دعائي فيه مغالطة كبيرة للمواطنين من جهات عدة. أولا، لم يحدد هذا الحاكم الجاهل هل أن الرقم هو بالأسعار القارة لسنة من السنوات أم هو بالأسعار الجارية. فإن كان بالأسعار الجارية فيعني ذلك أنه لا قيمة له إذا أخذنا بعين الاعتبار التضخم الذي حصل طيلة فترة حكمه، أي الارتفاع المهول للأسعار و ما أحدثه ذلك من تدني في القيمة الشرائية للدينار التونسي الذي فقد بحسب نظرنا بين نصف و ثلثي قيمته طيلة مدة حكمه. ثانيا، من المعلوم أن مصطلح معدل الدخل لا قيمة له في الحقيقة و لدى رجال الاقتصاد لأنه يخفي وراءه مغالطات كبرى. فمعدل الدخل ليس سوى عملية حسابية بسيطة ساذجة لا تعني شيئا لأنه ليس سوى قسمة الناتج القومي الخام إلى عدد السكان في البلاد. و قيمة الناتج القومي الخام محاطة بشبهات كثيرة على رأسها التزوير المتعمد و النفخ في القيمة لمجرد الإيهام و الدعاية. ثالثا، مجرد معدل الدخل يخفي وراءه سوء التوزيع الرهيب للدخل القومي الخام. فهب أن الناتج القومي الخام ارتفع بشكل ملحوظ، كما أراد أن يوهمنا به هذا المخلوق، فماذا عساه أن يفيدنا ذلك إن كان هذا الناتج محتكرا من طرف عدد قليل من الناس في البلاد. فإن كانت عائلات الطرابلسي و شبوب و بن على و عدد قليل آخر من العائلة الأخرى المقربة من طاقم الحكم، تحتكر نصف هذا الناتح فارتفاعه لا يفيد الأعداد الغفيرة من الفقراء من أبناء الشعب. بل على العكس يمكن من الناحية النظرية و الواقعية معا أن يرتفع الناتج أو حتى معدله و يكون ذلك مصحوبا في نفس الوقت بتوسع و تعمق رقعة الفقر في البلاد إذا ازدادت سوء حالة توزيع الثروة في البلاد سوءا كما هو الحال في بلادنا.
و افتخر تالي الخطاب بتخفيضه لنسبة النمو السكني إلى حد التصف مما وجده عليها عند توليه الحكم و قال إنه أوصلها إلى 1,08 بالمائة، معتبرا ذلك بجهل منه فتحا عظيما و كأنه قد أتى بالأسد ماسكا له من أذنه. لكن مع الأسف الشديد هذا الإنجاز العظيم ليس هو بالإنجاز بل هو تدمير للبنية البشرية في البلاد بغاية الهروب من مسؤولية إيجاد الشغل الضروري لطالبيه في البلاد و ذلك بقتلهم وهم أجنة في بطون أمهاتهم. لكن رغم ذلك هل قضى بذلك على البطالة، أو على الأقل خفف من حدتها؟؟؟ و الجواب هو لا و البطالة لا تزال حاضرة في البلاد حضورا مخيفا و ضاغطة بشدة على المجتمع أكثر من أي وقت مضى. كما أننا نسأله، و إن كنا لا ننتظر منه إجابة، بأي ثمن باهظ تمكن من هذا التخفيض في نسبة النمو السكني؟ لقد حقق ذلك بالإكراه و باستعمال وسائل التعقيم السري و الإجرامي المتعددة. فالمسألة تجاوزت حد تناول حبوب منع الحمل و حد الإجهاض، بل و حتى حد الإجهاض بالإكراه، تجاوزت كل ذلك إلى التعقيم السري للمرأة وللرجل على السواء. وقد بدأت الأخبار تروج نقلا عن أهل الاختصاص من الأطباء أن ظاهرة العجز الجنسي هي بصدد الانتشار الرهيب بين الشباب في بلادنا. و لست أحسب البتة أن كل ذلك حصل و يحصل بشكل طبيعي، إنما هو يحصل نتيجة إجرام مخطط ومبيت، و نتيجة كيد محبك ضد المجتمع و بنيته السكنية. و نذكر هذا الجاهل المجرم أن انخفاض نسبة النمو السكني في البلاد المتقدة لم تحصل أبدا بهذه الأساليب الجهنمية الخسيسة، بقدر ما حصلت نتيجة تطور القناعات الذاتية للناس و ليس نتيجة شيء آخر أبدا. كما نذكره أن انخفاض هذه النسبة غالبا ما تكون مصحوبة بتعطل حيوية المجتمع بأسره على أكثر من مستوى.
و في العموم فإن من يقرأ الخطاب يخيل إليه أن صاحبه أراد وصف وضع أرقى دولة في العالم، بل ربما وضع الجنة تماما. و لو كان ما ورد في هذا الخطاب صحيحا أو حتى قريبا من الصحيح لحسدتنا أرقى الدول على ما حققناه من إنجازات و ما أصبحنا فيه من نعم. و لكن هيهات...
و لست هنا بصدد الإجابة التفصيلية على هذا الخطاب، و الحق يقال إنه لا يستحق الإجابة لأنه ليس سوى قفة من الأكاذيب و الترهات و التمويه و المغالطات و الاستخفاف من العقلاء و التنويه بإنجازات لمتحصل بل حصل عكسها، و تغطية للشمس بالغربال. ولو كان صاحب الخطاب صادقا في ادعاءاته و ناصحا للوطن و وفيا للشعب لما غاب عنه أن يستهل خطابه بالإعلان عن توبته و بالاعتذار الصريح لدى الشعب عما اقترفه من إجرام فضيع يندى له الجبين و لم يسبق له مثيل في حق العباد و البلاد. و لما غاب عنه أن يتحدث عن الفساد المالي الذي تورط فيه و تورطت فيه بطانته والذي أتى على الأخضر و اليابس في البلاد حتى غدا أحدوثة كل التونسيين في الداخل و الخارج و حديث العديد من الأجانب، و يعترف بذنبه و يعتذر للشعب و يعلن عن توبته عن أفعاله الشنيعة في هذا المجال. و لو كان صادقا وناصحا للبلاد و العباد لكان قد صارح الشعب في خطابه عن الوضع المنهار للاقتصاد الوطني و عن إفلاس الجهاز البنكي في البلاد حتى عاد الاقتصاد الوطني بمثابة الجسم بدون دم و رفع الغطاء عن المجرمين المتسببين في ذلك. و لو كان صادقا و ناصحا لبلاده وشعبه لكان قد وضع بكل صراحة موضوع البطالة في البلاد على الطاولة وأعلن عن الأرقام الحقيقية لهذه البطالة التي غدت بمثابة السرطان الذي ينخر جسم المجتمع و يدفع بآلاف الشباب إلى الإلقاء بأنفسهم في البحر و إلى الموت المحقق نتيجة اليأس من إيجاد الشغل و الكرامة في ظل نظامه القائم في البلاد و لحدثنا عن تفشي البطالة بين الخريجين الجامعيين من الشباب. و لو كان حاكما صالحا، ناصحا لشعبه لكان قد حدثنا عن الانحراف و الجريمة التي استقطبت الأعداد الغفيرة وانتشرت بشكل مهول في كل الأحياء وفي كل أنحاء البلاد. ولو كانت نيته صادقة و كان يريد الخير للشعب و للبلاد لكان قد صارح الشعب بالمبررات الحقيقية التي تركته يبقي على المساجين السياسيين إلى هذا اليوم في سجونه في ظروف قاسية من أجل التشفي والانتقام منهم ومن عائلاتهم، و إذا كان ظالما لهم و مستبدا عليهم، وهو ما نحسبه دون لأدنى أي شك، لكان قد وجب عليه الاعتذر عن ذلك بكل شجاعة و رجولة لهم و لذويهم وللشعب و أطلق سراحهم و عوض لهم عن الأضرار المادية و المعنوية التي لحقت بهم دون أي تأخير آخر. ولو كان هذا الرجل صادقا و متمسكا بالحكم من أجل مصلحة الشعب و الوطن لكان قد كشف الغطاء عن سر اعترافه وتحالفه مع الكيان الصهيوني في تناقض تام مع إرادة الشعب الذي يكفر بالصهيونية و برائحة الصهاينة...
يبدو أن هذا الحاكم المستبد و المتعجرف مصر على غيه ماض في ضلاله لا تحضره نية التوبة والرجوع إلى الجادة و الاعتذار إلى الشعب و إلى كل الذين تضرروا من حكمه و عانوا من ظلمه و جوره الأمرين، و هذا طريق الأشقياء و العياذ بالله.
إن تونس الحبيبة تشكو من العديد من المشاكل و القضايا العويصة نتيجة ما صنعه الحكم الفاسد المستبد. و اليوم يقرر هذا الحكم المتعفن من جهة واحدة التجديد لنفسه، ضاربا عرض الحائط بإرادة الشعب و متنصلا من كل هذه المشاكل العويصة التي تنخر جسم الاقتصاد الوطني و جسم المجتمع التونسي بأسره رغم أنه هو المسئول الأول عنها. و هذا الوضع المتردي يستوجب وعيا و يقظة من طرف الشعب و عزما وتصميما على المسك بتقرير مصيره بيده و التعويل على النفس بعد الله تعالى، و تنظيم صفوفه و وضع برامجه و رفع صوته عاليا بالرفض لهذا النظام الفاسد المتعفن، و النزول إلى الشارع في حشود سلمية من أجل الإطاحة بهذا النظام الاستبدادي و تعويضه بنظام وطني ديمقراطي. و لست أقول ذلك من موقع الناصح المتفرج بقدر ما أقوله من موقع المناضل المصمم و المستعد لكل التضحيات ولكل ما تتطلبه قضية البلاد و الشعب.

و إذا كان النظام الاستبدادي المتعفن قد جنا على البلاد بالانحراف و الفساد و الخزي و العار، فإن هناك معارضة ما في البلاد، أو أناس يحسبون أنفسهم كذلك، هم بدورهم ألحقوا الخزي و العار بالبلاد. فالمعارضات الوطنية الصميمة هي تلك المعارضات التي تناضل بجد و صدق من أجل مصلحة و عزة أوطانها و شعوبها، أما المعارضات المغشوشة و الخائنة فهي تلك المعارضات التي تستعمل بدون استحياء هموم شعوبها للاتجار بها بأثمان بخسة من أجل قضاء مصالحها الخاصة و الخسيسة. والجزء الأوفر مما يسمون أنفسهم معارضة في تونس هم من هذا النوع الخسيس، هم من معارضة الأطماع و قضاء المصالح و ابتزاز الأموال من الخارج بسم الشعب كذبا و بهتانا، و معارضة الخيانة وربط العلاقات المشبوهة و التحالف مع أعداء الوطن ومعتقده و ثقافته. إن ما يسمى بالمعارضة اليسارية في تونس هي بدل أن تكون منقذا للبلاد هي في الواقع وزر وكارثة على البلاد و عيون الخارج و الأعداء في الداخل وأداة المسخ و التفسخ في المجتمع وقناة القمامة والأفكار الواردة عليه. وهي بذلك عار وخزي على البلاد، وهي أقل وأشد انحطاط من المعارضة العراقية أيام صدام والتي انتهت بها خيانتها لوطنها و للشعب العراقي أن فتحت أبواب البلاد على مصارعه أمام المستعمر الأمريكي و حلفائه. إن المعارضة الحمراء في تونس بشهادة الشعب و التاريخ لا تمتلك ذرة من الوطنية و لا من الغيرة على الوطن و لا من الحرص على مصلحته. إن كل ما يدفعها إلى الحركة هو فقط مصلحتها المادية الخاصة، وهي مستعدة للتحالف حتى مع الشيطان متى ضمن لها مصلحتها. و من خبث هذا اليسار الماكر تراه حاضرا في صلب السلطة متغلغلا في مواقع حساسة منها في الحكومة نفسها و في أعلى سلم الجهاز الأمني و في مواقع القرار من الجهاز التربوي و التعليمي. وهو متواجد في ما يسمى بالمعارضة المعتدلة المتعاونة مع السلطة من مثل حزب التجديد، الحزب الشيوعي سابقا، و مبادرته الديمقراطية. كما هو متواجد في ما سموه بالمعارضة المتجذرة من خلال حزب العمال الشيوعي التونسي، وهو ماسك بالنسيج الجمعياتي في الداخل و الخارج. و على هذا الأساس من المكر و الدهاء يستطيع اليسار أن يتلون ككل منافق بكل الألوان و يلعب جميع الأدوار و يستفيد من جميع الظروف و الحالات !!!
و نضرب مثلا على ما ذكرنا ما قامت به لجنة احترام الحريات و حقوق الإنسان في تونس يوم 16 أكتوبر الحالي تعتبر لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس أحد الجمعيات العديدة المتمركزة في فرنسا وهي من الجمعيات التي وضعها هذا اليسار في الداخل و في الخارج لينشط من خلالها و يجمع بواسطتها الأموال من مختلف الجهات الخارجية على وجه الخصوص بسم دعم المعارضة التونسية، و يوهم بها مختلف الجهات في الخارج بأنها هي التي تمثل المعارضة التونسية. و يرأس هذه اللجنة شخص نكرة لا يعرفه في الداخل إلا أهل اليسار، أما الشعب التونسي فهل لا يسمع به و لا يمثل لديه شيئا. وقد نظمت هذه اللجنة يوم16 أكتوبر الجاري لقاء دعت إليه ممثلي بعض الجمعيات اليسارية في الداخل و كذلك ممثلي بعض الدكاكين الخربة للمعارضة التقليدية الواهية والواهنة في بلادنا. وقد كان غالبية الحاضرين من اليسار بطبيعة الحال فإن لا يمثلون إلا غبارا في المجتمع التونسي فهم يقدمون أنفسهم زورا و بهتانا كأغلبية بين المعارضة في تونس لكثرة ما وضعوه من جمعيات، و قد كان غالب ما حصل من كلام خلال هذا اللقاء هو من قبيل ما عبر عليه المثال التونسي: "جناح يغني و جناح يرد عليه". كان كل الكلام بدون ذنب و لا رأس، ليس فيه واضحا إلا قلة الوضوح، أللهم إن كان حقدا مقنعا تارة و صريحا أخرى ضد الإسلام والإسلاميين.
اجتمع ضيوف السيد كمال الجندوبي بدون برنامج مسبق و بدون جدول للأعمال للقائهم الذي استمر حسب قوله حوالي خمس ساعات كاملة. وتدخل كل ممثل جمعية أو حزب بما جادت عليه قريحته من كلام فارغ و حضره من هراء غير مسئرل، فكان خليطا من الكلام لا يختلف كثيرا في الشكل على الأقل عن كلام رواد المقاهي. فكان هناك من ألح على مقاطعة المهزلة الانتخابية من مثل السيد المنصف المرزوقي، و كان هناك من أطنب في التدليل على أهمية المشاركة من مثل ممثل حزب التجديد الشيوعي و ممثلة المبادرة الديمقراطية التي وضعها نفس الحزب، و كذلك السيد نجيب الشابي رئيس الحزب التقدمي الديمقراطي، أما المرأة اللعوب، صاحبة الانقلاب الدموي داخل المجلس الوطني للحريات، السيدة المحترمة كثيرا سهام بن سدرين، فقد تحولت في حركة بهلوانية غريبة من موقع المقاطعة لمهزلة الانتخابات إلى موقع مساندة المشاركة و الدفاع عنها. و قد حير هذا التغير المفاجئ في موقفها الحاضرين، بما فيهم السيد كمال الجندوبي صاحب الدعوة رغم أنه هو نفسه من أنصار المشاركة، و قد أمضى في قائمة مساندة للسيد محمد علي الحلواني بطل المبادرة الديمقراطية. بينما الأمر لا يستحق الحيرة، إذ أن السيدة المحترمة سهام بن سدرين هي امرأة مسيرة وليست حرة مخيرة، فقد تكون تعليمات نزلت لها من فوق تأمرها بتغيير موقفها، و قد يكون صكا ثقيلا سقط بين يديها أجبرها على تغيير موقفها، و مهما يكن من أمر فالسياسة التي تؤمن بها هذه المرأة هي سياسة مصالح ولم تكن أبدا سياسة مبادئ. وهناك من ذكر من جديد باستحالة تعامله مع حركة النهضة، و كأنه صاحب الأغلبية في البلاد و سواد الشعب التونسي ملتف حوله. و الكل اعترف بالهوة الرهيبة التي تفصلهم عن الشعب و همومه، و طالب بعضهم بإجراء أبحاث و تحاليل للتعرف على الأسباب الحقيقية لهذه الهوة الرهيبة التي تفصلهم عن الشعب...
كان كلامهم كثير، لكنه فارغ لا قيمة له لأنه لم يتناول القضايا الحقيقية للمجتمع و للبلاد، وهو كلام أجوف أيضا لأنه غير ممنهج لأن الهدف من اللقاء لم يحدد ولا الهدف المرحلي الذي يراد الوصول إليه في البلاد لم يحدد أيضا. و في غياب الأهداف تكون الوسائل و تحديدها و شرحها بطبيعتها غائبة هي الأخرى. لكن رغم ذلك فهناك هدف واضح أمام منظم اللقاء. و قد صرح هو بنفسه في نهاية اللقاء أن هذا الأخير قد حقق هدفه. وهو ليس شيئا آخر سوى أن المنظم للقاء قد نجح شكلا، على الأقل، في استجلاب عدد ممن يدعون أنهم وجوها للمعارضة للمشاركة في لقائه وهو بيت القصيد، من جهة كون ذلك سيبرزه وجمعيته كرمز للمعارضة التونسية و هذا يصلح كثيرا لابتزاز الأموال و جمع الثروات الفاحشة، موظفا لتحقيق تلك الغاية هموم الشعب التونسي. و لا بأس في إنفاق القليل من الأموال في شراء التذاكر و المشروبات و كراء غرف النزل وغيرها من النفقات إذا كان ذلك يدر على أصحاب اللجنة الأموال الوفيرة بعد ذلك.
و من المعلوم أن السيد كمال الجندوبي هو أبعد ما يكون أن يكون رقما سياسيا معتبرا في المعادلة السياسية للبلاد التونسية، لا اليوم و لا غدا. إذن فالرجل ليس له أدنى اعتبار سياسي، و كل أولئك الذين استجابوا لدعوته، خاصة من غير اليساريين المعلنين، من أمثال السيد المرزوقي وممثل النهضة الذي هو في الحقيقة لا يمثل إلا نفسه و ربما بعض الأفراد الآخرين، فقد بينوا عمليا أنهم أقل قيمة سياسية من السيد كمال الجندوبي منظم اللقاء. و صدق المثل العربي القائل :"إذا كان الغراب إمام قوم مر بهم على جيف الكلاب".
و كالعادة فهؤلاء المجتمعين الديمقراطيين كثيرا لم يقدروا ولم يطيقوا مجرد وضع إمضاءاتهم كلها على بيان واحد. فزمرة الحمر تمتنع دائما على وضع إمضاءاتها إلى جانب إمضاء حركة النهضة بينما هذه الأخيرة بسبب سذاجة المتكلمين بسمها اليوم تصر على التودد و التذلل لهم. و أنا أعد هذه الزمرة الحمراء المارقة أنهم سيندمون كثير عن غيهم يوم لا ينفعهم الندم.

و هنا أسأل الشعب التونسي بكل شرائحه أي الطرفين أشد قذارة و أكثر فساد و أخطر على البلاد اليوم و غدا، النظام المتعفن و الخائن أم هذه المعارضة الواهية والمتهالكة؟؟؟

ونذكر مجددا بهذه المناسبة أننا سنبقى حربا ضروسا ضد النظام المتعفن حتى يسقط بإذن الله تعالى. و سنبقى أيضا حربا لا تبقي و لا تذر ضد هذه المعارضة معارضة النفاق و العجز والخيانة و التبعية والذل والجمود و التنكر لذات البلاد والشعب و ثقافة الوطن حتى تغيب بالكامل عن الساحة السياسية تاركة المكان لمنظومة سياسية جديدة ونظيفة و مشرفة للبلاد. و نحن مقتنعون أن التحالف الوهمي لهذا اللفيف المتناقض الذي ليس له ما يوحد بين أطرافه، سوف يعيننا بإذن الله على تحقيق ما نريد. و من يعش سوف يرى بإذن الله تعالى.

صالح كركر
22 أكتوبر 2004



#صالح_كركر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حظر بيع مثلجات الجيلاتو والبيتزا؟ خطة لسن قانون جديد بمدينة ...
- على وقع تهديد أمريكا بحظر -تيك توك-.. هل توافق الشركة الأم ع ...
- مصدر: انقسام بالخارجية الأمريكية بشأن استخدام إسرائيل الأسلح ...
- الهند تعمل على زيادة صادراتها من الأسلحة بعد أن بلغت 2.5 ملي ...
- ما الذي يجري في الشمال السوري؟.. الجيش التركي يستنفر بمواجهة ...
- شاهد: طلاب جامعة كولومبيا يتعهدون بمواصلة اعتصامهاتهم المناه ...
- هل ستساعد حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة أوكرانيا ...
- كينيا: فقدان العشرات بعد انقلاب قارب جراء الفيضانات
- مراسلنا: إطلاق دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة ...
- -الحرس الثوري- يكشف استراتيجية طهران في الخليج وهرمز وعدد ال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صالح كركر - حول مهزلة الانتخابات في تونس من جديد...