أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أبراهيم حميد - الإرهاب في العراق















المزيد.....


الإرهاب في العراق


أبراهيم حميد

الحوار المتمدن-العدد: 994 - 2004 / 10 / 22 - 08:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ا
لقد قرأت الرسالة المفتوحة الموجهة من قبل الدكتور الفاضل كاظم حبيب إلى السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي المؤقت. وانا إذ اؤيد بصورة عامة الجهود المشكورة والشجاعة من لدن االدكتور الفاضل في وضع النقاط على الحروف والخروج ببرنامج عمل من شأنه الخروج بشعبنا من المأساة التي تلم به. وهذا البرنامج الكبير سيشكل تحولاً جوهرياً في حل ازمتنا، لو قرأه المسؤولون وسمح لهم بتطبيقه. ألا انني اريد ان انتهز هذه الفرصة لكي اشير الى بعض المسائل التي تجنبها هذا البرنامج. وفي رأيي ان اي برنامج تسطره ايد واقلام عراقية يجب ان يأخذ بالدرجة الأولى مصلحة شعبنا العراقي. ولهذا السبب فان الطلب بـ " ضرورة إيقاف الضربات العسكرية الجوية ضد دور الفلوجة ومدينة الثورة ببغداد" لأن " هذه العمليات تثير المزيد من البشر وتحركه في معاداة الولايات المتحدة وتزيد من غضـ[ب] الجماهير, خاصة وأن عدداً غير قليل من القتلى والجرحى هم من المدنيين من غير الإرهابيين." كما ورد في المادة 13 ، يبدو لمن لايعرف المكانة النضالية للدكتور الفاضل بان همه الأول هو سمعة القوات الأمريكية وبالدرجة الثانية كون القتلى من المدنيين ... الخ. اننا يجب ان نستنكر بكل شدة وبدون اي تحفظ الضربات العسكرية الجوية ضد دور الفلوجة ومدينة الثورة وسامراء والنجف وكل الأحياء المدنية اينما كانت. وبلأخص عندما تأتي هذه الغارات في الليل وبدون انذار. هل تعتقد مثلاً بأن هذه الغارات ستجري لو تأكد لقوات الإحتلال تواجدج شخص واحد من الرهائن (الأميريكان) في المنطقة ؟. فكيف لو كان هنالك اطفال ونساء ورجال ابرياء؟. ولكن هذه هي ليست النقطة التي كنت اود اثارتها معكم. انني ارى بان اي برنامج للخروج من مأساتنا سوف يبقى مبتوراً اذا لا ياخذ بنظر الإعتبار الهدف الستراتيجي الأمريكي في الحرب الدائرة الآن في العراق.

فالأميريكان اعلنوا سياستهم عدد لا يحصى من المرات. وهي تتلخص حسب تعبيرهم في:

1. ان الحرب مع الإرهاب حربا عالمية ودائمة حتى القضاء على القوى الإرهابية في العالم كله.
2. ان العراق يشكل الخط الأمامي لهذه الحرب.
3. اننا (اي الأميريكان) نحارب هذه القوى الإرهابية في العراق وافغانستان وغيرهما لأننا لن نريد ان نحاربهم على شوارعنا ومدننا.
لقد قالها جورج بوش في خطابه الموجه الى" الأمة" في 7/9/2003 حيث قال:

" …. And the surest way to avoid attacks on our own people is to engage the enemy where he lives and plans. We are fighting that enemy in Iraq and Afghanistan today so that we do not meet him again on our own streets, in our own cities. ……. "

" ... وان اكثر الطرق فعالية لتجنب الهجمات على شعبنا هو مواجهة العدو في المكان الذي يسكن ويخطط فيه. اننا نحارب هذا العدو في العراق وافغانستان اليوم لكي لا نلاقيه مرة اخرى في شوارعنا وفي مدننا. ...."

وآخر مرة اعلنت فيها هذه السياسة (قبل كتابة هذا التعقيب) كان في ندوة المواجهة بين بوش وكيري التى جرت يوم الجمعة 30ايلول 2004. كما انه اعلن هذه السياسة في مرات عدة على مر الأيام منذ ان " تحرر" العراق. فمثلاً عند الترحيب برئيس وزرائنا اياد علاوي في البيت الأبيض، قالها بوش بدون خجل او حياء:

"…… the war in Iraq now is not only an Iraqi war, it is a war for the civilized world to fight terrorists and terrorism, and there is no route but the route of winning. …. If we stop fighting the terrorists in Iraq, they would be free to plot and plan attacks elsewhere, in America and other free nations. To retreat now would betray our mission, our word, and our friends.

" ..... إن الحرب في العراق ليست حربا عراقية فقط ، بل هي حرب من اجل العالم المتحضر ضد الإرهابيين والإرهاب. ولا يوجد طريق سوى الفوز. ....... إذا توقفنا من محاربة الإرهابيين في العراق سيكونوا احراراً في التخطيط وتنفيذ الهجمات في اماكن اخرى في الولايات المتحدة والأمم المتحررة الأخرى. إن الانسحاب من العراق الآن سيكون خيانة لمهمتنا وكلمتنا واصدقائنا "

وفي خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة قال بالحرف الواحد:
Coalition forces now serving in Iraq are confronting the terrorists and foreign fighters, so peaceful nations around the world will never have to face them within our own borders.
اي " ....... ان قوات التحالف التي تخدم الآن في العراق تواجه الإرهابيين والمقاتلين الأجانب، لكي تتجنب الأمم المسالمة في كافة انحاء العالم من مواجهتهم داخل حدودنا ..... "
اي ان المطلوب بل المرسوم لبلدنا هو ان يستضيف هذا النوع من النزالات المخربة. وبمعنى آخر: لقد تقرر ان يستعمل بلدنا من قبل المحتلين واعوانهم كميدان للحرب المتعمدة الجارية بينهم وبين من يودون ان يسمونهم بـ"الإرهابيين". و "الإرهابيون" هي كلمة مطاطية ذات ازدواجية انتهكت وساء استعمالها بحيث اصبحت لا تؤدي المفهوم اللغوي الذي يقترن بها. فتواجد الإرهابيين في العراق والأعمال الإجرامية التي يقومون بها هي عينها التي كان يزاولها امثالهم في فرنسا، بلغاريا، اسبانيا وغيرها من بلدان اوروبا (اثناء الإحتلال الألماني)، ايرلندا، فيتنام، افغانستان .... ممن كانوا يلقبون بـ"الإرهابيين" من قبل جانب و بـ"اللمناضلين " و"المجاهدين" من قبل الجانب المعاكس. وخاصة عندما يصب هؤلاء "الإرهابيون" حقدهم ضد الحكومات العميلة التى ينصبها المحتلون. ونحن كعراقيين يهمنا بالدرجة الأولى سلامة وسعادة شعبنا، يجب ان نقف ضد هذه الأعمال الإجرامية من قوى الإرهاب مهما يكن مصدرها، كما حللها الدكتور بابعادها ومصادرها تحليلاً دقيقا. ولكننا يجب ايضاً ان لا نستحي من الوقوف ضد ذلك الإرهاب الاوسع نطاقاً والأكثر امكانية و تدميراً الذي يأتي ليلاً ونهاراً على متن الطائرات المقاتلة والدبابات. ذلك الإرهاب الذي يهدم البيوت ويحرقها بمن فيها،بحجة كونها من بيوت "الزرقاوي" الذي تحول الى بعبع اسطوري. لقد اصبح يكفي الآن لحرق اي بيت عراقي برجاله ونسائه واطفاله وحيواناته بهذه الذريعة الباطلة. وحتى لو كانت هذه الذريعة حقيقية، يبقى ضرب البيوت وساكنيها بهذا الأسلوب الفج، عملاً بربرياً وابطاله مجرموا حرب.

والنقطة الثانية تخص المصداقية التي نتعامل بها مع انفسنا بالدرجة الأولى ومع شعبنا الذي تعود من حكامه على الكذب والنفاق والحقائق المبتورة والمقلوبة على مر السنين. وكنموذج لهذه المصداقية المتدنية، نورد المثال التالي:
في 22/ايلول 2004 يقف رئيس الوزراء العراقي امام مجلس الكونجرس ليعلن:

In Samarra, the Iraqi government has tackled the insurgents who once controlled the city.

Following weeks of discussions between government officials and representatives, coalition forces and local community leaders, regular access to the city has been restored. A new provincial council and governor have been selected, and a new chief of police has been appointed. Hundreds of insurgents have been pushed out of the city by local citizens, eager to get with their lives.

Today in Samarra, Iraqi forces are patrolling the city, in close coordination with their coalition counterparts.

في سامراء قامت الحكومة بمعالجة المتمردين الذين سيطروا مرة على هذه المدينة.

بعد اسابيع من المحادثات بين مسؤلين من الحكومة وقوات الإئتلاف وقادة السكان المحليين، تم استعادة امكانية الدخول المنتظم الى المدينة. وتم اختيار مجلس محلي جديد ومحافظ. كما تم تعيين مدير عام جديد للشرطة. وقد تم ازاحة المئات من المتمردين خارج المدينة من قبل المواطنين المحليين المتحمسين لمواصلة معيشتهم.

واليوم في سامراء، تقوم القوات العراقية بخفارة المدينة بتنسيق محكم مع نظيرهم من الإئتلاف.

فكيف يمكن لهذا الكلام ان يتوازن مع المجزرة الكبيرة التي ارتكبت في سامراء بعد اسبوع واحد من هذا الأعلان الواضح؟

ولكن انخفاض المصداقية هذا يقترن ايضاً بعنصر آخر اكثر ترسخاً لدي الجماهير الشعبية. الا وهو عدم الثقة بالمسؤولين واتهامهم بعدم الحرص على مصلحة البلد وسلامة المواطن العراقي. ولم يحصل لحد الآن ما يشير الى تغير مهم في سمة المسؤولين. فمثلاً تألف مجلس الحكم الوطني وعقد الإجتماعات تلو الإجتماعات. ولو نأخذ مسألة السجناء العراقيين بحوزة قوات الإحتلال، فعلى مدى فترة تقارب السنة من مزاولة هذا المجلس لمهامه، لم يحاولوا حتى تأليف لجنة مهمتها:
• زيارة سجون الإحتلال المنتشرة في كافة انحاء العراق.
• التعرف على العناية التي يتلقاها هؤلاء المسجونين.
• احصاء اعدادهم و معرفة التهم الموجهة اليهم.
• اخبار اهلهم وذويهم والتأكد من اتصال المؤسسات القضائية العالمية بهم.

هذه وغيرها من الإجرآت المماثلة هي ليست سوى الحد الأدنى من التصرف الحضاري للمسؤولين. لم يحصل اي شيء من ذلك. وقد اتضحت بعد ذلك الممارسات المهينة والمنحرفة خلقياً ضد عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين. لم تكشفها الصحافة الحرة (عراقية او اجنبية) ولا الأحزاب الوطنية ولا مجلس الحكم الوطني. بل كشفها واحد ممن زاول بعضاً من تلك الأعمال المشينة ونشرها بصور فوتوغرافية. فكم من التعذيب ولإباحة اللاخلقية جرت دون ان تكشفها الصور الفوتوغرافية؟؟ .

وكم من ابناء شعبنا قتلوا او مثل بهم نتيجة لعنجهية رعاة البقر المدججين بآخر ما وصل اليه العقل البشري من آلات القتل دون وجود مرجع يشتكى اليه لكبح جماحهم والحد من غطرستهم التي هي عنصرية وشوفينية بالدرجة الأولى؟؟. لنرجع مرة اخرى الى سامراء قبل عام واحد.

لقد شاهدنا كلنا مثالأ يمكن اعتباره نموذجاً لتصرف قوات الإحتلال. فقد نقلت وسائل الأخبار الغربية الحادث الذي وقع يوم الأحد 30 تشرين الثاني 2003: ".. تعرضت القوات الأميريكية الى هجوم من فدائيي صدام. وقد تمكنت القوات الأميريكية من قتل 46 عراقياً. ..." ولم يتمالك مذيعوا هذا الخبر من اظهار فرحهم بهذا العدد الكبير من الخسائر التي تكبدها الإرهابيون العراقيون، خاصة عندما قفز هذا الرقم ليصل الى 54 "ارهابياً". بعد ذلك اصبح الخبر اكثر وضوحاً (دون ان يؤثر على مستوى الإبتهاج في لندن وواشنطون)، عندما ذهب بعض الإعلاميين واظهروا آثاراً لما حدث، دون ان يجهروا صراحة بما رأوا. اذ تشاهد وبصورة لا تترك اي مجال للشك جدران البناية العالية (اعتقد انها المستشفى) والجامع والبيوت القريبة، اضافة الى السيارات والباصات (التي كانت واقفة اومتحركة)، وهي جميعاً مطرزة بثقوب الرشاشات والمدفعية والأسلحة المحمولة جواً. لا يمكن لأي جهة ان تعمل هذا العمل الا وان تكون قد وجهت اسلحتها بحقد شمولي على جميع المنطقة بالطريقة التي يسمونها هنا وبدون خجل "سجادة من الرصاص". وبمعنى آخر؛ انهم حال تعرضهم الى اي هجوم، يوجهون اسلحتهم على كل من يجد نفسه حواليهم. وسواء كانوا اطفالاً، نساءً، رجالاً، ابرياء او غير ابرياء سيكون مصيرهم واحد. حتى الحيوانات التي وجدت نفسها في هذه المنطقة، كان لها نفس المصير. اذ لا يوجد من يحقق في الأمر ولا يوجد من يعتب او يبدي امتعاضه من ذلك. اذ اصبح دمنا لا يساوي شيء بالنسبة لهؤلاء المجرمين. فلسنا سوى بترولاً تحت ارض. وفي الوقت الذي نجد القتيل الأميريكي او البريطاني في هذه النزاع له اب وام وزوجة واطفال واصدقاء ومحيط يعتز به ويحزن عليه، نجد ان القتيل العراقي، شأنه شأن شبيهه في فلسطين وفيتنام وغيرهما من بلدان العالم البائسة، لا اسم لة ولا عائلة ولا اطفال ولا .... . اي انه خرج من ثقب في الحائط. انه مجرد رقم لا يضيف ولا ينقص من استمرارية المعادلة الرأسمالية البشعة. هل يوجد ما يوحدنا او يجعل مصيرنا مشتركاً مع الأميريكان واعوانهم؟. لا اعتقد. بل اكثر من ذلك. ان من يعتقد ذلك، ما هو الا مصاب بالسذاجة وحسن النية، اذا اردت ان اكون مؤدباً. وانا هنا لا اتهم الدكتور العزيز ولا اضع عليه اية لائمة في هذا الأمر. كما انه ليس انعكاساً سلبياً على برنامج العمل الذي اقترحه بامانة ومصداقية كاملتين. وكل الذي ارتأيه هو جلب الإنتباه الى صعوبة كسب ثقة الجماهير من قبل المسؤولين الغافلين عن معاناتها وكيف ستبقى هذه المسألة عنصرأً يرهق كل الجهود الأمينة التي تبذل لأنهاء هذه المأساة.

ان غياب المرجع العادل والمقتدر والذي يمكن الإعتماد عليه في استرجاع الحق المسلوب واعادته الى أهله، هو السبب الرئيسي لإلتجاء الأفراد والجماعات الى اخذ حقهم بايديهم والثأر لضحاياهم بانفسهم. هكذا يتألف الحرس الخاص للأثرياء والشيوخ وجيش المهدي وحرس الشيخين الكردستانيين ومصدر قوتهما. هكذا ينتشر الإرهاب وشريعة الغاب التي اصبحت تؤلف المحيط الذي يلف شعبنا. انه المحيط الملائم لنشاط الإرهاب المحلي والمستورد. وليس مفيداً ان نعطي الحِكَم والوعض للناس كي لا ينحدروا في هذا المنحدر. فلكل واحد منا مهما بلغ من التسامح والرزانة وسعة الأفق، حداً يمثل تجاوزه نقطة الإنتقال من السياسة الى اخذ الحق بالعنف. وهتالك امثلة كثيرة في تاريخ الأفراد والأحزاب، بل حتى الدول في حمل السلاح والإنحدار في هذا المنزلق. فالحكمة اذن؛ هي ان لا نترك سبباً يؤدي الى ضرورة اخذ الحق باليد. ومن هنا تظهر اهمية الدولة العادلة المقتدرة الكفوءة (التي لا وجود لها) في بلدنا. .

ولو ركزنا فقط على حصيلة النتائج الكارثية لحرب المحتلين الحاليين على نظام صدام الذي ولد وترعرع بحضانتهم، والتي تحملها الشعب العراقي، سنجد شعبنا يرى حاضره وماضيه القريب يتألف من:
مئات الألوف من القتلي، تخريب يكاد يكون كاملاً للبنى التحتية للاقتصاد والمجتمع العراقي، تلوث مناطق كثيرة نتيجة لإستعمال القذائف المشبعة باليورانيوم من قبل ابطال التحرير، والموت غير الطبيعي لـ 2،5 مليون من العراقيين (حسب بعض التقديرات) نتيجة للبيئة الملوثة وسوء التغذية وانعدام الدواء على مر 13 سنة من الحصار الذي فرض نتيجة لإمتلاك صدام اسلحة غير موجودة، اضافة الى الملايين من الثكالى واليتامى والأرامل. كل هؤلاء يعرفون بأن لا مجال لهم بالمطالبة بحقوقهم. فهل سيعانوا باجمعهم مآسيهم بصمت؟ .

كان من المفروض ان ننتهز فرصة ازالة الكابوس الدموي الصدامي وهو الناتج العرضي لإحتلال بلدنا، كنقطة انطلاق. فبعد زوال غبار المعركة، وانتهاء شهر العسل، يجب ان نجلس مع بعضنا لكي نحصي قتلانا، ونرد الإعتبار لهم بما يتناسب مع المستوى العالي للتضحية التي قدموها. نبدأ بالتفكير عن اساليب جمع شتات اهلنا وشعبنا من المهجّرين والمشردين ومن اليتامى والأرامل والثكالى وتقديس فترة الحزن والآلام التي غرقوا فيها ونعاهد العهد على ان لا نسمح لذلك الليل الطويل بأن يتجدد. نحصي امكانيتنا لكي نتهيأ للسير واللحاق بالركب العالمي ونعوض عن ليل مدلهم دام سنين عديدة. لم يحصل اي اجراء على هذا الطريق. لأن ذلك بالدرجة الأولى يتطلب بروز حكومة عراقية تتمسك بمصلحة وطنها وابناء شعبها تمسكاً مبدئياً ومصيرياً. ويمكن لهذه الحكومة ان تخدم شعبنا وتؤدي مهامها بصورة جيدة حتى ولو كانت بكاملها ذات صفة سنية، شيعية، كردية، مسيحية عشائرية .... دكتاتورية او ديمقراطية. ولكنها لا يمكن ان تؤدي هذه الخدمة اذا عينها المحتلون،مهما تحلت بحسن النوايا والرغبة في خدمة الشعب، لأنها ستكون، شاءت ام ابت، ظلهم المطيع الذي يتماشى مع حركاتهم ويتحاكى مع اهدافهم. وهذا هو الذي حدث بالفعل. بل اكثر من ذلك. حيث حل جهاز الدولة بكامله، جيش و شرطة وموظفون. حتى اصبح ابن الشعب العراقي لا يعرف ماذا يعمل بالنقود التي في جيبه. اي نوع من الغوغاء والفوضى والإرهاب الإجتماعي المنظم الذي املي على شعبنا بأسره من قبل دول لها خبرة واسعة في البيروقراطية والحكم العسكري وإدارة المستعمرات؟. وكيف يمكن اعادة الثقة بالأحزاب والمنظمات السياسية التي ركبت هذا القطار الأمريكي الجديد لغرض الكسب السريع؟.

ولكنني ارى ان بلدنا الآن يهيأ وبرضى من هذه الحكومة لكي يلعب دوراً هو في اشد الحاجة لكي يتجنبه. ذلك هو الدور العدواني الذي يكمن في نوايا الدوائر الماسونية والصهيونية المتنفذة في الغرب في تحويل بلدنا الى بؤرة للتآمر على دول الجوار و التأثير على التفاعل السياسي الجاري في هذه البلدان. لقد بدأت فعلاً بوادر هذه الصفقة فيما يخص سوريا وايران. هل نعتقد بأن هاتين الدولتين وغيرهما سيقفان مكتوفي الأيدي تجاه الأخطار التي تحف بهما. الم نحتفل بالقضاء على مثل هذه اللعبة عندما قبرنا حلف بغداد العدواني.؟ . ان هذا الدور سيجعل من دول الجوار تتخذ الحيطة للدفاع عن نفسها، بدلاً من جسور الصداقة والتقارب الذي يجب ان يسود المنطقة. كما ان هذا التغيير الجذري في توجهنا السياسي سيؤدي بنا حتماً الى فترة من عدم الإستقرار تتسم بـ:
• حالة من التنازع الداخلي بين المنتفعين من هذه السياسة والآخرين من ابناء الشعب المنظمين وغير المنظمين، من الذين يريدون توجيه العراق الى الوضع الذي يرتأوه. وقد يكون هذا التنازع سياسياً، دينياً، عشائرياً او قومياً.
• ساحة للنزاع بين اميريكا واعدائها. ان السياسة الإستعمارية والإستغلال الإقتصادي البشع يفرز باستمرار وبدون شك اعداداً كبيرة من الضحايا التي تحمل ضغائن ذات جذور حقيقية، تؤدي بحامليها لحمل السلاح ضد منفذي واتباع هذه السياسة.
• ويبقى الخطر الأكبر هو الذي ينتظر بلدنا في المستقبل القريب. ذلك هو خطر التمزق والتشتت والحرب الأهلية، اذا ما استمرت هذه السياسة العدوانية، دون معارضة. ان ما يدعوني الى التشاؤم هو ما يمكن لمسه بالنسبة لبذور الفتنة الطائفية، التي اصبحنا نحن المثقفين جزءً منها رغم ادعائنا بأننا أعلى منها. ان ما يجري بالنسبة للإنتخابات دليل على ذلك.

وفي الختام اود ان اطرح هذا السؤال: يلخص بوش سياسته بانه سيحارب الإرهاب في العراق حتى القضاء عليه (اي الإرهاب) نهائياً. هل ان الإرهاب سينتهي يوماً من الأيام؟ انني اشك في ذلك. فالغرب والولايات المتحدة بصورة خاصة تتمتع بمستوى معيشيٍ يفوق ما يمكن توفيره بالجهود والثروة المحليتين. ولا يوجد في البلد ما يكفي من المعادن والجهود لخلق فائض الثروة اللازم لديمومة المستوى الإستهلاكي والمستوى المعيشي الحاليين. ومن هنا تبرز ضرورة السيطرة والتهيمن على موارد الثرة الطبيعية والبشرية الكائنة خارج حدودها. بمعنى آخر سرقة هذه الموارد والإتيان بها الى اميريكا بدون تكاليف (ان امكن). وهل يوجد اقل تكلفة من توظيف الأهلين في تلك البلدان، لإستخراج ثروتهم (الزراعية، الصناعية او امعدنية)، لقاء اجرة يسيرة، وهي بعض من هذه الثروة، وارسالها الى البلد الأم ؟؟. واذا تكونت في هذه البلدان كفآت محلية، في الطب والهندسة والعلوم الأخرى، فلا ريب. هذه هي الأخرى تصبح موارد تستقدم الى البلد الأم بدون الحاجة الى صرف المبالغ الهائلة الضرورية في تعليمها وتدريبها. هذه العملية لا يمكن ان تتم بسلام. فسيعارضها كل من يعي ميكانيكية دوامتها. ومن هنا تظهر الحاجة الى وجود القوة العسكرية الضاربة، التي لا حاجة لوجودها، لولا الإستيلاء والسيطرة و النهب التي هي اساس الثراء الغربي من اوله الى آخره.
ويستعمل لديمومة هذه السيطرة كل الطرق المتيسرة للدول المتمكنة مادياً وعسكرياً ابتداءً من افساد النظم السياسية بشراء الذمم ورشوة الحكام الى قلب الأنظمة الحكومية واستبدالها بأخرى موالية. هذا النوع من النشاط يولد تخمة في الغرب على حساب الشعوب الأخرى وفقرها المدقع. هذه الدوامة التي لا يمكن الخروج منها هي السبب الرئيسي لعدم الإستقرار في العالم وبيئة جيدة لإنتاج وترعرع الأرهاب. وعليه فتشاؤمي يجعلني اعتقد ان دوامة الإرهاب في العراق هي دوامة مستمرة طالما تتواجد اميريكا واتباعها تواجداً يملي ارادته على نهجنا. بل اكثر من ذلك فقد يتحول بلدنا الى ساحة للإرهاب العالمي. وسوف يستمر ذلك الى ان يخرج آخر جندي اجنبي من بلدنا وتتألف حكومة وطنية لا تدين بالولاء لأي نفوذ اجنبي تتخذ الإجرآت اللازمة لفك القبقاب الحديدي الذي اُمرنا بلبسه. هل سيحدث هذا؟. وبقدر ما هو مرغوب فيه ويمكن اعتباره ضرورياً لا يمكن التأويل على حكومة معزولة شعبياً واجتماعياً لكي تستطيع "العمل من أجل عزل القوى الدينية المتشددة والمتطرفة عن الغالبية العظمى من الشعب, سواء أكانت من جماعة السنة أم من جماعة الشيعة" ، رغم ان هذه القوى "تتسبب في إشاعة الفوضى وروح الانتقام." كما ورد في الفقرة 15 (16 حسب التسلسل). اذ ان هذه القوى تنتعش وتضخم في مواجهتها للمحتلين وظلهم العراقي. بل ان الإحتمال اكبر في نجاح سياسة تعتمد على تجنب مواجهة هذه القوى من قبل قوى الإحتلال. وعلى اي حال يجب ان لا نكون نحن الداعون الى سياسة كهذه تضعنا كهامش لقوى الإحتلال. اضف الى ذلك فإن المواجهة بين قوى الإحتلال واي قوة محلية ستكون هي الذريعة المنشودة التي تؤدي بالضرورة الى ديمومة الإحتلال.



#أبراهيم_حميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية.. تداول فيديو -إعصار قمعي- يضرب مدينة أبها ومسؤول ي ...
- أبرز تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول غزة وهجمات إيران وال ...
- مصرع 42 شخصا بانهيار سد في كينيا (فيديو)
- رئيس الوزراء الإسباني يقرر البقاء في منصبه -رغم التشهير بزوج ...
- -القاهرة الإخبارية-: مباحثات موسعة لـ-حماس- مع وفد أمني مصري ...
- مستشار سابق في البنتاغون: بوتين يحظى بنفوذ أكبر بكثير في الش ...
- الآلاف يحتجون في جورجيا ضد -القانون الروسي- المثير للجدل
- كاميرون يستأجر طائرة بأكثر من 50 مليون دولار للقيام بجولة في ...
- الشجرة التي لم يستطع الإنسان -تدجينها-!
- ساندرز يعبر عن دعمه للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ويدين جميع أش ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أبراهيم حميد - الإرهاب في العراق