هنا كوبا

أمجد شبيطة

الحوار المتمدن-العدد: 995 - 2004 / 10 / 23 - 14:49
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

من رحم البحر لتلاطم المخرز: سادته، سياسته وساديته:
هنا كوبا (1-2)
انطباعات وبلاغات من هافانا حملها
مندوبو الحزب الشيوعي الاسرائيلي الى هناك
تسجيل:أمجد شبيطة
(عن صحيفة الاتحاد الحيفاوية)

لا بد أن تأخذ الأمور منحى اخر عند الحديث عن دولة من نوع اخر، من ذاك النوع المشاكس الشرس، الرؤوم الرؤوف والند الند.
أصلا، لا مفر للحديث الا الفرار المغامر، المهاجم أماما وأعلى، رنوا نحو تلك الكف الكوبية، تلك الفتية النابتة أبدا من رحم البحر لتلاطم المخرز: سادته، سياسته وساديته.
مصممة تلك الجزيرة الشائكة حبا وطواعية، على أخذ دورها الذي اختارت منذ نصف قرن ثائر، لم تكف فيه عن مد لسانها، ارباكا ولخبطة للايقاع العالمي "المرتب" الرتيب ، بما تحمله هي من طبول هندية بدائية قديمة قد تكون أهم ميزها الأصالة..
وما دامت كذلك، وما دامت قادرة على احراج الرب الامريكي للعالم العصري الحضاري في الشمال. تماما، كالحاح الشجيرة "المجنونة" على تسلق جدران بيت السيد المضيف، الابيض ذي الغليون الاسود، لتطرق الشباك افسادا للجو المفرط رهافة، وتفزع الضيوف بقولها "هنا انا وهنا أخواتي نتعمشق ما نلناه من نصيب الوأد في الساحة الخلفية للدار".تربك المضيف، وتوفر للضيوف حيزا من الهمز واللمز والشماتة.. ما دامت كذلك، لم لا تظل نكهة زيارتها عالقة في وجدان وقلوب زوارها، ممثلي الحزب الشيوعي الاسرائيلي؟ بل هي كذلك وهم أيضا يحملون شيئا من الهمز واللمز والشماتة بالسيد الابيض، وكثيرا، كثيرا جدا من المعزة والكبرياء احتفاءا "بالرفيقة المجنونة"..

كوبا والصوت الوسام
بوسع السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسرائيلي عصام مخول، ان يقاسم رفيقيه د.عفو اغبارية وافرايم قصاب القياديين في الحزب الشيوعي، ذكريات متميزة من زيارتهم الأخيرة لهفانا، فهم –وإن تأخروا بتلبية الدعوة- قد حظيوا في المطار باستقبال رسمي كتلك المخصصة للوفود الدولية، وقوبلوا بالترحاب الحار من الحزب الشيوعي الكوبي والدولة الكوبية، كما بوسعهم التغني بتلك الحياة الهادئة المتميزة في هفانا، وان بدت متقشفة للبعض بتواضعها، الذي لم يحرم أحدا لقمة العيش الكريمة والصف التعليمي ومكان العمل وغرفة العمليات، طبعا دون أن تلاحقه عقدة الاعتذر. طبعا يحق لهم التشرف أيضا بما نالته زيارتهم من تغطية اعلامية واسعة وما قاموا به اجتماعات كثيفة مع قيادات الحزب والدولة الرفيعة في كوبا ورفيقتها الثائرة، فينزويلا.
يحق لهم الافتخار بكل كبيرة وصغيرة كوبية، لكن أروع ما يفاخر به مخول هو ما اعتبرته كوبا نفسها "وسام شرف على صدرها". "وصل بعد يومين وفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة تيسير قبعة نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني والمحامي زهير الخطيب المستشار القضائي للرئيس عرفات، وقد تمكن الناس هناك، من سماع موقف اسرائيلي فلسطيني متشابه ضد الحرب ومن أجل السلام" يقول مخول ويضيف " هذا اللقاء يحمل دلالة عميقة، دلالة أن ينطلق الصوت الهقلاني السلامي في الشرق الاوسط من كوبا في قلب امريكا اللاتينية والرازحة تحت الحصار الامريكي الارهابي. وقد اعتبرت كوبا نفسها هذا اللقاء بالاخوة من منظمة التحرير وما رافقه من خطاب انساني أصيل اعتبرته وسام شرف لها".

كوبا الصمود والاسطورة
لم يغض الضيوف هواجسهم عن المضيفين وسألوهم الى أي حد تستطيع كوبا المواصلة والتحدي وحمل جمرة الثورة؟ وفي المقابل لم يخف المضيفون المصاعب التي تواجهها كوبا جراء الحصار الامريكي البشع، "أجابونا بشكل واضح وقاطع ان كوبا لن تتنازل عن انجازات الثورة ولن تسمح للولايات المتحدة باعادة العجلة الى الوراء، وقالوا ان انهيار المعمورة الاشتراكية اثقل على كوبا بعدما خسرت ما كانت توفره لها هذه المعمورة بقيمة 8 مليارات دولار في العام الواحد."ويشدد افرايم كتساف على ان الكوبيين استطاعوا الصمود بارادة فولاذية ولكن أيضا بتخطيط مهني ودقيق يجعل كوبا اليوم مستعدة لمواجهة أي محاولة امريكية احتلالية ولمرحلة ما بعد كاسترو "لا يخفي الكوبيون ان بوسع امريكا تفجير كوبا لكنهم يقولون ان محاولة احتلالها ستكون مأساوية فقد قسم النظام كوبا الى عدة دويلات صغيرة، وبنى كوبا اخرى تحت الارض ويقوم بين الحين والاخر باجراء تدريبات وقائية للسكان يشارك فيها أكثر من 90% منهم." أما مخول فيقول "الشعب الكوبي كله في حالة استنفار وتأهب حتى البنتاغون نفسه يتوقع سقوط كثر من 11 الف جندي امريكي في محاولة احتلال كوبا، فالناس هناك سعيدون بوضعهم مقارنة بما كان عليه قبل الثورة ومقارنة ببقية دول امريكا اللاتينية والعالم الثالث. صحيح ان حياة الناس متواضعة وبسيطة الا ان 80% من الكوبيون يملكون بيوتهم وكلهم يحظون بالدراسة المجانية حتى في التعليم العالي ومن ضمان العلاج الصحي الوقائي.

أدوية عالمية، وامية كالفقر معدومة
لم يثن الحصار الاقتصادي (المتمثل بمعاقبة قد تصل حد المقاطعة أي دولة او شركة تقيم معها العلاقات الاقتصادية) كوبا عن مواصلة السير في موكبها الحضاري العلمي وان ثقلت الخطوات، دون ان يهتز اتآدها ففي كوبا اليوم لا وجود لخط الفقر، لا توجد عائلات فقيرة وذلك وفق احصائيات عالمية رسمية كما انه ليس في كوبا اي نسبة تذكر من الامية، فمنذ اندلاع الثمرة الشيوعية فيها ارتفعت نسبة المتعلمين الى 97% بين البالغين.
عن جهازي التعليم والصحة يحدثنا د.اغبارية "التعليم مجاني للجميع وهو الزامي حتى الاعدادية وفي الثانوية هنالك مجال للالتحاق بالمدارس النظرية او التكنولوجية كما ان التعليم العالي بما في ذلك الطب مجاني، وأكثر من ذلك فالطلاب يحصلون على مبالغ بسيطة للمصروف الذاتي اضافة الى السكن وكل ما لزمهم." كما يذكر اغبارية ان هنالك تحديدا لعدد الطلاب في كل صف، ففي المدارس الابتدائية العدد الاقصى لا يتجاوز الخمسة عشر طالبا في الصف، ولا يتجاوز عددهم العشرين في المدرسة الاعدادية."
وعن القفزة الكبيرة في المناهج التعليمية يضيف مخول من جهته انها تتميز بنظرة اخرى الى المعلم فهي لا تتعامل معه كمصدر للمعلومات بل كموجه لاستخدام المصادر المتوفرة في الصفوف كالحاسوب والتلفزيون
"كوبا هي الدولة الوحيدة في امريكا اللاتينية التي تملك اكتفاءا ذاتيا من الاطباء، ففيها 62 الف طبيب، من أصل 11 مليون مواطن كوبي"، وهنا يضع اغبارية مقارنة بسيطة بين كوبا العالم الثالث واسرائيل ما يسمى بالعالم الاول "وفي اسرائيل هنالك 32 الف طبيب من أصل 6.7 مليون مواطن مما قد يعني بان نسبة الاطباء متساوية ولكن يجب الانتباه الا ان كافة الاطباء الكوبيين خريجو بلادهم بينما في اسرائيل عدد كبير ممن وصلوها اطباء من اوروبا مما يعني ان كوبا تنتج نسبة اكبر من الاطباء".
وماذا عن صناعة الادوية؟!
د. اغبارية: "في زيارتنا لأحد معاهد البحثية تبين لنا ان غالبية كوبا تقوم بتصنيع غالبية الادوية بنفسها، بينما تستورد نسبة بسيطة من دول أوروبا. كما قاموا بتطوير أدوية جديدة غير متوفرة في الغرب، منها أدوية لعلاج الايدز وسرطان الرئة وتطوير مصل للتحكم بنسبة الكوليسترول في الدم، وهو ما تحتاجه الدول المتطورة على وجه الخصوص".
هنا يوضح افرايم قصاب ان كوبا المحرومة من تصدير هذه الادوية عن طريق الشركات الكبيرة، تقوم ببيعه بمخسر للدول الفقيرة العاجزة عن تحصيل الادوية الغربية فاحشة الاسعار، ويضيف قصاب ان امريكا نفسها لا زالت عاجزة عن مقاطعة كوبا كليا، فهي التي تحرم الاخرين من نعم كوبا قامت خلال السنوات الاربع الاخيرة بشراء الادوية من كوبا بقيمة 12 مليار دولار!!.

كوبا، فنزويلا والصبح
عن زيارة الوفد الخاصة للسفير الفنزويلي في كوبا، ادم شافيز، ابان زيارة وزير الخارجية الفنزويلي لكوبا قال مخول "ذهبنا لنهنئ فنزويلا بالانجاز العظيم بالستفتاء الشعبي الذي وجه صفعة للولايات المتحدة التي تهم بالانقضاض على التجربة الثورية الفينزويلية". كما يتحدث مخول عن العلاقة المتميزة التي تربط هاتين الدولتين الثائرتين على الطاغوت الامريكي، ففي حين تبعث كوبا لفينزويلا 11 الف طبيب، تقوم الاخيرة بتوفير نصف احتياجات كوبا من النفط وفق ظروف مريحة.
يضيف مخول "كوبا مهتمة جدا بالحفاظ على علاقات سياسية اقتصادية دول أمريكا اللاتينية فهي لم تكتف بما يكفيها من أطباء منتشرين في العاصمة والريف دون نقصان، انما ذهبت الى تصدير 29 الف طبيب، يرافقهم 3 الاف مساعد يتقاضون الاجر منها ويقيمون على نفقتها في دول امريكا اللاتينية وافريقيا الفقيرة لخدمة تلك الشعوب. اضافة الى ذلك فان كوبا في هذا العام على موعد مع الفوج الاول من الاطباء خريجي المعهد الطبي اخاص الذي اقامته كوبا منذ العام 96، لاستيعاب الطلاب من كافة الدول الفقيرة، ومجانا" يقدر عدد اولئك الخريجين بحوالي 1200 طالب.
ويشير مخول الى ان كوبا تشترط لدى استقبال اولئك الطلاب شرطا واحدا فقط، ان يكونوا من أشد الطبقات فقرا وان يتعهدوا بالعودة بشهاداتهم الى بلادهم لاستثمار طاقاتهم هناك.
وعن أهم ما سمعه الوفد من السفير الفينزويلي، يقول قصاب انه تمحور حول الحقد العارم بصورة غير في امريكا اللاتينية ضد العنف الامريكي وحربجياته.

عن أهمية الزياة وخصوصيتها
أما الان وبعد تجرع تلك الوجبة الدافئة عن شؤون كوبا وظروفها، فلا بد من العودة الى الحديث عن زيارة الوفد ونشاطاته في كوبا. "هنالك أمية كبيرة لتبادل وجهات النظر كونيا ومنطقيا"، يقول مخول مضيفا "وخصوصا ان المنطقتين ملتهبتان والتطورات السياسية فيهما قد يكون لها أبعاد مباشرة، الواحدة على الاخرى، خاصة في ظل الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة على العالم ليكون الشرق الاوسط ركيزة أولى لوضع أقدامها بقوة، ومنطقة امريكا اللاتينية والوسطى لوضع قدمها الثانية".
"مع كل الوضع الملتهب واستمرار الاحتلال ومع الحرب على العراق وما أنتجته من وضع عالمي جديد تحاول الولايات المتحدة ان تضمن سيطرتها على العالم من خلال السيطرة على مراكز النفط، هذه بؤرة والبؤرة الثانية هي في العلاقات مع كوبا والحصار الذي ربما يسمى حصارا مخففا مع ان ما يجري هو تدخل بالشؤون الكوبية وارهاب بحق كوبا والشعب الكوبي، وفي كلا المنطقتين تستغل الحرب على الارهاب من أجل شن الحرب على الشعوب والديمقراطية. وهذا ما جعل الزيارة والمداولات مثيرة جدا وقد ربطت الحبال بين الشرق الاوسط وامريكا اللاتينية واعطى بعدا اوضح للاوضاع.

#أمجد_شبيطة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات