أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - روبيرت كاغان - القـــــوة الأميركيــــــة والضعـــــف الأوروبــــي















المزيد.....

القـــــوة الأميركيــــــة والضعـــــف الأوروبــــي


روبيرت كاغان

الحوار المتمدن-العدد: 219 - 2002 / 8 / 14 - 00:46
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


"النهار"

الثلثاء 13 آب 2002
 
المقـــــال الذي  أثــــــار نقـــــاشـاً غربيــــــاً واســـــعـاً

ب ان نكف عن التظاهر بأن للأميركيين والاوروبيين رؤية مشتركة عن العالم، لا بل عن الادعاء بأنهم يعيشون على الكوكب نفسه. ففي ما يتعلق بمسألة السلطة، وهي مسألة جوهرية (ما مدى فاعليتها؟ هل هي اخلاقية؟ هل يجب ان نطمح اليها؟)، تختلف وجهات النظر وتتعدد. فأوروبا الآن في صدد الحياد عن السلطة، او انها تتجه على الاصح نحو مكان يتجاوز منطق السلطة، نحو عالم مختلف جدا عن العالم الآخر، عالم يسود فيه القانون والتنظيم والتفاوض والتعاون بين الدول: اي انها توشك في اختصار ان تصل الى الفردوس ما بعد التاريخي حيث كل شيء في سكينة وازدهار، والى المثال الاعلى الكانتي القائم على "السلام الدائم".

اما الولايات المتحدة فما زالت على العكس من ذلك غارقة في وحول التاريخ، منكبة على نشر سلطتها في العالم الفوضوي الذي وصفه هوبس، وهو عالم لا يمكن الوثوق فيه بالقوانين والانظمة الدولية اذ يعتمد فيه الامن الحقيقي، كما الدفاع عن النظام الليبرالي وتعزيزه، على حيازة القوة العسكرية واستخدامها.

وذلك مايفسّر واقع ان الاميركيين يبدون وكأنهم من المريخ والاوروبيين من الزهرة في ما يتعلق بالقضايا الكبرى الاستراتيجية والدولية: اذ انهم لا يتفقون الا نادرا او يعجزون عن التفاهم في ما بينهم.

بصفتي اميركياً يعيش في اوروبا، من الاسهل عليّ رصد هذا التناقض. فالاوروبيون باتوا يعون اكثر من السابق تفاقم حدة الاختلافات مع الاميركيين، ويعود السبب في ذلك من دون شك الى كونهم يتخوفون من عواقب هذه الاختلافات اكثر فأكثر مع مرور الوقت (...) ويرى الاوروبيون ان الولايات المتحدة اكثر استعدادا للتسرع في اللجوء الى القوة واقل صبرا من اوروبا في ما يتعلق باللجوء الى الديبلوماسية. اما الاميركيون فيعتقدون ان العالم منقسم الى  صالحين واشرار، الى اصدقاء واعداء، في حين ان اوروبا تعتبر الوضع اكثر تعقيدا وتشابكا. وفي مواجهة اخصام حقيقيين او محتملين، قد يفضل الاميركيون الاكراه على الاقناع والعصا على الاغراء، كما انهم في الشؤون الدولية يفكرون انطلاقا من مبدأ النتائج النهائية: اي يجب ايجاد حلول للمشكلات وازالة الاخطار. كذلك فان الاميركيين يزدادون ميلا الى العمل في شكل احادي الجانب ولا يظهرون حماسة بازاء المبادرات التي تُتخذ تحت راية مؤسسات دولية على غرار الامم المتحدة مثلا، او بازاء التعاون مع دول اخرى بغية تحقيق اهداف مشتركة. وهم يشكّون في حسنات القانون الدولي ويؤثرون العمل خارج نطاقه حين يرون ذلك ضروريا، او حتى مفيدا لمصالحهم فحسب.

اما في ما يتعلق بالاوروبيين، فان سلوكهم في مواجهة المشكلات اكثر براعة وتنوعا بحسب رأيهم: اذ انهم يسعون الى التأثير في الآخر في شكل حاذق وغير مباشر. وهم يتقبلون الفشل بسهولة اكثر ويظهرون قدرا اكبر من الصبر حين يتأخر الحل في التجسد. يفضل الاوروبيون في الدرجة الاولى الحلول السلمية، ويؤثرون التفاوض على الاكراه. كما انهم يلجأون الى القانون الدولي والاتفاقات الدولية والرأي العام الدولي بغية البت في النزاعات. ويسعون الى استخدام الصلات التجارية والاقتصادية لربط الدول في ما بينها (...)

ورغم الاعتقاد السائد لدى عدد كبير من الاوروبيين وبعض الاميركيين، فان هذه الاختلافات على مستوى الثقافة الاستراتيجية ليست نتيجة طبيعية للمناخ القومي عند جهتي المحيط. اذ ان الموقف السلمي الذي يعتمده الاوروبيون اليوم جديد من وجهة النظر التاريخية. وهو يشكل تناقضا جذريا مع الثقافة الاستراتيجية التي سادت في اوروبا طوال اربعة قرون، وذلك حتى الحرب العالمية الاولى على الاقل، وان الحكومات (والشعوب) الاوروبية التي دخلت بحماسة في هذا الصراع الذي اشعل قارة بأكملها، كانت جميعها تؤيد سياسة الهيمنة. وفي حين ان جذور الرؤية الاوروبية الراهنة للسياسة الدولية (على غرار جذور الاتحاد الاوروبي نفسه) تعود الى عصر الانوار، فان سياسة القوى الكبرى في اوروبا طوال 300 عام لم تلتزم على الاطلاق المبادئ الرؤيوية للفلاسفة والفيزيوقراطيين.

كذلك في حال الولايات المتحدة، فان اصرارها الراهن على دور القوة في العلاقات الدولية وميلها الحاد الى الخطوات الاحادية الجانب ونفورها من توقيع الاتفاقات الدولية ليست ثمرة تقليد قديم العهد.

فالاميركيون هم بدورهم ابناء فكر عصر الانوار، وقد اظهروا ولاء كبيرا لمبادئه في اوائل زمن استقلالهم. وكان القادة الاميركيون في القرن الثامن عشر والتاسع عشر يتحدثون بلغة تشبه الى حد بعيد اللغة التي يعتمدها الاوروبيون اليوم (...)

وبعد مضي قرنين، تبادل الاميركيون والاوروبيون مواقفهم ووجهات نظرهم. ويمكن تفسير ذلك جزئيا بالتغييرات الهائلة التي طرأت على جغرافيا السلطة خلال القرن العشرين: ففي السابق، اي حين لم تكن الولايات المتحدة قوة عظمى، كانت تدعو الى البحث عن تسويات، وتلك استراتيجيا الضعفاء. اما اليوم وقد اصبحت قوية للغاية، فهي تعتمد سلوكا يشبه سلوك كل القوى العظمى. اذ حين كانت القوى العظمى الاوروبية مهيمنة على الساحة، كانت من ممجدي القوة والمتفاخرين بالاسلحة اما الآن فقد باتت اوروبا ترى العالم بعيني الضعيف (...) وعند انطلاق مشروع تشكيل كيان سياسي واقتصادي اوروبي واحد (مع معاهدة ماستريخت عام 1992)، كان يأمل عدد كبير من الاوروبيين في ان تعيد هذه الخطوة لأوروبا عظمتها الماضية، وان في شكل سياسي من نوع جديد، اذ كان من المفترض ان تصبح اوروبا القوة العظمى الثابتة لا اقتصاديا وسياسيا فحسب، بل عسكريا كذلك، فتعمل على معالجة الازمات التي تطرأ على القارة، على غرار الصراعات العرقية في البلقان، وتستعيد دورها الريادي على المسرح الدولي. وخلال التسعينات، كان يمكن الاوروبيين ان يؤكدوا بثقة ان نفوذ اوروبا الموحدة من شأنه ان يحيي حال "تعددية القطب" التي دمرتها نهاية الحرب الباردة. وكان معظم الاميركيين، وإن بدرجات متفاوتة، مستعدين لتقبل فكرة نشوء قوة  عظمى اوروبية. وكان صاموئيل هنتنغتون من جامعة هارفارد يتنبأ بأن يشكل تأسيس الاتحاد الاوروبي العنصر الاكثر اهمية في رد الفعل العالمي على الهيمنة الاميركية وبأنه سيجعل من القرن الحادي والعشرين مرحلة "متعددة القطب" حقا.

لكن تبين في ما بعد ان هذه الطموحات الاوروبية، ومثلها المخاوف الاميركية لا اساس لها من الصحة. اذ لم تشهد التسعينات ارتقاء اوروبا الى موقع القوة العظمى، بل انكشاف نقاط ضعفها النسبية. ففي بداية العقد اظهر نزاع البوسنة والهرسك عجز اوروبا السياسي وقصورها السياسي. وعند نهاية العقد، القى صراع كوسوفو الضوء على الدونية الاوروبية من حيث التقنيات العسكرية والقدرة على خوض حرب حديثة (...) وكان دور اوروبا في افضل الاحوال محصورا بتأمين عدد كاف من الجنود للحفاظ على الامن بعد ان تكون الولايات المتحدة بواسطة قواتها الخاصة فحسب، قد نفّذت المراحل العسكرية الحاسمة من العملية وعملت على احلال الاستقرار في الاوضاع. وعلى غرار ما درج البعض على قوله في اوروبا، كان ثمة تقسيم للمهام بين الولايات المتحدة "التي كانت تتكفل طهو العشاء"، والاوروبيين "الذين كانوا يتولون غسل الصحون". وما كان يجدر بهذا القصور ان يشكل مفاجأة، بما ان هذا النقص في السلطة هو ما اجبر اوروبا اصلا على فقدان جزء مهم من نفوذها الدولي منذ نهاية الحرب. والاميركيون والاوروبيون الذين كانوا يتوقعون لأوروبا ان توسع دورها الاستراتيجي ليتجاوز اطار حدودها، كانوا يضعون نصب عينيها هدفا غير منطقي. فخلال الحرب الباردة، كان دور اوروبا الاستراتيجي يقتصر على تكفلها الدفاع عن نفسها، وكان من غير الواقعي الاعتقاد بأنها ستعود الى احتلال موقع قوة عظمى، الا اذا كانت الشعوب الاوروبية مستعدة للتنازل عن جزء كبير من خدمات برامج المساعدة الاجتماعية لصالح البرامج العسكرية. لكن من الواضح ان ذلك. امر مرفوض تماماً. اذ لم يكن الاوروبيون غير مستعدين لدفع الاموال بغية استرجاع قدرتهم على التدخل عسكرياً خارج اوروبا فحسب، بل باتوا يمتنعون بعد نهاية الحرب الباردة، عن تمويل قوة عسكرية قادرة على تنفيذ عمليات داخل القارة الاوروبية من دون مساعدة الاميركيين (...). واصبح معدّل موازنات الدفاع للدول الاوروبية أقل من نسبة اثنين في  المئة من الناتج المحلي الاجمالي (...). لكن عند الجهة الاخرى من الاطلسي، كان لنهاية الحرب الباردة عواقب مختلفة للغاية، وإن كان الاميركيون ينوون بدورهم حصد بعض المكاسب من السلام. وإن القوة العسكرية الاميركية الراهنة، وخصوصاً قدرتها على التدخّل في اي نقطة من انحاء العالم، لا مثيل لها في التاريخ (...).

وقد كان لأحادية القطب المفاجئة هذه عاقبة متوقعة تماماً: اذ اظهرت الولايات المتحدة ميلاً متزايداً الى استخدام قوتها العسكرية في الخارج. وبما أنه لم يعد ثمة اتحاد سوفياتي يبحث على استخدام المكابح، باتت اميركا حرّة في التدخل أينما تريد وحينما ترغب (...). واذ ساهمت نهاية الحرب الباردة في توسيع الهوّة، فإنها زادت كذلك من حدة الخلافات. وعلى العكس من الاعتقاد السائد بأن التوتر بين اوروبا واميركا بدأ مع استلام جورج دبليو بوش زمام السلطة في كانون الثاني ،2001 فإن هذا التوتر كان جلياً منذ عهد كلينتون لا بل يعود الى مرحلة رئاسة جورج بوش الأب.

الخلاف الطبيعي بين الاقوياء والضعفاء، وهو خلاف ثابت في التاريخ، ليطفو اليوم على سطح الخصام حول مسألة أحادية الجانب بين ضفتي الاطلسي. فالاوروبيون مقتنعون بأن عداءهم بإزاء النزعة الاحادية الجانب الاميركية هو دليل قاطع على تفوق مفهومهم المثالي عن النظام العالمي الواجب خلقه، وهم ليسوا مستعدين على الاطلاق للاعتراف بأن رفضهم هذا لأحادية الجانب نابع كذلك من مصالحهم الخاصة. فما يخشاه الاوروبيون في احادية الجانب الاميركية هو أن تؤدي هذه الى ترسيخ نموذج للعالم بحسب هوبس، وهو عالم يواجهون فيه خطر اضمحلال نفوذهم يوماً بعد يوم.

قد تكون الهيمنة الاميركية خيّرة، لكن طالما تحول مقوماتها دون خلق نظام عالمي يضمن مزيداً من الأمن للبلدان الضعيفة، فهي هيمنة خطيرة موضوعياً. وذلك هو أحد اسباب تركيز سياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خلال الاعوام الاخيرة على هدف رئيسي من أهدافها، الا وهو، بحسب كلام مراقب اوروبي، إضفاء صفة تعددية الجانب على اميركا. ولا يعني ذلك أن الاوروبيين في صدد تشكيل ائتلاف ضد الهيمنة الاميركية (مثلما يؤكد هنتنغتون وعدد كبير من منظّري السياسة الواقعية) عبر تكوين قوة عسكرية تعادل قوة اميركا، فهم لا يفعلون شيئاً من هذا  على الاطلاق. بل ان خطتهم، على غرار هدفهم، هي خطة الضعفاء: اذ يأملون احتواء سلطة اميركا من دون الاضطرار الى استخدام وسائل تعادل وسائلها قوة. وهم يسعون، بحسب خطة قد تكون الانجاز الاعظم للهجوم غير المباشر، الى السيطرة على الوحش من خلال ايقاظ ضميره.

حتى الآن، نمّت خطة الاوروبيين هذه عن ذكاء ونفاذ بصيرة. وذلك لأن الولايات المتحدة هي فعلاً وحش يملك ضميراً، وهي لا تشبه في ذلك فرنسا لويس الرابع عشر او انكلترا جورج الثالث. فحتى في ما بينهم، لا يبرّر الاميركيون افعالهم بحجة الدولة. كما أنهم لم يقبلوا قط مبادئ النظام الاوروبي السابق ولم يتبنّوا يوماً افكار ماكيافيللي. إن الولايات المتحدة مجتمع ليبرالي وتقدمي بكل ما في هاتين الكلمتين من معنى، واذا كانوا يؤمنون بالقوة، فانطلاقاً من مبدأ أنها وسيلة لترسيخ قواعد حضارة قائمة على الحرية ونظام عالمي ليبرالي. كذلك يشارك الاميركيون الاوروبيين طموحاتهم في إنشاء نظام عالمي أقل فوضوية، قائم لا على لعبة القوى بل على سيادة قانون دولي، وهو القانون الدولي نفسه الذي كانوا يطمحون اليه حين كانت اوروبا ما زالت تتبع قوانين سياسة القوّة.

غالباً ما يزعم الاوروبيون ان الاميركيين  غير منطقيين في سعيهم الى أمن "كامل"، وهو الأمن الذي منحه إياهم طوال قرون حاجز المحيطين الواقي. ويؤكد الاوروبيون انهم يعرفون من جهتهم التعايش مع الخطر ومحاذاة الشرّ، لأن تاريخهم لطالما فرض عليهم ذلك. ومن هذا المنطلق فإنهم يظهرون درجة اكبر من التساهل في مواجهة الاخطار التي يمثلها عراق صدام حسين او ايران آيات الله. ويرى الاوروبيون ان الاميركيين يبالغون في حجم التهديد الذي تمثّله تلك الانظمة. لكن هذه الحجة برهنت عدم صوابها حتى قبل احداث 11 ايلول. فخلال العقود الاولى من وجودها، عرفت الولايات المتحدة حالاً من انعدام الامان، اذ كانت محاطة بالقوى الاوروبية المعادية وواقعة تحت وطأة تهديد تفكّك وحدتها نتيجة التصادم بين قوى داخلية مدعومة من الخارج: وقد كانت حال انعدام الامان هذه التي تعانيها الأمة، جوهر الخطاب الوداعي الذي ألقاه جورج واشنطن. اما في ما يتعلق بالتسامح الاوروبي المزعوم بإزاء الشر والخطر. فيجب عدم المبالغة في تقديره. اذ لطالما آثرت اوروبا الكاثوليكية واوروبا البروتستانتية القتال على الاحتمال المتبادل، ولم يظهر القرنان الاخيران درجة تسامح كبيرة بين الفرنسيين والالمان (...). لذلك فمن المناسب مرّة اخرى ان نفسّر تسامح اوروبا الاكبر بإزاء التهديدات الخارجية على انه نتيجة لضعفها النسبي. وهذا التسامح ينمّ عن سياسة واقعية جداً، لأن اوروبا اقل عرضة للاخطار من اميركا بسبب ضعفها (...) وان رد الفعل النفسي هذا الطبيعي للغاية هو ما يربك الآن الولايات المتحدة واوروبا على حد سواء. اذ استنتجت الاخيرة، بكثير من المنطق، أنها قادرة على احتمال الخطر الذي يمثله صدام حسين اكثر مما هي قادرة على المجازفة بالاطاحة بنظامه عبر اللجوء الى القوة. اما في حال اميركا، وهي الاقوى، فإن استعدادها لاحتمال خطر صدام حسين وترسانته بات ضئيلاً للغاية، وهو أمر منطقي كذلك، خصوصاً بعد 11 ايلول(...). ويمكن الاميركيين تنفيذ عملية اجتياح ناجحة للعراق من شأنها ان تطيح بصدام حسين، ما يفسّر تأييد نسبة 70 في المئة من الشعب لخطة مماثلة. ومن غير المفاجئ ان يرى الاوروبيون من جهتهم ان مشروعاً مماثلاً مخيف ويتعذّر تصوّره في آن واحد.

ان العجز عن مواجهة التهديدات لا يحيل الى التسامح فحسب، بل الى الإنكار كذلك في بعض الاحيان: اذ من الطبيعي ان يسعى المرء الى ان يطرد من ذهنه ما لا يستطيع حياله شيئاً. وبحسب مراقب جيّد للرأي العام الاوروبي، غالباً ما يتجابه الطرفان على ضفتي الاطلسي حول فكرة الخطر نفسها: اذ يقول ستيفن ايفرتز إن واشنطن تتحدث عن "الاخطار" الخارجية على غرار انتشار الاسلحة النووية والارهاب و"الدول المارقة"، في حين يتحدث القادة الاوروبيون خصوصاً عن "المشكلات"، على غرار الصراعات العرقية وحركات الهجرة والجريمة المنظمة والفقر وتداعي الوضع البيئي.

وايفرتز محقّ في إشارته الى أن الفرق الجوهري لا يكمن في مجال الثقافة والفلسفة بل في القدرة على اتخاذ خطوات(...). الا ان هذه الاختلافات في ادراك الخطر ليست ناتجة من المستوى السيكولوجي فحسب. بل هي ايضاً  مرتبطة بواقع عملي ناجم بدوره عن عدم تكافؤ القوى: اذ مما لا شك فيه موضوعياً أن العراق وغيره من "البلدان المارقة" لا يمثلون النسبة نفسها من الخطر بالنسبة الى كل من اوروبا واميركا. اذ يجب ان نأخذ في الاعتبار في الدرجة الاولى واقعاً ان الاميركيين يضمنون أمن اوروبا منذ ستين عاماً وحتى الآن. وأنهم قد أخذوا على عاتقهم مهمة حفظ النظام في المناطق النائية من العالم، بدءاً من كوريا وصولاً الى الخليج الايراني، وهي مناطق انسحبت منها الى حد  كبير القوى الاوروبية. وغالباً ما يعتقد الاوروبيون، أكانوا يعترفون بذلك في شكل واضح أم لا، أن الولايات المتحدة قادرة على التدخل سريعاً اذا ما اصبح العراق يشكّل فجأة خطراً حقيقياً، لا كامناً فحسب، مثلما فعلت عام 1991(...). وحين ننظر الى الامور من وجهة نظر عملية، اي حين يتعلق الامر بوضع استراتيجيا حقيقية، نكتشف ان لا العراق ولا كوريا الشمالية ولا اي "دولة مارقة" اخرى، تشكّل مشكلة لاوروبا بالدرجة الاولى. فمهمة كبح صدام حسين تؤول في شكل رئيس الى الولايات المتحدة، لا الى اوروبا. والعالم أجمع يوافق على هذه النقطة، بما فيه صدام حسين نفسه.

عن "الموند" ترجمة جمانة حداد
 



#روبيرت_كاغان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصدر لـCNN: مدير CIA يعتزم زيارة إسرائيل مع استمرار مفاوضات ...
- بيروت.. الطلاب ينددون بالحرب على غزة
- أبو ظبي تحتضمن قمة AIM للاستثمار
- رويترز: مدير المخابرات الأميركية سيتوجه لإسرائيل للقاء نتاني ...
- البيت الأبيض: معبر كرم أبو سالم سيفتح يوم الأربعاء
- البيت الأبيض يعلن أنه أوعز لدبلوماسييه في موسكو بعدم حضور حف ...
- شاهد.. شي جين بينغ برفقة ماكرون يستمتع بالرقصات الفولكلورية ...
- بوتين رئيسا لولاية جديدة.. محاذير للغرب نحو عالم جديد
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لاقتحام دباباته لمعبر رفح
- بالفيديو.. الجيش الكويتي يتخلص من قنبلة تزن 454 كلغ تعود لحق ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - روبيرت كاغان - القـــــوة الأميركيــــــة والضعـــــف الأوروبــــي